الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الباحث أسامة مطاطلة من جامعة بريستول البريطانية يؤكد للنصر


التفاعل الإنساني الحاسوبي مجال شبه منعدم في المؤسسات الجامعية الجزائرية
يُعرفنا الدكتور أسامة مطاطلة، الباحث الجزائري بجامعة بريستول في المملكة المتحدة، في هذا الحوار، بأهمية التفاعل الإنساني الحاسوبي كمجال محوري في دراسة تصميم وتأثير التكنولوجيا على المجتمع وتحسين تجربة التعامل معها لبلوغ أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يؤكد أنه موضوع شبه غائب في الجامعات الجزائرية من ناحية الدراسة أو البحث، لكنه يرى في ذلك جانبا إيجابيا أيضا يتيح الفرصة للانطلاق في دراسته نظرا لمستوى التعامل الكبير للجزائريين مع التكنولوجيات الجديدة، كما يقدم لنا لمحة عن أبحاثه حول اعتماد أدوات التفاعل الإنساني الحاسوبي بهدف خلق محيط تعليمي ومهني واجتماعي أكثر احتضانا لذوي الاحتياجات الخاصة.
* حاوره: سامي حبّاطي
النصر: لماذا لا تدرس مادة التفاعل الإنساني الحاسوبي في الجامعات الجزائرية، وما أهمية تضمينها في التكوين؟
الدكتور أسامة مطاطلة: سؤالكم يأتي ضمن محتوى سلسلة أطلقتها على منصة «يوتيوب» مؤخرا، سميتها «التكنولوجيا التفاعلية بالعربية»، والهدف منها هو زيادة الوعي بهذا المجال البحثي  داخل المجتمع العربي عامة والجزائري خاصة. في إطار هذه السلسلة، أجريت مسحا لجميع مؤسسات التعليم العالي في الجزائر ولم أجد منها إلا 16 بالمئة فقط تدرس التفاعل الإنساني الحاسوبي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الإجابة عن سؤالكم ليست بسيطة وإنما هي مركبة، وتستوجب التأمل في سبب إدراج أي مادة في مقرر جامعي ما ووظيفة الجامعة في المجتمع.
من الوظائف الأساسية للجامعة؛ إنتاج المعرفة وتكوين أفراد في المجتمع باختصاصات محددة، فهي تساهم في خلق معرفة جديدة وفهم المجتمع من الناحية البحثية، وفي تكوين الأفراد للانطلاق في المجتمع والمساهمة في الاقتصاد من الناحية التدريسية، كما لها عدة وظائف أخرى نتركها جانبا في هذا المقام.
التفاعل الإنساني الحاسوبي تطور كمجال بحث بالتوازي مع تطوره كمجال في الاقتصاد والصناعة، حيث خلق المفهوم المعروف باسم “تجربة المستخدم” كواحد من مجالات الصناعة، فإدراج مجال التفاعل الإنساني الحاسوبي في الجامعة يتضمن الشق المتعلق بالبحث في التكنولوجيا وتصميماتها وتأثيراتها على المجتمع ومساهمتها في مختلف القطاعات، على غرار المستشفيات والمصانع والمدارس، من جهة، فضلا عن الشقّ الثاني الذي يصب في تكوين أفراد قادرين على النهوض بالمجال المعروف بـ”تجربة المستخدم” من جهة أخرى، كما أن استخدام أي منتج تكنولوجي، على الهاتف، كالتطبيقات على سبيل المثال؛ ينطوي على تجربة للمستخدم يمر بها في تفاعله مع التكنولوجيا، ومصممو هذه التجربة هم أشخاص مكونون في التفاعل الإنساني الحاسوبي.
يمكن إذن الإجابة عن السؤال الخاص بسبب عدم تضمين هذا التخصص في الجامعة بالتأمل في الشقين المذكورين، من حيث دراسة وقع التكنولوجيا على المجتمع وطريقة تصميمها لتكون إيجابية من جهة، والجانب الصناعي الذي يهمل “تجربة المستخدم”. يسجل لدينا ضعف في الجانبين، خصوصا انعدام الجانب الصناعي، فليست لدينا شركات كبيرة أو متوسطة أو ناشئة تهتم بالتفاعل مع التكنولوجيا وليس لدينا تركيز في الجامعات حول البحث في تصميم التكنولوجيا ووقع ذلك على مختلف نشاطات الإنسان، وربما هذا ما انعكس على المادة المدرسة في الجامعات، إذ لا يوجد وعي بالحاجة لتكوين أفراد في هذا المجال ينادي بها المجتمع أو القطاع الصناعي.
_ ما تقييمك للبحث العلمي في مجال التفاعل الإنساني مع تكنولوجيا الحاسوب في الجزائر؟
خلال المسح الذي قمت به على منصة “سكوبس”، اكتشفت أنه لا يوجد أكثر من حوالي 20 ورقة بحثية ذكرت التفاعل الإنساني الحاسوبي ضمن الخراج البحثي للجامعات الجزائرية، وأعتقد أن هذا الأمر محبط، إذ يعتبر مؤشرا على عدم وجود بحث علمي في هذا المجال بصورة تكاد تكون تامة في الجزائر.
عندما نتأمل مستوى تغلغل التكنولوجيا في حياتنا اليومية، ندرك أهمية هذا المجال، فالتكنولوجيا التفاعلية أصبحت موجودة في كل مكان، في السيارة والمستشفى والمصنع والمنزل والملابس وجميع الأشياء الأخرى، كما تستعمل في كل المجالات والممارسات، وأصبحت ذات أهمية بالغة خلال جائحة كورونا مثلا. التفاعل الإنساني الحاسوبي هو الذي يدرس العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، وهو مجال واسع جدا. في واحد من أهم المؤتمرات العلمية حول هذا المجال يتم نشر بين سبعمئة وثمانمئة بحث سنويا، وتمس جميع مجالات النشاط الإنساني دون استثناء.
_ هل المجتمع العلمي الجزائري يهمل هذا المجال؟
باعتبار الخراج البحثي الضئيل يمكن القول أن المجتمع العلمي الجزائري لا يلقي بالا لهذا المجال، ويمكن أن نعود للأسباب المذكورة في الجواب الأول لتفسير ذلك، لكن ينبغي أن نشير إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أن التكنولوجيا لم تتغلغل في المجتمع الجزائري، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي بصورة رهيبة دون وجود من يدرس هذا التفاعل ووقعه على سلوك الفرد وعلى العلاقات الاجتماعية، لكن يجب النظر إلى الجانب الإيجابي للأمر أيضا، فالساحة ما زالت فارغة ويمكن للراغبين بالبحث في هذا المجال الانطلاق لأن الفرصة سانحة.
_ كيف يمكن للتفاعل الإنساني الحاسوبي حل مشاكل اقتصادية أو اجتماعية ؟
كما ذكرتُ من قبل؛ النقطة المهمة هي البحث عن سبيل تضمين التكنولوجيا التفاعلية في أي نشاط إنساني أو اجتماعي، فعندما نطرح السؤال بهذا التجريد؛ تصبح دراسة نقطة التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا ذات أهمية بالغة لاعتماد النشاط المعين عليها، لإنجاح العملية التفاعلية، ولا يهم تقدم وتركيب التكنولوجيا التي سيتم صنعها، سواء كانت تكنولوجيا تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثلا أو على تقنيات متطورة أخرى، فذاك جانب، لكن هناك جانب حتمي آخر وهو أن تلك التكنولوجيا ستكون موضوع تفاعل مع الإنسان في نقطة منها، ولذلك لا يمكن تصميمها اعتباطيا، وإنما ينبغي مراعاة كيفية التعامل معها ودراستها بمناهج محددة لتبلغ الهدف المنشود من صنعها.
من الصعب أن نحصر الأمثلة، لكن لو نتطرق إلى الصحة، التي يسجل فيها نزوع قوي نحو استخدام التكنولوجيا وتصميم المستشفيات الذكية وطرق العلاج الرقمية، إذ أن خلق التكنولوجيا ضمن هذا التصور سيجعل المريض والطبيب في تفاعل مستمر مع التكنولوجيا. في بريطانيا مثلا، أطلق مشروع بحثي ضخم يضم مجموعة كبيرة من الجامعات والشركات لدراسة الأخطاء التي تقع من طرف طواقم التمريض أو الأطباء بحكم وجود تكنولوجيا تستعمل في الكشف أو في غيرها من الممارسات العلاجية وسبل تفادي هذه الأخطاء عبر التصميم.
كمثال آخر، عرفت فترة الجائحة أيضا تصميم العديد من التطبيقات للتبليغ عن الإصابة بفيروس كورونا وتتبع تفشي الفيروس، وحتى في الجزائر ظهرت مبادرات في هذا الاتجاه، بحيث يمكّن التطبيق الفردَ من التبليغ عن الإصابة بالمرض وتتبع تفشيه في محيطه، لكن إحدى الدول المتقدمة عاشت تجربة سيئة بسبب خطأ بسيط في تطبيق مصمم لهذا الغرض، حيث صممت واجهات التفاعل على هذه التطبيقات بطريقة تزيد من إمكانية الوقوع في بعض الأخطاء عند إدخال البيانات من طرف المستخدمين، وتسبب الأمر في وقوع أخطاء جسيمة من طرف المستخدمين عند قيامهم بالتبليغ، ما أدى إلى تجمع عدد كبير من المعلومات الخاطئة في قاعدة بيانات وطنية وأعطى صورة خاطئة عن انتشار الفيروس وهو ما أدى بدوره إلى التأثير على كفاءة تقديم الخدمات التي تترتب عن ذلك. هذه المشكلة وقعت بسبب خرق مبدأ بسيط جدا في تصميم الواجهات يعتبر من الأبجديات في مجال التفاعل الإنساني الحاسوبي.
 _ وماذا عن الجانب السياسي؟
من الجانب السياسي، يمكن أن نتحدث مثلا عن مدى اعتماد الدول والحكومات اليوم على مفهوم الحكومة الإلكترونية في الخدمات التي  تقدمها للمواطنين عبر الانترنيت، أو عن الحوسبة الاجتماعية، وهنا يمكن اعتماد مناهج وتقنيات التفاعل الإنساني الحاسوبي في تصميم واجهات المنصات الموجهة للمواطنين حتى تكون ملائمة لجميع الفئات الاجتماعية والعمرية، فضلا عن منصات التصويت عن بعد، وهناك العديد من الأمثلة في هذا الباب الواسع. يمس التفاعل الإنساني الحاسوبي الهندسة المعمارية أيضا، ويسمى بمجال “التفاعل الإنساني العمراني”، ولدينا في مخبري بعض الأبحاث في هذا المجال، فحتى البنايات ستصبح ذكية ومُرقمنة ولن تبقى مجرد كيانات قارّة في المستقبل القريب.
_ لاحظنا أنكم تعملون على كيفية جعل المجتمع الإنساني أكثـر إدماجا وشمولا لذوي الاحتياجات الخاصة. هل يمكن أن تخبرنا عن أبحاثك في هذا المجال؟
يجب أن ننطلق من تساؤل مهم، وهو كيف ننظر إلى الإعاقة؟ توجد العديد من النماذج حول الإعاقة ولعل النموذج الطبي للإعاقة هو الأكثر تداولا، وهو نموذج يحمل تركيزا على الفرد نفسه وعلى الجانب الجسدي من الإعاقة. هناك نماذج أخرى للإعاقة، وأهمها بالنسبة إلي هو النموذج الاجتماعي، وهذا النموذج لا ينفي الجانب الطبي من الإعاقة، لكنه يأخذ بعين الاعتبار أن المحيط، بالطريقة التي صمم بها، هو ما يزيد من تفاقم التحديات والصعوبات التي يواجهها الشخص المعاق، والنظر إلى الإعاقة من هذا المنظور يجعل المسؤولية تقع على الجماعة بالدرجة الأولى وليس على الفرد المعاق. فعلى سبيل المثال، تخيل لو كنا جميعا مكفوفين، فإن المحيط الذي نعيش فيه كان ليصمم بحسب عدم قدرتنا على الإبصار، ولذلك فإن المحيط هو ما يزيد من إعاقة الشخص المكفوف وليست الإعاقة البصرية فحسب.
يمكننا أن نأخذ التكنولوجيا من هذا المنظور الفلسفي، فالتكنولوجيا المساعدة  لذوي الاحتياجات الخاصة موجودة منذ القدم مثل فاقد الساق الذي يستخدم عكازا والمكفوف الذي يستخدم عصا، لكنها تطورت اليوم وصارت تتعامل مع الجانب الطبي للإعاقة، مثل واجهات مساعدة المكفوفين التي تستخدم خط برايل. هذا النوع من التكنولوجيا مهم ويساعد ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنها مصممة على أساس النموذج الطبي للإعاقة وقد قمنا في مخبري بدراسات تبين أن هذا التوجه في تصميم التكنولوجيا المساعدة قد يساهم في تهميش الشخص المعاق، لأن الشخص لا يعيش وحده، وعدم قدرة الأشخاص المحيطين به على استخدام نفس التكنولوجيا يتسبب في خلق حاجز آخر.
أخْذُ المنظور الاجتماعي للإعاقة بعين الاعتبار، في عملية تصميم التكنولوجيا سيسمح لنا ببناء تكنولوجيا لا تكون موجهة للإنسان المعاق فحسب، وإنما للأشخاص الذي يشكلون شبكة علاقاته الاجتماعية كذلك وفي سياقات مختلفة. من بين الأمثلة الملموسة، أذكر لك أنني أعمل منذ أربع سنوات على كيفية إدماج الأطفال المكفوفين في المدارس العادية، ففي الجزائر هناك تركيز على المدارس المخصصة لأصحاب الإعاقات، بينما تتوجه دول عديدة نحو نموذج أكثر إدماجا للتربية والتعليم، بحيث يدرس الطفل المعاق مع زملائه من غير المعاقين، فتصبح المدرسة مكانا لتربية الطفل على تقبل الآخر، وهذا ينطلق من نوعية التكنولوجيا المستخدمة في التدريس.
_ هل رقمنة التعليم تحمل جانبا إيجابيا دائما؟
الأقسام ترقمن اليوم أيضا، ولهذا الأمر وقع على البيداغوجيا، لكن هذا التطوير يحمل جانبا مظلما أيضا، فتكنولوجيا المساعدة المصممة على النموذج الطبي للإعاقة قد تزيد من تهميش الأطفال المعاقين داخل القسم وداخل المدرسة. لقد قمنا بأبحاث عديدة حول كيفية تصميم تكنولوجيا تدريسية يستعملها الطفل المكفوف والمبصر على حد سواء للتعلم المشترك وزيادة التعلم الاجتماعي وتغيير البيداغوجيا لتشمل عملية التعليم باحتساب الاختلافات الجسدية لكن مع التركيز على القدرات المتشاركة كذلك. لدينا العديد من الأبحاث في مجال التعليم الشامل، كما طبقنا نفس الفلسفة التصميمية للتكنولوجيا على البالغين، من حيث كيفية إدماج المكفوفين داخل المحيط المهني فتعاملنا مع مهندسي برمجة حول كيفية تمكين المكفوفين من العمل مع زملائهم المبصرين بشكل متساوي ومتكافئ داخل الشركات والمصانع، بالاعتماد على نموذج التفاعل المتعدد الحواس وغيرها من التقنيات.
أجرينا كذلك أبحاثا تعاملنا فيها مع مصابين بمرض الزهايمر ونظرنا في كيفية تصميم تكنولوجيا تعزز تقنية العلاج بالذكريات، وهنا كذلك نصمم تكنولوجيا مساعدة تسمح بدمج المصابين بالزهايمر مع غير المصابين، مثل الأطباء أو مهنيي الرعاية أو عائلة المريض، كما درسنا كيفية تصميم تكنولوجيا تربوية وترفيهية تستعمل داخل البيت لتسهيل التفاعل بين الأطفال الذين يعانون من نقص في القدرات الإدراكية وبين أفراد أسرهم. الانطلاقة في هذا البرنامج البحثي تكمن في تغيير النظرة إلى مفهوم الإعاقة وفلسفة تصميم التكنولوجيا التي تبنى عليها.
_ كيف يمكن النهوض بالتفاعل الحاسوبي الإنساني في الجزائر؟
أهم عنصر للنهوض بهذا المجال، يكمن في خلق فضاء يجمع المهتمين به من الأساتذة والباحثين، سواء داخل الجزائر أو خارجها، حيث سيسمح بالتواصل ووضع خطط بحثية وعلمية مشتركة.         
س.ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com