* تاريخ 5 جويلية 1962 جاء بعد تضحيات جسام من الجزائريين
قال الباحث في تاريخ الجزائر الدكتور لزهر بديدة، أن الوصول إلى 5 جويلية 1962، تطلب تضحيات جسام من الجزائريين بكل فئاتهم وأصنافهم عبر مختلف المناطق، حيث أنهم لم يتوقفوا يوما عن المقاومة والعمل المسلح، من أجل استرجاع السيادة الوطنية، لافتا إلى المخططات والمشاريع الفرنسية، التي كانت تريد تفكيك والقضاء على لحمة وشخصية المجتمع الجزائري والذي قاوم وأثبت أنه لا يذوب في الأفكار الفرنسية وحافظ على لحمته الاجتماعية، كما اعتبر من جهة أخرى، أن التاريخ يحتاج إلى كل العلوم الأخرى لوضع الملفات بطريقة علمية موضوعية مع حجة قوية، من خلال الاستعانة بمختلف التخصصات العلمية والقانونية.
النصر: نحتفي بالذكرى 62 لاسترجاع السيادة الوطنية، غدا الجمعة، إذ توج يوم 5 جويلية 1962، ملحمة خالدة في تاريخ كفاح الشعب الجزائري من أجل نيل الحرية والاستقلال، ماذا يمكن القول بشأن تضحيات الشعب الجزائري التي مكنت من الوصول إلى هذا اليوم المجيد؟
الدكتور لزهر بديدة: الحكومة المؤقتة، أجلت الإعلان عن استقلال الجزائر بعد يوم الاستفتاء في 1 جويلية و إعلان النتائج في 3 جويلية إلى غاية 5 جويلية 1962 لربط يوم استرجاع السيادة الوطنية ونهاية الحقبة الاستعمارية بتاريخ 5 جويلية 1830 وهو اليوم الذي انتهكت فيه السيادة الوطنية.
وقد تطلب الوصول إلى 5 جويلية 1962، تضحيات جسام من الجزائريين بكل فئاتهم وأصنافهم وفي مختلف المناطق، بمشاركة المثقفين والفلاحين والعمال و الرجال والأطفال والنساء والشيوخ، حيث قاوم المجتمع الجزائري الاستعمار الفرنسي، اجتماعيا من 1830 إلى غاية 1962، كون المخططات والمشاريع الفرنسية، كانت تريد أن تفكك المجتمع الجزائري وتقضي على لحمة وشخصية المجتمع الجزائري والذي قاوم وأثبت أنه لا يذوب في المشاريع والأفكار الفرنسية وحافظ على لحمته الاجتماعية وعلى الأسرة والفرد والعشيرة في تلك الفترة والتعاطف والتعاضد والتضامن ومساندة الجزائريين لبعضهم البعض ، حتى لا يكون الجزائري محتاج للجانب الفرنسي.
الجزائريون لم يتوقفوا يوما عن المقاومة والعمل المسلح لاسترجاع السيادة
و من الجانب الثقافي، بدأت المقاومة في سنة 1830 ، مع العديد من المثقفين، بينهم حمدان خوجة ومصطفى الكبابطي و أحمد بدوي و الأمير عبد القادر و بوبغلة وفاطمة نسومر وصولا إلى المقراني والحداد، فكل هذه المقاومات العسكرية قادها مثقفون من خريجي الزوايا والمدارس ومن أئمة المساجد.
فالمقاومة الثقافية، تجلت في هذه القيادات من خلال التمسك بالقيم الثقافية الجزائرية والحفاظ على الكتاتيب والزوايا ومحاولة منع فرنسا من التغلغل ثقافيا في المجتمع الجزائري، حيث كانت هناك مجابهة ثقافية كبيرة، لأن فرنسا كانت تحاول في الجانب الثقافي، أن تلغي الشخصية الجزائرية وتعمل على إخراج الجزائريين من عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ومن كل مقوم ثقافي، إن لم تستطع تنصيرهم وبالتالي المواجهة الثقافية، كانت مواجهة حادة وساخنة وفيها العديد من المخاطر، حيث قتلت فرنسا العديد من العلماء وضيقت عليهم و شردتهم وهجرت النخب المثقفة.
وفي النهاية لما وصلنا إلى الثورة، فالذين قادوا الثورة تقريبا كلهم تمدرسوا في مدارس حزب الشعب وجمعية العلماء وفي الكشافة الإسلامية وفي الجمعيات الجزائرية الثقافية والتربوية التي أنشأها جزائريون، خاصة مع بداية القرن 20، والذين قادوا الثورة أصبح لديهم بعد ثقافي أو رؤية ثقافية جزائرية محضة بدليل ما وجدناه في بيان أول نوفمبر الذي يحمل البعد الثقافي الجزائري المحض.
وفي الجانب العسكري، لم يتوقف الجزائريون يوما عن المقاومة العسكرية ، والعمل المسلح إلى غاية 1962، حيث كان القرن 19 مليئا بالمقاومات والانتفاضات والثورات الشعبية ومع بداية القرن ال20 ، كانت محاولات انتفاضة في الأوراس والهقار وغيرها من المحاولات، فالعمل العسكري، كان موجودا في الجزائر، خلال الأربعينات في 1942و 1943 و1944و 1945، لتأتي بعدها الثورة التحريرية الكبرى في 1 نوفمبر 1954 .
والمقاومة السياسية أيضا بدأت من أول يوم اعتدت فيه فرنسا على الجزائر، عبر لجنة المغاربة كان على رأسها حمدان خوجة، وصولا إلى ما يسمى حركة الفتيان التى ظهرت في 1871 وهي حركة العرائض والمطالب، التي كانت حركة سياسية ، حيث كان علماء الحواضر الموجودة في الجزائر يراسلون فرنسا لإصلاح الأوضاع الجزائرية، و لو طبقت فرنسا تلك المطالب، كان سيكون مصيرها الخروج من الجزائر.
وبعدها يتجلى العمل السياسي بشكل أكبر ، خاصة مع التطورات العالمية وفكرة حقوق الإنسان وتقرير المصير بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تطور العمل السياسي بشكل أكبر في الجزائر وبرزت أسماء كبيرة بينهم الأمير خالد وحركته، ثم نجم شمال إفريقيا والحركة التي قادها مصالي الحاج، ثم أحزاب وجمعيات أخرى مارست العمل السياسي.
هذا العمل السياسي المتراكم هو الذي أوصلنا إلى ثورة أول نوفمبر1954 ، لأن الشباب الذين أشعلوا فتيل الثورة هم من خريجي حزب الشعب الجزائري، لكنهم كذلك تمدرسوا في مدارس جمعية العلماء وكانوا في النوادي الرياضية والكشافة.
وكذلك بعد اندلاع الثورة، بعد مدة قليلة، نجد أن أغلب التيارات السياسية التحقت بالثورة، ومنها فرحات عباس وجمعية العلماء. فالحراك السياسي تجلى في بيان أول نوفمبر 1954 والبعد السياسي الذي وجدناه في البيان، ثم إدراك جل الطبقة السياسية أن فرنسا لم تعد تسمع ولم تعد تفهم إلا لغة السلاح ولغة الرصاص وهي اللغة التي يمكن بها أن نسترجع سيادتنا.
النصر: جرائم الاستعمار الفرنسي البشعة منذ بداية الاحتلال لا تسقط بالتقادم وآثارها باقية إلى اليوم، ماذا تقولون في هذا الشأن؟
الدكتور لزهر بديدة: لدينا حق في استرجاع الديون والتي لا تسقط بالتقادم والإصرار على عدم إرجاع هذه الأموال والديون المادية والعينية، يمكن أن يدخل في الجرائم القانونية ، فهذا حق الجزائريين وحق أجيال الجزائريين.
فرنسا ارتكبت جرائم بشعة لا تسقط بالتقادم
ومن جانب آخر، فقد ارتكبت فرنسا جرائم بشعة ، حيث قامت بعمليات التشريد و القتل الجماعي في الأفران الحارقة بالمواد السامة في بداية الاحتلال، على غرار مع ما وقع في الظهرة وغيرها، حيث دفعت فرنسا الجزائريين إلى اللجوء إلى الكهوف وأغلقتها عليهم وقامت بإشعال النار في تلك الكهوف فماتوا حرقا أو نتيجة انتشار الدخان الكثيف.
ولم تتوقف المجازر البشعة إلى غاية جويلية 1962، فقد كانت منظمة «لواس» المحسوبة على الجانب الفرنسي، تمارس الترهيب والتقتيل في حق الجزائريين، كما أن الاجرام لم يشمل منطقة واحدة فقط، بل شمل كل المناطق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا و مارست فرنسا الجرائم بكل أنواعها على الجزائر أرضا وشعبا وعلى الجزائريين بكل أصنافهم وفئاتهم بما فيها الجرائم المعنوية، كالتجهيل وهي جريمة ارتكبتها فرنسا عنوة وعن قصد و كذا تجويع الجزائريين وإهمالهم في الجانب الصحي، فانتشار الأمراض والأوبئة جريمة أيضا وفرنسا تتحمل كل هذه الجرائم وغيرها و التي لا نزال نعاني منها مثل التجارب النووية والألغام والتي تبقى آثارها مستمرة الى اليوم.
و بعد استرجاع السيادة الوطنية، حاولت الجزائر أن تلملم جراحها وأن تعيد بناء إنسان جزائري آخر وفق ما أرادته الثورة وبالتأكيد المسيرة لا تزال طويلة ، فهناك نجاحات في ميادين عديدة وهذه تجارب البشر والدول وكل مرة نستفيد من تجربتنا حتى نعيد النهضة للجزائر.
التاريخ يحتاج إلى كل العلوم لوضع الملفات بطريقة علمية موضوعية
النصر : ما مدى الحرص على توثيق الذاكرة و عدم التخلي عنها؟
الدكتور لزهر بديدة: الذاكرة ليست قراءة في التاريخ فقط وإنما هي ملفات ومنها ملف الديون والقتل والجرائم المادية، التجارب النووية والألغام و الاعتداء على الأراضي الجزائرية التي كانت تنتج خيرات كبيرة، حيث كانت سلة أوروبا في الغذاء و قد جاءت فرنسا واعتدت على الأرض ومن الصعب إعادة بناء ما دمرته فرنسا في أكثر من 130 سنة وبالتالي الذاكرة، هي ملفات كاملة موثقة بداية من ديوننا الموجودة في فرنسا وصولا إلى الجرائم المرتكبة في حق الإنسان والاقتصاد و الأرض وسماء الجزائر.
والتاريخ يحتاج إلى كل العلوم الأخرى، حتى نضع الملفات بطريقة علمية موضوعية وتكون فيه حجة قوية من خلال الاستعانة بمختلف التخصصات العلمية والقانونية.
الجزائر كانت من أسياد العالم وعلى الشباب الاقتداء بالتاريخ
النصر : ماهي الدلالات و العبر التي يمكن أن يستخلصها شباب اليوم من هذه الذكرى؟
الدكتور لزهر بديدة: الذين قاموا بالثورة هم شباب في العشرينات وكانوا في قمة الإرادة والتحدي رغم أنهم كانوا معدومي الإمكانيات وصنعوا الفارق، واليوم الإمكانيات موجودة، ونذكر أن الجزائر قبل سنة 1830، كانت سيدة في العالم، حيث كانت البحرية الجزائرية تحمي القوافل البحرية الأوروبية والأمريكية، فلما لا نقتدي بالتاريخ ويجعل الشباب الجزائري اليوم تراثنا التاريخي في مرحلة الحركة الوطنية والثورة نبراسا نهتدي به.
مراد -ح