تعتبر مديرة محطة التجارب الفلاحية الجهوية التابعة للمعهد التقني لتنمية الزراعات الصحراوية بولاية المغير، المهندسة الرئيسية في الفلاحة حليمة خالد، الزراعة الصحراوية في الجزائر، الثورة التي تصنع سلة الجزائريين عبر منتوجات استراتيجية وأخرى جديدة، شكلت نهضة حقيقية ساهمت في نجاحها سياسة حكيمة وعوامل طبيعية مهمة، كزراعة الحبوب والزراعات الزيتية.
حاورتها : إيمان زياري
النصر: تشكل المحطات الجهوية للفلاحة عصبا حيويا للنشاط الزراعي في المناطق الصحراوية، ما الذي تقومون به تحديدا لتحقيق هذا التقدم المستمر في مجال الإنتاج؟
- حليمة خالد: يكمن دورنا كمحطة تجارب تابعة للمعهد التقني لتنمية الزراعات الصحراوية، في المرافقة التقنية للفلاحين بالدرجة الأولى وذلك من خلال تجربة محاصيل جديدة، وتطبيق تقنيات جديدة ومساعدة الفلاحين على اختيار الزراعات المناسبة وفقا لطبيعة التربة ونوعية المياه، إلى جانب السهر على تطبيق مخططات وبرنامج وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، على غرار العملية الأخيرة المتمثلة في تفعيل برنامج توسعة الزراعات الإستراتيجية وعلى رأسها الحبوب، وكذا الزراعات الزيتية كدوار الشمس و الشمندر السكري و العلفية كالسيلاج.
يتحقق في السنوات الأخيرة، نجاح زراعي ملفت في المناطق الصحراوية الجزائرية، كيف بدأت العملية، وما هي العوامل التي ساهمت في بلوغ الأهداف ؟
ـ عرفت الفلاحة الصحراوية قديما على أنها زراعة معاشية، ترتكز في الغالب في واحات النخيل، إلى جانب أشجار النخيل المنتوج الصحراوي الأول، وهي في الغالب زراعات استراتيجية تحتية كالأعلاف والخضر وترتكز أساسا في وادي ريغ، و الغوط بواد سوف، و الزيبان ببسكرة وكذا بعض الواحات بالجنوب الغربي على رأسها تيميمون وأدرار، إلا أن التخصص عرف قفزة بعد الاستعمار، لتدعم كل ذلك وزارة الفلاحة والتنمية الريفية عبر تأطيرها من خلال إقامة مديريات ولائية وتأسيس المعاهد التقنية والغرف الفلاحية، مما ساعد على وصول تقنيات جديدة ساهمت في انتعاش الزراعة، لتكون النهضة ببسكرة الرائدة في إنتاج الخضر المحمية والوادي الرائدة في إنتاج البطاطا، لتقتحم مجال زراعة الطماطم والفول السوداني، إذ تجاوزت نسبة إنتاج البطاطا بها 30 بالمائة من الإنتاج الوطني بمساحة تزيد عن 30 ألف هكتار.
كيف أثرت التغيرات المناخية التي يشهدها العالم على واقع الفلاحة في الجزائر بشكل عام؟
- فعلا يشهد العالم العديد من التقلبات المناخية على امتداد السنة، تأتي إلى جانب هزات سياسية أثرت كذلك بشكل كبير على واقع الغذاء في العديد من الدول، في الجزائر مثلا كان للمناخ انعكاس سلبي على الجزء الشمالي من الأراضي، و في العالم أثر المناخ و الظروف السياسية معا على وفرة أهم السلع والمنتجات الغذائية على رأسها الحبوب، والسكر وكذا الزيت.
وأمام كل هذه المتغيرات، عمدت وزارة الفلاحة للتدخل من خلال إنشاء الديوان الوطني للزراعات الصناعية في المناطق الصحراوية سنة 2020 الذي يرافق كبار المستثمرين من أجل تسهيل حصولهم على الكهرباء والعقار الفلاحي، وحفر الآبار الكبيرة، لتسهيل مهامهم في الانخراط في مجال الزراعات الإستراتيجية، دون أن نغفل قرار رئيس الجمهورية القاضي بإنشاء مدرستين للفلاحة بولايتي الوادي و أدرار، وهذا ما من شأنه أن يضمن التأطير الفني عن طريق مهندسين مختصين في الفلاحة الصحراوية التي تبقى ذات خصوصية.
ماذا عن العوامل الطبيعية التي تتميز بها الصحراء الجزائرية كيف صنعت الفارق؟
ـ الصحراء الجزائرية غنية جدا بعقار فلاحي شاسع، وبخزان مياه باطنية، إلى جانب طاقة شمسية هائلة وطاقة الرياح، وكلها عوامل طبيعية ساهمت في توسيع المجال وفتحه أمام الاستثمار الأجنبي بعد أن سمح رئيس الجمهورية بذلك، على غرار الاستثمار القطري عبر مشروع «بلدنا» وكذلك الأمر بالنسبة لما تقوم به إيطاليا، وكذا السعودية في تيميمون، وورقلة وتقرت أين توسعت مساحة الزراعات الإستراتيجية. هناك أيضا العمل على توفير مخازن الحبوب عبر مختلف ولايات الوطن، في إطار عملية تقريب المخازن من المواطنين، إلى جانب تركيز الدولة الجزائرية على الدعم لضمان الطاقة والأسمدة التي بلغت 50 بالمائة، فضلا عن منحة الإنتاج في الزراعات الإستراتيجية كالمنحة المخصصة لزراعة دوار الشمس التي بلغت قيمة 3000 دج للقنطار، وكلها عوامل ساعدت في نهضة الزراعة الصحراوية بشكل عام.
نعمل على تحقيق الاستدامة في الزراعة الصحراوية
يجرنا الحديث عن الطاقة إلى السؤال عن واقع اعتماد الطاقات المتجددة في الصحراء، وعن موضوع الاستدامة كذلك، فإلى أي مدى يؤخذ كل هذان الجانبان بعين الاعتبار ؟
- لديمومة وتطور الفلاحة الصحراوية يجب ضمان ديمومة مصادر الطاقة، هناك عمل كبير وجبار جار في بلادنا، ونحن نعي جيدا أهمية تنويع مصادرنا الطاقوية وتقليل استهلاك الكهرباء في مجال حفر الآبار تحديدا، حاليا يجري العمل لحفر آبار بالاعتماد على الطاقة الشمسية، كما أن بعض المناطق الفلاحية البعيدة بدأت في استخدام هذه الطاقة بشكل أوسع. وبحسب الجدوى الاقتصادية فإنه يمكننا القول إنه شرع في إدخال الطاقة المتجددة في الأنشطة الصحراوية من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، مع ذلك مانزال بحاجة للعمل بشكل أكبر لإدماجها أكثر والحفاظ على مصادرها.
لا يمكننا الحديث عن الزراعة الصحراوية دون تسليط الضوء على الزراعة القديمة والجديدة في الوقت ذاته، وتحديدا زراعة دوار الشمس ماذا عنها؟
ـ زراعة دوار الشمس في الجزائر قديمة جديدة، فقد جربت بعد الاستقلال، ثم توقفت وعادت مجددا بأمر من رئيس الجمهورية في إطار سياسة تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة الزيت، فجربت بمحطات المعهد منذ سنة 2022 عبر عدة حقول وفي تواريخ زراعة مختلفة.
أثبتت كل التجارب أنها زراعة سهلة ولينة ومرنة تتأقلم مع ظروف المناطق المختلفة، كما أنها تدخل كزراعة ثانية ضمن دورة الزراعة العادية، لأن جذورها القوية تتغلغل داخل التربة، وتعمل على تنظيفها كما أنها تخلف مواد معدنية تساعد في نمو المنتوج الذي يزرع بعدها، لذلك تعد صديقا جيدا للحبوب، كما أنها زراعة ناجحة تعطي حوالي 35 قنطارا في الهكتار الواحد، أي ما يعادل 4 إلى 5 كلغ من البذور، كما أنها لا تستهلك كميات كبيرة من المياه ولا تستهلك الأسمدة بشكل كبير، إذ يمكن إضافة التسميد الآزوتي فقط، وبذلك فهي زراعة صديقة للبيئة، كما أنها تزرع في أوقات مختلفة، وفق مخطط خاص من طرف وزارة الفلاحة عبر الزراعة التعاقدية مع المحول مباشرة، سواء كانت مؤسسة خاصة أو عمومية، خاصة في ظل دخول شركات كثيرة لتحويل الزيت مؤخرا، بما يضمن بيع المحصول بسعر تحدده البورصة، ناهيك عن تطوير الزراعات الإستراتيجية.
هذه أهمية الزراعات الزيتية
كم بلغت مساحة الزراعة الزيتية في الجزائر إلى غاية الآن، وما هي نسبة الزيت التي تستخلص من بذور دوار الشمس؟
ـ ليس لدي الرقم المحدد، مع ذلك يمكنني القول بأنها في توسع و تزرع تواليا، أما الهدف فهو بلوغ 45 ألف هكتار هذا العام.
أما نسبة الزيت في البذور فتتراوح بين 30 إلى 40 بالمائة، أي أن قنطارا من البذور يعطي 40 إلى 48 لترا من الزيت، وباقي عملية العصر عبارة عن مخلفات غنية بالبروتينات تحول إلى أعلاف للحيوانات، بينما بقاء النبتة في الحقل يحولها إلى رماد كالبوتاسيوم الذي يغذي التربة، ما يعني أنها نبتة بصفر مخلفات ضارة، فضلا عن أنها نبتة يحبها النحل ما يجعلها مرعى له ومصدرا لعسل ذو جودة عالية.
ماذا عن زراعة الحبوب والقمح في الصحراء؟
ـ زراعة الحبوب عرفت نهضة كبيرة بفضل توزيع مساحات كبيرة على ورقلة، تيميمون، أدرار، المنيعة، بما يعادل أكثر من 105 آلاف هكتار خصصت للحبوب، ما أحدث قفزة نوعية لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب خلال سنة أو سنتين إن شاء الله، وهو تحد كبير يمكن رفعه.
سيدة الكينوا بالجزائر كيف تساهمين في دعم النشاط الفلاحي لنساء الريف و الصحراء؟
ـ تعتمد الفلاحة بشكل عام على دور المرأة الكبير في ترقية المنتوج المحلي، لأنها تساعد على تثمينه، فزراعة النخيل هي الزراعة التي تعتبر سائدة في الجنوب، وللنخيل الكثير من المخلفات مثل السعف و الجريد وغيرها، والمرأة الصحراوية تشرف على العديد من المساحات الزراعية، ولذلك نسعى لتمكينها ماديا لتحقق الاستقلالية المالية وتتمكن من إنشاء مشروعها المصغر، باعتبارها الأساس في تثمين المنتجات المحلية عبر الصناعات التحويلية كالرب و السلال وغيرها.
حليمة خالد رائدة في زراعة الكينوا في الجزائر، حدثينا عن هذه التجربة؟
الكينوا تشبه زراعة الحبوب كالأرز والقمح، أدخلت إلى الجزائر منذ 10 سنوات عبر مشروع مع منظمة الفاو للغذاء، تمت تجربتها في المعهد ومحطاته الخمس وقد أعطلت نتائج باهرة، ونعمل حاليا على تطويرها مع صغار الفلاحين والمرأة الريفية في المنطقة، كما أن الجزائر تحتفل سنويا باليوم العالمي للكينوا في 7 جويلية وكل مرة يكون الاحتفال بولاية. نعمل على المشروع بالتنسيق مع جامعة قاصدي مرباح بورقلة ضمن مشروع إقليمي تابع لمجموعة البحر الأبيض المتوسط برئاسة ألمانيا، وقد سبق لي أن عرضت التجربة الجزائرية أمام إحدى لجان جامعة الدول العربية كذلك.
النصر: أين وصلت التجربة، وكيف تقدرين مستوى الاستهلاك الجزائري للمحصول؟
نحن في إطار ضبط هذه الشعبة، وقد تم إدراجها مؤخرا من طرف وزارة الفلاحة والتنمية الريفية كشعبة جديدة، أي أننا نحضر القاعدة الاستهلاكية، خاصة وأن الكينوا أصبحت معروفة لدى شريحة واسعة من الجزائريين وعبر مختلف ولايات الوطن.
أما بالنسبة للتحدي الذي يواجهنا الآن، فيكمن في توسعة المساحة المزروعة، ونعمل على ذلك بالشراكة مع الجامعات لإيجاد طرق لتطوير الشعبة لضمان منتوج أكبر يلبي حاجيات بعض الشرائح كمرضى التوحد والسيلياك وكذا الرياضيين، وكل من يبحث عن الأكل الصحي لأن الكينوا حبوب غنية بالفوسفات والأحماض الآمينية وخالية من الغلوتين.
في أي منطقة من الجزائر تم غرس مساحات أكبر من الكينوا، وكيف سيكون مستقبل هذه الشعبة في حال التطوير؟
- بحكم أني من وادي ريغ، فهذا يعني أنها المركز، إلا أن هذا لم يمنع من تجربتها في مناطق أخرى كأدرار، والبويرة، ومستقبلا في بشار والمسيلة، خاصة وأنه منتوج يتأقلم مع الظروف ويحتاج لمراعاة تاريخ الزرع الصحيح واتباع المسار التقني، لتبقى المغير، وتقرت و الوادي أكبر مناطق زراعتها إلى اليوم.
صحيح أننا لم نبلغ بعد مستوى الاستهلاك المطلوب، لكن هذه الزراعة ستتطور حتما، وستقدم قيمة مضافة للفلاحين الذين يختارونها، بداية بتوفير الغذاء للمرضى وتقليص فاتورة الاستيراد، وبعدها التوجه نحو التصدير خاصة وأن ظروف الزراعة الناجحة متاحة في الجزائر، والأسعار عالميا مرتفعة و تقدر بـ 1200 دج الكيلوغرام الواحد.
ماذا عن آفاق الزراعة الصحراوية في الجزائر، في نظرك؟
ـ يجب اعتماد تقنيات علمية ومتطورة لضمان استمرار نجاح الفلاحة الصحراوية في الجزائر، إلى جانب التعامل مع خصوصية المنطقة من خلال توفير موارد للمياه، لأن المياه الباطنية قابلة للاستنزاف، كما يجب توفير مناخ بيئي ملائم للزراعات العشبية وذلك عبر التشجير، وأيضا تطوير تربية الحيوانات وتوفير السماد الطبيعي، وضمان دورة حياتية طبيعية، والتقليل من استعمال الأسمدة، مع العمل على تشجيع تربية الأسماك في الواحات، دون إهمال حماية الشق التقليدي في الزراعة الصحراوية عبر زراعة النخيل، وأيضا إدماج اليد العاملة الصحراوية في المشاريع الكبرى باعتبارها الأدرى بالمنطقة، وكل هذا سيساهم في استدامة الفلاحة الصحراوية.
الصحراء ستكون سلة الجزائر القادمة في حال بلغ المستثمر والفلاح درجة الوعي المطلوبة، و فهم أنه مطالب باستهلاك موارد الطبيعة بشكل عقلاني من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في البذور مثلما قال رئيس الجمهورية، وكذا في النباتات الزيتية والذرة والقمح.
إ. ز