ترى الدكتورة ميس عبسي، الأكاديمية و الباحثة السورية في علم الأدوية بالكلية الملكية البريطانية في لندن، بأنه لا يوجد تسابق بين الدول من أجل تسويق لقاحات فيروس كورونا، لأن النتائج المحققة عبر العديد من المخابر، ستعمل على مواجهة الفيروس و الحد من انتشاره و سيكون أمامها العديد من التحديات، خصوصا في ما يتعلق بالنقل و التكلفة و كذا مدى نجاعة الطرق الجديدة المنتهجة في كل لقاح يتم صنعه.
حاورها: كريم طويل
في ظل الأخبار المتسارعة حول لقاحات كورونا المنتظرة و المطوّرة في عدة مخابر، هل يمكن معرفة أهم اللقاحات الجاري تطويرها، و ما يميّزها ؟ وهل هناك مخابر متقدمة في هذا المجال ؟
هناك العديد من اللقاحات في المرحلة السريرية الثالثة و الأخيرة، مثلما أعلنت عنه بعض الشركات، عبر تحاليل أولية، لكن يجب إتمام دراستها و بشكل مفصل ، فاللقاحات التي أنهيت التجارب الخاصة بها هي، لقاح فايزر بيونتك ببريطانيا، و الذي اعتمد من قبل هيئة الدواء و الرعاية الصحية البريطانية، و لقاح «مودرنا» والذي لم يعتمد حاليا من أي مخبر و قدمت أوراقه لمنظمة الدواء الأمريكية و الدواء الأوروبية، و هناك لقاح «أسترازينيكا» و قد أنهيت التحاليل الأولية للتجارب السريرية الثالثة الخاصة به، و على أساس ذلك قدمت أوراقه للجهات المختصة.
نملك معلومات أكبر للسيطرة على الوباء
كما أن هناك لقاحات أخرى قيد التجربة السريرية الثالثة، على غرار سبوتنيك الروسي، جونسون و جونسون الأمريكي، «كانسينو» الصيني، و هي متشابهة من ناحية التصميم . كما نجد لقاحي « «صينوفارم» و صاينوفاك الصينيين، و هما متشابهان من ناحية استخدام الفيروس بعد تعطيله، إضافة إلى « كوفاكسين» الهندي، و بكندا يوجد « جي أس ك أي» محل دراسة، و هو الذي في تصميمه يشبه اللقاحات التي تعتمد على النباتات لتصنيعها و ليس الخلايا، كما توجد لقاحات أخرى في مرحلة التجارب السريرية.
و قد أجريت مع بداية انتشار الفيروس ببعض الدول الافريقية والآسيوية دراسات ، حينما كانت الوفيات قليلة، أشارت إلى أنه يمكن للقاحات السل التي كانت تعطى بشكل إجباري منذ مرحلة الطفولة، أن تمنح مناعة ضد السارز كوفيد، بمعنى في حالة الإصابة بكوفيد، تكون الأعراض خفيفة و بناء على ذلك، هناك تجربة سريرية تجرى في أستراليا، يتم من خلالها تقديم لقاح السل « بيس ي جي» للأشخاص العاملين في المجال الصحي، للتحقق من الدراسة و المساهمة في التخفيف من أعراض كوفيد.
هل أصبحت لقاحات كورونا مجالا للسباق التجاري بين الدول المنتجة، خصوصا و أن أغلبيتها تتحدث عن فعالية لقاحها و طلبت الضوء الأخضر من منظمة الصحة العالمية في نفس التوقيت؟
لا أعتقد بأنه نوع من السباق من الشركات، بل العالم يحتاج إلى أكبر قدر من اللقاحات لتغطية العدد الكبير من الطلبات في العالم و لا يمكن لشركة أن تؤمن الجرعات للجميع و لا نعرف أي اللقاحات ستكون فعالة و آمنة و بحاجة إلى تعدد اللقاحات و كثرتها.
و سبب ظهور نتائج لقاحات في مرحلة متقاربة و في المرحلة السريرية الثالثة، راجع إلى أن معظم اللقاحات السابق ذكرها، بدأت بوقت متزامن و من المتوقع أن تظهر النتائج متقاربة زمنيا، كما ذكرت نحن بحاجة لكافة اللقاحات التي تجرى ضمن المرحلة الأولى أو الثانية، أو تلك التي ستأتي لاحقا و التي ستكون بتطبيق طريقة مختلفة لتقديمه، إذ أن اللقاحات الثلاثة الحالية، تعطى عن طريق الحقن، و التي ستأتي مع الوقت، ممكن أن تعطى عن طريق الأنف، كون الدراسات تشير إلى أن ذلك يمكن أن يعطي فعالية أفضل.
الوصول لمناعة القطيع يتطلب وقتا أطول
أعلنت فايزر مؤخرا ، عن إتمام المرحلة الثالثة من تجاربها، ما هي توقعاتك حول التسويق و العوائق التي يمكن أن يواجهها اللقاح؟
بالنسبة للقاح فايزر، ففعاليته كبيرة و وصلت إلى نسبة 95 بالمائة، بمعنى أن إعطاءه للأفراد سيخفف من أعراض كوفيد، حيث إذا تم تقديمه لـ 100 شخص، فإن 95 شخصا لا تظهر عليهم أعراض كورونا و بالنسبة للتحدي الذي يواجهه اللقاح، فهو طريقة النقل و التسويق و التخزين، إذ يحتاج إلى تبريد شديد يعني أقل من 70 درجة مئوية، بمعنى الشركة ستكون مسؤولة عن نقل اللقاح من المصنع إلى الجهة المطلوبة و يكون محفوظا في صناديق خاصة و يبقى لعدة أيام، بالإضافة إلى توقيت إخراجه و درجة الحرارة التي يجب أن تحترم ، بالإضافة إلى كونه تحديا، فإنه سيمس مختلف الدول لتخزينه و نقله و يساهم في الرفع من التكلفة، والتساؤل الواجب طرحه، كيف سيتم نقله للمناطق النائية ؟ و هل ستكون مجهزة بالشكل الكافي، خصوصا درجة الحرارة الجد المهمة في فعالية اللقاح. حاليا سعر لقاح مودرنا يتجاوز 35 دولارا و فايزر 20 دولارا و هذه اللقاحات ستعطى على جرعتين.
مخاوف عديدة و هواجس متداولة في الشارع و حتى بين أطباء، حول إمكانية حدوث مضاعفات من اللقاحات ما مدى صحتها؟
اللقاحات التي تحدثنا عنها هي حاليا في المرحلة السريرية الثالثة و باقي المراحل الأخرى، بعضها يعتمد على أخذ الفيروس ككل و يتم القضاء عليه، وهو مبدأ عمل اللقاح الصيني « صاينوفاك» و «كوفاكسان» الهندي و هناك أنواع أخرى من اللقاحات، تستخدم الجزء البروتيني من الفيروس، و بالتحديد جزء من البروتين الشوكي الموجود على سطح الفيروس و الذي يعتبر أساسيا لدخوله للخلية، و هي الطريقة المعتمدة في لقاح « نوفافاكس».
طريقة وضع القناع الواقي مهمة
أما لقاحات مثل « أسترازينيكا «، «سبوتنيك الروسي»، « جونسون أند جونسون»، فتستخدم المادة الوراثية التي تحمل المعلومات المسؤولة عن صنع البروتين الشوكي و ليس البروتين الشوكي الأصلي ، و يتم أخذ جزء منه و يوضع في فيروس آخر بديل بنفس التركيبة الوراثية و هناك لقاحات مثل لقاح «فايزر» و «مودارنا»، تستخدم الجزء المسؤول عن صنع البروتين الشوكي و لكن لا تعتمد في إيصال اللقاح للجسم على طريقة الناقل الفيروسي مثل باقي اللقاحات، بل يتم استعمال طريقة أخرى و المتمثلة في الحبيبات الذهنية.
التقنيات الجديدة المستعملة في تركيبة لقاح فايزر و بعض اللقاحات، كانت موضوع دراسات لسنوات عديدة و لا يوجد لحد الآن لقاح معتمد بهذه الطريقة، فالموافقة على لقاح فايزر بتركيبته ، تعتبر سابقة في تاريخ البشرية و نفس الشيء بالنسبة لتقنية و تصميم لقاحات» أسفرزينكا»، جونسون و جونسون» و التي تعتبر تصاميمها جديدة، ما جعل بعض الجهات تتخوف، كونها من تصاميم جديدة لم تستعمل من قبل في اللقاحات، و لكن لا أرى أي مشكل في تطبيقها، لأنها كانت محل دراسات لسنوات، من أجل الوصول إلى العلاج و اللقاحات للأمراض السرطانية.
التجارب السريرية و المراحل التي يمر بها أي لقاح، على غرار تجريبه على الحيوانات و تجريبه على الأشخاص، تعتبر إحدى شروط الضمان، فأي لقاح يمر على عدة مراحل لضمان أمانه و لا يمكن أن يحصل تهاون، كما أنه لم يتم تسجيل مضاعفات خطيرة في المراحل السريرية، كما أن اللقاح يخضع للمراقبة بعد الموافقة عليه لعدة سنوات.
رغم مرور سنة على ظهور الفيروس، هناك من يتحدثون عن مؤامرة تركيب الفيروس في المخابر، لغرض إحداث توازنات دولية، هل أنت مع هذا الطرح ؟
توجد دراسات تتعلق بانتقاله من الخفاش إلى الحيوان كوسيط قبل انتقاله إلى الإنسان، وهناك نظرية ثانية لا يوجد دليل يؤكدها أو ينفيها، تقول إنه ممكن أن يكون مصدر الفيروس المخابر الصينية، كونها كانت تدرس منذ سنوات الفيروسات، على غرار «السارز»، ما طرح احتمال تسرب كوفيد من المخابر، لكن لا يوجد ما يؤكد أو ينفي ذلك.
و في ما يتعلق بالأبعاد السياسية، فلا أستطيع الحديث عنها، حيث أن المطلوب في الوقت الراهن، هو التركيز على الفيروس بالبحث عن كيفية الخروج من الوباء عبر أربعة محاور، العلاج، الوقاية، اللقاح، الاختبار.
هذه هي الفروق بين مختلف اللقاحات
للوقاية من فيروس كورونا ما هي أهم النصائح الممكن تقديمها للقارئ؟
الوقاية خير علاج و لابد من الحفاظ على نظام غذائي صحي، إذ تشير دراسات إلى أهمية الفيتامين «دي» و لابد أن يكون مرتفعا في الجسم، بالإضافة إلى النوم الجيد و شرب السوائل و لابد من العناية بالأنف و الفم كونهما إحدى نقاط دخول الفيروس عبر الغرغرة الفمية، و تظيف الأنف يوميا بالماء، و يمكن أن يتم استعمال بعض المعقمات الأنفية بدرجة قليلة و يفضل أن لا تستعمل بشكل كبير، خصوصا للأشخاص المتواجدين في الفضاءات التي يكثر فيها الأشخاص و يصعب معها تطبيق التباعد الاجتماعي لساعات.
أما القناع الواقي فطريقة وضعه جد مهمة، وفق التوصيات المقدمة و المعمول بها ، إضافة إلى نظافة اليدين التي تعتبر من بين الأولويات في الوقاية، و بالنسبة للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة، فيفضل تطبيق العزل و الابتعاد عن أفراد العائلة و التأكد عن طريق اختبار «بي سي أر» و تناول الأدوية التي يصفها الطبيب للمصاب .
الموافقة على لقاح بتقنية «فايزر» سابقة في تاريخ البشرية
تعددت طرق علاج كورونا (البرتوكولات العلاجية) عبر المستشفيات، ما هي أفضل الطرق المقدمة للعلاج؟
لا يوجد حاليا في العالم بروتوكول علاجي موحد و معتمد، هناك دراسات و أبحاث و تجارب سريرية تجري على أشخاص و مرضى، للوصول للعلاج الأمثل، ويجب الانتباه إلى أنه لا يوجد علاج واحد لكوفيد، كونه يصيب عدة أجزاء في الجسم و ترافقه أعراض، كما أن المرحلة التي يتم فيها معالجة الفيروس جد مهمة، المرحلة الأولى تكون خلال العشرة أيام الأولى، حينما يكون الفيروس أكثر نشاطا و يجب أن نستخدم خلالها الأدوية المضادة للفيروس و نحاول الالتزام ببعض الإجراءات التي تحافظ على الجهاز المناعي و تجعله قويا و يتصدى للفيروس، لمنعه من الوصول للجهاز التنفسي، لكن فيما بعد و عند الدخول إلى المرحلة الثانية بعد فقدان السيطرة على الفيروس خلالها، تظهر الحالة الالتهابية و التي يجب فيها إدخال المريض للمستشفى و إجراء العلاج المعتمد و قياس نسبة الأكسجين، و المرحلة الثالثة هي التي يصل فيها المصاب إلى العناية المشددة، و هي الأخطر.
و في بعض المراحل، يمكن استخدام المميعات الدموية ( تمنع تخثر الدم) و ما يمكن قوله، هو أن العديد من الأدوية تفيد فئات مصابة دون فئات أخرى و لا يمكن تعميمه على جميع المصابين.
متى يتوقع اختفاء فيروس كورونا بشكل تام؟
في الوقت الحالي، هناك لقاحات عديدة في التجارب السريرية و أخرى يتم تطويرها بشكل أكبر و صرنا نملك فكرة عن العلاج بشكل أفضل و عن الفيروس و كيف يتصرف و يؤثر على الجسم بالإضافة إلى عاملي الاختبارات و العزل، الآن نملك معلومات أكبر للسيطرة على الوباء.
المرحلة مهمة في طريقة العلاج
صحيح أننا نجهل بعض المعطيات عن الفيروس، و لكن بالنسبة للشخص المصاب، يمكن أن يكتسب مناعة لا تتجاوز السنة و اللقاحات يمكن أن تقدم مناعة لأشهر، و ربما لمدة أطول، فنحن لا نملك إجابات لأسئلة تبقى مطروحة كون الفيروس ظهر منذ سنة فقط.
ما استطيع قوله، هو أننا نسير في الاتجاه الصحيح للقضاء على كوفيد، و مضطرين للعيش مع هذا الفيروس، إلى غاية تلقيح أكبر قدر من المواطنين و الوصول لمناعة القطيع التي تتطلب وقتا طويلا، و حاليا لابد من تطبيق إجراءات الوقاية المعمول بها.
كـ.ط