* أرغب بتطوير برنامج خاص بالذكاء الاصطناعي في الجامعات الجزائرية
أشاد الباحث في الذكاء الاصطناعي ومدير تخطيط السعة للذكاء الاصطناعي التوليدي في شركة «ميتا»، مراد بوعاش، بالخطوات التي اتّخذتها الجزائر لمسايرة التطوّر الحاصل في الذكاء الاصطناعي، مقترحا بعض الإجراءات التي تعزّز هذا التوجّه، ترتكز على الاستثمار في إنشاء مراكز بيانات خاصة، كما تطرّق في هذا الحوار مع النّصر إلى كتابيه الجديدين مؤكّدا عمله على آخر يتمحور حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، معرّجا كذلك على أبرز التوجّهات العلمية في المجال.
حاوره: فايز إسلام قيدوم
النّصر: أصدرت مؤخرا كتابين عن الذكاء الاصطناعي، هل لك أن تقدّم للقرّاء نظرة شاملة عن الكتابين؟
الكتاب الأوّل يحمل عنوان «الذكاء الاصطناعي: كهرباء المستقبل»، يهدف إلى تقديم نظرة عامة وشاملة حول الذكاء الاصطناعي، بدءًا من تاريخه من «آلان تورينج» و»جون مكارثي» ومراحل تطوره إلى اليوم، كذلك مفاهيمه الأساسية مثل التعلم الآلي، التعلم العميق، معالجة اللغات الطبيعية، الرؤية الحاسوبية وغيرها، وصولًا إلى تطبيقاته المتنوعة في مختلف المجالات، كالطب، الصناعة، الزراعة، التجارة والترفيه.
ويركّز الكتاب الثاني الذي جاء تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي التوليدي: ثورة البيانات» على الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعدّ فرعا جديدا يهدف إلى إنشاء محتوى جديد مثل الصور والنصوص والأصوات، كما يتطرّق الكتاب إلى مواضيع مثل جمع وتحسين البيانات، التعلم العميق، معالجة اللغات الطبيعية والرؤية الحاسوبية، جمع وتحسين البيانات، تدريب النماذج التوليدية، تقييم أداء النماذج والتحديات والفرص المرتبطة بهذا المجال.
فالكتابان يُقدّمان شرحًا مُبسطًا وواضحًا لمفاهيم الذكاء الاصطناعي بأسلوب سهل الفهم لعامة القراء، بالإضافة إلى ذلك يُغطيان مجموعة واسعة من المواضيع المُتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مما يُوفر للقارئ فهمًا كاملًا لهذا المجال، كما يستعرضان تطبيقاته في مختلف المجالات، إذ يُسلطان الضوء على التطبيقات العملية مما يُساعد القراء على رؤية تأثيره على حياتهم اليومية، ناهيك عن اهتمامهما بالجوانب الأخلاقية والمسؤولية المُرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
النّصر: «الذكاء الاصطناعي كهرباء المستقبل» هو عنوان أحد كتابيك، إلى أي مدى تعتقد أنّ الذّكاء الاصطناعي لا غنى عنه مستقبلا؟
أعتقد أنّ الذكاء الاصطناعي سيُصبح لا غنى عنه في المستقبل، تمامًا كما تعتبر الكهرباء جزءًا أساسيًا من حياتنا، سيُؤثر الذكاء الاصطناعي على جميع جوانب الحياة، من العمل إلى التعليم إلى الرعاية الصحية، سيُساعدنا على حل المشاكل المُعقدة واتخاذ قرارات أفضل وتحسين حياتنا بشكل عام.
النّصر: ما هي أبرز التوجّهات العلميّة الحديثة في ميدان الذكاء الاصطناعي؟
هناك العديد من التوجهات العلمية الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي منها الذكاء الاصطناعي التوليدي: فكما ذكرت سابقًا يهدف هذا الفرع إلى إنشاء محتوى جديد مثل الصور والنصوص والأصوات، التعلم المعزز: يعدّ نوعا من التعلم الآلي، حيث يتعلم الـ agent من خلال التفاعل مع بيئته، مثل الروبوتات، الألعاب، القيادة الذاتية، من أمثلة النماذج الحديثة في هذا المجال هناك «ألفا قو»، «ألفا زيرو»، «مو زيرو»،
ويوجد كذلك الذكاء الاصطناعي التوضيحي: الذي يهدف إلى جعل نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر شفافية و قابلية للفهم، بحيث يساعد على فهم كيفية اتخاذ الذكاء الاصطناعي للقرارات، تحديد أسباب الأخطاء و بناء الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي الأخلاقي: حيث يهتم هذا الفرع بالتأكد من أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي تُستخدم بشكل مسؤول وأخلاقي، يشمل مواضيع مثل العدالة، الإنصاف، المساءلة و الشفافية.
النّصر: ما هو جديد مشاريعك في مجال الذكاء الاصطناعي؟
أعمل حاليًا على مشروع كتاب جديد حول «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، يهدف هذا الكتاب إلى مناقشة القضايا الأخلاقية المُتعلقة بتطوير وتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي، كما أُشارك في عدة مشاريع بحثية تُركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم، إذ أُركّز جهودي على تطوير تطبيقات للذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، كوني أعتقد أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه إحداث ثورة في طريقة تعلمنا وتدريسنا.
وعليه أعمل على مشاريع تهدف إلى تخصيص التعلم بتطوير أنظمة تُساعد على تخصيص المناهج وأساليب التدريس لتلبية احتياجات كل طالب على حدة، أيضا تحسين تقييم التعلم باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء الطالب وتقديم ملاحظات شخصية، كذلك تطوير موارد تعليمية ذكية عبر إنشاء محتوى تعليمي تفاعلي وجذاب باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل معالجة اللغات الطبيعية و الذكاء الاصطناعي التوليدي.
النّصر: تساؤلات كثيرة طرحت حول الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي ارتكزت ربما أساسا حول استقلالية تفكير الآلة، التحيّز والخطأ، إلى أي مدى لا تزال المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي مطروحة؟ وهل هناك هواجس أو أسئلة أخرى قد ظهرت؟ من منطلق أنّ التطوّر المعلوماتي في سيرورة دائمة ويفرز نتائج حديثة مع كل تقدّم.
المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي لا تزال مطروحة وبقوة، وهي مخاوف مشروعة، من أهمها مسألة التحيّز فقد تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيّزة تجاه فئات مُعينة من الناس، بسبب البيانات التي تم تدريبها عليها، بالإضافة إلى فقدان الوظائف فتطور الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان الكثير من الوظائف التي يُمكن للآلات أداؤها، كذلك جزئية الخصوصية والأمان بحيث تُثير أنظمة الذكاء الاصطناعي مخاوف حول خصوصية البيانات وأمن المعلومات، سوء الاستخدام إذ يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض ضارة مثل تطوير أسلحة ذاتية التشغيل أو نشر معلومات مُضللة.
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، تظهر هواجس وأسئلة جديدة تتطلب مناقشة ومعالجة، مثل مسؤولية الذكاء الاصطناعي فمن يتحمل المسؤولية عندما تتخذ أنظمة الذكاء الاصطناعي قرارات خاطئة أو تُسبب أضرارًا؟، تأثير الذكاء الاصطناعي على الهوية البشرية من خلال سؤال كيف سيُؤثر تطور الذكاء الاصطناعي على فهمنا لأنفسنا ومكانتنا في العالم؟
كما أنّني لا أعتقد أنّ الآلة ستصل إلى استقلال تام في التفكير في المستقبل القريب، إذ سيظلّ الإنسان هو المتحكّم في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.
النّصر: هل يمكن أخلقة الذكاء الاصطناعي حسب رأيك؟
أعتقد أن أخلقة الذكاء الاصطناعي هي مسؤولية جميع المُشاركين في تطويره وتطبيقه، من باحثين ومُهندسين وصُناع قرار، يجب أن نعمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي عادلة وغير متحيّزة، شفافة وقابلة للفهم، تحترم الخصوصية والأمان وتُستخدم لأغراض نافعة للإنسانية، كما أؤمن بأهمية أخلقة الذكاء الاصطناعي لضمان استخدامه بشكل مسؤول و أخلاقي، لذلك أركز في كتابي «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» على مناقشة القضايا الأخلاقية المرتبطة بتطوير و تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي، كالتحيّز و التمييز، الخصوصية و أمن المعلومات، فقدان الوظائف و التأثير على سوق العمل، مسؤولية الذكاء الاصطناعي و المساءلة، تأثير الذكاء الاصطناعي على الهوية البشرية.
النّصر: كيف يمكن أن تستفيد اللغة العربية من الذكاء الاصطناعي لتعزيز حضورها رقميا وتثمينها من خلال التكنولوجيا الحديثة؟
يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز حضور اللغة العربية رقميًا من خلال تطوير أنظمة ترجمة آلية أكثر دقة، تحسين محركات البحث للعربية، إنشاء محتوى رقمي عربي باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، أيضا تطوير تطبيقات تعليمية تُساعد على تعلم اللغة العربية.
وأسعى لتطوير مشروع عربي كبير يتمثّل في منصة «نجوم»، حيث تعتبر مبادرة رائدة وأول منصة عربية للذكاء الاصطناعي التوليدي، تُمثل خطوة هامة في تمكين اللغة العربية رقميًا وتعزيز حضورها في مجال الذكاء الاصطناعي.
تتميّز المنصة بتركيزها على اللغة العربية من خلال تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تُفهم وتُنتج المحتوى العربي بجودة عالية، كذلك تُقدم مجموعة من النماذج التوليدية التي تُمكن المستخدمين من إنشاء محتوى مُتنوع، مثل ثريا: محرك بحث يُقدم إجابات فورية ومصادر موثوقة للباحثين عن المعلومات باللغة العربية، أيضا سهيل: أداة تُساعد على تحليل وفهم المستندات واستخراج المعلومات منها، فضلا عن امتلاكها لواجهة بسيطة وسهلة الاستخدام.
ويمكن أن تساهم منصة «نجوم» في تطوير الذكاء الاصطناعي في العالم العربي عبر سد الفجوة الرقمية في العالم العربي من خلال توفير أدوات ذكاء اصطناعي باللغة العربية، تعزيز الابتكار من خلال توفير منصة لتطوير وتجربة نماذج جديدة، فضلا عن تمكين الشركات والمؤسسات من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين أعمالها و خدماتها، ناهيك عن نشر الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي و تطبيقاته في العالم العربي، لذلك أعتقد أن المنصة يُمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم العربي.
النّصر: من واقع تجربتك، ما هو المسار الذي يتبعه الطالب والشغوف بمجال الذكاء الاصطناعي ليتمكّن منه؟ وما هي فرص الالتحاق بالمراكز والجامعات الأجنبية الخاصة بمجال الذكاء الاصطناعي بالنّسبة للجزائريين على وجه الخصوص؟
يُمكن للشغوفين بمجال الذكاء الاصطناعي اتباع مسار يعتمد على بناء أساس قوي في الرياضيات و علوم الحاسوب، تعلم مفاهيم الذكاء الاصطناعي و التعلم الآلي، ممارسة البرمجة و تطوير المشاريع، المشاركة في المسابقات فضلا عن متابعة آخر الأبحاث و التطورات في المجال.
وأعتبر أنّ وجود المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي في الجزائر هو خطوة هائلة نحو بناء قاعدة صلبة في هذا المجال، باعتبارها مؤسسة متخصصة تُقدم تعليمًا عالي الجودة للطلاب في مجالات الذكاء الاصطناعي و علوم البيانات، كما تقدّم العديد من الجامعات والمدارس العليا في الجزائر برامج «ماستر» في الذكاء الاصطناعي، وهذا يُساهم في تخريج كوادر مؤهلة قادرة على قيادة التطور في هذا المجال.
وكأستاذ في جامعة ستانفورد أمتلك مسيرة مهنية في مجال الذكاء الاصطناعي تمتد لأكثر من 13 عامًا في «سيليكون فالي»، بدأت رحلتي في شركة «ياهو» ثم انتقلت إلى شركة «إنتل»، وأعمل حاليا في شركة «ميتا» لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، قمت بمبادرة في جامعة ستانفورد تهدف إلى تزويد المهندسين بالخبرات والمهارات اللازمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتوليدي، وأرغب بشدة في القيام بتطوير ذات البرنامج في الجامعات الجزائرية.
وسيكون لهذا البرنامج تأثير إيجابي كبير على تطوير مهارات المهندسين الجزائريين إذ سيُساعد على تزويد المهندسين بالمعرفة والمهارات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما سيُعزز من كفاءتهم و قدرتهم على المنافسة في سوق العمل، تعزيز الابتكار في الجزائر بحيث سيُساهم أيضا في تخريج جيل جديد من المهندسين القادرين على تطوير حلول مُبتكرة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مُختلف المجالات، زيادة على جذب الاستثمارات الأجنبية فوجود مثل هذه البرامج في الجامعات الجزائرية سيعزّز من جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا.
النّصر: كيف تقيّم الخطوات المتّخذة هنا في الجزائر من أجل مسايرة التطوّر الحاصل في الذكاء الاصطناعي؟ وما هي الاقتراحات التي تقدّمها بغية الارتقاء في المجال؟
أُشيد بالخطوات التي تتخذها الجزائر لمسايرة تطور الذكاء الاصطناعي، مثل إنشاء مراكز بحثية وتطوير استراتيجيات وطنية، لكن لا يزال هناك الكثير مما يُمكن فعله، على غرار زيادة الاستثمار في البحث والتطوير، تطوير البنية التحتية التكنولوجية، تشجيع الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، تضمين مفاهيم الذكاء الاصطناعي في المناهج التعليمية وأيضا نشر الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. فنقص مراكز البيانات وخاصةً تلك المتخصصة في الذكاء الاصطناعي يُشكل تحديًا كبيرًا يُواجه تطور هذا المجال في الجزائر، باعتبارها البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، بحيث تُوفر القدرة الحاسوبية ومساحة التخزين اللازمة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة.
ويمكن التغلّب عليه التغلب باستثمار الحكومة وحتى القطاع الخاص في بناء مراكز بيانات جديدة حديثة ومتطوّرة، خاصةً تلك المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى جذب شركات التكنولوجيا العالمية للاستثمار في بناء وتشغيل مراكز بيانات، تطوير الكفاءات المحلية إذ يجب تدريب المهندسين والتقنيين الجزائريين على إدارة وتشغيل مراكز البيانات، كذلك توفير الحوافز الضريبية والتسهيلات الإدارية، إذ أعتقد أنّ الاستثمار في مراكز البيانات مفتاح النهوض بمجال الذكاء الاصطناعي في الجزائر والتصدر في أفريقيا.