أكد الفنان عصام خنوش ابن ولاية باتنة، أهمية تخليد مآثر الشهداء والمجاهدين بأعمال فنية تساهم في حفظ الذاكرة التاريخية، موضحا بأن هذه الأدوار تتطلب حضورا فنيا قويا يستند إلى مراجع تاريخية سمعية بصرية، وقال بأن شح هذه المادة عادة ما يكون سببا في الجدل حول مدى تطابق الشخصية في السينما أو المسرح مع الحقيقة. وأضاف في حوار جمعه بالنصر، أن تطابق الملامح بين الممثل و الشخصية التاريخية مهم لكنه لا يطغى على قوة الأداء، واعتبر الفنان الذي أدى أدوارا لشخصيات عدة أنه يمكن إنتاج فيلم تاريخي أو اثنين كل سنة لتخليد مآثر الشهداء والمجاهدين حفظا لذاكرتهم.
حاوره: يـاسين عـبوبو
النصر: حدثنا عن مشاركتك في العمل الفني ملحمة روح الجزائر، الذي عُرض بمناسبة سبعينية الثورة التحريرية؟
عصام خنوش: هو عمل ضخم من إنتاج وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، وقد كانت تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لي، خاصة وأني تقمصت خلال الملحمة شخصية البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد، ولقد كان هذا العمل الذي عُرض بمناسبة إحياء السبعينية ناجحا إلى أبعد الحدود، بفضل إبداع المخرج أحمد رزاق مصمم العرض والسينوغرافيا، لأن العمل ضخم وتطلب خبرة وإمكانيات، حيث عرف مشاركة أزيد من 800 مبدع من ممثلين وموسيقيين وسينوغرافيين، وراقصين، وكوريغرافيين، وشعراء وتقنيين بالإضافة لمشاركة فنانين عرب من تونس ومصر والأردن واليمن، والبحرين وفلسطين، ولبنان، وموريتانيا والصحراء الغربية.
قوة تجسيد الشخصية أهم من تطابق الملامح
كيف بصمت على شخصية مصطفى بن بولعيد وسط مجموعة كبيرة من الفنانين؟
بالنسبة لشخصية بن بولعيد في ملحمة روح الجزائر، فقد حاولت إبراز هذه الشخصية البطلة والثائرة والمؤثرة في الثورة التحريرية، في العرض الملحمي الفني خلال مشهدين، وذلك في ظرف ساعتين وبمشاركة أزيد من مائتي ممثل وراقص، وتمثل المشهدان في لقاء مجموعة 22 ومجموعة الستة التاريخيتين.
وكما أشرت في البداية، إن المشاركة في هذا العمل الضخم كانت تجربة فريدة بتقمصي لشخصية الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد، وبالحديث عن ملحمة الجزائر العمل الذي يروي ويتناول كرونولوجيا تاريخ الجزائر منذ نشأة الإنسان إلى العصر الحديث، وتحديدا ما بعد الاستقلال، فقد كنت متحمسا منذ البداية لهذه التجربة، خاصة وأنني كنت منتشيا بعد حصولي خلال الصائفة على جائزة أحسن أداء رجالي في مسرحية جحا في زحل، وهي من إنتاج المسرح الجهوي باتنة، والتي توجت أيضا بجائزة أحسن سينوغرافيا خلال فعاليات المهرجان الثقافي الوطني لمسرح الطفل بخنشلة.
هل كان من السهل عليك أداء شخصية مصطفى بن بولعيد بوزنها في تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية؟
في الحقيقة دور مصطفى بن بولعيد، هو من اختارني ولست أنا من اختاره، وذلك بعد إجماع فريق العمل وعلى رأسهم المخرج أحمد رزاق، حيث حدد رفقة مساعديه خلال التحضيرات للملحمة البروفايلات الخاصة بالممثلين الذين يتقمصون أدوار الشخصيات التاريخية وأنا كنت مستعدا لذلك.
شح المرجع يفرز الجدل حول الشخصيات الثورية
أما عن درجة السهولة و الصعوبة، فقد كان مطلوبا مني رفع التحدي، خاصة وأن شخصية مصطفى بن بولعيد لم تظهر في أعمال فنية، عدا الفيلم الذي حمل اسمه للمخرج أحمد راشدي، وقد حاولت أن أظهر في الملحمة بصور مغايرة لا تكرر ما قدمه الفنان حسان كشاش، نزولا عند طلب المخرج، فعملت على إبراز السمات الثائرة والحماسية، وذلك من منطلق زاوية مغايرة لما جاء في الفيلم، واعتمدت على الخيال والذاكرة معا لتقمص دور الشهيد.
هل تفضل الأعمال التاريخية أم أن اختيارات المخرجين هي التي تحصرك في هذه الخانة؟
أديت أدوارا مختلفة بين التراجيديا والكوميديا طوال مساري الفني المتواضع الذي بدأته صبيا تدرج من المسرح إلى التلفزيون و من ثم السينما، لا أميل إلى نمط معين بل أجد نفسي مطالبا بتقمص جل الأدوار باختلاف أساليبها ومناهجها من تراجيديا إلى كوميديا إلى سيكو درام، ومن تلفزيون إلى سينما وإلى مسرح، وبرأيي فإن هذه الصفات هي ما يميز الفنان المحترف الذي لا يجب أن يكرر نفسه، لهذا أشارك في أدوار مختلفة وأخوض تجارب متنوعة أكتشف من خلالها عوالم ومعالم شخصيات جديدة في كل مرة، وهو ما يجعلني أطور قدراتي ولا أكون مستهلكا عند الجمهور. هناك في اعتقادي فرق بين ممثل يحدد خياراته، و آخر يضعه المخرجون في خانة انطباع معين من التمثيل.
كيف تزاوج في أدائك التمثيلي بين التراجيديا والكوميديا؟
الجمع بين التراجيديا والكوميديا، ليس سهلا لأن التراجيديا تخاطب القلب والكوميديا تخاطب العقل، لهذا فالكوميديا أصعب، فالفكاهة تحتاج عادة إلى تفاصيل وملكات في الممثل مثل الذكاء وجودة الإمكانيات، أما التراجيديا فيمكن أن تستعطف الجمهور ببعض المؤثرات ولهذا فهي ليست صعبة جدا.
شخصيا أعتبرني محظوظا لكوني اشتغلت في أعمال درامية وكوميدية عديدة و بنفس المستوى، لأني كنت أركز وأتعب وهذا ما يحفزني خلال العمل، علما أني أتخوف من أي دور في بادئ الأمر ما يجعلني أتحلى بالجدية خاصة في ظل عامل التطور التكنولوجي لوسائط الاتصال المتاحة، والتي تفرض على الفنان جذب الجمهور إلى قاعات المسرح ودور الثقافة.
قدمت مصطفى بن بولعيد ومحمد لمين دباغين ومسعود زلماط وصديق العربي بن مهيدي
ما الفرق في الأداء بين الأدوار الرئيسية والثانوية؟
إن مشاركاتي في الأعمال الثورية التلفزيونية والسينمائية قليلة لكنها مميزة، ربما لظهوري القصير فيها أو البسيط أو لأن الدور ثانوي، لكني أعمل في كل مرة على أن أترك بصمتي بتميز، أما المزاوجة في الأداء بين مختلف الأدوار فراجعة لشغفي بالتنوع والتجديد، وهو ما تجسد في عديد الأعمال، حيث كانت أول مشاركة لي في عمل ثوري سنة 2012 في مسلسل شجرة الصبار من إخراج السوري هيثم الزرزوري، وجرى تصوير أحداث المسلسل بدوار عين زعطوط بين باتنة وبسكرة، وتناول المسلسل الوضع الاجتماعي للمجتمع الجزائري قبل اندلاع الثورة التحريرية.
لعبت أيضا، دور البراح في فيلم تلفزيوني بعنوان «أسد جبل مستاوة»، الذي يخلد ذكرى الثائر عمر أوموسى، وكانت لي تجربة في السينما في أول عمل مع المخرج الجزائري المغترب كريم طرايدية، في فيلم من تأليفه عن دوار زريزر بين الطارف وعنابة.كما قدمت دور ميهوب الشواي، وحظيت بمشاركة في فيلم الشهيد العربي بن مهيدي للمخرج بشير درايس، واشتغلت مع الفنانة جميلة عراس في مسلسلين هما «دوار الشاوية» و»الوجه الآخر»، وخلال شهر رمضان الماضي، شاركت في عمل تلفزيوني لمخرج تونسي بشخصية كوميدية، وتقمصت دور المجاهد المرحوم الطبيب محمد لمين دباغين في فيلم الشهيد سي الحواس قيد الإعداد.
ما هي معايير انتقاء الممثلين لأداء الشخصيات التاريخية؟
الأكيد أن الجانب الفيزيولوجي مهم، فمن الضروري أن تتشابه ملامح الفنان مع الشخصية التاريخية التي يجسدها، لكن الأداء أهم بالنسبة للمخرجين خلال عمليات التحضير لعرض الأعمال الفنية، سواء كانت مسرحية أو تلفزيونية أو سينمائية، وبرأيي فإن الجانب الفيزيولوجي في اختيار الممثلين لأداء الشخصيات التاريخية يمثل 40 بالمائة، فيما تتركز 60 بالمائة من المعايير على قوة الأداء.
من المهم كذلك، أن يعتمد الأداء على المادة التاريخية المتوفرة عن الشخصية وحبذا لو تكون بصرية مسموعة، وهو مشكل يطرح عادة لأن هذا النوع من المحتوى شحيح، مع ذلك فهو مفيد جدا في التحضير لأنه يشكل مرجعا موثوقا، شخصيا اشتغلت خلال أدائي لشخصية مصطفى بن بولعيد، على المادة التاريخية المتوفرة أولا، كما وظفت الخيال والذاكرة الانفعالية، حتى أوفق قدر المستطاع في تجسيد شخصية البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد.
مسرح الطفل فضاء لاكتشاف المواهب الفنية الصاعدة
ماذا يعني لك مسرح الطفل الذي كان نافذتك نحو عالم التمثيل؟
مسرح الطفل كان ولايزال شغفي، وأتذكر جيدا بداياتي في مرحلة التعليم الابتدائي وتحديدا سنة 1996، حين كان حلمي هو المشاركة في التمثيل على خشبة المسرح، بعد أن مثلت في المسرح المدرسي، ومثلت أيضا في فوج للكشافة الإسلامية، وكان ولعي بالمجال كبيرا، أذكر يوم طلب مني والدي اختيار هدية بمناسبة نجاحي في شهادة التعليم الابتدائي، فطلبت الالتحاق بالمسرح، حينها عرضني على مدير الثقافة آنذاك المرحوم الروائي والمثقف الهاشمي سعيداني، الذي قدم لنا يد المساعدة حيث التحقت بجمعية فرقة المسيرة للمسرح الحر للمرحوم عبد اللطيف لبوخ. كما شاركت في جمعية يوغرطة، ومنذ ذلك الوقت أتيحت لي فرص كثيرة للاحتكاك بفنانين هواة ومحترفين بالمسرح الجهوي لباتنة، وأتذكر أننا كنا نتدرب على يد حيدر بن حسين الذي كان طالبا بالمعهد العالي للفنون الدرامية بالعاصمة، وكان يلقننا ما يتعلمه في المعهد وكنا نجري عروضا مسرحية كل يوم جمعة بالمدارس، ونتنقل من مدينة باتنة إلى مدينة المعذر للعرض، ولا يفوتني أن أترحم على الممثل المرحوم محي الدين بوزيد، الذي تقاسمنا معه ذكريات جميلة ومهما قلت عنه لن أوفيه حقه.