أكد أساتذة وباحثون في التاريخ، أمس، أن 19 مارس 1962، منعرج تاريخي ونهاية مشرفة للثورة الجزائرية، وأبرزوا في السياق ذاته، النجاح الذي حققته دبلوماسية الثورة والتي استطاعت أن تسجل نقاطا كثيرة خلال المفاوضات على الجانب الفرنسي، كما أشاروا إلى أنه مثلما انتصرنا على فرنسا إبان ثورة نوفمبر الخالدة ، ننتصر عليها اليوم من خلال تحقيق أهداف الدولة الجزائرية، ونوهوا في هذا الإطار بالأشواط المهمة التي قطعتها الجزائر في مختلف المجالات، إلى جانب الندية في التعامل مع فرنسا.
وأوضح أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر 2 البروفيسور سلاطنية عبد المالك في تصريح للنصر ، أمس، أن ذكرى 19 مارس 1962، تعتبر محطة من المحطات الهامة في تاريخ الجزائر، حيث نقف اليوم في منعرج تاريخي لنتذكر التطورات و المراحل الذهبية في تاريخنا، منذ المقاومات الشعبية، التي انطلقت بشكل حتمي وتلقائي لدفاع الجزائريين عن بلادهم.
وأضاف أن الجزائر قدمت خلال هذا المسيرة الطويلة ملايين الشهداء وبعد سلسلة المقاومات، كانت المقاومة السياسية التي لعبت دورا كبيرا في تهيئة الشعب الجزائري و إعداد المجتمع الجزائري لاندلاع الثورة الجزائرية بعد مجازر 8 ماي 1945 والتي كانت المحطة الرئيسية للتحول إلى العمل العسكري.
وذكر أن اندلاع الثورة الجزائرية في الفاتح نوفمبر ، كان بمثابة نتاج عظيم لتطورات كبيرة في التاريخ والتي استطاع من خلالها الجزائريون تركيع فرنسا والحلف الأطلسي بمقاومة شرسة، واستطاعت أن تعيد للجزائر سلطتها وعزتها وكرامتها وسيادتها التي ضاعت سنة 1830.
من جانب آخر أشار، المتدخل إلى مرحلة المفاوضات والتي لا تختلف عن المقاومة العسكرية في الميدان ، حيث حاولت فرنسا من خلالها اللعب على كل الأوراق والأوتار بما فيها فصل الصحراء وغيرها لكن القيادة الجزائرية الحكيمة في ذلك الوقت، كانت على إصرار تام باسترجاع كل شبر من أرض الجزائر الطاهرة.
واعتبر أستاذ التاريخ، أنه في ظل المتغيرات الدولية والصراع الدولي، فإن مشروع الذاكرة يعتبر أهم مشروع للحفاظ على الهوية الجزائرية والحفاظ على هذا الإرث التاريخي الذي تركه لنا الشهداء ، مذكرا أن فرنسا عملت منذ دخولها إلى الجزائر في 1830على العديد من المحاور ، محور استنزاف الاقتصاد الجزائري وسرقة خيرات الأمة الجزائرية وتجهيل الشعب الجزائري وتفقيره ومحور طمس الهوية الجزائرية ورغم ذلك لم تنجح في غالبية المحاور التي عملت عليها.
وأضاف أنه في مقابل ما تقوم به فرنسا من تحرشات ومحاولات بائسة ويائسة للوقوف في وجه مسار التطور الحضاري للجزائر، نلاحظ جميعا أن الجزائر منذ 5 سنوات، بدأت تسير نحو الانطلاق الحقيقي باسترجاع مكانتها الدبلوماسية على الصعيد العربي والدولي، لافتا إلى أن ما تقوم به الجزائر الآن في الأمم المتحدة يعتبر خير دليل على استرجاعها لمكانتها السياسية والدولية.
وأضاف أن القيادة السياسية في الجزائر، تعمل جاهدة من أجل تحقيق وثبة اقتصادية كبيرة عن طريق إعادة بعث الصناعة الجزائرية التي توقفت منذ مدة لأسباب عديدة وإعادة الدفع بتحقيق الأمن الغذائي عن طريق توسيع الزراعة وغيرها و اعتبر من جهة أخرى أن فرنسا تحاول تعطيل المشروع الجزائري والذي هو مشروع الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل هذا الوطن وتسعى أيضا للوقوف في وجه التمدد الاقتصادي والسياسي والثقافي الجزائري على الصعيد الدولي .
وأكد أن الجزائر تمتلك كل المقومات التي تجعلها قادرة على بناء الدولة الجزائرية القوية، مضيفا أننا اليوم نعيش في هذه الجزائر الآمنة والمستقرة اجتماعيا وامنيا واقتصاديا بفضل تضحيات هؤلاء الأبطال وبفضل أحفاد جيل نوفمبر الذين يحرسون الوطن في كل مكان ألا وهم أفراد الجيش الوطني الشعبي.
الجـزائر استطاعت أن تقطع أشواطا مهمة جدا اليوم
كما أوضح رئيس تحرير مجلة هيرودوت للعلوم الإنسانية والاجتماعية البروفيسور سلاطنية عبد المالك، أن الجزائر موجودة في مختلف الساحات الدولية وخاصة في الساحة الإفريقية ، حيث أعادت الانتشار الافريقي والعالمي .
وأضاف أننا نسير في الطريق الصحيح نحو استعادة مكانتنا الدبلوماسية والسياسية على المستويات كلها ، في ظل هذه العواصف والأمواج الهوجاء التي تحاول إيقاف المد الجزائري و الذي هو مد متنامي كبير في مختلف المحافل الدولية
وقال إننا كنا مستهدفين عبر التاريخ ونحن اليوم أيضا مستهدفون ويجب أن يدرك الجميع أن هذا الاستهداف لن يتوقف وفي المقابل كأمة جزائرية مقاومة ولها تاريخ وحضارة وإمكانات اقتصادية، علينا أن نكون في مستوى التحديات بالحفاظ على وطننا والإعداد لما هو آت .
ننتصر على فــرنسا اليوم بتحقيقنا لأهدافنا
وذكر المؤرخ، أنه لا يمكن أن ننسى الجرائم الفرنسية التي ارتكبت في الجزائر، حيث تعرضنا إلى إبادة كاملة من قبل فرنسا ، وأضاف أنه مثلما انتصرنا على فرنسا إبان ثورة نوفمبر الخالدة واسترجعنا سيادتنا بالدم والرصاص و البندقية والتضحيات ، دون شك اليوم نحن ننتصر على فرنسا بتحقيقنا لأهدافنا .
وأضاف أننا ننتصر على فرنسا عندما يكون غذاؤنا جزائريا وامكانياتنا جزائرية وعندما نحافظ على وطننا ومؤسساتنا وعندما نبني اقتصادا قويا وعندما يكون مجتمعا ملتحما و ننتصر على فرنسا ببناء الجزائر القوية التي تبنى اليوم في الاقتصاد والسياسة وفي قوتها العسكرية والاجتماعية والسياسية و ننتصر على فرنسا بتحقيق أهداف الدولة الجزائرية التي أرادها الشهداء بأن تكون دولة قوية مهابة الجانب.
وقال أستاذ التاريخ، أن القيادة السياسية الحكيمة اليوم تبذل جهدا جبارا وتعمل كل ما في وسعها لبناء هذه الدولة العظيمة مهما كانت التحديات وعلينا أن نصبر وأن ندرك أن عملية البناء و الوصول بالجزائر إلى مصاف الدول الكبرى ليس سهلا وعلينا أن نعرف أن ما خربته فرنسا في الجزائر ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والبنية التحتية، بل انها خربت حتى البنية النفسية والاجتماعية.
وأضاف أن الجزائر بفضل الدبلوماسية الرزينة تعمل على مجابهة فرنسا التي تعمل كل ما في وسعها للإساءة للجزائر ومحاولة خلق البلبلة و الضغط والتآمر، مؤكدا أن الدبلوماسية الجزائرية تقف في خانة الندية مع الدبلوماسية الفرنسية .
من جانبه، أكد الباحث في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ، الدكتور لزهر بديدة، في تصريح للنصر، أمس، ذكرى 19 مارس، مرحلة هامة في مسار طويل خاضه الجزائريون منذ 1830 وصولا إلى اتفاقيات 1962 .
وأضاف أن المفاوضات بين الطرفين، كانت معقدة وطويلة و قد كانت المرحلة بين 1960 و1962 مهمة و حساسة ووقع فيها الكثير من تقديم العروض ، مع محاولة فرنسا التلاعب بالمفاوضات، بحيث تسير في مصلحتها، لافتا إلى أن 19 مارس محطة مهمة من تاريخنا المعاصر ونهاية مشرفة للثورة الجزائرية .
وأوضح الباحث في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، أن الاتفاقيات، حددت طبيعة العلاقة بين الجزائر وفرنسا وجميع العلاقات السياسية و العسكرية والاقتصادية والثقافية .
وأكد المتدخل في السياق ذاته، أن دبلوماسية الثورة كانت ناجحة إلى أبعد حد واستطاعت أن تسجل نقاطا كثيرة خلال المفاوضات على الجانب الفرنسي.
وذكر الدكتور لزهر بديدة، أن الحكومة المؤقتة كانت تنال اعترافات دولية مهمة وانتصارا دبلوماسيا، بالإضافة الى ثبات المجتمع في الميدان خلف جبهة التحرير الوطني وثبات جيش التحرير رغم الضربات التي لحقته جراء المخططات العسكرية الفرنسية وذلك اسند الأداء الدبلوماسي وانعكس إيجابا على سيرورة المفاوضات، لافتا إلى ثبات الثورة في مبدأ وحدة التراب الوطني، إلى جانب وحدة التمثيل، وقد استطاعت من خلاله أن تفرض على فرنسا أن الصحراء هي جزء من الجزائر ولا نقاش في الوحدة الترابية .
وأشار الدكتور لزهر بديدة إلى أن الدولة الجزائرية استفادت بشكل كبير من المبادئ التي وضعتها الثورة في إطار العمل الدبلوماسي والتي لا زالت تفعل إلى غاية اليوم على غرار الندية في العلاقات ، ووجوب الاحترام والتقدير بين الدول وعدم قبول التدخل في شؤوننا وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتعاطف مع القضايا العادلة في العالم.
وأضاف أن ندية التعامل مع فرنسا هو من موروث الثورة التحريرية ، بحيث لا نقبل المساس بسيادتنا مهما كان الحال.
مراد -ح