تعرّضت لاعتداء على المباشر ويجب اتخاذ خطوات دولية
* نشيد بالموقف المشرف للجزائر وسط موجة تطبيع عربية مؤسفة
تؤكد مراسلة تلفزيون «فلسطين» بالقدس المحتلة ليالي عيد، أن الصحفي الفلسطيني بحاجة إلى حماية دولية في ظل الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، كما تتطرق في حوار للنصر إلى ظروف التغطيات من المسجد الأقصى والدور المهم الذي يلعبه المرابطون والمقدسيون في عرقلة الاقتحامات، لتشيد بالموقف المشرف للجزائر بدعمها المتواصل للقضية الفسلطينية، وسط موجة تطبيع عربية تصفها بالمؤلمة والمؤسفة.
حاورتها: ياسمين بوالجدري
في البداية، اسمحي لنا أن نعود بك إلى حادثة اغتيال شيرين أبو عاقلة. كصحفية فلسطينية عملت إلى جانب الشهيدة في القدس المحتلة، كيف استقبلت خبر اغتيالها وما تبعه من صور بشعة لمحاولة إسقاط نعشها؟
شيرين أبو عاقلة صحفية وإعلامية قديرة كانت أستاذتنا ومعلمتنا، وقد كبرنا على صوتها منذ أن كنا صغارا. عملت معها جنبا إلى جنب في كافة الأحداث بمدينة القدس، لقد كانت زميلة هادئة تنقل الحدث بمهنية عالية وعرفناها بالابتسامة اللطيفة وهدوئها المعتاد.
الاحتلال يحاول كتم صوتنا لكن الرسالة وصلت للعالم
استيقظنا في البداية على خبر إصابتها حوالي الساعة السادسة والنصف صباحا، وكان صدمة لنا، ثم تابعنا بترقب وحاولنا التواصل مع زملائها في الجزيرة لمعرفة وضعها الصحي، لكن بعد فترة وجيزة أعلِن عن استشهادها وكان موقفا صعبا.
توجهت فورا إلى منزل عائلتها في بيت حنينة بالقدس المحتلة لننقل المشهد من هناك، حيث وثقنا خبر الاستشهاد من خلال التغطية وسط حالة من الحزن والألم الشديدين.
هذا الاستهداف من شأنه أن يسلط الضوء على وضع الصحفي الفلسطيني خلال التغطيات ومدى الخطورة التي يواجهها خلال نقل الصورة والمشهد من داخل مدينة القدس بالتحديد وفلسطين بشكل عام.
كنا نتواجد في المستشفى الفرنسي بالشيخ جراح لحظة حمل النعش وكنت أوثق هذا الحدث عبر الهواء مباشرة. لم نُفاجأ كثيرا من همجية الاحتلال الذي كان يتواجد بأعداد كبيرة بمدخل المستشفى وهدد بالاقتحام في حال رفع العلم الفلسطيني، لكنه رُفع في ساحة المستشفى ورفض النشطاء الانصياع لأوامر الاحتلال، فمن الطبيعي رفع العلم الفلسطيني في مدينتنا القدس.
لقد حاول الجنود انتزاع نعش شيرين أبو عاقلة، لكن الشبان منعوا ذلك، فأهالي القدس أوفياء جدا لكل من يخدم القضية الفلسطينية ولم ينسوا ما قامت به شيرين وهي ابنة القدس، على مدى السنوات طويلة لنقل الحدث حيث دخلت منزل كل شهيد وأسير ومصاب فلسطيني. حجم الجنازة كان تعبيرا عن الشكر لشيرين أبو عاقلة و وفاء لرسالتها التي كانت تقوم من خلالها بتصدير صورة معاناة الفلسطيني للعالم.
اعتقد البعض أن جريمة شيرين التي فضحت انتهاكات جنود الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطينيين، ستجعل الكيان الصهيوني يفكر ألف مرة قبل التعرض لكم، لكن استشهاد الصحفية المحررة غفران وراسنة برصاص الاحتلال مؤخرا أظهر مجددا وحشية المحتل. هل نحن أمام محتل فوق القانون والعقاب؟
رغم فضح استشهاد شيرين أبو عاقلة لجرائم الاحتلال، إلا أنه يجب اتخاذ إجراءات وخطوات حقيقية على أرض الواضع، لحماية الصحفي الفلسطيني، وليس فقط اعتماد الحادي عشر من ماي أيار كيوم للصحفي الفلسطيني.
نريد خطوات على أرض الواقع من مؤسسات حقوقية و وسائل حماية دولية وأن يكون هناك تكاثف بين الصحفيين والإعلاميين حول العالم لوقف أي انتهاكات في حقنا وفي حق أي زميل في أية دولة من العالم.
لو تحدثنا عن قلب القدس، فهو الأصعب في نقل الحدث نتيجة الاحتكاك بشكل مباشر مع الجنود وشرطة الاحتلال الذين يقمعون ويضربون بشكل مباشر، وبالتالي فإن نقل اقتحامات من الأقصى ليس بالأمر السهل. الصحافي المقدسي الفلسطيني يذهب للتوثيق، وهو يعلم تماما أنه سيكون معرضا لكل محاولات الاعتداء والمساءلة والتشويش على عمله لمنع نقل الصورة.
كيف تتعاملون مع هذه الاعتداءات خاصة تلك التي شاهدناها مؤخرا خلال مسيرة الأعلام الإسرائيلية في باحات القدس؟
في كل تغطية أو حدث تتم عرقلة عملنا ومنعنا من توثيق المشهد والتشويش على الصورة، كما حدث مؤخرا في مسيرة الأعلام التي يستبيح فيها المستوطنون مدينة القدس ويحاولون الاعتداء على كل فلسطيني يتواجد في منطقة باب العمود ومحيطها.
هكذا استقبلنا نبأ استشهاد شيرين أبو عاقلة
في هذا اليوم اعتدى المستوطنون على الطواقم الصحفية وتعرضنا للضرب والشتم ومحاولة قطع الصوت وعرقلة إيصال الصورة، كما أن مجموعة من الزملاء تعرضت لذات الاعتداءات بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تحدث بشكل متواصل من قوات الاحتلال التي تمنع نقل الصورة من قلب مدينة القدس، سواء بعرقلة العمل من خلال الاعتقالات أو الاعتداءات. يحاولون كتم الصوت والمشهد من قلب القدس، لكن رغم كل هذا القمع تصل الرسالة للعالم وتُنقل الصورة.
شاهدنا على المباشر كيف تعرضتِ مؤخرا للاستفزاز والتشويش من طرف مستوطنين خلال تغطيتك الأحداث من المسجد الأقصى، وذلك على مرأى شرطة الاحتلال. حدثينا عن ظروف هذا الاعتداء السافر؟
مسيرة الأعلام أو التهويد الاستفزازية تنظم كل عام، ويسميها الاحتلال مسيرة التراقص بالأعلام واحتلال الجزء الشرقي لمدينة القدس، حيث ينزل الآلاف من المستوطنين ويقومون برفع علم الاحتلال والتغني والاعتداء على كل من يتواجد من فلسطينيين في مدينة القدس في هذا التوقيت.
كطواقم صحفية كنا نتواجد بالمكان لنوثق المشهد وهمجية و وحشية الاحتلال، تواجدت حينها أنا و زميلي أحمد جابر بمنطقة باب الخليل وهي أحد مداخل مدينة القدس. بمجرد مرور المسيرة من هناك قام مستوطنون بالتشويش علينا والاعتداء علينا بالضرب، حيث حاصرونا وقاموا بضربنا وشتمنا وحاولوا منعنا من توثيق الصورة بتغطية الكاميرا بأيديهم كما التقطوا صورا لنا في محاولة للتحريض علينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهذا أمر خطير جدا.
حاولوا أيضا قطع كابل الميكروفون خلال تغطيتي للحدث، وكل ذلك كان على الهواء مباشرة، بينما كانت شرطة الاحتلال تتواجد بالمكان وتشاهد ما يجري ولم تحرك ساكنا بل اكتفت بالمشاهدة، وبين الفينة والأخرى كانت تتظاهر أنها تحاول إبعاد المستوطنين لكن العكس كان يحصل في الحقيقة.
الأقصى خط أحمر والحفريات تتواصل أسفله
حاولنا الابتعاد لمنطقة أخرى لنقل المشهد، لكن تم الاعتداء علينا للمرة الثانية ونحن على الهواء مباشرة وحاول المستوطنون قطع الصورة عن المشاهد، وتراقصوا حولنا بشكل دائري ورددوا عبارات شتم منها «أخرجوا هذه أرضنا»، «لا نريد عربا في القدس»، وغيرها من العبارات التي يحاولون من خلالها التحريض علينا. تعرض زملاء لنا للاعتداء أيضا، فمنهم من سرق هاتفه وهو يوثق المشهد ومن ألقيت عليه زجاجات ماء وهو على الهواء، ومن تعرض للضرب والدفع.
إلى أي مدى تعتقدين أن استمراركم في فضح المحتل بالكلمة والصورة والصوت، سيصنع الفارق؟
بالتأكيد سيصنع الفارق، فالمشاهد التي وصلت للعالم عبر أصواتنا وكاميراتنا، فضحت جزءا كبيرا من جرائم الاحتلال، وأكبر مثال على ذلك ما حدث لشيرين أبو عاقلة التي استشهدت وهي تمارس عملها وتنقل اقتحام مخيم جنين. صحيح أننا نتعرض لعراقيل ومخاطر عدة، لكن المشهد الذي نصدره للعالم من شأنه أن يفضح جرائم الاحتلال التي ستواجه يوما العقوبة، إن كان هناك عدل بالفعل.
سنستمر في التوثيق ونقل رسالة معلمتنا شيرين أبو عاقلة للعالم، لكننا بالتأكيد نحتاج إلى حماية خلال التغطيات. نحتاج أيضا لمؤازرة من زملائنا الصحفيين في كافة الدول العربية ودول العالم، لتستمر التغطية ولكي لا يكون الاعتداء علينا أمرا عاديا وطبيعيا. يجب المساءلة والمحاسبة.
ما الذي يعني أن تكون صحفيا فلسطينيا؟، سؤال يبدو معقدا وسط هذا المشهد القاتم، كيف تجيبين عنه؟
سؤال صعب.. يتعلق الأمر برسالة نحاول أن نوصلها بمنتهى الشفافية والأمانة للعالم. لو تحدثت عن نفسي كوني أعمل بالقدس، فنحن نحاول قدر المستطاع إيصال رسالة القدس كي تكون تحت المجهر ويبقى العالم أجمع متابعا لأحداثها ومعاناة أهاليها وصمودهم ورباطهم. هذه الصورة تُنقَل للمدن الفلسطينية المجاورة نظرا لمنع معظمهم من الوصول إلى القدس نتيجة الحواجز التي تفرض على المدينة.
هلا وصفت لنا الأوضاع اليوم داخل المسجد الأقصى، لاسيما بعد أحداث الاقتحامات ومسيرة الأعلام الأخيرة وما تبعها من اعتقالات؟
المسجد الأقصى المبارك في خطر وتُنتهك حرمته. في مسيرة الأعلام حدث ما هو أخطر بالتراقص داخل باحاته وإجراء الصلاة التلموذية بحراسة وحماية أفراد شرطة الاحتلال. لكن ما يمنع سيطرتهم الكاملة على المسجد هو هذه الوحدة والتكاتف من قبل أهالي المدينة من مسيحيين ومسلمين يقفون جنبا إلى جنب لإيصال ما يقوم به المستوطنون.
كذلك المرابطون لهم دور مهم جدا في حماية المسجد الأقصى، إذ أن كل اقتحام يواجه بالتكبيرات وبأداء صلاة الضحى. قبل ما يقارب الشهر تم أداء أطول صلاة ضحى من قلب القدس خلال أحد الأعياد اليهودية، وقد استمرت لأكثر من خمس ساعات لعرقلة الاقتحامات.
المرابطون عقبة في وجه مخطط التهويد
في الأعياد ومسيرة الأعلام تحديدا، يُمنع الفلسطينيون دون سن 50 عاما من دخول الأقصى وتُفحص الهويات لكل من يتم إدخاله. المسجد الأقصى المبارك خطر أحمر، نحن نقول هكذا دائما في القدس وفي فلسطين عامة.
الانتهاكات المتواصلة لكن أهالي مدينة القدس في خط الدفاع الأول، غير أن هذا لا يكفي ويجب أن يكون هناك تحرك عربي ودولي خاصة أن الأقصى حق خالص لجميع الفلسطينيين. تستمر مناشدات لحماية الأقصى ومنع هذه الانتهاكات خاصة في ظل حفريات متواصلة أسفله، ومنع دائرة الأوقاف الإسلامية من إجراء الإصلاحات والترميمات.
ما هي أصعب المواقف التي ظلت راسخة في ذاكرتك خلال تغطيتك الأحداث من قلب القدس؟
كانت هناك الكثير من المشاهد المؤلمة، لكن الأكثر إيلاما هو ما حدث في مسيرة الأعلام الإسرائيلية الأخيرة. كان مشهدا مؤلما جدا، رؤية مدينة القدس تتحول إلى أشبه بثكنة عسكرية تُغلق بشكل كامل أمام تواجد الفلسطينيين مع رفع العلم الإسرائيلي بحماية أكثر من 3 آلاف جندي إسرائيلي ومنع رفع العلم الفلسطيني والتراقص.
كانت هناك عشرات الاعتقالات والإصابات يومها لكل من حاول رفع العلم الفلسطيني، لكن الفلسطيني هو دائما عنوان للرباط والصمود، فرغم كل محاولات القمع قامت مجموعة من المقدسيين برفع العلم الفلسطيني في سماء القدس، وشاهدنا يرفرف عاليا. هذا المشهد يعزّينا قليلا.
صنع مرابطو المسجد الأقصى صورا استثنائية وصلت إلى العالم كله، وهم يواجهون نساء ورجالا وبكل صمود وبطولة، جنود الاحتلال المدججين بالسلاح. هل يمكن أن يشكل المرابطون عقبة حقيقية في وجه الاحتلال لتنفيذ مخططاته لتهويد الأقصى؟
بالتأكيد وهذا باعتراف سياسيين إسرائيليين قالوا إن ما يعرقل جزءا كبيرا من مخططات التهويد بالمسجد الأقصى المبارك، هم هؤلاء المرابطون الذين يتصدون بالتكبيرات والتشويش على الاقتحامات، ويحاولون عرقلتها من خلال التواجد في فترات الاقتحام.
خلال اقتحام المستوطنين الذي يبدأ من باب المغاربة مرورا بالمصلى القبلي ومن ثم باب الرحمة وباب السلسلة وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، كان المرابطون يتواجدون في المصلى القبلي ويؤدون الضحى ويطلقون التكبيرات هناك فمنعوا اقتحامه. تحدث عشرات الاعتقالات وعمليات الإبعاد عن المسجد خلال فترات الأعياد العبرية والتضييق على المرابطين بشكل كبير باقتحام منازلهم واستدعائهم للتحقيق.
شهدت السنوات الأخيرة موجة تطبيع عربية مع الكيان الصهيوني، حتى أن خطابات التنديد بجرائم الاحتلال صارت أكـثـر خفوتا، بينما ظلت الجزائر من البلدان العربية القليلة الرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع والداعمة للقضية الفلسطينية الراسخة في قلوب الجزائريين. كيف تقرأين هذا المشهد؟
في كافة المناسبات وفي كل فرصة نشاهد كيف يقوم الفلسطيني برفع علم الجزائر إلى جانب العلم الفلسطيني تعبيرا عن الحب والشكر الكبير للجزائر وشعبها العظيم على موقفها المشرف الذي نعتر به ونقدره كثيرا حكومة وشعبا.
الحب العظيم الذي يكنه الجزائريون للفلسطينيين متبادل، وأريد أن أنقل من القدس التحيات إلى أهلنا في الجزائر ولكم أنتم أيضا على مواكبة الأحداث والتواصل معنا لنقل المشهد.
موقف الجزائر المشرف لا يقدر تقديرا عاديا ونحن نشهد موجة تطبيع عربية مؤسفة ومؤلمة جدا. لقد بقيت الجزائر تناصر الشعب الفلسطيني في ظل كل الضغوط الدولية التي تشهدها البلدان العربية لإخضاعها لكي تكون ضمن دائرة التطبيع.
مستوطنون قاموا بضربنا ومحاصرتنا خلال مسيرة الأعلام
نتمنى أن يكون التحرير قريبا ويستطيع الجزائريون أن يدخلوا فلسطين ويصلّوا في قلب المسجد الأقصى المبارك، وأن يشاهدوا كيف سيُستقبلون في القدس. أشكر في الأخير جريدة النصر أيضا على اهتمامها ونقل المشهد.
ي.ب