الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

المايسترو سليم دادا للنصر

استعمال فنانينا لعربية مفرنسة يجعل التواصل معهم صعبا و لا توجد صناعة للنجوم ببلادنا
إستغرب المايسترو سليم دادا ،المكرّم مؤخرا باليوبيل الفضي ضمن المهرجان الـ25 للموسيقى العربية بمصر، استمرار اعتماد الفنانين الجزائريين على فرنسا كبوابة لتحقيق الشهرة العالمية، رغم تغيّر سوق الفن و انتشاره بدول أخرى. المؤلف و الملحن الذي تعامل مع عدد كبير من الأوركسترات السمفونية و الفلهارموني بمختلف دول العالم، تحدث عن تجربته الأخيرة في تأليف و تلحين موسيقى فيلم»القديس أوغسطين» ذي الإنتاج المشترك الجزائري- التونسي من إخراج المصري سمير سيف، مؤكدا بأن البعد الإنساني لهذه الشخصية التاريخية العالمية، حمله على اختيار موسيقى محايدة لا بربرية و لا عربية، كما أعرب عن رأيه بخصوص واقع تدوين التراث المحلي و غياب المسابقات الفنية في مجال التأليف و التلحين الموسيقي وغيرها من المواضيع التي تكتشفونها في هذا الحوار الذي خص به النصر.
حاورته مريـــــــم بحــــــشاشي
-النصر: توجت مؤخرا باليوبيل الفضي ضمن المهرجان الـ25 للموسيقى العربية بمصر، مع نخبة من النجوم، حدثنا عن ذلك؟
- سليم دادا: طبعا فرحتي كانت كبيرة و أنا اكتشفت بأن المهرجان الذي كرم محمد عبد الوهاب و إسمهان وفريد الأطرش و عبد الحليم حافظ و أم كلثوم، و غيرها من قامات الفن العربي، يدرج اسمي ضمن قائمة المتوجين، لأكون أول جزائري يتوّج ضمن هذه التظاهرة المهمة، اعترافا و تقديرا لأعمالي التي تم عزفها بالكثير من الدول العربية، منها سوريا لبنان، الأردن، فلسطين، ليبيا و تونس، أذكر منها «بنت الصحراء» و «ذكريات الطفولة» التي افتتح بها مهرجان المؤلفين الموسيقيين العرب في 2009 و غيرها.
الفنان الجزائري يفضل أن تكون بوابته من باريس
- حدثنا عن تجربتك في تأليف موسيقى الفيلم السينمائي «القديس أوغسطين»، و ما مدى استلهامك من التراث المحلي؟
-اعتبرها تجربة دولية، لأن الفيلم من إنتاج مشترك جزائري-تونسي و المخرج مصري، كما أن التصوير كان بمناطق عديدة بالجزائر، تونس، إيطاليا و فرنسا، و بما أن العمل تاريخي وأحداثه تعود إلى القرن الرابع، كان علّي إيجاد موسيقى تناسب ذلك العصر، وفقا للصور و التماثيل و الأفكار»إيكونوغرافي»، و كذا الآلات الموسيقية المستعملة في العهد الروماني، لكن ذلك لم يمنعني من إدخال لمسة عصرية، تماشيا مع أحداث و مشاهد أخرى في الفيلم وضعت لها أنغاما محايدة حتى تكون لها صبغة عالمية، دون حصرها في موسيقى بربرية بحتة أو عربية، بل بالعكس حرصت على الحفاظ على البعد الإنساني لهذه الشخصية التاريخية العالمية.
علينا الخروج من دائرة الفلكلور إلى الفن بالإبداع
- لماذا لم ينجح مطربونا في إيجاد مكان لهم بين الأسماء الفنية في الوطن العربي، عكس الغرب الذي يوجد به موسيقيين بارعين من أصول جزائرية؟
- هناك عدة عوامل في رأيي ساهمت في جعل الفنان الجزائري يبرز أكثر من بوابة الغرب، فالفنان و المبدع الجزائري، سواء كان موسيقيا أو تشكيليا أو غيره، يفضل أن  تكون باريس بوابة انطلاقه، ربما نظرا لما تتناقله وسائل الإعلام الفرنسية و يقابله رد فعل سريع بالجزائر. أنا شخصيا عانيت من هذا الأمر عندما كنت بإيطاليا، فرغم كل ما قدمته هناك و التكريمات التي تحصلت عليها مر ذلك مرور الكرام، لانعدام التغطيات الإعلامية. بالرغم من تغيّر سوق الفن و انتشاره بكل دول العالم مثل روسيا و البرازيل و حتى دول الخليج، تبقى فرنسا قبلة الكثيرين. و هناك عنصر ثان يتعلق باللغة، ففنانونا لا يتقنون عادة اللغة العربية، و استعمالهم للعربية المفرنسة الركيكة يجعل التواصل صعبا و غير مقنع، سواء مع الفنانين، الإعلاميين و حتى المنتجين العرب. أما العنصر الثالث فهو تغريبية الفن، فالبعض يظن أن حظ النموذج الموسيقي الغربي في تحقيق النجاح أكبر، لذا يسارعون إلى تبني كل موجة غربية و لاحظنا ذلك جليا في رواج الراب و استعمال القيثار الكهربائي و الباتري..و غيرها من الأمور التي يعتقد البعض بأنها تساهم في تطوير الموسيقى التراثية. و هناك عامل آخر و هو انعدام صناعة النجوم ببلادنا.
أعيش دون تلفزيون منذ 24 سنة
- في سياق الحديث عن صناعة النجوم لماذا تأخرنا في تحقيق ذلك  برأيك؟
- لأسباب كثيرة، يقع جزء كبير من المسؤولية على وزارة الثقافة و وسائل الإعلام أيضا، فضلا عن قلة القنوات الثقافية من جهة وانعدام المسابقات الفنية في مجال التأليف أو التلحين الموسيقي، ما عدا جائزة علي معاشي للموسيقى التي تبقى مبهمة و لا يمكن فهم إن كانت تعنى بالتلحين أو التأليف أو الأداء أو الكليب، فمن غير المعقول رؤية ملحن و مغني و مخرج كليب يتنافسون جميعا على نفس الجائزة، و الأمر سيان بالنسبة للفن التشكيلي و الفنون المسرحية، لأن المهرجانات المنظمة ببلادنا تحوّلت إلى مناسبات تكريمية ليس إلا.

- كيف تقرأ واقع التدوين الموسيقي للتراث المحلي؟
- في اعتقادي هناك مغالطة بهذا الخصوص، فالسؤال الذي تم طرحه بصفة رسمية عام 1932 بأول مؤتمر للموسيقى العربية، و  تعلق حينها بكيفية الحفاظ على الموسيقى العربية و نجاعة كتابتها، لم يعد مطروحا في عصرنا، في ظل انتشار وسائل و أجهزة الحفظ السمعية البصرية، التي تحافظ على الموسيقى التراثية صوتا و صورة، و حتى بالنسبة للموسيقى يفضل العمل على شريط مسجل بدل المدونة، لكن للتقنين و الفهم و التلقين و التحليل، علينا كتابة و تدوين الموسيقى، لأننا ندوّن لكي نعزف و نفهم و نقرأ. أما بخصوص التواصل و نقل الموروث من جيل إلى جيل، فتقليد النقل الشفوي لا يزال له مكانته و بات أسهل بفضل التسجيلات، و استمرار موسيقى المالوف و توارثها من جيل إلى آخر، أفضل مثال على ذلك بفضل تسجيلات ريمون ليريس و الحاج محمد الطاهر فرقاني و غيرهما، لكن علينا الخروج من دائرة الفلكلور إلى دائرة الفن، و ذلك من خلال اعتماد الإبداع و منح التراث بعدا فنيا عالميا، يمكن عزفه من قبل موسيقيي بلدان أخرى، و قد تحقق في معزوفتي «بنت الصحراء» التي عزفت بالعديد من الدول، و هي التي حملت روح الموسيقى التراثية «اليا يا ي» لكن في عمل سمفوني. على الموسيقيين الجزائريين انتهاج هذه الخطوة، إذا أردنا رؤية تراثنا الثري و الجميل يعزف من قبل موسيقيين عالميين و إيصال موسيقانا إلى العالم. هذا يتطلب إبداعا و تمكنا من أدوات التدوين، فضلا عن التمتع بالمخيال الذي يمكننا من نقل الفلكلور من مظهر طقسي إلى مظهر فني، مثلما فعلت الكثير من الدول التي نجحت في نقل موسيقاها من الموسيقى القومية التقليدية إلى موسيقى قومية عالمية مثل رومانيا، المجر و البرازيل و اليابان.
الآذان أكبر دليل على توظيف الإسلام للفن
- يــــــــــــخشى البـــــــــــــعض تناول الأمور الدينيـــــــــة و المقـــــــدسات و دراستها فنيا، لكنك قمت بذلك من خلال دراسة الآذان، فهل هناك مشاريع أخرى في ذات السياق؟
- فكرت في جمع أبحاثي و ما قدمته في أطروحتي في كتاب سيكون موجها للعامة و ليس للأكاديميين فقط ، و سيكون باللغتين العربية و الفرنسية، لأنني تناولت فيه أبعاد الآذان الدينية و الثقافية و الهوية و حتى العمرانية التي تتجاوز علاقة الآذان بالصلاة فقط، و لا يمكن لأحد إنكار علاقة الآذان بالفن، سواء في الموشح و الأناشيد الصوفية و حتى في موسيقى الأفلام التاريخية و الدينية، كفيلم «الرسالة» الذي لحنت موسيقاه على صوت الآذان. من يعتبرون الموضوع شائكا هم من يعتقدون بأن ثمة خلافا بين الدين و الفن. في رأيي لا يوجد خلاف أو تعارض بينهما، لأن الإسلام يوظف كل ما هو جميل و طيّب في سبيل إرساء معالمه و نشر أفكاره و مقوماته و اختيار الآذان و الصوت الجميل أكبر دليل على توظيف الفن في الإسلام ، و عبارات «الله جميل يحب الجمال» و «من لم يتغن بالقرآن فليس منا» و «لقنها بلال فإنه أندى صوتا منك» و غيرها من العبارات تؤكد ذلك، و قد أنجزت دراسات كثيرة عن القرآن و تجويد القرآن و من حيث الإيقاع و النغم و التصوير و غيرها من الأمور التي تدرس في علم المواكبة الذي يقتضي تصوير الكلمة بالنغم، و ذلك من خلال اختيار المقام الجيّد و الدرجة الجيّدة و هذه أمور يعرفها المقرئون بمختلف المدارس، خاصة المصرية و الشامية.
البعد الإنساني لشخصية القديس أوغسطين حملني لاختيار موسيقى لا بربرية و لا عربية
ـ كيف لدادا إيجاد الوقت بين التدريس و البحث و العرض و التأليف؟
- المعادلة فعلا صعبة للتوفيق بين البحث الموسيقي و العزف و إحياء الحفلات و الانتقال من هيئة إلى أخرى و من بلد إلى آخر، و أسفاري تستغرق وقتا طويلا يصل أحيانا الستة أشهر، لكن نظمت حياتي و وضعت أسسا خاصة، لا مكان فيها لكل ما يضيّع وقتي و طاقتي المبالغة في مشاهدة التلفزيون و الأنترنت و حتى الهاتف النقال. أنا أفضل القراءة و التأمل على متابعة الحصص و الأفلام و أنا أعيش دون تلفزيون منذ 24سنة، و أستغرب عند زيارتي لبعض الرفاق أو الأقارب عندما أجد بدل التلفزيون الواحد ثلاثة، كلها تعمل و لا أحد منهم يتواصل مع الآخر و هم في نفس البيت. كما أنني أضع لنفسي مخططات قصيرة و متوسطة المدى و أتقيّد بتجسيدها، احتراما لفني و للناس الذين أتعامل معهم.
ـ تعاملت مع الكثير من الأجواق السمفونية في العالم، فأي التجارب كانت أكثـر وقعا و أثرا على مشوارك الفني و أي الأوركسترات العالمية لا تزال تحلم بالعمل معها؟
- لكل تجربة نكهتها وأعيشها بكل جوارحي. في كل محطة أتعلم الكثير، لكن تجربتي مع فرقة «شلوق» لها وقع خاص، لأنها أعادتني إلى الموسيقى الحميمية، أما الأوركسترا التي أحلم بالالتحاق بها و قد يتحقق قريبا، الأوركسترا فلهارموني الألمانية و كذا أوركسترا بوستن.
م.ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com