موجة الراي أبعدتني عن الغناء و أدعو إلى دنموقراطية الثقافة
كشف أستاذ العلوم البيداغوجية الموسيقية بالمعهد العالي للموسيقى بالجزائر العاصمة، الدكتور و المطرب عبد الحميد بلفروني بأن موجة الراي التي اجتاحت الساحة الغنائية الجزائرية منذ سنوات، و استقطبت في أوج انتشارها، مختلف الشرائح الاجتماعية ، جعلته يقرر ألا يسبح لوحده ضد التيار،لأن ذلك جد صعب، كما أن كل فنان ،حسبه، بحاجة إلى فترة غياب من أجل مراجعة نفسه و تقييم أعماله و مساره.
خريج مدرسة ألحان و شباب في منتصف السبعينات ،الذي اشتهر بأغانيه العاطفية على غرار»جات و الله جات»و «ما كنت أدري يا هوى»، استدرك بأن دراسته للموسيقى بموسكو، ثم تدريسه لها و لتقنيات الغناء بالجزائر ،لم يبعداه كثيرا عن مساره الأول كمطرب ،خاصة و أنه شارك كعضو تحكيم في الكثير من المهرجانات الفنية ،و كأستاذ لتقنيات الغناء في العديد من البرامج المخصصة لاكتشاف المواهب، على غرار الطبعة الجديدة من مدرسة ألحان و شباب ، المزمع انطلاقها في 17 فيفري الجاري .و قد أسر للنصر في هذا الحوار، بأنه يفكر جديا في العودة إلى الغناء.
ـ عبد الحميد بلفروني : يمكن أن نلاحظ بأن كل فنان، بحاجة إلى أن يغيب في فترة معينة، لكي يراجع نفسه ، و يقيم ما يقدمه لجمهوره ،إذا كان له صدى أم لا ، و ينظر إلى الساحة الغنائية بكل موضوعية ،و يرصد موقعه بها. بالتالي فإن غيابي شخصي اختياري،و ليس لأنه تم تغييبي أو تهميشي في الإذاعة و التليفزيون كما يقول بعض الفنانين .
ما شجعني أكثر على الانسحاب طيلة 15عاما ،أنني لاحظت في تلك الفترة ،بأن نوعا غنائيا واحد و هو الراي طغى على الساحة الغنائية ببلادنا، و استقطب الجمهور. و في بلادنا إذا ظهرت موجة غنائية شبابية كبيرة ، فمن يؤدي لونا آخر، صعب جدا أن يواصل الغناء و يسبح لوحده ضد التيار ،عكس ما يحدث في الدول المتقدمة ،حيث لا يؤثر ظهور لون جديد وبلوغه ذروة الانتشار، على بقية الألوان الفنية التي تبقى صامدة، محافظة على مكانتها و جمهورها. لابد أن أوضح هنا بأنني لست ضد الراي ، فموسيقى الراي جزائرية «تاعنا»و هي جميلة ،و أنا أستمع إلى بعض الأغاني الرايوية أحيانا، خاصة و أن هناك جهودا تبذل لتحسين و تهذيب كلمات هذه الأغاني.
ـ أعتقد أن لا فرق بين الموسيقى و الغناء.بالفعل أنا خريج مدرسة ألحان و شباب من نفس دفعة المطربين نرجس و نادية بن يوسف و يوسف بوخنتاش ،و قد انسحبنا جميعا تدريجيا من الساحة الغنائية. أتذكر أن أول أغنية خاصة بي أديتها عنوانها «ما كنت أدري يا هوى» و قد لحنها حسان فارس ،و كتبها قاسم نذيري، لقد حرصت طيلة مشواري على انتقاء أغنيات راقية ،ذات كلمات مهذبة ،قريبة من الفصحى، ليفهمها الجمهور ببلادنا و البلدان العربية، و تعاملت مع كبار الملحنين الجزائريين. للأسف المطرب في بلادنا مطالب بأن يقوم بكل شيء بمفرده عليه أن يبحث عن كاتب للكلمات، و عن ملحن، و عن أستوديو للتسجيل... إلخ. بينما في البلدان المتقدمة كل شيء منظم ،يكتفي الفنان بالغناء، و يتكفل مدير أعماله بالاتصالات ، و كل ما يضمن نجاحه و انتشاره إعلاميا و جماهيريا. المؤسف أن المطرب الجزائري تستنزف قواه في شبابه ،و عندما يبدأ العمر يتقدم به و يصبح معروفا، يخجل من طرق الأبواب ليحظى بفرصة إحياء حفلة أو الظهور في التليفزيون، فيضطر للبقاء في الظل.أوضح هنا بأن انسحابي حدث مرتين، لكنني ظللت وفيا للون العاطفي الرومانسي أو ما يعرف بالمنوعات الذي عرفني و أحبني به الجمهور و أعتقد أنها صالحة لكل زمان و مكان. انسحابي الأول كان في 1979 ،و أنا في بدايات مساري الغنائي ،عندما حصلت على منحة لدراسة الموسيقى بمعهد متخصص بموسكو، و مكثت هناك 7 سنوات، و عندما عدت إلى أرض الوطن ،أديت واجب الخدمة الوطنية ثم عدت لأحضان الغناء في الثمانينات أتذكر أنني قدمت باقة من الأغاني على غرار»كي البارح كي اليوم».و انسحبت للمرة الثانية قبل 15 عاما ،من أجل تدريس العلوم البيداغوجية الموسيقية، بالمعهد العالي للموسيقى بالعاصمة ،و لازلت أواصل عملي هناك.
ـ أصارحكم بأنني ألفت مجموعة من الألحان و وضعتها في الأدراج من يدري قد أخرجها يوما.
ـ المواهب كثيرة أبرزها الطالبة آمال إبراهيم جلول ،التي تألقت كثيرا بفرنسا كمغنية أوبيرالية ،و عضوة فرقة «ميديتيرانيو» سلمى كويرات و كذا طالب اسمه عليلو برز بأداء الطابع القبائلي.
ـ هناك أشياء إيجابية و أخرى سلبية حولنا، أدعو بإلحاح إلى ديمقراطية الثقافة،و توفير الإمكانيات و التسهيلات ،ليتمكن كل فرد موهوب من تفجير إبداعاته ، و إيصالها إلى الجمهور .المطرب مثلا، يمكنه أن يجد الأستوديو الذي يسجل فيه و دار النشر دون عراقيل.و في النهاية يصمد كل ما هو جيد و جميل.
ـ صحيح ...صفحتي على الفايسبوك مليئة بالدعوات للعودة للغناء، و لا يزال الكثير من المعجبين يلحون علي بالعودة ،كلما التقيت بهم و هذا يسعدني كثيرا .القضية لا تتعلق بالصوت ،الحمد لله صوتي جاهز و لدي مجموعة ألحان جاهزة، لكن أنا بحاجة لبعض الحماس .
ـ 80 بالمائة.
ـ كنت عضوا في لجنة التصفيات النهائية و تم انتقاء 20 طالبا موهوبا لدخول المدرسة. الانطلاقة ستكون بإذن الله في 17 فيفري الجاري. أما مشاركتي في هذه الطبعة الجديدة من برنامج المواهب الغنائية فستكون كأستاذ لتعليم التقنيات الصوتية و الغناء.