ترى المخرجة الجزائرية يمينة شويخ بأن المرحلة الحالية تفرض على السينما الجزائرية تجاوز أطر السينما الملتزمة و تقديم حكايات الشعب كما هي، دون مجاملة أو محاولة لإصدار الأحكام، معتبرة كسب ثقة الأجيال الجديدة ضرورة ملحة. يمينة شويخ تحدثت عن فيلمها الوثائقي الجديد "أمس، اليوم وغدا" و اعتبرته عملا صادقا حاول نقل صوت المجاهدات الجزائريات اللائي سردن قصصهن إبان الثورة التحريرية بكل عفوية، و مساهمة في نقل الذاكرة الحقيقية للأجيال. المخرجة اعتبرت في الحوار الذي أجرته معها النصر بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة على هامش ندوة حول الإنتاج السينمائي، بأن فيلمها "رشيدة" أول فيلم جزائري لمخرجة جزائرية تعيش في الجزائر تناول موضوع الإرهاب.
النصر: انتهيت من انجاز فيلمك الأخير "أمس، اليوم وغدا" بالجزائر العاصمة منذ سنوات طويلة، لكنه لم يعرض إلا مؤخرا لماذا ؟
يمينة شويخ : نعم لم يعرض لسنوات عديدة و لا أعرف السبب الفعلي لذلك، لكنني سمعت بأنه عرض مؤخرا في العاصمة في إطار الأيام السينمائية الأخيرة التي نظمت هناك.
. الفيلم وثائقي يروي حكايات مجاهدات كن صغيرات في العمر أيام الثورة التحريرية، لماذا قررت التوثيق لمسارهن؟
ـ في الفيلم لم أقم بعملية التوثيق، كنت مستمعة بالدرجة الأولى، ذهبت لنساء مجاهدات شاركن في الثورة التحريرية الكبرى، تكلمن عن حياتهن و مسارهن النضالي و لم أكن مسؤولة عما يقلنه، كنت مسؤولة فقط، عن نقل أصواتهن ورواياتهن. أنا كمخرجة اخترت الموضوع و الأسئلة و لم أفرض عليهن ما سيقلنه تركتهن على حريتهن واستمعت لهن وهن يتحدثن.
قدّم الفيلم شهادة نسيمة هبلال التي توفيت دون أن ترى الفيلم ، حسيبة بن يلس، تومية العربي، المعروفة باسم باية الكحلة، حسيبة عبد الوهاب، حورية عبيد، فريدة بلقمبور و لوسات ليبرار وهي محاربة فرنسية ضد استعمار بلادها للجزائر. أنا لم أقدم نساء الثورة فقط في هذا العمل، بل قدمت أيضا مناضلات في سنوات الأربعينيات. أردت أن أسلط الضوء على تواصل النضال الجزائري الذي نتج عنه في ما بعد الثورة التحريرية الكبرى.
. هل ترين أن الثورة التحريرية لم توثق بالشكل المطلوب؟
ـ الثورة الجزائرية سرقت منا بشكل أو بآخر، فكل جزائري لديه الحق في معرفة الجزائر، لأنها تعنيه بالدرجة الأولى، حتى شباب اليوم عليهم معرفة تاريخهم، كما هو، فالتوثيق للثورة يسمح بمعرفة مناطق الظل والحديث عنها بشكل صريح، لأننا جزء من الإنسانية التي لديها أخطاءها و مواقفها حتى في الأحداث الدموية التي شهدتها الجزائر، فالجيل الجديد لا يفهمها، يعرف بأن هناك عمليات قتل و صراع، لكن الصورة لا تزال مشوشة لديه.
. الإرهاب هو الذي دفعك للإخراج السينمائي أليس كذلك ؟
ـ تحولت إلى الإخراج السينمائي بعدما كنت مركبة أفلام سينمائية في التسعينات. كتبت قصة رشيدة التي كانت تعني لي الكثير، لكن في تلك المرحلة كل شركات الإنتاج حلت، فأحسست بضرورة التوجه إلى الإخراج السينمائي و قمت بإخراج القصة التي كتبتها على شكل فيلم عنوانه "رشيدة"، لأن لا أحد كان يستطيع أن يخرجها، فالوضع العام لم يكن يسمح بذلك.
. هل عدم عثورك على مخرج آنذاك هو الذي دفعك للإخراج ؟
ـ في الحقيقة لم أبحث عن مخرج، لأن قصة "رشيدة" تعني لي الكثير (تشير إلى فقدانها لأحد أفراد عائلتها في العشرية السوداء ). لقد قررت خوض تجربة الإخراج، لأن الإخراج عمل أعرفه جيدا، فأنا تعاملت طيلة حياتي مع مخرجين، و "رشيدة" عبارة عن سيناريو كتب لكل جزائري. عشت مرحلة الإرهاب تحت ضغط كبير وقررت أن أنفس عن نفسي بإخراج فيلم يلهمني شخصيا بالدرجة الأولى، و يعكس قضية شعب بأكمله.
. هل تعتبرين معالجة مرحلة الإرهاب في الجزائر سينمائيا أمرا استعجاليا و ضروريا؟
ـ في الجزائر لا توجد أفلام كثيرة تناولت قضية الإرهاب، أظن أن فيلم "رشيدة" هو أول فيلم جزائري حول الإرهاب أخرجته جزائرية تقيم بالجزائر، لقد عشت في قلب الإرهاب و وقفت على جرائمه العديدة، من قتل لأصدقاء و جيران وأقارب. هذا الإرهاب هو جزء من تاريخ الجزائر، و تحتم علي أن أتحدث عنه بطريقتي الخاصة. قد أكون تسرعت، لكني قررت الحديث و هذا الحديث سيكون مهما للأجيال التي لم تعرف الإرهاب. علما بأنني كتبت سيناريو فيلم "رشيدة" في تلك المرحلة.
. في فيلم "رشيدة" طغى الغضب على المشاهد التي كانت في مجملها قاسية...
ـ الإرهاب في حد ذاته قاس، في كل مراحل تاريخ الأمم أو في حياة الأفراد، هناك مراحل قاسية. يجب ألا نكذب على أنفسنا، في مرحلة الإرهاب عشنا كل ذلك. الفيلم قاس لأن الأحداث كانت كذلك.
. كتبت لنفسك سيناريو هل وضعت حدودا التزمت بها؟
ـ لم أضع حدودا، لكن لم يكن من السهل كتابة سيناريو عن أحداث نعيشها يوميا. كتبته في مرحلة الإرهاب، فالحد الذي وضعته لنفسي هو ألا تكون كراهية في ما أكتب و ألا تكون هناك أحقاد. لقد حاولت أن أتصالح بطريقة أو بأخرى مع نفسي، فقررت أن يكون فيلم "رشيدة" هو امتداد للحياة و ليس تجسيدا للموت.
. السينما الجزائرية توجهت للأفلام التي يطلق عليها مصطلح الأفلام الملتزمة التي تستعيد التاريخ، هل هي إستراتجية جيدة ؟
ـ المخرج السينمائي لا يمارس وظيفة المؤرخ، هذا هو الفخ الذي وقعت فيه الأفلام التي تحدثت عنها. كان الأجدر بالسينمائيين أن يجسدوها على شكل أشرطة وثائقية أسطورية، لأن السينما شيء آخر مختلف تماما عن التأريخ، فالفيلم يبنى على الخيال و لا يلتزم فيه المخرج بنسبة مائة بالمائة بالحوادث التاريخية.
. في مهنة الإخراج لا توجد نساء كثيرات في الجزائر...
ـ لا توجد مخرجات جزائريات كثيرات من قبل، لكن ضمن الجيل الصاعد هناك مخرجات. صحيح هذه المهنة كانت مهنة رجل، على المستوى التقني. و في جيلي كان من النادر أن تجد امرأة مخرجة، لكن الجيل الراهن رفع التحدي وأنا سعيدة بذلك.
. السينما ساهمت من قبل في تطوير وعي جيل من الجزائريين بالهوية، هل تراجع السينما الجزائرية يؤثر على هويتنا ؟
-طبعا السينما هي هوية في حد ذاتها، ونحن سنواجه مشكلة إن لم ينفتح هذا الجيل أكثر على السينما، لأنها لغة صانعة للهوية والذات، فالصورة يمكنها أن تصنع الإنسان.
حاورها حمزة دايلي