أنا مسحور بمساجد و بساتين الغوطة رغم الحر
يعتبر الكاتب و الممثل والمخرج المسرحي الجزائري هارون الكيلاني، من بين الأسماء المعروفة والفاعلة في عالم الفن الرابع ببلادنا، فقد التحق بالمسرح في سنوات الثمانينيات، و له عدة أعمال مسرحية هاوية ومحترفة، من بينها «جذور»، «العرش»، «الانتقام» و«نوافذ الحال»، و تحصل على العديد من الجوائز، و تعامل مع فرق عالمية كفرقة الخيط من تيلاندا وفرقة فرنسية. كما كانت له شراكات فنيّة ومسرحية مع بعض المخرجين العرب، و في هذا الحوار، مع النصر، يتحدث الكيلاني عن يومياته الصيفية، فرغم الحر الشديد، إلاّ أنه شديد السحر والشغف بمساجد و بساتين الغوطة.
. النصر: كيف هي يومياتك الصيفية؟
ـ هارون الكيلاني: رغم الحر الشديد الّذي يجتاح الصحراء بشكل رهيب هذه السنة وبشكل غير مألوف، أسعى لكي أجد مساحات أخرى للتعايش وجعل الحياة مُمكنة، وأظن الأمر سواء بكلّ الوطن ولعلّ فيه «خير»، أجل فرغم كلّ هذا الحر اللاهب، علينا أن نأمّل الخير دائما و أن ننتظره في محطاتنا الحياتية وفي كلّ الفصول والمواسم.
. هل برمجت لقضاء العطلة أو بعض أيامها في مكان معين؟
ـ رغم حبي الشديد لمشاهدة السحاب من شباك الطائرة، إلاّ أنّ جيبي يخونني في ذلك. أحب وطني الكبير والمتنوع وتبقى هواياتي وطقوسي غير مُتغيرة في هذا الموسم، فالقراءة أوّل الفاكهة و إن كانت تمنعني الكتابة وتمتص جهدي الإبداعي، إلاّ أنّني أحبها، يكفي أن أنظر إلى مكتبتي وإلى مجموعة الكُتب تسند بعضها البعض، فتغريني لأسحب منها ما يشدني ككتب فرانز كافكا وأشعار مولانا جلال الدين الرومي وابن عربي، و أيضا مجموعة من إصدارات الهيئة العربيّة للمسرح.
هواية أخرى عادت إليّ منذ سن الرشد، و هي زيارة المساجد القديمة بمنطقتنا، رغم المسافات الطويلة إلاّ أنّي أحج إليها، طلبا في صلاة خاشعة ولحظات تدبر، ففي الأغواط وعين ماضي وتاجموت والحويطة، مساجد عريقة إن عرف الإنسان كيف يحدثها، فإنّها ترسل إليه بشائر الخير من حيث لا يعلم.
. هل يمكن القول إنك تمضي معظم أيّام الصيف في القراءة؟
ـ أحب السباحة كثيرا، وأقضي الكثير من الوقت في السباحة، وهذا منذ الطفولة. ففي وادي بخداش بالقرب من زاوية سيدي موسى بن حسن بسيدي مخلوف، أين كانت تقيم عائلتي لفترات ، تعلمت السباحة وركوب الخيل وأسرار العقارب ومخابئ الأرانب والثعالب ومواقع النجوم وأنواع الوبر والصوف وقصائد أهل الصوفيّة وسحر الشّعر الملحون. أذكر أنّي شهدت رؤيا عمتي خيرة رحمها الله تتحقق، حين قالت من هنا، أي من زاوية سيدي موسى بن حسن إلى ضريح سيدي مخلوف ستتزاحم البنايات، فها هي الرؤيا تتحقق بعد أن كذبوها وقالوا لها: «أتريدين أن تصبحي ولية صالحة» قالت: «أنا لولية بنت الوالي والصغار يشهدوا كلامي».
السباحة تمنحني فرصة تعويض الرحلة الحلم (زيارة الفضاء) والغوص في الماء هو كتقلب في الفضاء ومشاهدة الذكريات ورسم الأحلام أيضا.
. و ماذا عن ليالي الصيف؟
ـ ليل الصيف، جميل، جميل جدا، ربّما أجمل من نهاره. فليلاً، نجد بساتين الأغواط الجميلة تحتضننا لسهرات تمتدّ أحيانا إلى الفجر، نتحدث فيها عن جديد كوكب الأرض وبعض الإشارات من كواكب بعيدة، سكانها نورانيون يحبوننا ونحبهم. نتحدث عن أرشيف المخرج محمد عيساوي وموسيقى سليم دادة وأمين سوفاري و أصوات جمال سنوسي، نتحدث عن دُمى بن شميسة و تونسي، نتحدث عن مسرح وهران والأشعار، نتحدث عن التفيناغ وعثمان أوقاسم وأهل جانت وعن لحية جمال بن صابر والابتسامة الطفولية لنبيلة رزيق، نتحدث عن سيجارة فتحي صحراوي وشنبات حسان بوبريوة وعن عنزة حميد قوري وزفاف أمين حياهم وعزوز عبد القادر وعروسه وهيبة باعلي، نتحدث عن معبد بوحجر وقوس مختار وأناقة حمزة جاب الله، نتحدث عن بسكرة عن شيشا وخيذر وشاي زرزور طبال وعصفور عبد الناصر خلاف، وطيبة جمال قرمي وجرورو، نتحدث عن منفى غنّام وفلسفات الطريفي وسمرة الحارثي وقوة الكلمة عند عبد الله إسماعيل، عن خرافات فرناندو أربال وجنون موريسيو وبينا باوش وكتابات جويس كارول أوتس، وعرض مسرحية ماتيلدا لمسرح برودواي. كما يصر أصدقائي على تحليل لقطات مسروقة من مسرحياتي، فنضحك وتزهو النخلات فترقص على صوت القصب المُوشى بعطر الياسمين الفوّاح من قلب بساتين الغوطة.
. من هو الفنان المسرحي الجزائري الّذي ترى فيه مدرسة فنية حقيقية، فأثر فيك أو جعلك تنظر للمسرح برؤية مختلفة؟
ـ هناك الكثير من الأسماء التي أثرت فيّ وتركتني أتمسك بهوايتي المفضلة أي «المسرح»، ولكن الحق، الحق أنّ هناك اسمين صنعا نقلة نفسية وروحية في مشواري المسرحي، وهما سعودي بوزيد وسعيدي بن جدو، الأوّل كاتب مثقف من أنتلجونسيا الجزائر و دون منازع رجل شمولي وموسوعي شاعر مرهف وكاتب متمكن، أمّا الثاني فهو مرجعية تاريخية صوفية بمدينتي وبالمغرب العربي أيدني على المغامرة وحب الاكتشاف، تعلمت أنّ للعالم عوالم أخرى ولغات أخرى تتعدى طبقة الأوزون .
. ما هو جديدك؟ هل من مسرحيات في الأفق؟
ـ جديدي مرهون دائما بالواقع الّذي أعيشه في العديد من المرات بشيء من العجائبية والغرائبية، فأنا رغم الجديد الّذي أقدمه وسارت عليه الكثير من الفرق الأخرى بمحبة في طريقة إخراجي وفِرق أخرى من باب الكسل ليس إلاّ، وأنا أتكلم عن الكسل المعرفي. فلهذا في مرات عديدة لا أكشف ولا أعرض جديدي حتى أوثقه لدى الديوان الوطني لحقوق المؤلف، لكن حاليا أنا أضع اللمسات الأخيرة لنصي المسرحي الجديد المُقتبس عن كِتاب «اللعنة عليكم جميعا» للروائي سعيد بوطاجين، كما أُخطط لعرضي الجديد من نوعه والّذي يحتاج إلى مواكبة إدارية و مادية مُهمة، عرض يعتمد على أبعادٍ وزوايا جديدة في المسرح.. ومشروع فني آخر ستحتضنه إحدى شوارع العاصمة، هو ليس «مسرح الشارع»، إنّما مسرح الأمكنة المفتوحة والغير مُتوقعة. كما أنّني أطمع دوما في السند المتين للهيئة العربيّة للمسرح، في تحقيق «روح» جديدة ومُتجدّدة للمسرح العربيّ، عبر مختلف البلدان العربيّة، وعلى غرار تجربة الهيئة الناجحة جدا في موريتانيا والتي منحتني لقب أوّل مسرحي جزائري بموريتانيا.
حاورته/ نــوّارة لحــرش