اعتبر التقني التونسي محرز بن علي مغامرته مع شباب باتنة بمثابة المحطة التي مكّنته من معايشة واحدة من أغلى الذكريات
في مشواره الكروي، وذلك من خلال تأكيده على أن «ديربي» الولاية بين الكاب والمولودية لا يختلف في أجوائه عن «الكلاسيكو» التونسي بين الترجي والإفريقي، خاصة في الشق المتعلق بأوركيسترا المدرجات وما يصعنه الأنصار أسبوعين قبل موعد اللقاء.
بن علي، وفي حوار خص به النصر، أوضح بأن رحيله عن شباب باتنة، كان بإصرار شخصي منه، جراء تصاعد غضب الأنصار عليه، لكنه أكد بالمقابل بأن شباب باتنة قادر على تحقيق حلم الصعود، ووعد اللاعبين بمشاركتهم الفرحة في نهاية الموسم، كما تحدث عن أبرز المحطات في هذه المغامرة وكذا تجربته السابقة في الجزائر مع اتحاد الشاوية، ونقاط أخرى نقف عليها بالتفصيل في الدردشة التي كانت على النحو التالي:
نستهل هذا الحوار، بالاستفسار عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بكم إلى الانسحاب من تدريب شباب باتنة، بعد تضارب الآخبار بين الإقالة والطلاق بالتراضي؟
لا أخفي عليكم، بأن وضعيتي في شباب باتنة كانت جد مريحة، نتيجة الثقة الكبيرة التي كنت أحظى بها من طرف اللجنة المسيرة، بقيادة الرئيس فرحات زغينة، لكن تراجع النتائج في منتصف مرحلة الإياب، تسبب في تصاعد موجة غضب الأنصار على اللاعبين والطاقمين الفني والإداري على حد سواء، فكانت الهزيمة داخل الديار أمام اتحاد عين البيضاء بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، سيما وأن المنافس كان يحتل مؤخرة الترتيب، فضلا عن أن هذا التعثر المفاجئ، كان مباشرة بعد «الديربي» أمام مولودية باتنة، وقد فكرت حينها في رمي المنشفة، خاصة وأن المناصرين كانوا قد طالبوا برحيلي، إلا أن رئيس النادي رفض ذلك، وأصر على ضرورة مواصلتي المهام، فلبيت رغبته بقيادة الفريق في لقاء قايس، حيث كان رد فعل التشكيلة إيجابيا، وأحرزنا تعادلا ثمينا، وقد ضيعنا فوزا كان في المتناول، لكن الأجواء التي كانت سائدة في محيط الشباب أجبرتني على تقديم استقالتي، بعد الإحساس بأنني لم أعد أحظى بثقة الأنصار، فكانت لي محادثات مع الرئيس زغينة، وتوصلنا إلى اتفاق يقضي بترسيم الطلاق بالتراضي، وأقامت بعدها الإدارة حفلا رمزيا على شرفي، ودعت فيه اللاعبين، المسيرين والأنصار.
ألا ترى بأن خسارة «ديربي» المدينة مرتين، كان السبب الرئيسي الذي عجل بالرحيل؟
الحديث عن «ديربي» باتنة بين الشباب والمولودية، يعد أحسن ذكرى في مغامرتي مع الكاب، لأن هذه المواجهة سمحت لي بمعايشة أجواء خرافية صنعها الأنصار، وعادت بذاكرتي إلى «الديربي» التونسي بين الترجي والنادي الإفريقي، مادامت شوارع مدينة باتنة، تعيش على وقع الحدث على مدار أسبوعين قبل موعد المباراة، وهذا أمر لا يحدث إلا في «الديربيات» الكبيرة، حيث يدخل المناصرون أجواء المقابلة مبكرا، مما يؤكد على أن أنصار الفريقين ينتفسون كرة القدم، و»الديربي» يعد الفرصة الأنسب لإظهار قدرات وإمكانيات كل جناح، رغم أن المباراة على أرضية الميدان لم ترق إلى مستوى أجواء «أوركيسترا» المدرجات، وهزيمتنا في الذهاب كانت منطقية إلى أبعد الحدود، لأن تشكيلتنا كانت خارج الإطار، في حين أن الانهزام في الإياب كان عكس مجرى اللعب، ولعبت بعض العوامل دورا بارزا في تحديد النتيجة، ومع ذلك فإنني أجزم بأن خسارة «الديربي» مرتين لم تكن سبب رحيلي، بل أن التعثر المفاجئ أمام اتحاد عين البيضاء كان العامل الذي أجبرني على رمي المنشفة، بنية فسح المجال أمام الإدارة لضخ دماء جديدة في الفريق، لأن مصير أي مدرب مرهون بالنتائج، وخروجي من باتنة كان بذكريات «الديربي»، والتي ستبقى راسخة في مفكرتي.
وهل بالإمكان إجراء مقارنة بين تجربتك مع الكاب، وتلك التي سبقتها مع اتحاد الشاوية؟
لا يوجد أي مجال للمقارنة، لأن المعطيات مختلفة تماما، على اعتبار أن التحاقي الموسم الفارط باتحاد الشاوية كان في منتصف مرحلة الذهاب، والنتائج أخذت في التحسن مع بداية النصف الثاني من البطولة، حيث اتفقنا على تشكيل فريق تنافسي، وقد نجحنا في بلوغ الغاية المرجوة، بينما كانت مغامرتي مع شباب باتنة انطقلت من نقطة الصفر، بإشرافي على الاستقدامات، مع تسطير الصعود إلى الرابطة الثانية كهدف، ومسيرة 22 جولة كانت مقبولة إلى أبعد الحدود، لأنني تركت الفريق في الصف الرابع، والرئيس زغينة عمل على توفير كافة الامكانيات الكفيلة بتحقيق الهدف المسطر، إلى درجة أننا نحس دوما بأننا نعمل في ناد محترف.
وكيف ترى حظوظ شباب باتنة في تحقيق الصعود، خلال المرحلة المتبقية من البطولة؟
خلال الحفل الرمزي الذي أقامته على شرفي إدارة النادي، وعدت اللاعبين والمسيرين بالعودة إلى باتنة لمشاركتهم فرحة الصعود في نهاية الموسم، وهذا ما يعني بأنني لم أشك لحظة واحدة بأن «الكاب» لن يستطيع تحقيق الصعود، لأن التركيبة البشرية وكذا الإمكانيات المادية المتوفرة تساهم بصورة مباشرة في تحفيز المجموعة على تسجيل نتائج تتماشى وطموحات الأنصار، خاصة وأن الصعود سيكون من نصيب 6 فرق، والشباب لم يخرج من هذه الكوكبة منذ الجولة السابعة، كما أن الرزنامة المتبقية تضعه في رواق جيد لترسيم الصعود قبل الأوان، مادام الفوز باللقاءات الثلاث داخل الديار، يكفي للاطمئنان على مقعد ضمن سداسي المقدمة، والوضعية الراهنة لسلم ترتيب المجموعة الشرقية تراعي الأحقية في الصعود، لأن الأندية التي تشكل كوكبة الصدارة هي الأفضل، وتواجدها كان بانتظام في قمة هرم الترتيب، مع تسجيل تداول طفيف على المركز السادس.
وما هي الفكرة التي خرجت بها عن كرة القدم الجزائرية في الأقسام السفلى، بعد تجربة دامت موسمين؟
نظرتي عن اللاعب الجزائري استخلصتها من مشواري كلاعب، لما لعبت جنبا إلى جنب مع مغارية في النادي الإفريقي التونسي، لأن الإرادة الفولاذية تبقى أبرز سلاح يعتمد عليه اللاعبون الجزائريون في اللحظات الحاسمة، دون تجاهل المهارات الفنية الفردية العالية، وتجربتي مع اتحاد الشاوية ثم شباب باتنة في بطولة الهواة مكنتني من اكتشاف خزان كبير من المواهب الجزائرية، لكن الإشكال المطروح في الجزائر يكمن في عدم لجوء الأندية إلى سياسة التكوين والعمل القاعدي، لأن الأصناف الشبانية تعاني التهميش، إذ أنني أتحسر دوما عندما أتابع الحصص التدريبية، والتي غالبا ما تكون في مساحة صغيرة من الملعب، الأمر الذي يؤدي إلى «قبر» الكثير من المواهب مبكرا، ولو أن قناعتي الشخصية أن اللاعب الذي ينشط في بطولة الهواة في الدوري الجزائري باستطاعته اللعب في الدوري التونسي الممتاز بكل أريحية، شريطة كسبه المزيد من الثقة في النفس، وهذا العامل كان وراء اعتماد أغلب النوادي التونسية على لاعبين جزائريين باستغلال القانون الذي سنّه اتحاد شمال افريقيا. حاوره: صالح فرطاس