أكد الباحث في مجال العلوم و الابتكار، محمد دومير بأن دخوله إلى عالم صناعة المحتوى، جاء رغبة منه في تقديم مادة مفقودة للمتابع الجزائري، مؤكدا أن اختياره للتاريخ كان إلزاميا، حيث يعتبر نفسه همزة وصل بين الباحثين والمؤرخين والمواطن البسيط الشغوف بالمعرفة التاريخية، التي لا يمكن أن تتوفر مبسطة ومختصرة حسبه، إلا عبر المنصات التفاعلية كاشفا في حواره مع النصر، عن أهدافه من وراء هذه التجربة وكيف أثر الجدل بخصوص طبيعة محتواه على حياته.
حاورته : لينة دلول
أقدم للمتابعين مادة مفقودة
النصر: تصنع فيديوهاتك على يوتيوب، الجدل بشكل كبير مؤخرا، خصوصا وأن المحتوى الذي تقدمه بعيد عن مجال تخصصك العلمي، كيف قررت خوض تجربة صناعة المحتوى ولماذا؟
ـ محمد دومير: تجربتي مع صناعة المحتوى و النشاط على يوتيوب بدأت سنة 2013، و ذلك بعد فوزي مباشرة بجائزة نجوم العلوم كأفضل مخترع عربي كانت البداية طبعا بالمحتوي العلمي، لكنني قررت أن أقوم بدور أقوى في ما يخص تشكيل الوعي و مواجهة محاولات تشويه صورة الجزائر و النيل من تاريخها، خاصة بعد ردود الفعل التي أثارتها تصريحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بخصوص تاريخ الجزائر و تشكيكه إن صح القول، في وجود الأمة الجزائرية و في الهوية الجزائرية عموما، واختزاله لتاريخنا فيما بعد سنة 1962، لأن الأمر حز في نفسي كثيرا وجعلني أقرر الرد عليه بالبحث في تاريخ الجزائر و جمع المعلومات وتبسيطها و تقديمها للمواطن.
وكانت الانطلاقة بالتأكيد على أن تاريخ الجزائر أقدم من تاريخ فرنسا، و بدون أن أشعر وجدت نفسي بعد ذلك أقوم بإنتاج سلسلة من القراءات المتعلقة بالتاريخ الجزائري، بعدما كنت أطالع كتب التاريخ من أجل تثقيف نفسي و أولادي، وهكذا أعجب الناس بهذا المحتوى وبخاصة الشباب، الذين باتوا يتداولون فيديوهاتي بقوة وبفضلهم حققت هذه المقاطع مشاهدات عالية، الأمر الذي شجعني على مواصلة العمل على هذا النوع من المحتوى، حتى أنني أدمنت عليه وجعلني الخوض فيه أدرك بأنني أقدم للجمهور مادة مفقودة.
- لكنك لا تملك خلفية أكاديمية تاريخية أو بحثية و لا تعتمد على منهج علمي محدد و هو تحديدا ما يثير الجدل بخصوص طبيعة ما تقترحه على متابعيك من معلومات ومدى صحتها؟
ـ لست مؤرخا ولا مختصا في التاريخ، لكنني صانع محتوى يعنى بالتاريخ، وهو نوع نادر جدا في الجزائر هدفي هو البحث عن الإجابات في كتب المختصين والباحثين، و تقديمها للمتابع لأجل التصدي لحملات التشكيك والسطو على تاريخنا، خاصة وأن هناك ثغرات كثيرة لم يمنحها الباحثون ما تستحقه من الاهتمام والتمحيص، وحتى وإن اجتهدوا لتوفير الإجابات والمعلومات فإنها تبقى في المكتبات و الكتب و بعيدة عن الجمهور العام، لأن هؤلاء الباحثين، لا يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي من أجل تقديمها و الدفاع عن تاريخ الجزائر و عليه قمت بهذه المبادرة لأكون حلقة الوصل بين المؤرخ و الشاب البسيط المتعطش للفهم و المعرفة و لألعب أيضا دورا فعالا في حماية تاريخ الجزائر من كل من يحاولون التطاول عليه.
- ألم يؤثر هذا التحول على مصداقيتك كباحث في مجال العلوم البيطرية وكيف أثرت التجربة على حياتك خاصة وأن اسمك تصدر الترند لفترة؟
ـ عشت عدة مفاصل في حياتي العلمية، فقد كنت أشتغل كطبيب بيطري، ثم انفتحت بعدها على مجال الابتكار والتكنولوجيا، وبالتالي فإن هذا النوع من الانتقال لا يزعجني، بل على العكس يثري رصيدي وهو مهم جدا بالنسبة لأي باحت، بدليل أنني بمجرد خوضي لمجال الابتكار و مشاركتي في مسابقة نجوم العلوم حزت على لقب أفضل اختراع عربي مع أنها كانت أول مشاركة لي في هذا النوع من البرامج وفي هذا المجال الجديد.
الفكرة الأهم، هي أن الإسهام لا يجب أن يكون محدودا و التخصص ليس حاجزا لعدم التعلم أو لتطليق باقي المجالات الأخرى، العلوم كلها تصب ضمن قالب واحد ما أوقم به لا ولن يؤثر على المصداقية العلمية، لأنني لا أقدم بحوثا تاريخية، بل قراءات في التاريخ الجزائري هدفها تبسيطه والدفاع عنه و ذلك لأنني أرى بأنه يمكن لغير المختصين في التاريخ، أن ينشروا محتوى مفيدا إن استطاعوا فهم المادة التاريخية جيدا.
ما يحفزني هو الشغف و حب هذا النوع من المحتوى لذلك استطعت أن أبدع وأتميز فيه خلال فترة وجيزة بدليل تجربتي في هذا الميدان الذي حققت فيه النجاح و الصدى مثلما في نجوم العلوم.
أنا همزة وصل بين الباحثو المواطن الشغوف بالتاريخ
- من أين تجمع المادة التاريخية التي توظفها في فيديوهاتك و هل تتواصل وتنسق مع باحثين و أساتذة في التاريخ؟
ـ أجمع أغلب المصادر والمراجع التي أعتمد عليها خلال بحثي عن المعلومات التاريخية التي تتضمنها فيديوهاتي من المكتبات العالمية الرقمية المتوفرة في شبكة الإنترنت على غرار موقع أرخايف و غوغل بوكس و غاليكا، لكنني اتبع منهجية بحث و تدقيق علمية لكي لا أقع في المغالطات، حيث أتبع أسلوب التنقيب عن المعلومة التاريخية من عمق الأرشيف الكبير، كالاطلاع على مضامين الكتب التي تم مسحها رقميا، و أقوم بفتح الصفحات التي نادرا ما يجدها العوام، و للإشارة فإن القراءة التاريخية التي أقوم بها تكون محددة وتعنى بمواضيع جدلية، أحاول أن أقدم إجابات حولها بالاعتماد على ما تحتوي عليه المصادر.
هذا النوع من المحتوى لا يحقق مداخيل من اليوتيوب
- لست الشخصية الوحيدة في الجزائر التي قررت دخول عالم اليوتيوب، فهل كان غرضك ربحيا أم أنها هواية ومحاولة للخروج من قوقعة العلوم؟
ـ لا يمكن الحديث عن الربح من اليوتيوب، عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من المحتوى، لأن المحتوى الجزائري لا يحقق أرباحا في غالب الأحيان، و إنما توجهي إلى المنصة التفاعلية نابع من محبتي للنشر والتدوين في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا بعيد كل البعد عن الربح، وحتى وإن أردت ذلك، كنت لأختار إعداد محتوى باللغة الإنجليزية يمس شرائح مختلفة من المشاهدين.
ـ دخلت مؤخرا على خط الجدل المتعلق بسرقة التراث الجزائري، كيف انعكس ذلك على درجة التفاعل والمتابعة وهل تعرضت مثلا لمضايقات أو ما شابه؟
ـ لا لم يكن هناك مضايقات من أية جهة، بل كان هناك محتوى مضاد للرد على ما يأتي في فيديوهاتي وهو أمر كان متوقعا منذ البداية، كوني عالجت الكثير من المواضيع المتعلقة بالتاريخ الجزائري المغربي و بسرقة التراث و محاولة تبني الهوية المغاربية و نسب شخصيات و عناصر من التراث إلى الغير، والفرق بين المحتويين كان واضحا، لأن ما أقدمه موضوعي و مستند لدراسات وأبحاث تاريخية.
فيديو عمره دقائق قد يتطلب ساعات من البحث
- كيف تستطيع تبسيط و اختزال كم كبير من المعلومات في فيديو من 8 دقائق فقط ؟
ـ تبسيط المعلومة بهذه الطريقة و إخراجها بالشكل المختصر هو بيت القصيد، وقد يكون من بين الأمور التي ربما تمنع أهل الاختصاص من مؤرخين و أساتذة من تجربة صناعة المحتوى المتعلق بمجالات اختصاصهم، شخصيا أبذل مجهودا كبيرا لكي أقرأ عن التاريخ الجزائري و أقتبس منه و أعرضه على اليوتيوب ملخصات مفيدة و شاملة في دقائق وهي عملية تتطلب ساعات من المطالعة و التركيب.
- تحصد قناتك ملايين المشاهدات حاليا، كيف تمكنت من تحقيق ذلك في فترة وجيزة؟
ـ عدد المشاهدات الإجمالي فاق 35 مليون مشاهدة مع بداية السنة الجديدة 2023، وهناك مقطع حقق لوحده مليون مشاهدة في ظرف قصير، و المشاهدات العالية على قناتي هي التي تدفع بي إلى الاجتهاد أكثر من أجل إنتاج محتوى احترافي يجذب الشباب الذين يبين تفاعلهم و اهتمامهم بتاريخ الجزائري وهو تحديدا سر النجاح.
- هل أبعدك اهتمامك بالتاريخ عن مجال العلوم والابتكار أم أنك توازن بين المجالين وما جديدك؟
ـ أوازن بين المجالين و في العلوم، أمتلك شركة ناشئة تنشط في الجزائر، تعتمد على تقنيات حديثة ومهتمة بتطوير بعض المنتجات التي ستنزل إلى السوق قريبا.
ل.د