لا يختلف اثنان على أن العام 2024 كان سنة فلاحية بامتياز، بفضل البرامج الطموحة والشراكات الاستراتيجية الهادفة إلى تحقيق الأمن الغذائي وضمان الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، بتسخير الوسائل ودعم مدخلات الإنتاج وتسوية الملفات العالقة وإطلاق شراكات استراتيجية، أدت جميعها إلى رفع مستوى مساهمة قطاع الفلاحة في الناتج الداخلي إلى نسبة 15 بالمائة.
وكانت تسوية ملفات العقار الفلاحي من ضمن القرارات الحاسمة التي اتخذها رئيس الجمهورية مطلع سنة 2024، توجت بمنح عقود الملكية للكثير من أصحاب الأراضي الفلاحية، بموجب تعليمات صارمة بضرورة معالجة الوضعيات العالقة بتنسيق محكم بين وزارتي الداخلية والفلاحة، وطي الملف قبل انقضاء سنة 2025 بهدف تنظيم القطاع، تحت شعار «الأرض لمن يخدمها». وأولت الدولة خلال العام 2024 أهمية قصوى لهياكل تخزين الفائض من المنتجات الفلاحية لضبط السوق والحفاظ على استقرار الأسعار، بوضع برنامج هام لإنجاز صوامع تخزين الحبوب وإسناد تجسيدها لولاة الجمهورية تحت إشراف وزارة الفلاحة، ضمن رؤية استشرافية لتوسيع طاقات التخزين وضمان الأمن الغذائي.وتلقت من جهتها المؤسسات البنكية تعليمات وتوجيهات بفتح القروض للفلاحين لتشييد غرف التبريد وتخزين المنتجات الزراعية، لتفادي الندرة وارتفاع الأسعار جراء الاضطرابات التي كانت تشهدها سوق الخضر والفواكه بسبب ضعف آليات الضبط.وتشرف وزارة الفلاحة على بلوغ هدف رفع قدرات تخزين الحبوب إلى 9 مليون طن، بفضل إطلاق مشاريع عدة خلال العام 2024 على مستوى مناطق الإنتاج لتشييد 350 مركز جواري لتخزين الحبوب، وتلبية حاجيات المطاحن لتزويد السوق بمختلف أصناف الدقيق والسميد والحفاظ على استقرار أسعار هذه المواد الاستراتيجية.ومكنت التدابير التي خصصتها الدولة للقطاع الفلاحي من مضاعفة نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الخام، التي ارتفعت إلى 15 بالمائة، مقابل 5 بالمائة لقطاع الصناعة، فضلا عن تحقيق الوفرة في المنتجات الفلاحية بنوعية جيدة وأسعار معقولة غطت السوق وضمنت مخزونا استراتيجيا لوقت الأزمات والندرة.
شراكات استراتيجية لإنتاج الحليب واللحوم والحبوب
ويعد التوقيع على اتفاقية إطار بين الشركة القطرية «بلدنا» و وزارة الفلاحة لإنشاء مستثمرة فلاحية مدمجة لتربية الأبقار الحلوب وإنتاج الحليب المجفف بالجنوب، مشروع السنة دون منازع، حيث كرس إرادة الدولة لضمان الأمن الغذائي وتقليص فاتورة الاستيراد.وتجاوزت القيمة المالية لهذا المشروع الضخم 3.5 مليار دولار، وهو يتربع على مساحة 117 ألف هكتار، في انتظار أن تحقق الشراكة مع «بلدنا» تلبية 50 بالمائة من الطلب على مسحوق الحليب المنتج محليا، إلى جانب تزويد السوق المحلية باللحوم الحمراء، وتنمية الثروة الحيوانية عبر رفع عدد رؤوس الأبقار، فضلا عن استحداث ما لا يقل عن 5 آلاف منصب شغل مباشر لفائدة شباب المنطقة. ويتكون المشروع من ثلاثة أقطاب تتمركز بولايات الجنوب، من بينها ولاية أدرار، ويحتوي كل قطب على مزرعة لإنتاج الحبوب والأعلاف، ومزرعة لتربية الأبقار وإنتاج الحليب واللحوم، ومصنع لإنتاج مسحوق الحليب، على أن تبدأ المراحل الأولى للإنتاج في أفاق 2026.ويعول على هذا البرنامج الهام الذي يجري تنفيذه بالشراكة مع «بلدنا» القطرية في تقليص فاتورة الواردات من غبرة الحليب ومن اللحوم الحمراء، عبر تغطية نسبة 50 بالمائة من الاحتياجات.كما توجت مشاركة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في قمة الستة لكبار المصنعين في العالم التي انعقدت بمدينة باري الإيطالية منتصف شهر جوان الماضي بالتوقيع على اتفاق استراتيجي جسدته شراكة جزائرية إيطالية لإنجاز مشروع ضخم بولاية تيميمون باسم مؤسسة «ماتيي إفريقيا» لإنتاج الحبوب والبقوليات والصناعات الغذائية.ويهدف المشروع الذي يمتد من العام 2024 إلى 2028 لتعزيز وتقوية العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين، ودفع المسار الاقتصادي الوطني بسرعة أكبر نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والبقوليات، التي تمثل الغذاء الأساسي لعامة الجزائريين. واختصرت الشراكات الاستراتيجية التي أبرمتها الجزائر في السنة الجارية مسافات طويلة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الاستراتيجية، سيما بعد القفزة النوعية للقطاع الفلاحي الذي تمكن بفضل تظافر الجهود من توفير نسبة 80 بالمائة من الطلب على القمح الصلب في انتظار أن يطال هذا الإنجاز الهام القمح اللين.ويعود الفضل في ارتفاع كميات المحاصيل الزراعية هذه السنة واستقرار أسعارها في السوق إلى نجاح برامج استصلاح الأراضي الزراعية خاصة بالجنوب، ويشار في هذا السياق إلى مشروع الاستصلاح القطري الجزائري لإنتاج الحليب واللحوم الذي وحده يشمل 117 ألف هكتار، و36 ألف هكتار بالنسبة للاستثمار الإيطالي لإنتاج الحبوب والبقوليات، فضلا عن الاستثمارات الوطنية التي بلغت بدورها 120 ألف هكتار. ويتم تجسيد هذه المشاريع في ظل الحرص على ضمان نوعية المنتجات الفلاحية، وتحسين مردودية الهكتار الواحد سيما بالنسبة للحبوب لتتجاوز 55 قنطارا، بالنظر إلى الإمكانات الهامة التي سخرتها الدولة لفائدة هذه الاستثمارات الضخمة. ولم تنقض سنة 2024 على قطاع الفلاحة قبل إقرار إجراء لا يقل أهمية عن التدابير التي اتخذت على مدار العام، بتنصيب اللجنة الوطنية لإعادة بعث الإنتاج الوطني من اللحوم الحمراء، عبر تنمية الثروة الحيوانية بما فيها أغذية الأنعام.وتتكفل اللجنة بدراسة الاقتراحات وسبل إعادة بعث شعبة تربية المواشي، عبر تنمية القطيع الوطني من الغنم والأبقار، مع تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لحماية الثروة الحيوانية لأجل رفع الإنتاج من اللحوم الحمراء وتقليص فاتورة الاستيراد، من خلال صياغة مشروع ورقة طريق لعرضها على الحكومة من أجل المصادقة عليها، بعد مناقشتها باستفاضة، كخطوة هامة نحو تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في أهم الشعب الفلاحية.
لطيفة بلحاج