فتحت “بورصة الجزائر” خلال سنة 2024 آفاقا جديدة للاقتصاد الوطني، حيث شهدت حركية متصاعدة بارتفاع قيمتها السوقية بسبع مرات مقارنة بسنة 2023 من خلال طرح ما يعادل مليار دولار من أسهم القرض الشعبي الجزائري فيها، بما يعادل 30 بالمئة من رأسمالها، إلى جانب إعلان شركات أخرى عن رغبتها في دخلوها، على غرار بنك التنمية المحلية ومتعامل الاتصالات “جيزي”، لتبعث، بفضل الإجراءات الجديدة والإصلاحات المالية المتخذة من قبل السلطات العمومية، أملا جديدا للشركات والمستثمرين وتتحول إلى آلية أخرى من أجل الحصول على التمويل والنمو في السوق، خصوصا بعد أن دخلتها أول شركة ناشئة بغية الرفع من رأسمالها بنسبة 25 بالمئة.
ســـامي حبّـــــاطي
وعرفت سنة 2024 دفعا قويا لنشاط “بورصة الجزائر”، فقد فتح بنك القرض الشعبي الجزائري ثلاثين بالمئة من رأسماله للاكتتاب عن طريق البورصة، حيث وزعت على ستين مليون سهم يما يعادل حوالي 138 مليار دينار (حوالي 1 مليار دولار)، وذلك من إجمالي مئتي مليون سهم تعادل خمسمئة واثني عشر مليار دينار، التي تمثل القيمة الإجمالية للبنك. وعرض القرض الشعبي الجزائري السهم الواحد بقيمة 2300 دينار، حيث حققت العملية نتائج مُرضية إلى حد كبير، وذلك من خلال الإقبال الذي سجلته العملية التي جرت في الثلاثي الأول من السنة المنقضية، فضلا عن أن قيمة الأسهم التي طرحها القرض الشعبي الجزائري في البورصة تمثل عشرة أضعاف قيمة الأسهم التي طرحت فيها للتداول منذ إنشائها، ما يمثل انتقالا نوعيا إلى مرحلة جديدة في تنشيطها ودفع الحركية بها.
وسبق لرئيس لجنة مراقبة عمليات البورصة “كوسوب” أن كشف في عرضه لنتائج عملية بيع أسهم القرض الشعبي الجزائري، نهاية شهر مارس من عام 2024، عن جمع أكثر من مئة واثني عشر مليار دينار بعد شراء ما يقارب تسعة وأربعين مليون سهم من قبل المكتتبين من مختلف الفئات. ووافق عدد الأسهم التي تم بيعها ما يقارب 61 بالمئة من مجموع ستين مليون سهم التي عرضها البنك، بينما حصل عليها مكتتبون من جميع ولايات الوطن من خلال أكثر من 49 ألف طلب شراء ما بين ثلاثين جانفي إلى غاية 14 مارس 2024. ووزع القرض الشعبي الجزائري الأرباح على المساهمين مع بداية أوت من العام المنقضي، حيث قدرت بـ125 دينار.
واختتم القرض الشعبي الجزائري السنة المنقضية بإدراج منتج خدماتي جديد في السوق، حيث أعلن عن إتاحة بطاقة بين بنكية للخصم المؤجل بما يسمح لحامليها بإمكانية تسديد المدفوعات عبر الانترنيت أو من خلال أجهزة الدفع الإلكتروني، فيما يؤجَّلُ الخصم من الحسابات إلى غاية صب رواتب الشهر الموالي. وأطلق القرض الشعبي الجزائري على البطاقة تسمية “سي باي +”، حيث تتيح لحامليها الاستفادة من هامش يصل إلى 30 بالمئة من الدخل المصرح به.
ولم تتوقف الحركية في سوق “بورصة الجزائر” بعد الخطوة غير المسبوقة التي أقدم عليها القرض الشعبي الجزائري، حيث وافق مجلس مساهمات الدولة في اجتماع ترأسه الوزير الأول، السيد نذير العرباوي، بتاريخ 4 ديسمبر من السنة المنقضية على الفتح الجزئي لرأسمال بنك التنمية المحلية أيضا، الذي يعتبر من أكبر البنوك الوطنية، في حدود 30 بالمئة، إذ من المنتظر أن تطرح هذه الحصة في “بورصة الجزائر” للاكتتاب العام بحسب ما جاء يومها في بيان صدر عن الوزارة الأولى وأكدت فيه أن الإجراء يهدف إلى “مواصلة عملية تحسين وترقية حوكمة البنوك العمومية، فضلا عن تنشيط “بورصة الجزائر” وتفعيل دورها في تمويل الاستثمار، وفقا لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية”.
من جهته، كشف رئيس لجنة مراقبة عمليات البورصة، يوسف بوزنادة، عن وجود ثلاث شركات أخرى ينتظر أن تطرح أسهمها في “بورصة الجزائر”، من بينها شركة في مجال الصناعة الصيدلانية والمتعامل الهاتفي “جيزي” وشركة ناشئة، لتعلن خلال الأيام الماضية المؤسسة الناشئة “مستشير” عن طرح أسهمها للاكتتاب العام عن طريق البورصة بغية رفع رأسمالها، فتصبح بذلك أول مؤسسة ناشئة تدخل “بورصة الجزائر”، فضلا عن أن دخولها المنتظر في شهر جانفي من عام 2025 سيرفع عدد الشركات الموجودة في “بورصة الجزائر” إلى ستة، إذ تضم في الوقت الحالي شركة “أليانس” للتأمينات وسلسلة فندق الأوراسي وشركة “صيدال” وشركة “بيوفارم” والقرض الشعبي الجزائري.
وتشرف لجنة مراقبة عمليات البورصة أيضا على مشروع إطلاق رقمنة أوامر البورصة، ما سيسمح للمستثمرين الراغبين في شراء الأسهم والسندات بإجراء العملية بطريقة إلكترونية دون التنقل إلى الوكالات البنكية، حيث تتعاون اللجنة مع الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية التي تشرف على الوسطاء في عمليات البورصة المعتمدة والسلطة الحكومية للتصديق الإلكتروني، فيما أكد بوزنادة أن العملية تستهدف زيادة الديناميكية ورفع حجم التداول في السوق المالية. وجاءت الحركية الجديدة التي اتسمت بها “بورصة الجزائر” كنتيجة للإطار التنظيمي الجديد الذي وضع لفائدة المؤسسات الباحثة عن تمويلات، حيث انعكس الفتح الجزئي لرأسمال القرض الشعبي الجزائري إيجابيا في رفع القيمة السوقية لـ”بورصة الجزائر” بسبع مرات، لتنتقل من 71 مليار دينار مع نهاية سنة 2023 إلى أكثر من 500 مليار دينار (ما يعادل 4 مليارات دولار)، مثلما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية خلال الأيام الماضية، حيث أكدت في برقية لها بأن هذا النمو في النشاط “من المرتقب أن يتسارع بشكل أكبر مع الدخول المرتقب لكل من بنك التنمية المحلية ومتعامل الهاتف النقال “جيزي””.
وتحدثت وكالة الأنباء أيضا عن ترقب سن قانون جديد ينظم السوق المالية الوطنية، حيث يتضمن “إصلاحات هامة من بينها إدراج شركات التأمين كوسطاء في عمليات البورصة، وتكريس الصكوك الإسلامية والتمويل الأخضر”، بالإضافة إلى التعديل المرتقب لـ”المرسوم التشريعي رقم 93/10 المؤرخ في 23 ماي 1993 والمتعلق ببورصة القيم المنقولة، لينتقل إلى قانون وهو ما سيعطي لبورصة الجزائر وزنا أكبر في البيئة الاقتصادية الوطنية”.
ويستطيع المتابع للسوق المالية الوطنية أن يلمس علامات تفاؤل لدى أصحاب المؤسسات والمستثمرين حول الحركية الجديدة للبورصة من خلال تصريحات مختلفة، حيث قال المدير التنفيذي للشركة الناشئة “مستشير”، خير الدين بولفعة، خلال الأيام الماضية في حوار مع بودكاست “رائد”، إن دخول “بورصة الجزائر” كان هدفا للشركة الناشئة منذ تأسيسها، كما أكد من خلال تصريحاته أن العملية تستهدف رفع رأسمال الشركة، فضلا عن أنه أوضح بأن “مستشير” تعتبر أول شركة تتجه إلى رفع رأسمالها من خلال البورصة.
ويتألف رأسمال شركة “مستشير” من 500 ألف سهم بقيمة اسمية مقدرة بأربعين دينارا للسهم الواحد، حيث تستهدف الشركة الحصول على 125 ألف سهم من خلال البورصة، أي أنها تسعى لرفع قيمة رأسمالها بنسبة تصل إلى 25 بالمئة بقيمة إجمالية تفوق 94 مليون دينار، فضلا عن تحديد سعر الاكتتاب بقيمة 760 دينار للسهم الواحد، مثلما جاء في المذكرة الإعلامية الخاصة بمنح تأشيرة لجنة مراقبة وتنظيم عمليات البورصة. وتوفر “مستشير” منصة رقمية لخدمات الاستشارة في مجالات مختلفة، إلى جانب خدمات أخرى.ولم تقتصر الحركية الجديدة في “بورصة الجزائر” على الشركات التي دخلتها، بل شملت الوسطاء في عمليات البورصة أيضا، حيث استفادت شركة “إنفست ماركت” من اعتماد لجنة “كوسوب” في سبتمبر من السنة المنقضية، كما أطلقت خلال الصائفة الماضية شركة “أوم انفست” لأول مرة في الجزائر أوراقا مالية استثمارية إسلامية، وهي تعتبر أول شركة صغيرة ومتوسطة مدرجة في بورصة الجزائر منذ سنة 2018.
وتتجه التطلعات خلال السنوات القادمة إلى استقطاب عدد أكبر من الشركات لدخول بورصة الجزائر من أجل الدفع بها أكثر، أي أن تصبح رئة فاعلة في جسد الاقتصاد الوطني، الذي يعرف حركية غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، من خلال البرامج المختلفة التي وضعتها السلطات العمومية وتعمل على تجسيدها ضمن إستراتيجيات متعددة، يتقدمها الانتقال الرقمي وتحسين آليات الدفع الإلكتروني ووضع إطار لإنشاء المؤسسات الناشئة من خلال الاستثمار في البحث الجامعي والابتكار وتشجيع المقاولاتية لدى الطلبة والمنتمين لقطاع التكوين المهني، إلى جانب الإصلاحات التي يجري تجسيدها في مختلف المجالات، على غرار قطاع التجارة والصناعة.
س.ح