شركات تشرع في استقبال زبائن القرض الإستهلاكي وبنوك في انتظار المرسوم التنفيذي
شرعت أمس الأول شركات تسويق منتجات وطنية على مستوى ولاية قسنطينة في تحرير فواتير مسبقة ونهائية للراغبين في اقتناء سلع عن طريق القرض الاستهلاكي، فيما تشهد الوكالات البنكية إنزالا من قبل المواطنين الراغبين في فتح حسابات بنكية، تمهيدا للاستفادة من إجراءات القرض ، و بالرغم من أن التطبيق الفعلي للعملية على مستوى البنوك لا يزال مقيدا بصدور المرسوم التنفيذي المنظم لها. حيث أن شريحة واسعة من الجزائريين أبدت اهتمامها بالصيغة رافقه جدل حول الفوائد و تأثير إجراءات التقشف على القدرة الشرائية، بالمقابل تتوقع مؤسسات جزائرية كثيرة أن يسهم بعث القرض في إنقاذ منتوجاتها من الكساد و إعادتها إلى الأسواق الوطنية.
نور الهدى طابي
مواطنون منقسمون بين الفائدة الربوية و المنفعة الاستهلاكية
اهتمام الجزائريين بالقروض التي أعلن في وقت سابق عن تفعيلها بداية جانفي الجاري، اصطدم بواقع تأخر صدور المرسوم التنفيذي الذي أجل العملية، وهو ما وقفنا عليه خلال استطلاع قادنا إلى عدد من البنوك و المؤسسات التجارية الوطنية المتواجدة على مستوى قسنطينة، أين لاحظنا إقبالا كبيرا للمواطنين للسؤال عن إجراءات الاستفادة، سؤال تعذر الجواب عنه لعدم توفر المعلومات المطلوبة إلى غاية الآن وهو ما أثار استياء الكثيرين خصوصا فئة الشباب و الأزواج الجدد، الشريحة الأكثر إقبالا على البنوك منذ بداية السنة. استطلاعنا أوضح بأن 7 من أصل 10 أشخاص مهتمين بطلب القرض الاستهلاكي، هم شباب تتراوح أعمارهم بين 24 إلى 45، غالبيتهم، أكدوا للنصر، بأن بعث الصيغة الاستهلاكية من جديد منحهم الأمل في تحسين أوضاعهم، خصوصا وأن غالبيتهم استنفذوا كامل مدخراتهم في دفع أقساط المشاريع السكنية على غرار « كناب إيمو و عدل 1 و 2»، و يعد القرض الجديد بابا سيسد تكاليف تأثيث المنازل بعد استلامها، ولم لا إجراء تعديلات هندسية عليها، خصوصا و أنه يشمل المنتجات الكهرومنزلية و الأثاث، وحتى مواد البناء في انتظار الكشف عن القائمة الكلية للمنتجات المعنية به.
و تعد فئة الأزواج الجدد، من بين أكثر الفئات المهتمة بالاستفادة، خصوصا من الأدوات الكهرومنزلية، وهو ما وقفنا عليه خلال تواجدنا بوكالات بيع، منتجات « كوندور و إينيام و كذا إيريس»، التي تستقبل ما يزيد عن 20 شخصا يوميا، مهتمون بالسؤال عن إجراءات الاستفادة من القروض، حسب ما أوضحه مسؤولو البيع على مستواها، مشيرين إلى أن غالبية الزبائن مهتمون بشراء الشاشات التلفزيونية العملاقة و آلات الغسيل و أجهزة الطبخ و الثلاجات. و أبرز الاستطلاع كذلك تخوفا لدى الكثير من المواطنين خصوصا فئة العاملين بعقود عمل محددة، من عدم قدرتهم على الاستفادة من القروض، إذ أوضحت سيدات عائلات بأحد مخابر الأدوية بالمنطقة الصناعية بالما، بأنهن مهتمات بتأثيث منازلهن عن طريق الحصول على قروض استهلاكية، غير أنهن غير واثقات من إمكانية حصولهن عليها، بسبب طبيعة عقود عملهن المحدودة، علما أن معظمهن عاملات في إطار عقود ما قبل التشغيل، إضافة إلى أن رواتبهن لا تتعدى الأجر القاعدي المضمون و تتراوح في أغلبها بين 23000 إلى 30000 دج، وهو ما يضعهن أيضا أمام احتمال الإقصاء من الاستفادة.
مقابل ذلك تطرق معظم الرجال من أرباب الأسر إلى المشكل المتعلق بمدى تأثير إجراءات التقشف المعلنة من قبل الحكومة، و ما سيصاحبها من ارتفاع في أسعار معظم المنتجات على القدرة الشرائية للمواطن، ما يضع غالبيتهم أمام احتمال التراجع عن طلب القروض خوفا من تأثير نسب الفوائد و الاقتطاعات الشهرية على ميزانيتهم، فضلا عن التوجس من إمكانية عدم القدرة على سداد القروض في آجالها و ما قد يترتب عن ذلك من إجراءات قانونية قاسية قد تصل حد مصادرة الممتلكات.
و أجمع معظم من شملهم الاستطلاع على أن أكثر ما يربكهم بخصوص القرض الاستهلاكي، هو الجدل القائم حو نسب الفائدة المترتبة عنه لصالح البنوك، و التي تدخل في إطار الربا كما عبروا، ما وضعهم أمام حرج حقيقي خصوصا و أن غالبيتهم استحسنوا قرار إعادة بعث القروض من جديد، باعتبارها ستسهم في توسيع خياراتهم الاستهلاكية و تخفيف الأعباء اليومية.
الفرق في نسب الفوائد يضاعف الإقبال على البنوك الوطنية مقارنة بالأجنبية
تعرف معظم البنوك الجزائرية المعنية بمنح القروض الاستهلاكية منذ حوالي عشرة أيام، إقبالا غير مسبوق من الزبائن الراغبين في فتح حسابات بنكية و تجديد دفاتر حساباتهم القديمة، تمهيدا لطلب القروض، حسبما وقفنا عليه في عدد من الوكالات البنكية على مستوى قسنطينة، على غرار وكالات البنك الوطني الجزائري و القرض الشعبي الجزائري، وذلك بسبب الفارق المتوقع في نسب الفوائد المترتبة على القروض، مقارنة بالبنوك الأجنبية، إذ ينتظر أن تكون النسبة مرتفعة في البنوك الأجنبية نظرا للأعباء الإضافية التي تتحملها هذه الأخيرة، على غرار الضرائب و الجباية و تكاليف كراء العقار كذلك.
وحسب ما علمنا من بعض الوكالات فإن الملفات الخاصة بالحصول على القروض الاستهلاكية ، ستكون بسيطة و لا تختلف عن ملفات طلب القروض المعروفة، أما بالنسبة لقائمة السلع و المنتجات المعنية بالقروض التي سيمنحها كل بنك، فستحدد بحسب الاتفاقيات المبرمة بين البنوك و المؤسسات المعنية بالتصنيع أو التركيب، فمثلا سيتعامل الزبائن الراغبون في شراء منتجات « كوندور» مع بنك « سوسيتي جينيرال»، أما المهتمون بشراء سيارة رونو سانبول الجزائرية، فيتعين عليهم التوجه نحو وكالات « بي أن بي باري با»، هذا في انتظار أن تعلن البنوك عن الإجراءات الخاصة بمنح القروض، بمجرد صدور المرسوم التنفيذي الخاص و حصولها على تفاصيل من البنك المركزي.
مصادر من بعض الوكالات البنكية، أوضحت بأن نسبة الفوائد ستحدد على مستوى البنوك، كل حسب نوعية معاملاته المالية، أما بالنسبة للاقتطاعات الشهرية، فقد حددت مبدئيا بنسبة 30 بالمائة من الآجر الشهري، علما أن قيمة القرض لن تقل عن 20 مرة قيمة الآجر الوطني المضمون، بينما ستتراوح مدة التسديد بين 3 الى 60 شهرا.
45000 دج راتب شهري شرط أساسي للحصول على قرض سانبول
تصدرت سيارة رونو سانبول الجزائرية، قائمة المنتجات الأكثر طلبا من قبل المواطنين المهتمين بالاستفادة من القرض الاستهلاكي، خصوصا الأسر و الشباب الذين أوضح معظمهم بأن القرض يعد خطوة أولى لتحقيق مشروع سيارة أجرة خاصة، خصوصا بالنسبة للسائقين المتعاونين مع وكلاء « طاكسي راديو»، وعدد من الشباب البطال، أما بالنسبة لأرباب الأسر فالقرض سيكون ذو فائدة نفعية سياحية بشكل أكبر. و يتعين على المستهلكين الراغبين في الاستفادة من القرض الخاص بسيارة سنبول الجزائرية، استيفاء جملة من الشروط أهمها أن يغطي عقد عمل طالب القرض مدة سداد القرض، حتى و إن كان عقد عمل محدد، كما يشترط أن يتعدى الدخل الشهري للمعني 45000دج، يقتطع منه شهريا نسبة 30 بالمائة أي ما يعادل 13 ألف دج، بعد أن يلتزم بدفع القسط الأول من قيمة السيارة و المقدر بـأربعة و عشرين مليون سنتيم، وذلك بحسب ما أكدته مصادر بنكية بقسنطينة.
وكالات بيع الأجهزة الكهرومنزلية و الالكترونية تشرع في استقبال زبائن القروض
انطلقت بداية من يوم أمس معظم وكالات بيع السلع و المنتجات المصنعة وطنيا بقسنطينة على غرار « كوندور و إينيام، إضافة الى المؤسسة الوطنية للخشب»، في التعامل مع الزبائن الراغبين في شراء منتجاتها عن طريق القروض الاستهلاكية، حيث أكد مسؤول التسويق بوكالة «كوندور» بقسنطينة، بأن العمل رسميا بإجراءات القرض دخل حيز التنفيذ أمس، إذ ستلتزم المؤسسة بإعداد فواتير مسبقة أو نهائية للزبائن الراغبين في شراء أي سلعة و منتج كهرمنزلي أو الكتروني، على أن ينهي بدوره إجراءات استيفاء القرض الممنوح له من قبل البنك.
و أضاف ذات المصدر، بأن نسبة الاقتطاع الشهري يفترض أن تستقر عند حدود 30 في المائة من إجمالي الراتب، مؤكدا بأن كافة منتجات مؤسسته معنية بالقرض على اختلافها.
من جهة ثانية فإن غالبية المؤسسات الوطنية التي سيشملها القرض الاستهلاكي و التي يشترط أن تتوفر على معدل إدماج يعدل 40 في المائة، قد باشرت في ضبط جملة من الإجراءات الخاصة لتسهيل و تنظيم التعامل مع الزبائن الجدد، حيث تعمل على جرد مخزونها عبر مختلف مستودعاتها و وكالاتها على المستوى الوطني لتحديد حجم المنتوج المتوفر و تكييفه بما يتماشى مع الطلب المتزايد، تجنبا للوقوع في مشكل العجز عن تحقيق التغطية اللازمة.
كما تتوقع مختلف المؤسسات تحقيق نمو جيد في نسبة إنتاجها و مبيعاتها خلال العام الجاري، بفضل القرض الذي سيسمح لها بالعودة إلى السوق بقوة و منافسة المنتج المستورد، بعدما انحصر عدد زبائنها خلال السنوات الأخيرة، و أصبحت تعاملاتها تقتصر بشكل كبير على الاتفاقيات المبرمة مع مصالح الشؤون الاجتماعية التابعة للجامعات و المؤسسات العمومية.
الخبير الاقتصادي فارس مسدور
«يجب تكييف القرض وفق صيغة المرابحة»
يرى الخبير الاقتصادي فارس مسدور، بأن القرض الاستهلاكي في صيغته الحالية لا يخدم الاقتصاد الوطني و لا المواطن، بالشكل المطلوب، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار عددا من الثغرات، أهمها طبيعة المجتمع الذي يرفض غالبية أفراده التعامل بالقروض الربوية، و هو ما كان يوجب على الحكومة أن تحاول احتواءه من خلال تبني مقترح تكييف القرض وفق صيغة المرابحة المشروعة التي تتعامل بها البنوك الإسلامية، و إسقاطها على تعاملات البنوك العمومية، بمعنى أن تتعاقد البنوك مباشرة مع شركات الإنتاج المعنية، و تعمل على استخدام أموال القروض عن طريق صيغ التمويل المتعددة، ما يسمح بإلغاء نسب الفائدة التي تعوضها الأرباح.
و أضاف المتحدث بأن الجزائر سبق لها و أن اختبرت القرض الاستهلاكي بمفهومه الحالي و قد أثبت فشله، ما انتهى بحكومة أحمد اويحيى إلى تجميد التعامل به سنة 2009، من خلال المادة 75 من قانون المالية التكميلي ، بعد أن سجلت ارتفاعا في قيمة الأغلفة المالية و بنسبة عدم التسديد، فضلا عن تشجيع الاستيراد كون المنتجات التي كانت معنية بالقرض كانت غير محددة آنذاك، و معظمها مستوردة، وهو الوضع الذي لا يختلف كثيرا الآن كون الصناعة الوطنية لا توفر قاعدة إنتاجية واسعة، و ما هو موجود يعتمد بنسبة أكبر على تركيب سلع و منتجات أجنبية، ما يعني أن القرض لن يخدم سوى شركة رونو، التي ستحقق إرباحا طائلة بفضل الإقبال على شراء سيارة سانبول ذات التركيب الجزائري.
كما أن الحديث عن القرض الاستهلاكي في هذا التوقيت بالذات لا يتناسب مع ما يثار حول ضبط آليات التقشف و ترشيد نفقات الدولة، خصوصا و أن إعادة بعث الإجراء البنكي تزامن مع انخفاض أسعار البترول، وهو ما يثير بعض الشكوك و الشبهات حول حقيقة القرض كما عبر.
جمعوني شهاب أستاذ اقتصاد
«القرض الاستهلاكي سيخلق منافسة بين المؤسسات الجزائرية»
من جهتة، يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة قسنطينة جمعوني شهاب، بأن القرض الاستهلاكي سيعود بالفائدة على المواطن لأنه سيدعم قدرته الشرائية بشكل كبير، خصوصا في ظل تداول أرقام تصل حتى 70 مليون سنتيم، يقال بأنها تمثل الحد الأقصى للقروض التي ينتظر منحها للمواطنين في ذات الإطار، فضلا عن ذلك فان القرض سيرفع حجم الإقبال على المنتوج الوطني و يدفع المصانع و المؤسسات الجزائرية إلى التنافس و الالتزام بشرط الجودة.
رغم ذلك تبقى هنالك بعض المحاذير التي يتوجب على المواطن و حتى البنوك أخذها بعين الاعتبار، في مقدمتها ترشيد الاستهلاك و تنظيم الإنفاق، خصوصا و أن الجزائري لا يملك ثقافة استهلاكية تتناسب مع قدرته الشرائية، إضافة إلى أن هذا النوع من القروض لا يخدم فئة محدودي الدخل، خصوصا إذا ما حددت نسبة فوائد عالية قد تعود عليه بالسلب مستقبلا.