يؤكد البروفيسور عبد اللطيف بوروبي، أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة قسنطينة3، بأن مرحلة ما بعد كورونا ستفرض على الدول اعتماد «اقتصاد الحرب» كحل حتمي لمواجهة تبعات الأزمة بما في ذلك الكساد الكبير الذي لم يشهد له مثيل منذ قرابة مئة سنة، مشيرا إلى أن هذا الظرف سينعكس على العلاقات الدولية و يعيد تشكيلها بالرغم من أن ملامح النظام العالمي الجديد لم تتضح بعد، لأن الأمر مرهون بانتهاء الأزمة الصحية و ما سيحمله السداسي الثاني من سنة 2020، وهي مرحلة قال، بأن دور الإعلام سيكون كبيرا جدا خلالها، ما يحتم على الجزائر، ضبط استراتيجياتها على هذا الأساس بداية بمراجعة سياساتها و تحالفاتها الاقتصادية، و انتهاء باستحداث قناة دولية تسوق لصورتها في الخارج و تكون سلاحها في حرب المعلومات التي يقبل عليها العالم.
* حاورته: هدى طابي
ـ النصر : اقترحتم مؤخرا مقاربة اجتماعية و اقتصادية حول تداعيات جائحة كورونا على مستقبل التنمية في الجزائر في أي إطار تم إعدادها و حول ماذا تمحورت تحديدا؟
ـ عبد اللطيف بوروبي: طلب منا كخبراء إجراء المقاربة من باب تبرير النفقات انطلاقا من تصوراتنا كجامعيين و باحثين، وذلك في إطار دراسة تبعات جائحة كورونا، و تداعياتها على التنمية في الجزائر، وقد انطلقنا في بحثنا من تحليل كلي، فمن غير الإمكان أن نتحدث عن الاقتصاد المحلي دون الرجوع إلى المعطيات العالمية، لذلك أشرت في مداخلتي إلى أن جائحة كورونا جعلت من دول العالم تتوجه نحو تبني مفهوم اقتصاد الحرب ضد وباء قاتل غير مرئي، خصوصا في ظل تراجع النمو و الكساد الرهيب الذي لم يعرف له العالم مثيلا منذ 1930 ، وما أفرزه الأمر من تخوفات بشأن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية على قطاعات كبيرة، رغم نمو التجارة الالكترونية، فنسبة تراجع النمو في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، بلغت 6 بالمائة، بالمقابل قدر التراجع في منطقة الأورو بـ 7.5 بالمائة .
و عليه فإن هذه المرحلة، تتطلب التخطيط و الاستشراف و التعاون المشترك سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، بالرغم من إشكالية نسبية التحليل بين الدول المتقدمة والسائرة في طريق النمو فهناك حاليا انقسام عالمي فيما يخص نوعية الحلول التي سيتم انتهاجها، حيث تتوجه دول إلى تبني منطق العون الذاتي أي أنها ستنغلق على ذاتها و اقتصادها على غرار أمريكا، فيما ستختار بلدان أخرى التعاون الدولي كما تفعل الصين و دول الاتحاد الأوروبي ، وهنا تطرح إشكالية ثانية وهي الطبيعة المضطربة لحقل العلاقات الدولية، وعليه فإن أية استراتيجية ستضعها الجزائر لا يجب أن تخرج عن ضرورة الربط بين الإطار الداخلي والدولي، لأننا نعيش مرحلة عولمة الاقتصاد.
من جهة ثانية، لابد من الانتباه إلى أن الاقتصاد العالمي سيعرف حالة انكماش وقد سبق لصندوق النقد الدولي أن توقع تراجعا بنسبة 3 بالمائة، وهو رقم مرشح للارتفاع إلى 5.8 بالمائة إذا لم تنته أزمة كورونا في النصف الثاني من 2020 أي بداية من جوان الجاري.
فيما يخص الجزائر يبقى من الصعب تحديد النتائج بدقة فنحن أمام تداعيات فرضتها عوامل متراكمة، على غرار تراجع المداخيل النفطية منذ مدة، و الإفلاس الذي ورثناه من النظام السابق، بالإضافة إلى ثقل نفقات الأزمة الصحية المرتبطة بالجائحة و تبعات الحجر الصحي على الأنشطة التجارية و سوق العمل، لابد أيضا من التأكيد على أن 11 بالمائة من الغاز الجزائري يصدر إلى أوروبا و بالتالي فإن تراجع النمو في أوروبا ستكون له تبعاته على الجزائر.
ـ ما هي الحلول المناسبة التي تضمنها طرحكم؟
ـ الملاحظ هو أن ميزانية التجهيز تراجعت بما يفوق10 بالمائة وهو أمر يمكن أن يؤثر مستقبلا على النفقات و سوق التوظيف، لأن سوق التجهيز تتعلق مباشرة بالمشاريع المهمة المرتبطة بالتنمية و الاستثمارات الداخلية، ومنه يمكن القول بأن محدودية الخيارات أمام المسؤولين الجزائريين ستحتم علينا التوجه نحو اعتماد اقتصاد الحرب.
و بهذا الخصوص، يمكن اقتراح قروض بنكية بدون فوائد مع تخفيف للضرائب ودفع المستحقات التي تحوزها الشركات الخاصة لدى مؤسسات الدولة والجماعات المحلية وكبرى الشركات العمومية.
الربط بين التسيير والتجهيز ، و تجنب الاستدانة الخارجية و طبع النقود، بحيث يكون الاقتراض من الجزائريين أنفسهم « القطاع الخاص مثلا»، يتوجب علينا كذلك، توقع صادرات بترولية بـ17.7 مليار دولار مع توقع عجز في الميزان التجاري بـ 18.8 مليار دولار، و انكماش في النمو الاقتصادي قدره2.63 بالمائة.
لابد في هذه الحالة كذلك، من التوجه نحو تقليص ميزانية التسيير و اعتماد خيار الطاقات المتجددة، شريطة عدم اللجوء إلى شركات الخبرة الأجنبية بهدف توفير 7 مليار يورو سنويًا، خصوصا بعدما قررت شركة النفط والغاز سوناطراك، بناءً على طلب الحكومة تخفيض ميزانيتها لعام 2020 بنسبة 50 % ، وذلك في انتظار نتائج اتفاق تخفيض إنتاج النفط و تعافي السوق.
كما أنه من الضروري الاعتماد على الجامعة في التكوين والبحث، و التمكين الإلكتروني.
ـ كيف ستنعكس تأثيرات الأزمة الصحية على واقع العلاقات الدولية وكيف ستكون ملامح النظام العالمي بعد كوفيد 19 ؟
ـ كما سبق و أن أشرت إليه، فإن الإشكالية الرئيسية الآن تتعلق بتوجهات كل دولة و تصوراتها للمخارج الأنسب للمرحلة « إما التفكير في الدولة بشكل مستقل منعزل، أو التفكير بعيدا عن الدولة أي الاعتماد على الاتحادات و التكتلات»، و المعروف أنه في كل مرحلة حاسمة أو ظرف دولي فإن تشكيل المقاربات و هندسة العلاقات يخضع لرؤية الدول الكبرى، وبالتالي فإن الديناميكيات و الاستراتيجيات التي ستقوم عليها المرحلة اللاحقة ما بعد جائحة كورونا ستخضع لتوجهات محور الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و الاتحاد الأوروبي.
و المعنى، هو أن الصورة لم تتضح بعض أي أن معالم النظام العالمي الجديد لا تزال غير معروفة، فنحن نتعامل مع جائحة مستمرة و تداعياتها غير واضحة بشكل كلي، وهو ما يصعب تحديد الرؤية المستقبلية للدول، بالرغم من أنه يمكننا ملاحظة بأن الولايات المتحدة مثلا، تسير نحو عزل نفسها بدليل أنها تراجعت عن عديد الاتفاقيات الدولية و ذهبت لحد سحب تمويلها لمنظمة الصحة و تهجمها عليها، مع ذلك يبقى التوجه للتعاون الدولي ضروريا في مثل هذه الأزمات خصوصا بالنسبة لدولة مثل الجزائر، فالعولمة جعلت الأخطار و التهديدات لا ترتبط بدولة واحدة بل تنسحب على المجتمع الدولي ككل.
من الواجب أيضا التأكيد على أن الجائحة التي نعيشها اليوم، بينت أهمية إصلاح منظمة الأمم المتحدة و إعادة النظر في سياسة تعاملها مع القضايا الدولية العامة.
ـ أي دور سيلعبه الإعلام في هذه المرحلة، و كيف تقيمون تأثيره خلال الأشهر الماضية من الأزمة؟
ـ سيكون له دور بارز لأن المرحلة اللاحقة ستقوم على حرب المعلومات، لأننا ببساطة نتوجه نحو اقتصاد حرب، و أهمية المعلومة الصحيحة ستكون كبيرة لأجل مواجهة الدعاية المغرضة و محاولات توجيه الرأي العام، لذلك فالحاجة تفرض علينا استحداث قناة إخبارية جزائرية ناطقة باللغتين العربية و الإنجليزية، لنتماشى مع ما ستفرزه المعطيات الراهنة و ما سيحمله المستقبل، و نتمكن من التسويق بشكل صحيح و جيد لصورتنا و نسد الطريق أمام أية محاولات أجنبية، كما حصل مؤخرا مع وثائقي القناة الفرنسية الخامسة.
الإعلام كشف عن قدرته القوية على التأثير، من خلال الدور الذي لعبه في الحرب الدائرة بين أمريكا و الصين حيث عوض الأسلحة التقليدية في معركة تبادل الاتهامات و محاولة تبرير المواقف المتعلقة بطبيعة و أصل فيروس كورونا، لذا فأنا مع فكرة تكوين الصحفيين الجزائريين بشكل أفضل و وضع منظومة قوانين لتعزيز قطاع السمعي البصري بما يتماشى مع الظرفية، و الجزائر مطالبة في هذه الحالة بتعزيز حرية الإعلام و الحق في الوصول إلى المعلومة مع الموازنة بين القوانين و طبيعة المؤسسات.
ـ عززت الجائحة التقارب الجزائري الصيني في إطار ما عرف بدبلوماسية الكمامات و وسائل التعقيم ما هي قراءتكم لأبعاد هذا التوجه و ما هي آفاقه المستقبلية سياسيا واقتصاديا؟
ـ الأمر متعلق أساسا بأهمية الموقع الجغرافي لأية دولة، الجزائر تعتبر بوابة لأوروبا و أفريقيا على حد سواء، وهو بعد استراتيجي مهم يفسر اهتمام الدول الكبرى بها، على غرار أمريكا و الصين و أوروبا.
الآن نلاحظ بأن هناك رؤية جديدة للجزائر فيما يخص علاقاتها مع الخارج و السؤال المطروح هو لماذا الصين تحديدا، الجواب ببساطة يكمن في أن الجزائر تريد التحرر من الهيمنة الأوروبية و خاصة فرنسا و المطلوب هو تنويع الشركاء لتوسع نظرتها الاقتصادية، فالعلاقات الاقتصادية الجزائرية الأوروبية تصب حاليا في مصلحة الطرف الآخر بشكل أكبر بسبب طبيعة اتفاقيات الشراكة التي تم توقيعها مع فرنسا في 2002، و الصين معروفة بسلاسة تعاملاتها الاقتصادية مع دول العالم، فهي عكس فرنسا و دول أوروبا لا تشترط بنودا قانونية تسمح لها بالتدخل في شؤون الدول، لأن العملاق الآسيوي يسير اقتصاده الخارجي وفق مبدأ «رابح رابح»، بعيدا عن الحسابات الأيديولوجية. من جانب آخر، فإن حرب الكمامات و قرصنة التجهيزات الطبية التي شهدتها دول قوية و عظمى مع بداية أزمة كورونا أعادت ترتيب الحسابات و غيرت النظرة نحو حقيقة القوة الاقتصادية لبعض الدول.
هـ/ط