إهمال علاج المضطربين و المرضى نفسيا قد يدفعهم إلى القتل
• مغتصب الأطفال لا يصنف كمريض و لا يفلت من العقاب
يدق الدكتور لخضر عمران ، أستاذ و باحث في علم النفس بجامعة بجاية و معالج نفساني و استشاري العلاقات الزوجية و الأسرية بمركز العائدي للاستشارات و التدريب و التطوير الذاتي بوادي العثمانية في ولاية ميلة، ناقوس الخطر حول إهمال عديد العائلات علاج أبنائها المصابين باضطرابات و أمراض نفسية عند أخصائيين مؤهلين، مما يؤدي إلى تفاقم وضعهم و بلوغهم مرحلة العنف و الهيجان و حتى القتل، مشيرا إلى أن العنف ينخر بقوة مجتمعنا و لا يتجلى فقط في العنف الزوجي و الأسري الذي يهدم البيوت و يشرد الأبناء، بل أصبح يتجلى حتى في تقليعات الموضة الشبانية ، و الإدمان على الإنترنت و المخدرات منذ الصغر، و هشاشة العلاقات الأسرية و الاجتماعية، و ضياع الإحساس بالأمن ، و يرى بأن انتشار ظاهرة خطف و اغتصاب الأطفال من بين عواقب العنف المتراكم و كذا طول الصمت ، رغبة في الحفاظ على صورة لامعة للأسر، و يرى بأن اغتصاب البراءة لا يبرر و لا مفر من تسليط العقوبة القانونية ، معتبرا الإخصاء الجراحي، أقل عقوبة يمكن أن يتعرض لها المغتصب، مؤكدا بأن الطالب الذي يتخرج بشهادة ليسانس في علم النفس العيادي ليس طبيبا، كما يعتقد البعض، و تكوينه لا يؤهله للتكفل الناجع بالمرضى، داعيا إلى إعادة النظر في البرنامج و مدة التكوين و نوعيته، و دعمه بتربصات متواصلة.
حاورته : إلهام طالب
. النصر: ما هي الأمراض
و الاضطرابات النفسية الأكثـر انتشارا في المجتمع الجزائري اليوم و ما هي الأسباب التي أدت إليها؟
ـ لخضر عمران: الأمراض و الاضطرابات النفسية تختلف باختلاف المجتمعات و التغيرات و التحولات التي تشهدها، و مجتمعنا الجزائري مر بظروف صعبة، من بينها الاستعمار الفرنسي و الكوارث الطبيعية و الفقر و البطالة و غيرها التي نتجت عنها عدة مشاكل و اضطرابات ، لكن كان للعشرية التأثير الأكبر حسب رأيي، فهي عنف و إرهاب من جزائري لجزائري، من أخ لأخ.. و تلك الصدمات مست العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة و بين الأسر ككل ، و نتجت عنها اضطرابات و تناذرات كان تواجدها قليل من قبل، لقد تركت آثارا عميقة وهشاشة في البنية الاجتماعية و العلائقية، مثل ضياع مفهوم المحيط الآمن و نتجت عنها سلوكيات أكثر خطورة، تتمثل في سهولة المرور إلى الفعل الإجرامي، تفشي أنواع الإدمان، العنف و العدوانية. و كذا انتشار الإحساس بأن الفرد مهدد و في حالة استثارة و تهيج دائمين، مما يفسر ظهور السلوكات العنيفة، كردود فعل يعتبرها الكثيرون عادية و يبررونها بالحاجة إلى حماية الذات.
شريحة من الشباب الجزائري تتجه نحو اللاتجنيس
بعد تخرجي من جامعة قسنطينة، كأخصائي في علم النفس، ولجت الحياة المهنية قبل 28عاما تقريبا، انطلاقا من مستشفى الأمراض العقلية بواد العثمانية ولاية ميلة، كانت آنذاك الأمراض العصابية هي الأكثر انتشارا، ثم تراجعت، لتحل محلها بعض أنواع الذهان، و الاضطرابات الحصرية مثل الرهاب، أي «الفوبيا» بأنواعها العديدة، و كذا الوسواس القهري ، و جميعها ناجمة، عن الصدمات و الضغوط النفسية و الاجتماعية. كما تنتشر حاليا الاضطرابات السلوكية و الإدمان على المؤثرات العقلية و مواقع التواصل الاجتماعي و كذا الاكتئاب ، إلى جانب انتشار اضطرابات التوحد و صعوبات التعلم و اضطرابات النطق و الكلام فرط الحركة عند الأطفال، إلى جانب رهاب الامتحانات و العدوانية، و لا بد أن أوضح بأن هناك عنف مرتبط باضطرابات نفسية أو ذهنية معينة، كاضطراب الشخصية الحدية «LE TROUBLE DE LA PERSONNALITE BORDERLINE OU LIMITE » التي تعاني من اضطرابات حادة في الانفعالات و السلوكيات ، وهناك عنف يعتبر ظاهرة و ليس مرضا فقط، و يأخذ شكل سلوكيات عدائية، فقد أصبح من السهل بالنسبة للكثيرين ، كما نلاحظ اليوم، المرور إلى الاعتداء بالضرب و حتى الأسلحة البيضاء .
عدد من يعالجون لدى المشعوذين أكبر ممن يقصدون النفساني
. ما هو أخطر اضطراب نفسي و سلوكي في رأيك يعاني منه المراهقون و الشباب في هذا العصر؟
ـ أنظروا إلى الأزياء و تسريحات الشعر و الأوشام التي يقبل عليها ، عدد كبير من المراهقين و الشبان بمجتمعنا، إلا من رحم ربك،تحت غطاء الموضة، رغم أن معظمها غريبة عن قيمنا و تقاليدنا، تجسد نوعا من العنف اتجاه الذات و اضطرابات نفسية و سلوكية ، تتطور بصمت، فأخطر أنواع الاضطرابات تمس هوية الأفراد و من ثم المجتمع. إننا نرى هذه الشريحة التي تضم حتى طلبة جامعيين، تسير نحو «اللاتجنيس»، فنجد ذكورا و إناثا فقدوا العديد من خصائص جنسهم ، ليرتدوا نفس الملابس تقريبا بنفس الألوان و الأكسسوارات، فتنتشر مثلا موضة المعاطف بأغطية رأس مزينة بالفرو، يقبل عليها الذكور أكثر من الإناث، رغم أن الفرو ارتبط طويلا بأزياء النساء، ناهيك عن القمصان و السراويل الضيقة التي تبرز تفاصيل الجسد، فإشكالية التقمص جلية لدى هذه الفئة التي تشهد تزايدا ملحوظا، و هي تتبنى نماذج من الخارج لتلغي تدريجيا دون أن تعي ذلك ، الفروق بين الجنسين، متخفية وراء الموضة، بينما هي في الواقع تجسد تدريجيا تيارا عالميا لتشجيع ما يعرف بالجنس الثالث، و حقوق الشواذ جنسيا، و إبعادهم عن خانة الاضطراب ، لإدراج سلوكياتهم ضمن الحرية الشخصية.
العلاقات داخل الأسرة أصبح يطبعها الانعزال
و هناك عوامل كثيرة تساهم في انتشار الظاهرة ، و في مقدمتها مواقع الإنترنت و القنوات التليفزيونية، إلى جانب نوعية الملابس التي تعرض في الأسواق كالسراويل الهابطة التي ظهرت لأول مرة في سجون الولايات المتحدة و كان يرتديها الشواذ جنسيا، و السراويل الممزقة و من يركب الموجة ، يمكن أن تتطور لديه تدريجيا ميولات غريبة، و هذا لا يعني أنني ضد انتقاء الموضة المناسبة التي تتماشى مع قيمنا و ثقافتنا و لا تمس بالرجولة و الأنوثة.
. و ماذا عن العنف ضد الأطفال الذي اتخذ مؤخرا شكل خطف، اغتصاب ، فقتل خاصة و أن عدد الضحايا في تزايد مخيف؟
ـ في السابق كانت هناك حالات منعزلة، لكنها زادت بشكل مرعب، ما أثر على العلاقات الأسرية و الاجتماعية، فتفشى الخوف و الرعب و القلق بين الآباء الأمهات على أبنائهم، و إذا تأخروا دقائق عن موعد العودة من المدرسة، تحدث حالة طوارئ، و يتعرضون للتعنيف. في الواقع كانت الاضطرابات و المشاكل النفسية خفيفة و نادرة بمجتمعنا، لكن صمت و كبت الكثيرين ، حفاظا على صورة مجتمع محافظ و نظيف شكلا ، جعلها تتكاثر.
. هل ترى بأن خاطف و مغتصب الأطفال مريض نفسيا يسقط عنه العقاب؟
ـ خاطف و مغتصب الأطفال إذا ثبت أنه يتمتع بالمنطق و التوازن النفسي و العقلي، لا تسقط عنه المسؤولية الجزائية و يحاكم و يعاقب ، فالقانون الجزائري يحمي الأفراد و المجتمع و يعاقب كل من تسول له نفسه إلحاق الضرر بكل أنواعه بغيره، لتحقيق العدل و استتباب الأمن ، فإذا شعر أفراد المجتمع بأنهم يعيشون في مجتمع غير آمن، يشعرون بأنهم مضطهدون، و المنطق يقول بأنه إذا مرض عضو و لا أمل من شفائه يبتر حماية للجسم، و بالتالي لا يمكن درء العقوبة عن المغتصب، علما بأن أخف عقوبة و لو أنها قاسية، تسلط على هذا النوع من المجرمين في مناطق عديدة عبر العالم، هي الإخصاء الجراحي، و لا بد أن أشير هنا إلى أن الشخص الذي يعتدي على الأطفال يكون عادة ضحية اعتداء سابق، فيتقمص شخصية المعتدي.
الصمت قنبلة موقوتة فجرت ظاهرة اغتصاب الأطفال
. لماذا في رأيكم لا يتم توجيه كل شخص يعاني من اضطراب ما إلى مختصين ليتم التكفل به قبل أن تتفاقم حالته؟
ـ الملاحظ أن عديد الأسر الجزائرية لا تبالي ، بإصابة أحد أفرادها باضطرابات نفسية أو سلوكية، أو انطواء و عزلة ، و تتركه رهين الصمت و الكبت لسنوات إلى أن تتدهور حالته، و لا تنقله إلى المستشفى، إلا إذا أصيب بهيجان شديد و أصبح عنيفا قد يرتكب جرائم قتل، للأسف العلاقات الأسرية فقدت عمقها و أصبح كل فرد منعزلا عن باقي أفراد أسرته ، في ظل تغيرات و تحولات اجتماعية متسارعة، تقابلها احتياجات كبيرة و صراع المعايير و القيم و يواكبها تغير في التربية و التكوين. بينما في الماضي كانت العائلة الكبيرة و الجيران يساهمون في تربية الأبناء و تقويم سلوكاتهم و علاجهم إذا مرضوا.
للتذكير أعلن المكلف بالصحة العقلية في وزارة الصحة عن تسجيل 900 ألف جزائري توجهوا إلى مستشفيات الأمراض العقلية للفحص في العام الفارط، لكن عدد المرضى نفسيا و عقليا الذين ينقلهم ذووهم إلى رقاة و مشعوذين أكيد أكبر، و عدد الذين يعانون من الإهمال و التهميش لا يحصى و لا يعد.
ـ ماهي الحلول أو الاستراتيجيات التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الاضطرابات و الأمراض المتفشية في مجتمعنا؟
ـ استراتيجيات المواجهة عديدة منها الوقاية و التحسيس عبر تنظيم أيام تحسيسية للمواطنين من قبل أخصائيين مؤهلين ، من أجل الإسراع بنقل كل شخص تثبت إصابته باضطراب نفسي أو عقلي للعلاج عند مختصين ، و تسهيل الاتصال بخلايا الكشف والمتابعة، سواء عبر و حدات الطب المدرسي، المستشفيات أو وحدات الهلال الأحمر الجزائري من أجل إبلاغها بالحالات الهشة أو التي تعرضت للعنف و ظروف صعبة .
إلى جانب توعية الأسر التى عانى أفرادها من عنف و ظروف صعبة ، خصوصا الأحداث الجانحين، بضرورة مرافقتهم و إعادة دمجهم، بعد انتهاء التدابير القانونية، حتى لا يضيعوا في الشوارع.
الأخصائي ليس مؤهلا لأن يكون طبيبا
. هل ترى بأن التكوين الذي يتلقاه النفساني العيادي في معهد علم النفس ليحصل على شهادة ليسانس يكفي ليحصل على صفة «طبيب نفساني» و يتكفل بالمرضى بشكل ناجع؟
ـ النفساني في بلادنا ليس طبيبا، فهو يحصل على شهادة ليسانس بعد أن يدرس في السنة الأولى جامعي علوم اجتماعية، و في السنة الثانية جذع مشترك علم النفس ، و في السنة الثالثة علم النفس العيادي ، و بالتالي عندما يتخرج لا يفرق بين الأمراض النفسية و أعراضها و هو بحاجة إلى تكوينات و تربصات عديدة و متواصلة لتأهيله، و أدعو من هذا المنبر، إلى إعادة النظر في المناهج المطبقة و لما لا الاقتداء بتجارب دول أخرى. في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يدرس الطالب الطب، ثم يتخصص في علم النفس. و الطامة الكبرى في بلادنا، أن الدراسات و الأبحاث العلمية التي تجرى في إطار المذكرات و رسائل الدكتوراه تهدف للترقية فقط ، و لا تستغل و لا تطبق نتائجها ، بل تبقى رهينة الرفوف و الغبار.
. هل تعتقد بأن تدريس التربية الجنسية كمادة في المناهج التعليمية يمكن أن يقلص من الاعتداءات الجنسية ؟
ـ من المفروض أن التربية الجنسية العلمية تلقن في إطار قيمنا و أخلاقنا، و تستجيب لاحتياجات الفئة الموجهة إليها، حسب المراحل العمرية، حتى تجيب على تساؤلات ملحة، و تقدم توعية وتثقيف كفيل بوقاية شبابنا من الكثير من الآفات. لكن بصراحة أنا لست مع التوعية الجنسية التي تدعو إلى توزيع الواقيات في المؤسسات التعليمية.
أطالب بتربية جنسية تتماشى مع قيمنا
. هل أجريت دراسات و أبحاث حول الاضطرابات أو الأمراض النفسية بمجتمعنا ؟
ـ لدي دراسة حول استغلال الفضاء الافتراضي للتخفيف من أعراض الرهاب أو الفوبيا ، لأنني لاحظت ارتفاع عدد الإصابات بالفوبيا بمختلف أنواعها بين مختلف الشرائح الاجتماعية و المستويات الثقافية، و من بينها حالات تفسر مخاوفها بالغيبيات و عالم الجن ، فأردت مساعدة المصابين على تجاوز مخاوفهم غير المؤسسة ، بطريقة تختلف عن الطرق الكلايسكية . بدأت الدراسة في سنة 2010 على عينة تتكون من 15 شخصا، و حصلت على نتائج إيجابية، و لا أزال أواصل الدراسة بمجهودي الخاص و أسعى لتوسيع العينة، لكي أحصل على نتائج أكثر دقة و نجاعة و سرعة. عموما أعتمد كخطوة أولى على وضع المصاب في عالم افتراضي، حيث أعرض عليه بمكان آمن كالمكتب، صورا و فيديوهات تجسد الموضوع أو المواضيع التي تثير مخاوفه و ربما تذكره بالموت كالمرتفعات و الجسور أو الأماكن المغلقة أو بعض الحيوانات، و عندما يتعود عليها أنقله تدريجيا إلى الواقع إلى أن ينتصر على الفوبيا.
و لدي دراسة أخرى حول تحسين حياة مريض السكري، تدرج في إطار علم نفس الصحة، و هو تخصص جديد في علم النفس يهتم بالوقاية و علاج الأمراض المزمنة كالسكري و السرطان و غيرهما. تعتمد دراستي على عينة تضم 60 مريضا بالسكري بنوعيه و محاولة رصد كيفية مواجهة أفراد العينة للمرض و تأثيراته الجانبية و المواقف الصعبة المرتبطة به، و نمط الحياة الذي يعيشونه ، من بين النتائج الأولية التي استخلصتها أن التكفل الطبي وحده غير كاف، لتوفير حياة ذات نوعية جيدة و مريحة للمريض، فلا بد من التكفل النفسي و الأسري و تقبل المريض لمرضه و للعلاج و مدى عنايته بنفسه. و لدي دراسات أخرى مع زملاء جزائريين في فرنسا من أجل الكشف المبكر عن الأطفال المصابين بالتوحد و تقنيات العلاج و نسعى لإنشاء شبكة وطنية للتكفل بالمصابين.
إخفــاء الـمرض طريق إلـى الـموت
. هناك انتشار مخيف لظاهرة الطلاق في مجتمعنا، ما هي أسباب الظاهرة و كيف يمكننا أن نتصدى لها ؟
ـ الأسباب كثيرة جدا و بالاستناد إلى تجربتي المهنية، كأخصائي نفساني عيادي و استشاري أسري و زوجي، يمكنني أن أؤكد بأن عدم النضج النفسي ، بمثابة معول يحطم تدريجيا الاستقرار الزوجي و الأسري، فعدم توفره يجعل الزوجين لا يتقبلان الحياة المشتركة و المهام المنوطة بهما و لا يتحملان المسؤولية و يعجل بسقوط الأقنعة ليظهر كل طرف على حقيقته، فتبرز عيوبه التي قد يجد الآخر صعوبة في تقبلها، و يعلن رفضه للعلاقة بشكل أو آخر، و الشكل الأكثر بروزا عند الأزواج هو استعمال العنف بكافة أشكاله ، ما يضع صبر الزوجات في المحك، فهناك من تواصلن العلاقة المرضية من أجل الأبناء و خوفا من نظرة المجتمع للمطلقات، و هناك من يقررن إنهاءها، ،خاصة اللائي بلغن مرحلة الاستقلالية المادية. اللافت في مجتمعنا الذي يتغير و يتطور بريتم سريع و غريب، بأن هناك إشكالية حقيقية في معايير اختيار النصف الآخر، ما يؤدي إلى ظهور زواج الدراسة و زواج التكوين المرتبط بفترة زمنية ، و قد ينتهي بانتهائها لأنه لم يبن على أسس سليمة، إلى جانب ظاهرة تأخر سن الزواج و العنوسة، التي تعود لارتفاع تكاليف الزواج و غلاء المهر و أزمة السكن و البطالة بالنسبة للشبان، و عدم العثور على عرسان مناسبين بالنسبة للشابات ، ما يدفع بهذه الشريحة إلى الموافقة و لو بعد حين، على إتمام زواج غير متكافئ و لا يمكننا إلا أن نرصد حولنا أمثلة عديدة لإطارات شابات يملكن شققا و سيارات و إمكانيات مادية جيدة، و يضطررن لدرء شبح العنوسة بالموافقة على الارتباط بأشخاص لا يملكون أي مؤهل ، و هنا يتجلى صراع القيم و المعايير، حيث نجد المرأة تتولى كل المهام داخل و خارج البيت و الرجل يمارس شكلا دور «سي سيد» في مجتمع ذكوري منافق، يرفض تسمية الأشياء بأسمائها، و يخفي الكثير و لا يظهر إلا القليل مما يخفيه من كوارث.
و لا بد أن أشير هنا أيضا إلى أن الإدمان على المخدرات و المؤثرات العقلية و الشذوذ أو المثلية الجنسية، من بين الأسباب الخفية لأبغض الحلال.
. بعض المقبلين على الزواج يخفون حقيقة مرضهم العضوي أو النفسي أو العقلي، عن الطرف الآخر، هل قصدتك مثل هذه الحالات ؟
ـ نعم .. قصدتني حالات عديدة لم تتقبل مرضها، فأخفته حتى الموت، مثل حالة زوج لم يخبر زوجته بأنه يعاني من السكري منذ سنوات ، أي قبل ارتباطهما، لأنه لا يريد أن يشعر أمامها بالضعف و العجز، أو تصوب نحوه نظرة شفقة، فظل يخفي أدويته و يأخذ حقن الأنسولين في الصيدلية، إلى أن أصيب بقصور كلوي و تعقيدات أودت بحياته.
و هناك أزواج أوصلهم إخفاء المرض عن الطرف الآخر، إلى الطلاق، حيث تم تصنيفه في خانة التدليس و الغش عندما تم اكتشافه، مثل حالات الإصابة بالعجز الجنسي أو العقم ، و أتذكر حالة زوج مصاب بمرض عقلي عندما اكتشفت زوجته الأمر، طلبت منه أن يطلقها و عندما رفض، بادرت إلى رفع قضية خلع، فلم يتحمل الصدمة و انتحر .
شهادة الحالة النفسية مطلوبة للمقبلين على الزواج
. ما هي أساليب الوقاية التي تقترحها للتغلب على المشاكل الزوجية؟
ـ أطالب بإخضاع جميع المقبلين على الزواج لدورات تأهيلية متخصصة ليعرف كل طرف حقوقه و واجباته و المسؤوليات المنوطة به ، كما أطالب بمراقبة و متابعة إصدار الشهادات الطبية قبل الزواج التي تدرج ضمن ملفات عقد القران، و التأكد بأن الطرفين خضعا فعلا للمعاينة و الفحص للتأكد من خلوهما من الأمراض العضوية، و أشدد بأنه من الضروري استحداث شهادة أخرى في نفس الإطار تتعلق بالحالة النفسية و العقلية، و يجب على الطبيب و ضابط الحالة المدنية أن يتأكد بأن المقبلين على عقد القران على علم بمضمون الشهادتين، سواء بكونهما سليمين أو أن أحدهما أو كليهما يعاني من مرض أو اضطراب، و لهما كامل الحرية في القبول أو الرفض. أنا أؤمن بأن الصراحة و الوضوح مفتاحان ضروريان لبلوغ السعادة و الاستقرار الزوجي و الأسري. أدعو أيضا الجهات المعنية إلى تنظيم دورات تأهيلية يؤطرها مختصون لكافة المقبلين على الزواج لتوضيح واجباتهم و حقوقهم و مسؤولياتهم من أجل وضع أسس بناء أسر مستقرة و متوازنة ، فالوقاية أقل تكلفة و أعباء على كافة الأطراف، و أقصد هنا تبعات الطلاق و خاصة مشاكل أبناء الطلاق، كما أتمنى تكوين استشاريين متخصصين في العلاقات الزوجية و الأسرية .
. ماذا يمكن أن تقول لنا عن الإدمان على الإنترنت ؟
ـ هذا الإدمان يمس كل الفئات الاجتماعية، لأن العالم الافتراضي يتيح نوعا من الحرية أكثر من الواقع حتى في العلاقات العاطفية، و كلما تمادى المرء في الهروب إليه، انعزل عن الواقع ، و أصبحت علاقاته الافتراضية أهم من الواقعية ففي عالم النت لا يوجد الممنوع ،كل شيء متوفر و مباح دون بذل جهد ، أو شعور بالمسؤولية، لهذا تفشت الخيانة الزوجية الإلكترونية التي تخرب الكثير من البيوت، و الجرائم الإلكترونية المختلفة. و الأطفال أيضا من بين ضحايا هذا الإدمان الخطير، و الخطوة الأولى تكون بدافع الفضول، فيكتشفون ألعابا فتاكة مثل الحوت الأزرق ، و صورا و فيديوهات تجرهم إلى شبكات الانحراف و الدعارة و الشذوذ الجنسي، لقد تكفلت ببعض الحالات، خاصة التي يتراوح عمرها بين 11و 12عاما، أحضرها ذووها لأنها تعاني من اضطرابات نفسية و سلوكية أو ضعف النتائج الدراسية ظاهريا، و بعد عدة جلسات اتضح لي بأن الوالدين غير متفاهمين و لا يهتمان بأبنائهما، فيهرب الصغار تدريجيا من هذا الواقع المؤلم إلى فضاء مفتوح على كل المخاطر، دون أن يتفطن لذلك أحد من ذويه. أما الإدمان على المؤثرات العقلية خاصة «ليريكا» فينخر عقول تلاميذ الثانويات و أدعو إلى تنظيم ملتقيات و حملات متواصلة لمحاربة هذه الظواهر المشينة.
دورات التنمية البشرية تجارة
.ما رأيك في دورات التنمية البشرية السريعة التي لا تستغرق أحيانا سوى ثلاثة أيام كتلك الموجهة لطلبة البكالوريا و دورات تكوين مربيات أطفال و غيرها ؟
ـ إنها عبارة عن تجارة و بيع كلام، نجد مثلا شخصا إداريا يؤطر دورة في العلاج المغناطيسي أو العلاج بالطاقة و لا علاقة له بهما، و لم يحظ حتى بتكوين قاعدي في الأمراض و العلاج، كما أن عرض دورة تكوينية في تربية الأطفال خلال ثلاثة أيام ضرب من الجنون .
إ/ ط