تسليــط الضــوء علـى الطابوهــات الاجتماعيـــة مطلــوب في الدرامـــا
أعرب الممثل المسرحي و التلفزيوني و السينمائي عزيز بوكروني عن رغبته في خوض تجربة الإخراج المسرحي، لكن تجسيدها لا يزال مؤجلا، كما لم يستبعد العودة إلى الركح كممثل بعد سنوات من الغياب.
و عن السينما قال الفنان في حواره مع النصر، أن بعض الذهنيات المتحجرة وراء تغييب الكثير من الأعمال السينمائية الناجحة عن دور العرض، إلى جانب ضعف الجانب التسويقي و قد حان الوقت لتجاوز هذه العقبة، مشيرا إلى أن «هليوبوليس» فتح شهية المخرجين و المنتجين للعودة إلى الفن السابع.
حاورته/ وهيبة عزيون
و عن الدراما التلفزيونية يرى أن هناك نقلة نوعية ملموسة ، خاصة في الجانب التقني، بفضل الانفتاح في هذا المجال، لكن هناك عمل كبير يجب القيام به لإعطائها دفعا قويا، و تذليل الكثير من العقبات، في مقدمتها القوانين التعجيزية ، و اعتبر مسلسل «الخاوة «قد نجح في رسم معالم دراما حديثة، بينما يجب التوجه صوب بعض الطابوهات الاجتماعية و تسليط الضوء على فئات معينة، ما سيمنح قوة للأعمال المقدمة وهو ما حدث مع مسلسل «أولاد الحلال».
/النصر: ماذا استخلص طاقم عمل «هليوبوليس» ، من جولته الفنية ؟
.عزيز بوكروني: كانت جولة جد ناجحة ، و ستتواصل الأيام المقبلة بإذن الله . هناك تجاوب كبير من طرف الجمهور الذي احتضن العمل بكل حب ، و في كل ولاية كانت قاعات السينما ممتلئة عن آخرها ، و الهدف من الجولة كان فتح نافذة للجمهور لمشاهدة العمل و توضيح الكثير من التفاصيل المبهمة ، أو التي هي محل جدل ، و كفنانين شكلت الجولة حافزا لنا و منحتنا ثقة كبيرة ، و هذا سيشجع المخرجين و كذلك المنتجين للعمل أكثر في مجال السينما ، التي تراجع نوعا ما مردودها ، إلى جانب التركيز على الجانب الدعائي و التسويقي. و استخلصنا أن الجمهور حقيقة متعطش للعودة إلى قاعات العرض.
لا أستبعد العودة إلى المسرح و الإخراج حلم مؤجل
/ هل نجاح أي عمل سينمائي يرتبط بالدعاية و التسويق له داخل و خارج بلده الأم؟
/ أكيد ، حان الوقت لإعادة التفكير في طرق الترخيص لفتح وكالات إشهار من مهامها التكفل بالشق التسويقي للإنتاج الجزائري، خاصة السينمائي ، و جدير أن تمنح لأشخاص من أهل الاختصاص .
و أرى أن «هليوبوليس» قد أثار نقاطا حساسة، تتعلق بدعم و تسويق الأعمال السينمائية الجزائرية، سواء محليا و حتى في الخارج ، و للأسف هناك جهات متخوفة من عودة السينما إلى الواجهة ، لذا يجب محاربة هذه الذهنيات المتحجرة ، للأسف الكثير من الأعمال الناجحة كانت ضحية هذه السياسات العرجاء، أذكر على سبيل المثال «الوهراني»، «العشيق»، «مسخرة « و أعمال أخرى لم تنل حقها و حظها إلى غاية اليوم.
/ ألم تتخوف من تجسيد دور مقداد ، و حكم الجمهور على الشخصية التي تحاكي صورة الحركى و «القايد» خلال الثورة ، و علاقتهما الوطيدة بالمستعمر؟
/ في البداية ، أعتبر نفسي محظوظا بالظفر بهذا الدور ، بعد نجاحي في الكاستينغ الذي شاركت فيه رفقة ثلاثة ممثلين آخرين .
لم أتخوف مطلقا من الشخصية و طبيعتها أو ردة فعل الجمهور ، بقدر ما كنت خائفا من عدم الوصول إلى ذلك المستوى العالي في تقمص الدور ، لقد شدني السيناريو كثيرا و خاصة شخصية مقداد ، و لأول مرة في مساري الفني أقرأ سيناريو دفعة واحدة ، دون توقف، إلى غاية النهاية ، و مقداد الذي كانت له علاقة جيدة مع الفرنسيين ، بحكم أنه ابن أحد «القياد» ، لم يكن يوما ضد فكرة اندلاع الثورة ، لكنه كان عقلانيا و رأى أن الوقت غير مناسب في أربعينات القرن الماضي، للبدء في أي شكل من أشكال الكفاح المباشر ضد العدو ، لأنه كان يرى أن الشعب الجزائري غير جاهز ، وهو ما نصح به ابنه محفوظ و رفاقه الذين انخرطوا في النضال السياسي آنذاك ، و دفعوا حياتهم مقابل ذلك مباشرة بعد أحداث 08 ماي 1945 ، بينما مقداد الذي عاش حياته في بذخ و مستوى معيشي مرموق اختار في النهاية رفع السلاح و الوقوف ضد المستعمر.
هناك جهات لا تخدمها عودة السينما الجزائرية إلى الواجهة
/ هل يفضل عزيز بوكروني تقمص الأدوار التي عادة ما تتقاطع مع شخصيته الحقيقية؟
/ لا ، أنا أفضل الشخصيات الجديدة و هو الحال بالنسبة لشخصية مقداد في «هيليوبلوليس» ، أحب أن أكون ذلك الآخر الذي لا تربطني به تفاصيل في الحقيقة ، لأعايش بعض المواقف و ردات الفعل التي قد لا تحدث معي في الواقع ، و الإحساس بما يعانيه الآخر كالمعاق أو المجنون و غيرهما من الشخصيات .
/ ارتبط اسمك الفني بالشخصية الجادة و المرموقة ، و كذا القيادية ، هل يقلقك هذا التصنيف ؟
/ نعم ، للأسف هذا النوع من الأدوار يعرض علي باستمرار ، و هو ما يعاني منه الكثير من الممثلين ، و هذا قد يكون سببا في عدم إبراز الفنان لكل طاقاته التمثيلية .
أفضل أن أقدم أدوارا مغايرة و جديدة ، و لهذا أرفض بعض الأدوار التي أكرر فيها نفسي ، و تحديدا إذا كان مشكل السيناريو مطروحا مع عدم وجود حبكة قوية. أرفض الأدوار التي لا تضيف إلى مسيرتي المهنية شيئا.
/ ماهي الأعمال التلفزيونية التي شدت انتباهك في رمضان ، و ما رأيك في غزارة الإنتاج هذا العام؟
/ هذه الغزارة أمر إيجابي ، لكن من المؤسف أن ينحصر في شهر رمضان فقط ، و أتمنى كغيري من الفنانين، أن تكون هناك غزارة طوال السنة، لنعطي نوعا من التوازن الفني ، و على العموم ما تم تقديمه في رمضان هو بين المقبول إلى دون المستوى. .
/ ماهي النقائص التي يجب معالجتها في الأعمال الجزائرية ، و التي هي محل سخط الجمهور؟
/المشكل المطروح، حسب رأيي هو ضعف الحوار، و غياب التناسق في المشاهد و بين الممثلين، و عدم القدرة على الإقناع و شد الانتباه، و هي نقاط يجب التركيز عليها كثيرا، خاصة أننا أمام جمهور متطلب و واع ، و الأهم علينا الاهتمام أكثر بكتابة السيناريوهات.
مسلسل (الخاوة ) كان منعرجا نحو دراما جزائرية حديثة
/ ماذا تقصد بإعادة النظر في كتابة السيناريوهات ، هل يعني التطرق إلى مواضيع جديدة أم طريقة كتابة النصوص؟
/ على الدراما أن تعالج الطابوهات و تسلط الضوء على الفئات المغيبة و المهمشة ، و هذا برأي سيعطي دفعا للإنتاج الدرامي ، فعلى سبيل المثال نجح مسلسل « أولاد الحلال» لأنه يخاطب فئة جديدة من المجتمع ، و تطرق إلى بعض الطابوهات و المشاكل المنتشرة في المجتمع، لكنها غائبة عن الكاميرا ، إضافة إلى صدق الممثلين و اللمسة الفنية للمخرج، ما أعطى عملا فنيا متكاملا و ناجحا ، و هو الحال بالنسبة للكثير من المسلسلات التي أعادت الوهج للدراما التلفزيونية الوطنية، على غرار «أولاد الحلال» ، «الخاوة» ، «ليام « ، «مشاعر» و أخرى.
/ماهو المسلسل الدرامي، حسب رأيك، الذي كان سباقا في إحداث هذه النقلة النوعية؟
"الخاوة" كانت معه البداية الحقيقية للدراما الجزائرية الحديثة ، فقد تناول حياة الطبقة البرجوازية في الجزائر بطريقة مختلفة، و طريقة أداء متناسقة، إلى جانب الديكور و الملابس ، ما أعطى ذوقا مغايرا للعمل و ترك انطباعا مميزا لدى الجمهور.
/ وقع مسلسل « ليام» بين سندان الانتقاد و مطرقة التغيير ، ما رأيك؟
/ مسلسل «ليام» كان من الأعمال الناجحة في شهر رمضان ، و لا أقول هذا من منطلق مشاركتي في العمل ، لكنه تجربة جديدة و مختلفة تماما ، حيث قدم المخرج بومعيزة حكاية المسلسل بطريقة مختلفة عما شاهدناه من قبل ، كما ركز كثيرا على الجانب التقني و الصورة.
/بعد تطوير نوعية الصوت و الصورة في الإنتاج التلفزيوني الجزائري ، ما الذي يجب التركيز عليه لإعطاء دفع حقيقي للإنتاج الدرامي ؟
/ الأعمال المشتركة أعطت ثمارا طيبة و نتائج ملموسة، خاصة في الجانب التقني ، من خلال الاحتكاك و تبادل الخبرات ، و حسب نظري ما علينا القيام به لإعادة بعث الإنتاج الفني، هو التخلص من مشكل القوانين ، الذي يقف عادة كحاجز حقيقي أمام إنتاج أعمال مشتركة ، لذا يجب سن قوانين سلسة، كما هو موجود في الكثير من الدول ، على غرار جيراننا في تونس و المغرب الذين ينتجون سنويا ما بين 20 إلى 30 عملا ،أكثر من 10 أعمال منها هي انتاجات مشتركة ، و برأيي هذا الانفتاح يجب أن يكون مدروسا ليساعد على تحسين النوعية ، و استعادة الثقة لدى الممثلين و التقنيين و حتى المخرجين و المنتجين. نحن حقيقة بحاجة لهذه البيئة، و العمل وفق قواعد عالمية ، و بعد حوالي 10 إلى 15 سنة، سنلمس ثمار هذا الانفتاح.
/ لماذا ابتعدت عن المسرح ، و هل سنشاهدك مرة أخرى على الركح؟
/أنا ابن المسرح فمنه كانت انطلاقتي مع المسرح الهاوي ،حيث كان وقتها للمسرح قدرة على تغيير الكثير من الأمور ، و لا أخفي تلك الرغبة الجامحة في الوقوف مرة أخرى على الركح ، بعد غيابي عنه لمدة، لعدة اعتبارات، منها انشغالي بالتلفزيون و السينما ،و كذلك قلة العروض المسرحية ، رغم هذا فأنا أشرف بين فترة و أخرى على تنظيم دورات تكوينية لعدد من محبي المسرح من الشباب، لتلقينهم بعض أساسيات المسرح ، و هناك احتمال كبير في أن أعود إلى المسرح قريبا في عمل رفقة رشيد بن علال.
قوانين تقف في وجه الانفتاح الفني في الجزائر
/ ألا تروادك فكرة الإخراج؟
/أفكر منذ مدة في خوض تجربة الإخراج المسرحي ، لكن الفكرة لا تزال تطبخ في ذهني، و أتمنى أن أحقق هذا الطموح قريبا.
/ ما هي مشاريعك ؟
/هناك مجموعة من المشاريع، لكنها ليست مؤكدة ، و هي تتراوح بين الاقتراحات و المحادثات و تتعلق بعملين واحد في السينما و آخر في التلفزيون .