كنـت وراء تدخــل كنـدا في أزمــة الروهينغـا و وجـدت صعوبــة في الابتعــاد عن أهلـي بسكيكـدة
• حلمــــــي أن أخــــــــدم العالـــــــــم مثلمـــــــــا فعلــــــت «مالالا» و السياســــــــة خــــــارج اهتماماتـــــــــي
دخلت كندا قادمة من حي «الباطوار» بسكيكدة و هي طفلة لزوجين عملا بكدّ لأجل تربية أبنائهما الأربعة، و هي اليوم مستشارة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في سن الثامنة عشر، تلك باختصار قصة نجاح بطلتها ريان بوزيتون، الطالبة الجزائرية التي استطاعت التفوق على مئات الآلاف من الشباب الكنديين، ليكون هدفها الأسمى محاربة العنصرية و التطرف و خدمة هذا العالم، كما فعلت “مالالا» و قبلها “نيلسون مانديلا”،
حاورتها: ياسمين بوالجدري
في هذا الحوار الذي خصّت به النصر، تتطرق ريان إلى مسائل الهجرة و الاندماج في الغرب، و تكشف لأول مرة عن أسرار تفوقها.
نجاحك تحقق بفضل مغامرة الهجرة التي خاضها والداك، كيف بدأ الأمر؟
والداي هما أساس نجاحي، فلولا التضحيات التي قدماها ما كنت لأحقق ما حققته اليوم، فقد تركا عملهما و عائلتيهما بالجزائر و هاجرا من أجل إتاحة آفاق جديدة لأبنائهما.. لقد عملا بكدّ من أجل إعالتنا أنا و شقيقتي الكبرى و أخواي الأصغر مني، رغم أنه لم يُعترف بشهاداتهما هناك و لم يكون لهما معرفة سابقة بأحد في كندا، فأبي مهندس دولة كان يعمل بشركة سوناطراك و يشتغل اليوم ميكانيكيا، أما أمي فتحمل شهادة في تخصص الكهرباء و تعمل في حضانة أطفال، و في الحقيقة أكثر من شجع والدي على الهجرة هو جدي لأبي بلقسام، فقد كان يقول لأبي دائما “استثمر في بناتك لأن المستقبل فيهن”، و هذا أمر شجعني أكثر لتشريف اسم العائلة.
والداي هما أساس نجاحي
هاجرت و عمرك 4 سنوات فقط، هل صادفتك صعوبات في التأقلم؟
في الواقع، وجدنا عراقيل كثيرة ، أولها بالنسبة لي كان عائق اللغة، فقد كنت صغيرة جدا و من الصعب علي التأقلم بسرعة في مجتمع يتكلم اللغة الفرنسية و بلكنة تختلف عن تلك العادية، التي كان والداي قد علماني بعض مبادئها قبل الهجرة، لهذا السبب واجهت مشكلة في التواصل و كان الأمر متعبا.. رغم إن إمكانية التأقلم كانت سهلة بالنسبة لطفلة عمرها 4 سنوات لا تزال في مرحلة التعلم، إلا أنني وجدت صعوبة في ذلك في بداية الأمر لأني لم أحتمل الابتعاد عن أقاربي و خاصة أجدادي، إلى درجة أني مرضت بسبب خروجي من البيئة التي كنت أعيش وسطها، فقد كنا نسكن بالحي المعروف الباطوار بمدينة سكيكدة، و هو حي جميل يقابل الكورنيش غير بعيد عن شاطئ البحر.
متى بدأت تندمجين فعلا في بيئتك الجديدة؟
في الحقيقة، لا أزال أحاول للآن الاندماج، لكن ما ساعدني على الوصول إلى ما أنا عليه اليوم هو التشجيع الكبير الذي يلقاه التلاميذ في المدارس الكندية و الذي يساعدهم على الانصهار بسرعة في المجتمع، و ذلك من خلال النشاطات الجمعوية التي يسمح للجميع المشاركة فيها، و هذا ما فعلته، فبداية من سن 10 سنوات، بدأت بالاندماج عبر بوابة المدرسة من خلال البرامج الدولية و العمل الجواري، و كنت بذلك جزءا من مبادرات و مشاريع عديدة أحببتها و ساعدتني على الإحساس بأنني معنية بمشاكل هذا المجتمع، و بأن مشكلة من يعيش في مقاطعة كيبيك أو أية منطقة أخرى من كندا، تعنيني أيضا.
فزت بعضوية مجلس الشباب الذي استحدثته رئاسة الوزراء الكندية لأول مرة، هل كنت تتوقعين ذلك؟
(تضحك) لقد كان الأمر مفاجئا بالنسبة لي، لأنها المرة الأولى التي تعلن فيها رئاسة الوزراء عن هكذا مجلس و كأول تجربة لم تكن العملية سهلة بالنسبة للمشاركين.. حين أبلغوني بالفوز كنت في زيارة للعائلة بمدينة سكيكدة و بالطبع فرحت كثيرا.
كيف استطعت تجاوز مراحل الاختيار التي كانت جد صارمة؟
بالفعل، لقد كانت جد صارمة، حيث مررت على مقابلات و أجبت على الكثير من الأسئلة التي كان الهدف منها معرفة شخصية المشترك بدقة، بعد ذلك حدث انتقاء نهائي و تمكنت من الحصول على الترتيب الأول، لقد اشتغلت على ذلك كثيرا، و معروف في كندا أنه لا يمكن أن تحصلي على لقب إذا لم تكوني تستحقينه فعلا.
المشاريع الجمعوية ساعدتني في الاندماج
كعربية مسلمة، هل ترددت في خوض هذه التجربة؟
في الواقع، لا يوجد الكثير من النماذج لنساء اقتحمن الهيئات الحكومية العربية، لكن في كندا تخطينا هذه الفكرة، فالأمر لم يسبب لي الخوف أبدا إذ فُتحت لي الأبواب بغض النظر عن كوني عربية مسلمة، لأن الأهم بالنسبة للمسؤولين هو النوايا النبيلة التي نأتي بها.. هناك أيضا ضمن المجلس عربيات أخريات من الصومال و سوريا و المغرب.
هل خطر ببالك يوما بأنك ستكونين مستشارة لرئيس الوزراء و في هذه السنّ الصغيرة؟
(تضحك)، بصراحة.. لا لم أفكر في ذلك يوما، عادة لا تخطر على بالنا مثل هذه الأمور.. هي فرص تأتينا في هذه الحياة و علينا أن نحسن استغلالها، لكن أريد أن أوضح أن المفاجأة لم تكن من منطلق عمري، لأن هناك شبابا في مثل سني و يمتلكون كفاءات كبيرة، بل تفاجأت لأنه تم اختياري بين 16 ألف شاب.
كيف كان أول لقاء لك مع رئيس الوزراء الكندي؟
التقيته لأول مرة على متن الطائرة شهر جانفي الماضي.. كنت مرتبكة و متوترة و قد لاحظ الرئيس ذلك علي، فسألني عن سبب توتري و قال لي مازحا «أنا إنسان مثل الآخرين»، فأجبته «أعرف.. لكنك تبقى رئيس أكبر دولة في القارة»، بعد ذلك بفترة حضرت عشاء رسميا و كنت أجلس مع 3 وزراء على طاولة واحدة، فمرّ رئيس الوزراء و خاطبي بمرح «ريان كيف حالك؟»، في هذه اللحظة استوعبت الأمر (تضحك). .و كأني أدركت حينها فقط أنني أصبحت فعلا مستشارة الرئيس و قلت في نفسي “أجل، أنا هنا و أستحق المكان الذي أنا فيه”.
الفوز بعضوية مجلس الشباب كان مفاجأة
ما هو آخر مقترح وجهته بصفتك مستشارة و أخذ به الرئيس فعلا؟
يلتقي أعضاء مجلس الشباب برئيس الوزراء كل 3 أشهر بإحدى مقاطعات كندا، حيث نتناقش في القضايا التي تهم الشباب و نبدي آراءنا، كما يمكننا التواصل معه عن طريق الإيميل و عبر الهاتف لطرح مختلف القضايا.. آخر لقاء جمعني به كان منذ حوالي أسبوعين و حدثت خلاله الرئيس عن الظروف اللاإنسانية التي يواجهها مسلمو أقلية الروهينغا في ميانمار، و قلت له أنه من المؤسف أن تظّل كندا دون موقف حيال ما يحصل لهذه الأقلية، كما أخبرته بأن الشباب قلقون من هذا الصمت رغم الانتهاكات المرتكبة. في صباح اليوم الموالي اتصل الرئيس هاتفيا بزعيمة ميانمار و طلب منها تحمل مسؤولياتها و التحرك لوقف ما يحصل.
كيف تصفين تجربة إلقاء خطاب في هيئة الأمم المتحدة قبل أيام؟ و لماذا اخترت موضوع العنصرية لطرحه من ذلك المنبر؟
التجربة كانت رائعة و مهمة جدا بالنسبة لي فقد تعلمت منها أمورا كثيرا، بحيث أتاحت لي الفرصة للتحدث إلى شباب من كل أنحاء العالم.. أحسّ فعلا أني كبرت خلال 3 أيام التي قضيتها في الدورة. لقد مُنحت فرصة للتحدث عن العنصرية و ظاهرة الإسلاموفوبيا، و قد كانت مواضيع عشتها أنا و أفراد المجتمع الذي أعيش فيه، فكأي أي بلد آخر، هناك في كندا أشخاص يمارسون العنصرية و لديهم أحكام مسبقة عن الإسلام و الأجانب، و تلك حالات معزولة طبعا.
أشعر بالأمان بعد اعتداء كيبيك و ليس الخوف
نفهم من كلامك أنك كنت ضحية للعنصرية، أخبرينا عن موقف مشابه ظل راسخا في ذهنك؟
في أحد الأيام شاركت في محاضرة ألقيتها خلال مؤتمر طلابي نُظم بإحدى المقاطعات الكندية، و عند نهايتها، تقدم العديد من الطلبة من أجل التحدث إلي و معرفة المزيد حول العرض الذي قدمته، لكن أحدهم فاجأني قائلا «عار أن تمثل مهاجرة شباب كندا»، و كان يعنيني بذلك.
كيف كانت ردة فعلك؟
في مثل هذه المواقف يجب أن نُحسن الرد جيدا، فقد شرحت لهذا الرجل أنه من المؤسف أنه لم يسألني عن ما جئت به خلال المؤتمر، و ركزّ فقط على كوني مهاجرة و على أصولي كعربية مسلمة، ثم قلت له «في النهاية كلنا مهاجرون إلى هذا البلد، ما يختلف فقط هو الأزمنة التي هاجرنا فيها».
خلّف الفعل الإرهابي الذي استهدف مسجدا بمدينة كيبيك قبل 8 أشهر، قلقا كبيرا لدى الجالية الجزائرية، هل تختلف الأمور بمدينة مونتريال أين تعيشين، خصوصا أنها معروفة بتفتحها أكثر على الثقافات؟
صحيح، فمدينة كيبيك تعيش التنوع الثقافي و الديني بشكل أقل مما هو موجود بمونتريال، لذلك لا يمكن تفسير الأمر بأن سكانها أكثر عنصرية، فالمدينة التي أعيش بها مليئة بالأشخاص المنحدرين من مختلف الأعراق، بما يفتح مجالا أكبر لتقبل ثقافات الآخرين، و بصراحة، لم أشعر بأي خطر بعد الاعتداء الإرهابي الذي نفذه شخص واحد، فالآلاف من سكان كيبيك رفضوا الأمر و نددوا بالكره و العنف، و هذا ما أشعرني بالأمان، لأن مثل هذه الأفعال فتحت الأعين على وجود الإسلاموفوبيا.
تعرضت للعنصرية لأني مهاجرة
هل فكرت في التخصص الجامعي الذي ستختارينه؟
أدرس حاليا في السنة الثانية ما قبل الجامعية في تخصص علوم الصحة، و قد أختار الحقوق و أو طب الأسنان، و ربما طب الأطفال.. سأرى ماذا يخبئ لي القدر.
تركزين حاليا على النشاط الجمعوي لكن ألم تفكري في اقتحام عالم السياسة؟
أنا ناشطة و لن أقتحم عالم السياسية إلا عندما أتأكد أنها ستكون الخطوة الأولى التي ستمكنني من تحقيق أهدافي، هذا لا يلغي حقيقة أن النشاط الجمعوي هو شكل من أشكال السياسة و يمنحك ثقة بالنفس تبقى أكبر من أي لقب، كما يجعلك تمضين قدما مع الجميع خطوة بخطوة.
في عمر 18 سنة نجحت في أن تصبحي مستشارة لرئيس وزراء كندا، و مؤكد أن لديك أحلاما أكبر ، أخبرينا عنها؟
أحلامي و طموحاتي كثيرة لكن أكبرها على الإطلاق هو إعطاء معنى لتضحيات والديّ و الشعور بأنهما مرتاحان و لسان حالهما «تحقق ما كنا نصبو إليه.. لقد نجح أبناؤنا».. أريد أن أترك خلفي أمورا ملموسة أضيف من خلالها للمجتمعات و الإسلام و الشباب، مثل ما فعلت مالالا و نيلسون مانديلا.
كيف تصفين وضعية الجزائريين في كندا؟
غالبية الجزائريين الموجودين في كندا عبارة عن كفاءات تنشط في جميع القطاعات، سواء في الطب أو الحقوق أو هندسة الميكانيك و الإطعام و غيرها من المجالات، و بالمناسبة أنا عضو في مجلس إدارة جمعية الجزائريين المهاجرين في كندا.
هكذا كان أول لقاء مع رئيس الوزراء
لقد أصبحت بالتأكيد قدوة للكثير من الشباب العرب و خاصة الجزائريين، فما هي الرسالة التي توجهينها إليهم؟
أنصحهم بأن يتخذوا لهم هدفا في الحياة، و عدم انتظار الآخرين لمساعدتهم في تحقيقه، فقط عليهم العمل على هذا الهدف، و التفكير كيف يمكنهم كجزائريين بناء هذا المجتمع، من خلال التسلح بالأمل و الإيمان بالأفكار التي يحملونها، إلى جانب ذلك، يجب الاستثمار في الشباب فهم المستقبل و بهم يحيا الجميع حياة أفضل، و هنا أعطيك مثالا عن جمعية «بريق 21» لترقية الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة بسكيكدة، فهي تضم شبابا أذكياء و ذوي كفاءات كبيرة، لكن المشكلة تكمن في كيفية استغلال و توجيه طاقاتهم.