منحت العود العربي بعدا عالميا و "البوغي" شوّه الزجل وقصته حرّفت
انتقد الشيخ سليم الفرقاني، فيلم البوغي و قال أن نصه تسبب في تحريف القصيدة التراثية، مضيفا بأن ثمة مقاطع و عبارات تبيّن بأن القصة من وحي الخيال و ليست حقيقية كما يعتقد البعض حسبه. نجل الحاج محمد الطاهر فرقاني الذي ساهم في تسجيل أنتولوجيا الموسيقى القسنطينية ضمن مشروع الحفاظ على التراث الذي بادرت اليه وزارة الثقافة، قال في حوار للنصر بأنه تمكن من تسجيل 40قرصا في وقت قياسي لم يتجاوز الشهر، تضمن 12نوبة، أصيب بعدها بوعكة صحية نتيجة الإجهاد.
حاورته مريم/ب
محدثنا تطرّق أيضا إلى العود "العربي"القسنطيني و خصوصيته التي يعود الفضل في صموده و استمراره إلى أبناء قسنطينة الذين حافظوا عليه كما تركه الأسلاف منذ قرون.
- تضاعف عدد تسجيلاتك في السنوات الأخيرة و فاق الخمسين ألبوما هلا حدثتنا عن ذلك؟
- بالفعل لقد ساهم مشروع وزارة الثقافة في الحفاظ على التراث الموسيقي دورا كبيرا في ذلك، حيث قمت بتسجيل "آنتولوجيا" التراث القسنطيني لتدوين بعض من الرصيد الموسيقي المحلي، و الذي تضمن 12نوبة، إلى جانب الحوزي و المحجوز زجل و مديح، كل ذلك جمعته في 40قرصا"سي دي" و قد قمت و فريقي بعمل جبار في زمن قياسي لم يتجاوز الشهر، لكنني أصبت بعدها بوعكة صحية جعلتني طريح الفراش بسبب الإجهاد. و اليوم فأنا أحصي ما يقارب الـ60ألبوما، و لا يوجد بينها أغاني خفيفة أو ما يعرف بالطقطوقات، لأن هدفي كان منذ البداية الحفاظ على الأغنية الأصيلة.
سجلت 12نوبة في وقت قياسي، فأصبت بوعكة صحية
- كيف ذلك و النوبة تستمر لساعات و ساعات؟
- كنا مضطرين لاختصار بعض النوبات لأن سعة السي دي الواحد لا تتجاوز 70 أو 72دقيقة، مما دفعنا إلى تقليص أو حذف مقاطع من نصوص عديدة ، المهم أننا حافظنا على النوبة بكل أجزائها الموسيقية.
- يبدو أنك لم تواجه صعوبات حتى في أداء بعض النوبات المعقدة كتلك التي تقوم على المقام البياتي مثلا؟
- بالفعل لم أواجه أي صعوبة و منحت كل نوبة حقها، لأن تجربتي الواسعة في أداء كل أنماط النوبات، مكنني من تجسيد ذلك بكل سهولة سواء على مستوى الحفظ، الأداء أو العزف.
- يقال أن سليم فرقاني من الفنانين القلائل الذين يحفظون نسبة كبيرة من القصائد، فكم حفظت حتى الآن؟
-بكل تواضع آلاف المقاطع، و هذا فضل من الله و اجتهاد شخصي على مدى 48سنة، عمر مشواري الفني.
- يقال أيضا بأنه لم يعد هناك فنان قادر على الحفظ أو بالأحرى يتمتع بقوة ذاكرة الشيوخ الراحلين فهل هذا صحيح؟
- بالفعل، لقد أصبح شباب اليوم ينال الشهرة و رصيده في التراث شبه معدوم و هذا مؤسف. لحسن الحظ أن الوسائل التكنولوجية الحديثة ساهمت في حفظه، و لو اعتمدنا على الذاكرة البشرية لكان مآل تراثنا الاندثار لامحال.
- اقتدى الكثير من الفنانين بوالدك في طريقة عزفه على الكمان، لكنك اخترت التميّز عنه بالعزف على العود، حدثنا عن تجربتك التي منحتك فرصة العمل مع عازفين عالميين ؟
- تعلمت العزف بمفردي من خلال السمع و التطبيق و كنت مولعا منذ الصغر بنغمة العود و كنت أستمع كثيرا لعزف عمي الزواوي و كذا الفنان ريمون، أما والدي فعلمني أسرار الأداء و حفظ القصائد، لكن بخصوص العزف، فاعتبر نفسي عصاميا.
- قيل الكثير عن العود "العربي"أو القسنطيني و يشهد الكثيرون بمساهمتك في الترويج له عالميا؟
- قال لي أستاذي الكريم الراحل عبد القادر التومي كلاما اعتبرته منذ ذلك الحين شهادة سأعتز بها ما حييت، مؤكدا بأنه استمع لعازفين ماهرين منهم باسطانجي و الشيخ عبد الكريم و غيرهم كثيرين، لكنه وجد في عزفي ما بإمكانه منح العود القسنطيني بعدا عالميا، و هو ما وصلت إليه بعد الاجتهاد و نيل حظ الالتقاء بعازفين كبار منهم العازف العالمي جون فرانسوا زيغيل الذي دعاني إلى برنامجه الشهير "علية الموسيقى"أين تحدثت و عرفت بالموسيقى القسنطينية، كما حرصت على الحفاظ كما الأولين على ميزة و خصوصية العود العربي، بعد أن اقتنعت بأن حفاظ الأسلاف على عودنا كما هو منذ قرون، كان لهدف معيّن في اعتقادي لإدراكهم بأن تطويره و دعمه بأوتار إضافية لن يجدي نفعا لأن أوتاره الأربعة "دو ري لا سول"قادرة على أداء "العجب"و تحقيق الإبداع دون الحاجة إلى وتر خامس أو سادس، و القسنطينيون كانوا أوفياء و تمكنوا من الحفاظ على أصالة المالوف على كل المستويات.
تسجيل التراث الموسيقي خطوة جبارة، لكنها غير كافية لحمايته من الاندثار
و لم يكن ليستعيد مكانته في تونس و المغرب حيث يطلقون عليه عود الرمل، لولا فضل التظاهرات الفنية و الثقافية المنظمة بقسنطينة و الجزائر و حتى بالخارج و التي ركزت على أهميته و خصوصيته، كما تعاملت مع دور تسجيل بفرنسا و إسبانيا و أحييت حفلات بقاعات عرض راقية كاللوفر و بدور الثقافات العالمية أين حرصت على الترويج له.
- وسط التنافس و حمى نسب جيراننا لبعض تراثنا الموسيقي إليهم، إلى أي حد تم تحصين و حماية التراث القسنطيني من كل ذلك؟
رغم الإجراءات التي بادرت إليها وزارة الثقافة، من تسجيل و تدوين موسيقي، لابد على الأكاديميين من تخصيص و تكثيف الدراسات حول الكنوز التي يزخر بها تراثنا الأصيل، لدعم الجهود و المبادرات الفردية التي يقوم بها بعض الموسيقيين و الفنانين و التي تبقى غير كافية، بل تحتاج إلى تكاثف الجهود، و أنا شخصيا قمت بتسجيل حصة عن العود العربي تحدثت فيها بإسهاب عن الطبوع القسنطينية و طريقة عزفها و الكتابة الموسيقية بطريقة أكاديمية مع ترجمتها إلى الفرنسية و الأنجليزية و الإسبانية، ضمن مشروع الحفاظ على التراث الذي انطلق بمناسبة خمسينية الاستقلال و الذي أعتبره خطوة جبارة لكنها غير كافية للحفاظ عليه من الاندثارأتمنى أن يتم استغلاله و الترويج له على أوسع نطاق داخل و خارج الوطن، حتى لا يبقى حبيس الأدراج و تذهب الجهود سدى.
- أين وصل مشروع تأسيس مدرسة لتعليم موسيقى المالوف بفرنسا الذي أعلنت عنه مع الفنان فوزي عبد النور؟
-الفكرة لا زالت قائمة و سترى النور قريبا و نحن نقوم بمساعي جادة لأجل ذلك.
لم أعتمد على والدي في تعلّم العزف
- ما رأيك في الأفلام التي استلهمت قصصها من التراث الموسيقي القسنطيني و إلى أي حد كانت السينما وفية للنص الموسيقي؟
- صراحة فيلم البوغي صدمني على كل المستويات و بشكل خاص الجانب الموسيقي، حيث لاحظنا سوء آداء و تشويه لطبع الزجل و حتى القصة تعرّضت للتحريف، بالإضافة إلى ما يحاول البعض ترويجه عن القصة و التأكيد على أنها واقعية، في الوقت الذي يوجد بالقصيدة كلمات توحي بأنها مستوحاة من الخيال و على الباحثين التدقيق فيها، منها المقطع الذي يقول مطلعه "نتكى في الحين نام حتى الرملية"، و في رأيي أن مسرحية البوغي كانت أوفى و أقرب للنص الأصلي أو لروح القصيدة من الفيلم.
- توريث الفن داخل العائلة، هل هو بدافع الحفاظ على الموروث و اسم العائلة الفني أم يبقى الهدف تجاريا محضا؟
- مسؤوليتنا اتجاه الأجداد، الوفاء و الحفاظ على الاسم العائلي الفني و الحرفي و هذا ما نحاول غرسه حتى في الأجيال القادمة من عائلة فرقاني، لأن الأولين تعبوا و اجتهدوا لأجل صناعته و ليس من حقنا تضييع إرث يزيد عمره عن القرن.