كشف البروفيسور طه مرغوب الباحث في تقنيات علاج السرطان أنه يحلم بتجسيد مشروع مركز امتياز دولي للسرطان بالجزائر يكون قطبا للبحث والعلاج، معتبرا أن السياسة العلاجية ببلادنا خلال السنوات الماضية تجاهلت العنصرين البشري والتقني وركزت على فتح مراكز وفقط، مشيرا أن المشكل لا علاقة له بالإمكانيات إنما باستنساخ تجارب دون مطابقتها مع الواقع الجزائري. ابن مدينة غرداية الذي يعد من أهم الباحثين في المركز الدولي «ميموريول سلون كيترينغ» للسرطان في أمريكا ، يترأس حاليا مجموعة بحثية من 40 عالما توصلوا إلى نتائج باهرة في مجال العلاج المناعي الذي يؤكد أنه رفع من نسبة الشفاء . وعن جائحة كورونا يتأسف العالم الجزائري لوجود من يشككون في المرض، معتبرا نقص الوعي من أسباب تأزم الوضع الوبائي ببلادنا رغم إقرار الحجر بشكل مبكر، داعيا إلى التخلص من نظرية المؤامرة وكسب رهان الوعي للخروج من الأزمة.
* حاورته : نرجس كرميش
البروفيسور الذي يعد من الكفاءات التي حركت التعاون والتبادلات العلمية بين الباحثين في الجزائر و الخارج، تفوق أيضا في علم الوراثة عند الإنسان بجامعة باريس 7 أين تحصل على دكتوراه ضمن برنامج بين ثلاث جامعات مرموقة بفرنسا ومعهد باستور، قال إن أغلب الباحثين الجزائريين في الخارج يرغبون في العودة في حال توفر المحيط الملائم لاستمرارية وجدية العمل، مثمنا التعديل المقرر على المادة 51 من الدستور، لأن ازدواجية الجنسية بالنسبة له لا تعني أكثر من وسيلة للإقامة والاستقرار مهنيا.
نسبة الشفاء من سرطان الجلد ارتفعت من 5 إلى 50 بالمئة
* النصر / تخرجت من جامعة باب الزوار وكنت من بين الأوائل في جامعة باريس 7 أين تحصلت على دكتوراه في علم الوراثة قبل أن تطلب بالاسم في واحد من أكبر مراكز البحوث في العالم، وهي محطة كان يفترض أن تكون مؤقتة في مسارك، لكنك اخترت الاستقرار بها، لماذا أمريكا؟
البروفيسور طه مرغوب / اخترت أمريكا تحديدا لأنني هنا استطعت أن أكون طه مرغوب الحقيقي ، الحياة الشخصية بهذا البلد مضمونة و محترمة، كل مواطن يعيش الحياة التي يختارها هو ، نسبيا طبعا، شعار «لكم دينكم ولي ديني» مطبق بأمريكا، مقارنة بفرنسا أو بأي بلد آخر غير مسلم، أين يطالب الوافد بالانصهار بشكل تام حتى لا يشعر بأنه جسم غريب، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فلا يطلب من أي شخص أكثر من أن يكون مواطنا يدفع الضرائب ويحترم القانون و فقط، وخاصة بنيويورك أين أقيم. هذا من الجانب الشخصي، أما علميا أنا أعمل بأحد أهم مراكز البحث و العلاج من السرطان، وهذا يلائم طموحي كباحث ، لأنني وجدت البيئة المناسبة لتطوير تخصصي والذهاب بعيدا في البحث العلمي.
لهذه الأسباب اخترت الاستقرار في أمريكا
* طه مرغوب يعد أهم الباحثين في مركز «ميموريول سلون كيترينغ « أحد أكبر وأهم مراكز العلاج والبحث في مجال مكافحة السرطان، وقد توصلت وفريقك لنتائج باهرة في مجال العلاج المناعي، إلى أي مدى سيخلص العلاج المناعي العالم من هذا المرض الخبيث؟
السرطان ليس مرضا واحدا فقط وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه الناس، هناك أنواع من السرطانات ولا بد من التفكير في عدة طرق و أدوية للعلاج ، التدخلات تكون مختلفة، معلوم أن الجهاز المناعي معد لمكافحة الأجسام الخارجة عنه ، منها الفيروسات مثل «كوفيد» و»سارس» والسرطان خلية يراها البدن كجزء من الذات ، حينما تكون مخالفة عن الذات يحاربها ، كلنا توجد لدينا خلايا سرطانية لكن يتغلب عليها الجهاز المناعي، و في حالات معينة الجهاز المناعي يعجز عن قتل تلك الخلايا لأنها تفلت منه و تختبئ، والعلاج يكمن في إخراج تلك الخلايا حتى يتمكن منها الجهاز المناعي، طبعا الأدوية تقتل السرطان بصفة مباشرة، وأما في حالة العلاج المناعي نركز على تعزيز المناعة لقتله وهنا يكمن الفرق.
بالنسبة لسؤالك حول العلاج المناعي ، أجريت عدة تجارب لهذا النوع من العلاج وسرطان الرئتين من أكثر السرطانات خضوعا للتجارب ، أما نحن فبدأنا بسرطان الجلد « ميلانوما» الذي هو تخصصي، لأنه نوع تسهل معه التجارب كما توجد تقنيات تسمح بذلك. فعلاج السرطان مر بمراحل متعددة، في البداية كان يتم بالكيميائي وبالأشعة و الجراحة، ثم أصبح العلاج الكيميائي يوجه مباشرة للطفرة السرطانية بعد تشخيصها ويؤخذ الدواء الذي يناسب تلك الطفرة لأنه يقتل الخلايا السرطانية فقط، وهي مرحلة علاجية مكنت من التقليل من التأثيرات الجانبية، مشكل هذا الدواء هي المقاومة، أي من الممكن أن تظهر خلية سرطانية أخرى.
عدد كبير من العلماء الجزائريين يرغبون في مساعدة الجزائر
* هل يعني هذا أن العلاج المناعي يوصل إلى الشفاء السريع والتام ويحول دون معاودة السرطان للمريض؟
في حالة العلاج بالمناعة فإن الفرق يكمن في كبح المرض و من تم يتحول من مرض خبيث إلى مرض مزمن ، أي يمكن أن يعيش به حامله ويتعايش معه ، مثلا «ميلانوما» أي سرطان الجلد، كانت نسبة الشفاء منه قبل 2011 خمسة بالمئة و ارتفعت إلى خمسين بالمئة بعد اكتشافات العلاج المناعي، وهذا تقدم كبير ومهم.
* اعتمدت الجزائر في السنوات الماضية مخططا وطنيا استعجاليا لمكافحة السرطان صرفت عليه أموالا طائلة وفتحت مراكز متعددة، ولكن لا يزال المرضى يعانون مع مواعيد العلاج بالأشعة و تعطلات الأجهزة، برأيك ماذا كان ينقص تلك السياسة؟
من الصعب جدا إعطاء رأي دقيق في الأمر ، لكن ما أعرفه أنها سياسة كانت تهدف لتعميم مراكز علاج السرطان وفتحها في كل أرجاء البلاد، وبرأيي فتح مراكز يجب أن ترافقه إجراءات أخرى منها الموارد البشرية، لا يمكن فتح هذه المراكز بين ليلة و ضحاها، كان يجب تحضير الكفاءات قبل ذلك، وفي مختلف التخصصات، ومنها الجانب التقني.
كان يجب تحضير الكفاءات قبل فتح مراكز السرطان
كما قلت العلاج بالأشعة يتطلب طاقات تقنية وخبرة لتشغيل الأجهزة و صيانتها، حتى لا تتوقف مثلما يحدث منذ سنوات، أظن أن توفير الأجهزة كان يفترض أن يأخذ بعين الاعتبار التكوين، أي أن الجهة المتعاقد معها للتموين يفترض أن توفر التكوين و الصيانة، وهذا العنصر الأخير يكون بفتح مراكز بالجزائر لتسريع التدخل . أظن أن عنصري المراقبة والتكوين أساسيان جدا لضمان استمرار سير مراكز العلاج بالأشعة. هذا إضافة إلى أن عدد الأطباء قليل بالنظر لمعدلات المرض، لذلك أرى أن التكوين يفترض أن يسبق العلاج، لا يمكننا أن نقتني سيارة آخر طراز ولا نوفر سائقا مؤهلا لقيادتها.
* برز العديد من العلماء الجزائريين في مجال البحث في أمراض السرطان بالخارج وخاصة أمريكا وفرنسا ، والدكتور طه مرغوب واحد من أهم الباحثين في المجال، لو استنجدت بكم الدولة لإعادة النظر في السياسة العلاجية لهذا المرض، هل ستقبل ؟
أغلب العلماء الجزائريين في الخارج مستعدون لمساعدة الجزائر ووضع خبرتهم تحت تصرف بلدهم، و إذا طلبتهم الجزائر سيدخلون بسرعة، أنا شخصيا كلما طلبت أستجيب دون تردد وأكون حاضرا ، ولكن الاستعانة بالعلماء يجب أن تكون منظمة، أي يجب العمل في ظل الاستمرارية وضمان النتائج، لا العودة ضمن حملات مستعجلة يراد منها الاستعراض و فقط، لا نريد أن نكون موضوع ضجة إعلامية دون عمل مؤسس، أنا أرفض هذا.
رجل العلم ببلادنا بحاجة إلى تفويض
* نفهم من هذا أنك مستعد للعودة ولكن بشروط ؟
كما قلت أهم عامل هو الاستمرارية ، لا يمكن خوض مجال و تبني خطة عمل بمجرد رفع الأيدي ، هذا ليس قدرا ضاغطا ،هو عمل يتم على المدى الطويل، يجب وضع الوسائل، ولا أقصد بالوسائل الأجهزة فقط ، إنما الخبرة اللازمة في كل مجال، وهذه الخبرة نجلبها حيثما وجدت.
هنا في أمريكا مثلا حينما نريد تعلم تقنية نستعين حتى بمراكز بحث منافسة، المهم هو التعاون، ومن المهم أيضا التوقف عن استنساخ التجارب ونقلها بحذافيرها. الحلول في الجزائر يجب أن تكون ملائمة للواقع الجزائري، ما لاحظته في كل المجالات هو استيراد قوالب لا تناسبنا ، وخير مثال على ذلك في مجال التعمير، نصر على البناء وفق نمط لا يتماشى وطبيعة مجتمعنا والنتيجة معروفة. لذلك كل ما نخطط لفعله لا بد وأن تتم مطابقته مع الواقع الجزائري، وحتى مع طبيعة كل منطقة داخل الوطن. وبالعودة إلى مجال تخصصي العمل يبدأ بتشخيص مسبق للوضعية و ضبط دقيق للإحصائيات الخاصة بمرض السرطان، ثم نأتي بطرق التدخل و نسقطها على هذا الواقع. أنا شخصيا أكبر أحلامي كعالم هو خلق مركز عالمي للأبحاث والعلاج من السرطان بالجزائر، يكون مركز امتياز على شاكلة المركز الذي أعمل به في أمريكا.
* هل يمكن تحقيق مشروع دولي بهذا الحجم في الجزائر ؟
نعم لم لا ؟ توجد الأموال والإرادة تحرك أي مشروع، لكن بشرط يجب أن نفوض رجل العلم والذي لا يمكنه أن يعمل لوحده، هي تخصصات متعددة تتطلب الاستعانة بخبراء، المعادلة لتحقيق هكذا مشروع ضخم ترتكز على العلم والعلاج في نفس الوقت، المركز سيكون مدرسة للتكوين ويقدم العلاج لكن ليس لكل المرضى، من يتكونون بالقطب يتكفلون بالعلاج في أماكن أخرى من البلاد، هذه هي النظرة المستقبلية.
* أ لا ترى أن تعيين البروفيسور كمال صنهاجي على رأس الوكالة الوطنية للأمن الصحي و البروفيسور إلياس زرهوني مستشارا خاصا بنفس الوكالة خطوة ايجابية وبداية استقطاب للعلماء والباحثين الجزائريين بالخارج ؟
أنا أرى في هذا التعيين بادرة خير ، استقدام البروفيسور صنهاجي و زرهوني وآخرين لديهم كفاءات سرني جدا، ولكن يجب أن يكون ذلك متبوعا بالعمل الجدي و الاستمرارية، وبالعمل الواقعي و الملموس، أنا شخصيا لا أؤمن إلا بالملموس والنتائج. في الجزائر المشكل لا علاقة له بالإمكانيات، صحيح هناك نقص في هذا الجانب، ولكن المشكل الأكبر في العمل، المطلوب هو توظيف الكفاءات والاعتراف بها ، الكفاءة يجب أن تكون هي المعيار، مثلا في جائحة كوفيد، من العوائق التي حالت دون التحكم في الوضع خلط السياسة بالعلم، إذا يجب أن نترك العالم يقود القرار في المجال العلمي.
يجب التوقف عن استنساخ تجارب دول أخرى
* كمختص في العلاج عن طريق الجهاز المناعي برأيك لماذا يصعب التحكم في كوفيد ؟
كل العالم يعرف أن أحد أكبر الأخطار التي تتهدد البشرية هي الأوبئة المعدية، و التي هي أكثر فتكا من الحروب النووية، لكن المشكلة أن العالم لم يكن مستعدا لهذه الجائحة، لو كانت الدول جاهزة لأمكن التخلص من المرض ومحاصرته .
* وكيف كان من الصعب توقع جائحة كوفيد 19 رغم أن الفيروسات الموسمية سريعة التطور وجاءت حادة وقاتلة في السنوات الأخيرة، خاصة سلالة كورونا ومنها «سارس» و «ميرس» واللذان لو أخضعا للدراسة بشكل موسع حسب باحثين، لما استغرق إيجاد لقاح كل هذا الوقت؟
الأزمة الاقتصادية جعلت دولا تخفض استثماراتها في المجال العلمي، ففي أمريكا مثلا كان هناك برنامج لمكافحة فيروس سارس ، تم إيقافه قبل سنوات، لو لم يحدث ذلك لما زاد خطر سارس كوفيد 2 أي كورونا ، وهو نفس ما حصل مثلا مع برامج مكافحة التلوث.
بالنسبة لصعوبة مواجهة الفيروس أظن أن هذه الجائحة فرصة للتعلم والبحث والتغلب عليها يتطلب وقتا وجهدا ، لكن من غير المنطقي أن نحول هذه الأزمة إلى مسألة سياسية، هنا يكمن الخطأ، منظمات الصحة لا يجب أن تخضع للسياسة والضغوطات و عملها يتطلب تمويلا كي تتحرر.
* ولكن هناك من يرى في الجائحة حربا بيولوجية تحركها أغراض جيوسياسية واقتصادية؟
من الصعب القبول بفكرة أن كورونا جزء من حرب بيولوجية، أنا شخصيا لا أؤمن بأن الفيروس مصنع أو نشر عمدا، كما أنه توجد أدلة علمية تستبعد هذه الفرضية، لكن هناك طرح آخر يقول أن أمريكا تستخدمه كغطاء لتبرير عدم فعالية العلاج، حتى وإن كانت كل الدول اليوم تنتظر الصين كي تمدها بالأقنعة.
تجارب أدوية كورونا على الأفارقة مجرد زوبعة
* أظهرت الصين تقدما و جاهزية في توفير وسائل الوقاية والعلاج وخاصة الأقنعة، بينما عجزت اقتصاديات كبرى عن ذلك، ما السبب برأيك ؟
لأن هذه الدولة لديها صناعة متقدمة جدا، وطاقة بشرية كبيرة تشكل قوتها، ما جعلها تتحرك بسرعة وتملك قوة لم تملكها دولة أخرى في هذه الجائحة وهي إنتاج وسائل الوقاية وحتى العلاج وخاصة الأقنعة ، لا ننسى أن الصين مسيطرة من قبل على الصناعة العالمية وليست دولة تعتمد على باطن الأرض مثل دول أخرى، وقد أفادها هذا في أزمة كورونا وأصبحت الممون الرئيسي للعالم بالأقنعة .
* كثـر الحديث عن اللقاح المضاد لكوفيد19 كما كثـر الجدل حول تأخر إعداده، و أنظار العالم اليوم كلها مصوبة نحو مخابر البحث وأخبارها المتضاربة.
منطقي جدا أن يتطلب اللقاح كل هذا الوقت، فهو يتطلب دراسة الفيروس ثم تجريبه على مراحل متعددة، ثم إيجاد جهة مصنعة فتوفير الكميات المطلوبة ، ووفق المؤشرات المعلن عنها من المحتمل أن يكون اللقاح جاهزا في ديسمبر.
* السؤال المطروح اليوم في ظل سباق المخابر أي لقاح سيعتمد؟ الصيني أو الروسي أو الألماني أم الأمريكي؟
ـ لا يمكن الحديث عن منافسة في الوصول إلى لقاح فعال ، السوق اليوم مفتوحة للجميع لأننا أمام جائحة وما لاحظته كعالم هو وجود تعاون كبير بين المخابر في هذا الشأن، فالصين مثلا نشرت نسخة الحمض الرويبي النووي للفيروس والتي كان يمكن أن تحتفظ بحق سريتها ، كل المخابر تعمل مع بعضها أو على الأقل تتابع عمل بعضها، ولكن عند التوصل إلى دواء الصناعة هي التي ستجسد البحث الصيدلاني وتمكن من وصول اللقاح لكل الناس.
الاستعانة بصنهاجي وزرهوني بادرة خير
* أثار طرح علماء لفكرة اختبار لقاح كورونا على البشر بدول افريقية جدلا كبيرا وردات فعل كثيرة من سياسيين و شخصيات عامة، وصفته بالفعل العنصري.
التجارب في إفريقيا مجرد زوبعة وجدل عقيم ، فالدول الافريقية مسؤولة على حماية شعوبها بوضع القوانين وتطبيقها، التجارب على البشر معمول بها ففي نيويورك مثلا تجرى تجارب على البشر لكنها مقننة ،حاليا توجد قوانين تحمي الباحث والمواطن و التجارب الكلينيكية، أظن أن الهم الأكبر هو إيجاد مجمع صيدلاني يجسد اللقاح ويحوله إلى حل ملموس، ثم أن لقاح فيروس موسمي لن تكون له أعراض أو مخاطر، التجارب هي فقط اختبار للفعالية.
* هل انخرط مخبركم في مسعى البحث عن علاج لكورونا ؟
بالنسبة للمخبر الذي أعمل به نبحث في آثار كوفيد على المناعة وكيف يؤثر ذلك على مقاومة الجسم للسرطان، وأبحاثنا لا تزال في البداية، مثل هذه الأبحاث تأخذ وقتها،و المشكل في كوفيد أن هناك الكثير من الأبحاث لكن لا يجب التسرع.
* فسر البعض دخول بيل غيتس معركة كورونا والبحث العلمي المصاحب لها بأنه محاولة لسيطرة مالك التكنولوجيا على العلم، وبلغ الأمر حد اعتباره محركا في لعبة الجائحة للسيطرة على البشرية، كيف ترون ذلك كعلماء؟
ليس بيل غيتس فقط من دخل المجال، غوغل أيضا دخل مجال البحث العلمي، فنحن مثلا كفريق بحث نشرنا بحثا عن البانكرياس استعملنا فيه تقنيات رياضية، لا بحث اليوم دون دعم تكنولوجي، التكنولوجية حتمية تسهل العمل.
تقدم الصين صناعيا مكنها من السيطرة على وسائل الوقاية
* عرفت الوضعية الوبائية في الجزائر تحسنا كبيرا لكنها عادت للتدهور في الأسابيع الأخيرة، لماذا برأيك، وهل أنت ممن يرون أن نقص الوعي من أسباب تزايد الإصابات؟
ما أضرنا في الجزائر هو نظرية المؤامرة بدأنا الإجراءات الوقائية والحجر قبل بعض البلدان لكننا للأسف أضعنا الوقت ببعض التصرفات التي ينقصها الوعي، من خلال متابعتي للوضع وجدت من يشككون في وجود كورونا، هؤلاء أقول لهم في نيويورك حيث أعيش أكثر من 20 ألف شخص ماتوا بكوفيد ، في محيطي هناك من فقدوا ذويهم و من أصيب أفراد من عائلاتهم، إذا لم التشكيك الذي أدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها،المرض حقيقة غير قابلة للنقاش وما يجب فعله الآن هو إيجاد آليات للعيش والتعايش مع كورونا، الحياة يجب أن تستمر إلا أن الرهان هو كيف نمارس حياتنا بشكل سليم وفي نفس الوقت نحمي أنفسنا. وعليه التحدي الأكبر هو أن ننتصر في معركة الوعي بحيث نتعلم كيف نتكيف مع الوباء بتبني نمط حياة جديد.بدأنا الحجر في بلادنا بشكل متقدم وعلينا أن نستلهم من نموذج كوريا الجنوبية وننجح في اختبار حماية أنفسنا، الخطر يكمن في إنكار المرض، وهذا يتعارض و ديننا الحنيف الذي يوصينا بحماية أنفسنا و الآخرين، فما بالك أن نكون نحن سببا في نشر المرض.
أقول لأبناء بلدي يجب أن نفكر بأن مصيرنا بأيدينا ونحن من نغير إيجابا أو سلبا ، نحمي أنفسنا ونحمي عائلاتنا ونكون كتلك الدول التي يحركها الوعي و التحضر، وأنه لا توجد طريقة أهم من الالتزام والانضباط ، يجب أن نكون كمسلمين حقيقيين نفكر في الآخرين مثلما نفكر في أنفسنا إذا كان عندي مرض لا أنقله لغيري .. الحل في أيدينا كمواطنين.
التحدي الكبير في الجزائر هو الانتصار في معركة الوعي
* ما هي الرسالة التي توجهها للجزائريين في هذه المرحلة الحرجة؟
الرسالة التي أوجهها كجزائري هو يجب أخذ بعين الاعتبار كل الجزائريين واستغلال كل الكفاءات والطاقات مهما كان مجالها بسيطا، حتى نشكل نواة للإنتاج الجزائري، ونخدم بلادنا ونساعدها على التخلص من التبعية لدول أخرى، حاليا أكثر الشركات تعمل في الاستيراد نريد الانتقال إلى التصدير الفعلي.
* لبلوغ هذا المستوى ما الذي يجب توفره؟ وكيف نصل إلى معادلة التوظيف الفعلي للكفاءات؟
يجب أن نغير ولا نبحث عن مبررات للفشل لأن التبرير هو عدونا الوحيد، الكل مطالب بالعمل والتعامل مع الكفاءات يجب أن يكون على مستوى واحد بكامل التراب الجزائري، لا يجب أن نكتفي بالمعدل العادي للأداء لا بد من السعي للامتياز والتفوق ولا يكون ذلك إلا بالإتقان، الامتياز هو مفتاح النجاح، علينا البحث عن حلول جزائرية للجزائر ربما نستورد الأفكار ولكن يجب أن نجعلها ملائمة للنمط الجزائري. آن الأوان لنتوقف عن تحميل المسؤولية للآخرين ونعمل لنكون الأحسن وهذا ليس بالأمر المستحيل.
يجب تجاوز مرحلة الشك للتعايش مع كورونا وحماية أنفسنا
* ينظر الكثير من المغتربين للتعديل المقترح على المادة و51 من الدستور بعين التفاؤل كونه سيرفع شرط التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها لتقلد المناصب العليا والسياسية في البلاد، هل سيكون هذا حافزا للكفاءات كي تخدم الجزائر؟
كل جزائري حيثما وجد يجب أن يعتبر كجزائري كامل الحقوق و الانتماء ، ولا يجب أن نفرق بين جزائري الجنوب أو الغرب أو الشرق و جزائريي الداخل و الخارج، وظيفة أي دستور هي استغلال كل الكفاءات سواء كانت في الداخل أو الخارج، أنا كجزائري أعيش في الولايات المتحدة والتعديل الذي طرأ على المادة 51 من الدستور ضمن تعديلات سنة 2016 جعلني أعتبر كنصف جزائري، بالنسبة لنا ازدواجية الجنسية ليست غاية إنما وسيلة للاستقرار والإقامة و العمل، هي لا تعني التخلي عن جزائريتنا، لذلك من المهم تعديل المادة ورفع شرط الجنسية الجزائرية دون سواها. برأيي المهم في التعيينات هو مدى الولاء للجزائر، وهذا أمر يمكن أن نلمسه من مسار الشخص وحياته وما يمثله، و للدولة طرقها للتحقق من هذا الولاء ، قد يكون لدى أي شخص جواز سفر واحد ولكنه خائن لوطنه ، الوطنية ليست هي الجنسية. الخوف في ظل القوانين القديمة كان على الأجيال الجديدة لذلك من المهم جدا إدراج هذا العنصر ضمن الدستور. أنا شخصيا لا أحب عبارتي «الجالية» و الكفاءات الجزائرية في الخارج، هناك كفاءات جزائرية وفقط لا يهم أين تتواجد.
* كنت إلى جانب مجموعة من العلماء وراء إنشاء المؤسسة الجزائرية الأمريكية التي نظمت مبادرة الجامعة الصيفية التي حطت رحالها بعدة جامعات، بتنظيم محاضرات ودورات تكوينية، ما الذي حققتموه إلى اليوم؟
الجامعة الصيفية كان هدفها الأول عندما أنشئت أن تكون همزة وصل بين العلماء في الجزائر وفي الخارج ، قدمنا محاضرات بالجامعات ودورات تدريبية و حققنا تبادلات علمية ، التقينا بالطلبة وتعرفنا عليهم، كما ساعدنا بعضهم في الحصول على فرص تربصات وتطوير فرص الاستقبال في الخارج بتقديم عروض حقيقية تخدم البحث و الجامعة، نظمنا عدة طبعات بباب الزوار و باتنة و طبعة هذا العام كانت مبرمجة بوهران إلا أن الظروف التي فرضتها الجائحة حتمت تنظيمها عبر تقنية الفيديو.
التغيير في بلادنا مرتبط بالابتعاد عن تبرير الفشل
* ما الذي سيتغير بعد كورونا ؟
نمط التعامل بين الناس سيتغبر ، في المبادلات والمحاضرات التعامل عن بعد سيزيد أكثر من ذي قبل، لأنه قبل كورونا التكنولوجيا لم تكن مستغلة كما يجب، كما ستغير الكثير من الدول من سياستها الاقتصادية، مثلا الحكومة اليابانية استرجعت الكثير من الصناعات التي أنشئت في الصين وأعادت توطينها في اليابان، الدول فهمت أن التبعية للخارج ستوقعها في مأزق يشبه مأزق كورونا، وأنه يجب الحفاظ على حد معين من الصناعة الداخلية، كما سيشهد العالم أزمة اقتصادية عالمية سيكون لها الأثر الكبير في حياتنا، وهي أزمة يجب أن يتم التوصل لحلول للتخفيف من وقعها.
ن/ك