اعتبر المخرج الأردني بسام المصري بأن الرسالة التي وجهها أحفاد الشيخ أمود بن المختار إلى الوزير الأول و وزير الثقافة الجزائريين في بداية شهر فيفري الجاري، قد تضمنت عدة تساؤلات حول مضمون مسلسل "طوق النار" الذي أسندت إليه مهمة إخراجه، و يسلط الضوء على مقاومة سلطان التوارق للمستعمر الفرنسي في الجنوب الجزائري، ما حتم،حسبه، على طاقم العمل التوقف مؤقتا عن التصوير للإجابة عنها، مشيرا بأنه من حق هؤلاء الأحفاد التأكد بأن المسلسل يليق بمكانة
و انجازات السلطان أمود ، و من واجبه كمخرج تحمّل المسؤولية التاريخية لتقديم عمل يليق ببلد المليون و نصف المليون شهيد.
المخرج الذي يحمل برصيده حوالي 100عمل، جسدها خلال ثلاثة عقود بمختلف التليفزيونات العربية، يرى بأن الجزائر لم ترتق بعد في مجال الدراما التليفزيونية إلى المستوى الذي يليق بالجزائر و الجزائريين، يعتبر مسلسل"طوق النار"و هو من إنتاج التليفزيون الجزائري، بداية لانطلاق الدراما الجزائرية و الممثلين الجزائريين نحو كل مواطن عربي من خلال تسويقها إلى مختلف القنوات التليفزيونية العربية. عن العمل الجديد و نقاط أخرى عديدة تحدث بسام المصري في حواره مع النصر.
. النصر: ماذا يمكن أن تقول لنا عن أسباب توقيف تصوير مسلسل "طوق النار"، بعد أيام معدودة من إعطاء وزير الثقافة إشارة انطلاق تصويره رسميا بورقلة؟
ـ بسام المصري: نعم... توقفنا مؤقتا منذ حوالي ثلاثة أسابيع تقريبا عن التصوير، للإجابة عن تساؤلات عائلة و أحفاد السلطان أمود بن المختار .
. لقد طالب أحفاد الشيخ أمود بن المختار في رسالتهم إلى الوزير الأول و وزير الثقافة بتوقيف تصوير المسلسل، لأنهم اعتبروا السيناريو الخاص به الذي كتبه السوريان عبد البارئ أبو الخير و محمد عمر، يحمل تشويها للتاريخ الجزائري
و لشخصية جدهم، خاصة و أن لا أحد اتصل بهم لطلب الإذن بتجسيد العمل، ما رأيكم في ذلك؟
ـ لا أعتبر تلك الرسالة و كل ما صدر عن أحفاد السلطان أمود بن المختار عراقيل، بل تساؤلات في مكانها جعلتنا نتوقف للإجابة عنها. حاليا هناك لقاءات و محادثات بين الجهة الإنتاجية المتمثلة في التلفزيون الجزائري و شركة قوسطو و وزارة الثقافة من جهة، و أحفاد الشيخ أمود و التوارق من جهة أخرى، من أجل التوصل إلى نقطة اتفاق و تحقيق ما نصبو إليه كفريق عمل. و أنا واثق بأنهم سينظرون إلى الأمر من خلال حب الجزائر و مصلحتها و الرغبة المشتركة في إبراز رموزها. من حق أحفاد السلطان أمود أن ينظروا إلى جدهم كرمز، و أن يتساءلوا إذا كنا سنبرز تاريخ التوارق و بطولاتهم و نتعامل مع شخصية سلطانهم كرمز للتضحية و النضال و مقاومة المستعمر الفرنسي و الحفاظ على وحدة الجزائر. أحفاد بن المختار لم يطلعوا على سيناريو المسلسل، و لو فعلوا لأدركوا ذلك،فقد كتب بطريقة رائعة جدا و سيبرز السلطان أمود بشكل يليق به و بمكانته، فبغض النظر عن مكان تواجده، هو ملك للجزائر و كل المواطنين الجزائريين و رمز لهم و لكل من يعشق الحرية و يتصدى للظلم و الاستبداد في كل أصقاع العالم.
. "طوق النار" ليس أول مسلسل جزائري يسلط الضوء على مقاومة التوارق ، فقبله تم تصوير "فرسان الأهقار" من إخراج الأردني كمال اللحام و علق أحفاد الشيخ بعد عرضه بأنه "أنقص من قيمة جدهم"،هل شاهدته؟
ـ لا...لم أشاهده، أنا لا أقارن عملا بعمل آخر، و لا أقارن نفسي بمخرج آخر. لأنني لا أتنافس إلا مع نفسي، ما يضعني أمام مسؤولية كبرى و يلزمني بتقديم الأفضل و الإبداع أكثر مما سبق.
. هل اتصلتم بأحفاد الشيخ أمود قبل كتابة سيناريو "طوق النار"؟
ـ لم أكن موجودا ضمن فريق العمل أثناء كتابة السيناريو، بل كانت مهمة إخراجه قد أسندت في البداية لمخرج آخر و حضر للعمل بشكل محكم. أعتبر نفسي محظوظا لأنني أكمل مسيرتي الفنية بتقديم عمل عن قائد مغوار و رمز لمقاومة التوارق، ما يضع على عاتقي مسؤولية تاريخية تليق ببلد المليون و نصف المليون شهيد.
. برصيدك مسلسلات حول شخصيات تاريخية عديدة، و قد تعرض مسلسلك "نمر بن عدوان"مثلا، لانتقادات و ضغوطات و احتجاجات من قبل أهل نمر، أليس كذلك؟
ـ كمخرج قدمت ثلاثة مسلسلات حول شخصيات من رموز الأردن و هي "عودة أبو تايه" و "الشيخ إبراهيم الضمور" و "نمر بن عدوان". أحب الاعتراضات و الضغوط و أؤمن بأنها من حقوق أهالي الشخصيات الرمزية. بالنسبة لمسلسل "نمر بن عدوان" واجهت العديد من الاعتراضات و وجهات النظر الصادرة عن أشخاص يعرفون طبيعة العمل الفني و آخرين يجهلونها و سعيت للاستماع للجميع و توحيد الآراء فنجحت و اعتبروني فردا من قبائل عدوان الأردنية العريقة بعد أن شاهدوا المسلسل. أتمنى أن أصل إلى قلوب التوارق و كل الجزائريين من خلال "طوق النار".
. هل ترون بأن العمل الفني التاريخي يجب أن يقدم الأحداث التاريخية برؤية إبداعية و فقط؟
ـ العمل الفني عبارة عن مساحة من الرؤية الإبداعية و الإخراجية التي تستلهم من الواقع و من التاريخ موضوعها لكنها لا تقدم كعمل تاريخي أرشيفي و إنما تقدم بروح إبداعية تدخل فيها عناصر النجاح و الرقي الإبداعي وهي لا تتماشى مع التاريخ و الأرشفة التاريخية.إن الارتقاء بالعمل الفني يعتمد على مقومات منها الدلالات و الرموز و البلاغة و التحليق بالخيال لإيصالها إلى المشاهد على أنها رمز استشف من الواقع و يمثله.و هناك جانب في الدراما يسلط الضوء على ما نريد إيصاله للمشاهد من رقي و احترام و حب للشخصية و كذا العمل المنجز حولها. نحن لا نتعامل معها على أنها شخصية عادية عاشت أحداثا طبيعية و لها صفات بشرية عادية، بل نظهر أحيانا الشخصيات و كأنها أنصاف ملائكة بما يليق و صفاتها البشرية العظيمة.
. أخرجت في 1994 أول عمل لك و عنوانه "القصير"، هل لنا أن نعرف كم عملا قمت بإخراجه؟
ـ عدد الأعمال التليفزيونية التي أخرجتها منذ 1994 تصل إلى 30 عملا، لكنني دخلت في الواقع الوسط الفني في سنة 1986، و اشتغلت كممثل و مخرج منفذ و مساعد مخرج في 100عمل. أعشق المسرح كثيرا، لكنني أجد نفسي في العمل التليفزيوني أكثر، لأنه كوجبة دسمة على نار هادئة أستطيع أن أضيف إليها الملح و البهارات بما يرتقي و يليق بالمشاهد، أينما كان.
. هل شاهدت أعمالا فنية جزائرية قبل أن تخوض أول تجربة إخراج لمسلسل جزائري برصيدك؟
ـ أود أن أقول لكم بأنني أحببت الجزائر قبل أن أزورها و عندما زرتها لأول مرة من أجل خوض تجربة إخراج "طوق النار"شعرت بأنني واحد من أبناء الجزائر لقد شاهدت مقتطفات من مختلف الأعمال الفنية الجزائرية لأنني واجهت في البداية صعوبة في فهم اللهجة، و لاحظت بأن الجانبين السينمائي و المسرحي جد متطورين، لكن الدراما التليفزيونية لم ترتق بعد لما يليق بالجزائر. أتمنى أن يكون مسلسل "طوق النار" بداية لانطلاقة جديدة للدراما التليفزيونية الجزائرية من خلال تسويقها إلى محطات تليفزيونية بمختلف البلدان العربية.
. هل لغة الحوار في "طوق النار" هي العربية الفصحى؟
ـ نعم...لكنني أتمنى أن نتوصل في يوم من الأيام إلى لهجة بيضاء موحدة و مفهومة تصل إلى كل المشاهدين العرب.
. ما رأيك في الممثلين الجزائريين؟
ـ في "طوق النار" الذي يتضمن 30 حلقة و من المنتظر أن تكون بعض حلقاته جاهزة للبث في رمضان المقبل، يوجد 125 ممثلا رئيسيا جزائريا من مختلف الولايات.لاحظت أنهم محترفون و يملكون مواهب جديرة بأعمال كبيرة مثل المسلسل الذي يجسد مسار و مقاومة الشيخ أمود بن المختار و الذي يمكن أن يصل بهم إلى المكانة التي يستحقون.لا فرق بينهم وبين باقي الممثلين العرب إلا في نقطة واحدة وهي عدم ظهورهم في نطاق أوسع عبر الشاشات العربية.واقع يحتم علينا كفنانين و مواطنين و على الحكومة الجزائرية وضع إستراتيجية لتسويق الأعمال الفنية نحو المحطات العربية في الأردن و عمان و أبو ظبي و غيرها، فمن حق كل عربي أن يرى الجزائر و إبداعات أبنائها على الشاشة.
. ركزت كثيرا على تصوير البيئة و الحياة البدوية في الأردن في أعمالك لماذا؟
ـ قمت بتجسيد أعمال تاريخية و اجتماعية و كوميدية و مختلف الألوان الفنية، لكن للعمل البدوي خصائص و عادات و تقاليد يجب المحافظة عليها و إبرازها، هو نوع من المغامرة لا يقدر عليها الكثيرون لأنها صعبة، و أنا فخور لأنني خضتها و تميزت بها.
.هلا حدثنا عن مشاريعك؟
ـ أنا لا أشتت طاقتي و جهدي في أكثر من مجال و لا أترك نفسي إلا لعمل واحد.
حاورته :إلهام.ط