يرى الطبيب و الباحث الجزائري في الصحة العمومية بأمريكا الدكتور زكي علال، أن 90 بالمئة من الأشخاص الذين أصيبوا بكورونا، تتشكل لديهم مناعة ضد هذا الفيروس للعديد من السنوات، كما يعتقد أن التطعيم ضد الانفلونزا يعتبر ضروريا في هذه الفترة، و يتوقع في حوار للنصر، أن العودة إلى الحالة العادية بالجزائر لن يكون قبل جوان من سنة 2021، ليتطرق إلى مواضيع عدة يربط بعضها بدور الموسيقى في هذه الأزمة الوبائية، باعتباره عازف بيانو.
حاورته: ياسمين بوالجدري
• عادت حالات كورونا إلى التراجع في الأسبوع الأخير بعد أن كان عددها قد تخطى ألف إصابة يوميا. هل هذا مؤشر على بداية انتهاء الذروة الثانية للوباء؟
لا أعتقد أنها مؤشر على ذلك، لكن ما يمكنني قوله، هو إن الإجراءات التي قامت بها السلطات بغلق المتاجر والمطاعم والمقاهي، ساعدت على تسجيل نقص في عدد الإصابات بكورونا، غير أن هذا لا يعني نهاية الذروة، فلو عادت مظاهر عدم احترام إجراءات الوقاية والتراخي، سنشهد زيادة أخرى.
أشبّه دائما تطور الحالة الوبائية بالباخرة، فعندما يوقف قبطانها المحرك خلال إبحارها بسرعة، سيحتاج الأمر وقتا لكي تتوقف، لذلك فإن التراجع المسجل في أعداد الإصابة بكورونا ما هو إلا نتيجة الإجراءات التي اتخِذت قبل 14 يوما، فالهدف هو ربح الوقت لأقصى حد ممكن، و تقليص أعداد الوفيات لأقل عدد ممكن.
المصابون بكورونا لُقحوا طبيعيا
• يرى علماء أن شراسة فيروس كورونا لم تنقص مقارنة بما كانت عليه قبل 8 أشهر، و يقولون إن نقص الوفيات راجع إلى ضبط عوامل الموت الأخرى وعدم ربطها بكورونا مثلما كان عليه الأمر سابقا. هل توافقهم الرأي؟
تراجع عدد الوفيات يعود للعديد من الأسباب، أولها وأهمها هو فهم الفيروس بدقة أكثر مما كنا نعلم عنه في البداية، فما عرفناه وقتها هو أنه يقتل كبار السن و ذوي الأمراض المزمنة، وليس الشباب، كما كان العلاج يتم بدواء هيدروكسي كلوروكين قبل أن تثبت التجارب أنه ليس ذا فعالية. هناك كذلك أبحاث أخيرة بيّنت أن “كوفيد 19» يؤدي، زيادة على الأعراض التنفسية، إلى تحجر الدم في القلب والرئتين و الكلى، والعديد من الضحايا كان سبب وفاتهم سكتة قلبية وتأثيرات سلبية جدا على الأعضاء الكبرى بالجسم.
أرى أيضا أنه كان هناك بالفعل نقص في درجة خطورة الفيروس خلال فصل الصيف، وهو ما وقفت عليه في الميدان كطبيب، فقد مرت علينا حالات أشخاص يعانون من أمراض مزمنة لكن لم تحدث لهم تعقيدات، لكن الوضع تغير في فصل الشتاء، و هذا أمر أترك الأبحاث العلمية لتثبته، خاصة ما تعلق بالتأثير المحتمل لارتفاع درجة الحرارة على خطورة فيروس كورونا المستجد.
• هل تتشكل مناعة ذاتية لدى جميع الأشخاص المصابين بكورونا؟
الأبحاث والتقارير التي اطلعت عليها لحد الآن حول هذا الموضوع، متضاربة، فهناك من يقول إن المناعة ضد كورونا تدوم لأكثر من 9 أشهر بعد الإصابة بها، بسبب تشكل الأجسام المضادة في جسم الإنسان، وهناك من يقول إن المناعة تدوم للعديد من السنوات.
«زيتروماكس» ممنوع على هؤلاء المرضى
ما نزال لا نعرف هذا الفيروس جيدا، لذلك من الصعب على أي طبيب تقديم رقم دقيق بهذا الشأن. كطبيب، أظن أن أكثر من 90 بالمئة من الأشخاص الذين أصيبوا بكورونا، تتشكل لديهم مناعة ضد هذا الفيروس للعديد من السنوات.
• هل تكفي المناعة الذاتية الناجمة عن كورونا، لمنع الإصابة بها مرة أخرى؟
يقول البعض إنهم أصيبوا بكورونا مرة ثانية، لكن العديد من الأشخاص ظنوا أنهم تماثلوا للشفاء بظهور نتائج سلبية في التحاليل، لكنهم لم يتماثلوا للشفاء فعليا، والسبب هو أن التشخيص لم يتم بطريقة جيدة. عندما تتشكل لدى الشخص مناعة ذاتية فإن الأعراض لا تظهر عليه.
• هل يمكن أن يكون هذا الشخص ناقلا للعدوى؟
لا، لكن في حالة واحدة قليلا ما تحدث، وهي عندما يكون الفيروس على سطح مادة كمعدن أو زجاج، ثم يلمسها هذا الشخص، و يلمس بعد ذلك إنسانا آخر، لذلك فإن التلقيح ضد كورونا يعتبر حاليا من الأوليات للتقليص في أعداد الوفيات.
• هل يحتاج الأشخاص الذين مرضوا سابقا بكورونا إلى أخذ هذا اللقاح؟
لا ليسوا في حاجة للقاح لأن أجسامهم تكون قد شكلت الأجسام المضادة، من يحتاجون فعلا للتطعيم هم الأشخاص المعرضون للخطر بسبب التعقيدات الصحية الناجمة عن كورونا، وهم المصابون بالأمراض المزمنة و المسنون المهددون بالوفاة، و كذلك العاملون في الميدان بقطاعات الصحة والأمن البريد وغيرها، ليصل أخيرا إلى الشباب.
خطورة الفيروس قلّت صيفا
اللقاح ما هو إلى كورونا اصطناعي يجعل الفيروس الحقيقي غير خطير عند دخوله جسم الإنسان، هذا شرح مبسط لكي يفهمه العامة. لقد مرّ علي مرضى أصيبوا بكورونا صيفا ولم يتعرضوا لمضاعفات خطيرة، وقد طمأنتهم بأنهم حصلوا على لقاح طبيعي.
• ما الذي قد يجعل لقاح الانفلونزا الموسمية ضروريا خلال مرحلة انتشار الوباء؟
ننصح كل الأشخاص المسنين و العاملين في قطاع الصحة، بأخذ لقاح الانفلونزا، فالأطباء العاملون في الميدان سيكون لديهم نوع من الصعوبة في معرفة إن كانت أعراض المريض تتعلق بكورونا أو بالانفلونزا، فيأخذون وقتا أطول للتشخيص، لذلك يطلب الطبيب اختبار «بي سي آر» و الكشف بالسكانير للتأكد، لكن الغاية هي عدم إحداث ضغط على الجهاز الصحي الذي ما يزال يعيش في الأصل حالة ضغط، لذلك فإن لقاح الانفلونزا سيخفف حالة الضغط هذه.
النقطة الثانية هي أننا لا نعرف كيف يتعامل فيروس الانفلونزا مع كورونا لو أصيب بهما الإنسان في الوقت نفسه. لا نعلم التطورات التي قد تحدث علميا و طبيا، لذلك أنصح بأخذ لقاح الانفلونزا الموسمية.
• لجأ العديد من المرضى إلى التطبيب الذاتي و استهلاك مضادات حيوية بصورة عشوائية خاصة عقار «زيتروماكس»، ما مدى خطورة ذلك؟
هناك عدة مخاطر يسببها تناول الأدوية بصورة عشوائية، ففي بداية الوباء توفي أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية بعدما سارعوا إلى تناول دواء هيدروكسي كلوروكين دون استشارة طبية، فهذه وظيفة الطبيب وهو الذي يحدد الجرعة.
بالنسبة للمضادات الحيوية و منها “زيتروماكس»، فإن الطبيب يصفها حسب الحالة و وفق جرعات مدروسة، حيث تُقدم للأشخاص الذين يعانون من التهاب اللوزتين أو التهاب القصبات و الالتهابات البكيترية و التهابات الرئة و الجهاز التنفسي و المعدة. «زيتروماكس» مضاد حيوي يحارب البكتيريا و كورونا مرض فيروسي، والفيروس ليس كائنا حيا كالبكتيريا بل هو مادة جينية.
• إذن، متى يوصف المضاد الحيوي لمرضى كورونا؟
عندما يعتقد الطبيب أن هناك احتمالا بأن مريض كورونا يعاني من التهاب رئوي، على اعتبار أن فيروس كوفيد 19 ينقص فعالية الجهاز المناعي، ويؤدي إلى تشكل بكتيريا تزيد و تتكاثر، فتتم محاربتها بالمضاد الحيوي. بالنسبة لدواء “زيتروماكس»، فإنه يوصف مع تشخيص الحالة بدقة، لكنه ممنوع على مرضى الحساسية و النساء المرضعات في الثلاثة أشهر أولى بعد الحمل، و مرضى الكبد والمرارة، إضافة إلى أن هناك أشخاصا يعالجون من أمراض أخرى بأدوية معينة قد يؤدي تفاعلها مع “زيتروماكس»، إلى الإضرار بصحة الشخص، لذلك يجب ألا يُباع هذا الدواء دون وصفة طبية.
محرك «غوغل» ليس طبيبا
لو أخذ الإنسان المضادات الحيوية دون سبب طبي يتطلب ذلك، فإن جسمه سيشكل مقاومة لها، و لن تكون هذه الأدوية فعالة عندما يكون في حاجة إليها فعلا. بهذا التصرف سيضّر الشخص نفسه بطريقة غير مباشرة.
• تأثر العديد من الأشخاص بما يقرأونه على شبكة الانترنت من معلومات حول علاجات كورونا وصاروا يتبعونها بصورة عشوائية. كيف تعلق على هذا الأمر؟
هناك من يبحثون عن الأعراض في محرك البحث غوغل، و «غوغل» ليس طبيبا، لذلك أدعو إلى عدم الخلط بين نتائج البحث به وبين ديبلوم الطب.
الطبيب يتمتع بالخبرة والحكمة، و ما يوجد بـ «غوغل» يمكن أن يُعرض بطريقة خاطئة تلائم الشركات باستخدام الحسابات الوهمية التي تضع تعليقات في المنتديات وغيرها قصد تحريض الأشخاص على شراء منتج معين، زيادة على ما تسببه المعلومات الخاطئة من رفع درجة التوتر والقلق خلال الأزمة الوبائية التي ميزتها شحنة عاطفية كبيرة. لهذه الأسباب، يجب الرجوع لأهل العلم وهم الأطباء في هذه الحالة.
الجزائريون أدركوا قيمة الصحة بسبب الجائحة
• في إحدى فيديوهاتك التوعوية، أشرت إلى أن الكمامة لا يمكن أن تكون سببا في نقص الأوكسيجن في الدم. لكن ماذا عن المصابين بالأمراض التنفسية، بماذا تنصحهم؟
الأشخاص الذين يعانون من صعوبة التنفس عبر الأنف و الحنجرة بسبب عضلي، و كذلك من يشعرون بتعب كبير ودوار، يمكنهم نزع الكمامة مؤقتا، لكن شخصيا لم أر مرضى يعانون من أمراض رئوية، تأثروا بالكمامة. كل مواطن جندي في هذه الحرب البيولوجية و كوفيد 19 ما هو إلا تمرين مواطنة. لقد رأينا في الولايات المتحدة مثلا، كيف تسبب الجدل المثار حول جدوى وضع القناع، في تضييع الوقت، وأمريكا تدفع ثمنه اليوم، لكن الجزائر ستكون الاستثناء في المنطقة لأنها اتخذت الإجراءات مبكرا وأغلقت الحدود.
• ما هي التدابير الوقائية الأخرى التي تنصح باتخاذها في هذه الفترة من انتشار الوباء؟
إضافة إلى وضع الكمامة، يجب غسل اليدين بالمعقمات أو بالماء والصابون، و لو حدث أن يجتمع عدة أشخاص في مكان واحد، ينبغي ضمان التهوية، فهناك نظريات تقول إن كوفيد 19 يشبه مرض السل في طريقة الانتقال، يُضاف إلى ذلك التباعد الاجتماعي. دون كل هذه الإجراءات لا يمكننا بالقيام بشيء في انتظار وصول اللقاحات التي ستستفيد منها أولا الولايات المتحدة وبلدان أوروبية، كما أن الأمر يتعلق بمعطيات جيوسياسية، لذلك قامت منظمة الصحة العالمية بتشكيل لجنة كوفاكس لضمان توزيع التطعيم خاصة بالدول الأفريقية.
العودة للحالة الحالة العادية بالجزائر لن تكون قبل جوان 2021
• في تقديرك، متى ستنتهي الأزمة الوبائية؟
أظن أن نهاية أزمة كوفيد 19 والعودة إلى الحالة العادية بالجزائر، لن تكون قبل جوان 2021، وأكبر معيار لاستئناف الحياة العادية دوليا، هو إعادة فتح الحدود بين بلدان العالم.
• يلاحظ التزام بين المواطنين في وضع الكمامات مقارنة بما كان عليه الأمر قبل أشهر، هل تعتقد أن كورونا ستغير من الثقافة الوقائية لدى الجزائريين؟
لاحظت تفاوتا في احترام تدابير الوقاية بين ولايات الوطن، لكن أعتقد أن الجزائريين أدركوا قيمة الصحة بسبب الجائحة، كما شعرت بالفرح عندما أعطيَت للطبيب مكانته من طرف رئيس الجمهورية. هناك نوع من الوعي بصفة عامة، لكن ما يزال هناك عمل مطلوب.
• باعتبارك عازف بيانو أيضا، كنت قد أشرت إلى أهمية الموسيقى في العلاج، هل تعتقد أن هذا الأمر مُجد في حالة كورونا؟
أجل، أعتقد أنه مجد و بقدر كبير. لقد أحدث كوفيد 19 تأثيرات نفسية و عقلية كثيرة، و زاد من عزلة الأشخاص والتوتر، كما أن الضغط الاقتصادي انعكس على الأشخاص من خلال القلق والاكتئاب، إلى جانب ما عاناه مرضى السيدا والسرطان والكلى.
الآن مع توفر أدوات رقمية عبر الانترنت، ساهمتُ كفنان بموسيقاي، لأن الفن نوع من العلاج، فقد ثبت علميا أنه ينقص القلق والاكتئاب، كما يحسن الذاكرة ويزيد التفاؤل والإيجابية، ليعيد نوعا ما التوازن النفسي للفرد. لقد أجريت حفلات موسيقى كلاسيكية افتراضية على صفحتي بموقع “فيسبوك” و تقليت أصداء من متابعين ذكروا أنها ساعدتهم في تقليل التوتر و في التركيز أثناء مراجعة الدروس وحتى في تهدئة الأطفال. بهذا أكمّل نوعا ما العلاج الطبي.
ي.ب