تقليـــد رمضانــــي مضرّ صحيــا واقتصاديــــــا
تعتمد العديد من العائلات في الشرق الجزائري و بعض مدن الشمال على "شربة الفريك"، كطبق رئيس و قار طيلة أيام شهر الصيام، و هي عادة متوارثة عبر الأجيال و تقليد غذائي متجذر، يتعارض كثيرا مع صحة الإنسان و مع المعطيات الاقتصادية الراهنة، فتناول الطبق المشبع بالدهون ، عالي الحموضة لمدة ثلاثين يوما ، يضر بالجهاز الهضمي، كما يؤكد المختصون في التغذية، بالمقابل فإن ارتفاع أسعار القمح في العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، يحتم تخفيف استهلاكه و التوجه نحو بدائل أقل تكلفة، و يمكن أن تكون صحية أكثر.
هــدى طابـــي
من بين أفضل 20 حساء في العالم ولكن..
تعتبر الشربة مكونا رئيسيا في الموائد الرمضانية، خصوصا شربة الفريك، ففي قسنطينة لا يكتمل الإفطار، إلا بوجود هذا الطبق، وكذلك الأمر في العديد من الولايات، خاصة بالشرق الجزائري، ف"الجاري" من ألذ الوصفات الجزائرية، خصوصا وأنه عادة ما يطهى بمزيج من اللحوم الحمراء والبيضاء، و بتوليفة خاصة من التوابل و الأعشاب العطرية التي تضفي ذوقا مميزا على الحساء، لذلك صنف تقرير حديث لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية، شربة "الفريك" الجزائرية ، ضمن قائمة أفضل 20 حساء في العالم، حيث جاء هذا الطبق الجزائري الشهير، في صدارة الترتيب العربي، و حل في المرتبة السادسة عالميا.
وتتكون الشربة من الفريك، الذي يضاف بعد طحنه إلى المرق، وهو عبارة عن قمح صلب، يتم حصاده وهو أخضر، ليجفف و يطحن و يستهلك لاحقا، وهنا تحديدا يكمن المشكل، فأمام التحديات الغذائية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، أعاد العالم ككل مراجعة معيار استهلاكه لهذه المادة الأساسية، التي تعتبر الجزائر ثاني أكبر مستورد لها عربيا بعد مصر.
تستورد بلادنا ما يعادل 3.3 % من معدل صادرات القمح العالمي بمجموع 1.47 مليار دولار. ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي للقمح في الجزائر 10.8 ملايين طن، وهي تكلفة مرشحة جدا للارتفاع، مع احتمال انخفاض الحصة المستوردة، بفعل التهاب أسعار القمح عالميا، إذ بلغت أعلى مستوى منذ عام 2008.
ذلك بعد أن قفزت الأسعار بنسبة 37 بالمئة مذ بداية السنة الجارية، وسط مخاوف متزايدة من حدوث نقص عالمي، حيث أدت حرب أوكرانيا إلى وقف أكثر من 25 بالمئة من صادرات العالم من المواد الأساسية المستخدمة في كل شيء من الخبز إلى البسكويت و المعجنات، كون روسيا و أوكرانيا توفران ما يقارب ثلث صادرات القمح العالمية، ومنذ الاجتياح الروسي لجارته، توقفت الموانئ المطلة على البحر الأسود تقريبا، و نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار القمح إلى مستويات قياسية، و نظرا لهذه المعطيات سيجد الجزائريون أنفسهم، مجبرين على مراجعة سلوكياتهم الغذائية، و التخلي عن الاستهلاك المفرط للقمح، خصوصا خلال رمضان، إذ لا يقتصر الأمر فقط على شربة الفريك، لأن الطبق لا يكتمل إلا مع قطع من "الكسرة" أو "خبز الدار".
«الفريك» يعرقل إنتاج القمح اللين
بما أن الفريك يعتبر مكونا رئيسيا في موائد العائلات، فإن زراعته تعد من أولويات الكثير من الفلاحين، كما أوضح عمي السعيد، فلاح من بلدية عين سمارة بقسنطينة، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من ملاك الأراضي أو حتى مستأجريها، يستغلون ما يزيد عن 10 هكتارات سنويا، في إنتاج الفريك، الذي تزدهر سوقه سنويا مع قرب حلول شهر الصيام، موضحا، بأنهم يقومون بزراعة بذور القمح اللين، خصيصا لإنتاج مادة الفريك التي يحضر بها طبق "الجاري" وذلك بحكم الطلب الكبير عليها خلال ذات الفترة، فسعر قنطار القمح اللين الأخضر يتراوح ما بين 16 ألف و 22 ألف دج، فيما لا يتجاوز سعر القنطار من القمح اللين الموجه لإنتاج الطحين " الفرينة" 3500 دج. محدثنا قال، بأن مشروع الفريك مربح فعلا، ولكنه معرقل و مقلص لإنتاج الدقيق (الفرينة) المستخرجة من القمح اللين المحصود وهو ما يؤثر مباشرة على إنتاج القمح اللين الاستراتيجي المدعم من طرف الدولة.
من جانبهم أوضح، باعة التوابل و الفريك ببعض محلات قسنطينة، بأن الأسعار جاءت مرتفعة هذه السنة، مقارنة بالسنوات الماضية فسعر الكيلوغرام الواحد من الفريك الجاهز يتراوح بين 450 دج و 550 دج للصنف الممتاز، حسبهم، موضحين، بأن هناك عائلات عادت إلى التقليد القديم المتمثل في شراء القمح الأخضر و تجفيفه و طحنه، بدلا من شرائه جاهزا و هو ما أثر على الطلب، مضيفا بأن الغش في الفريك الجاهز، هو ما أثر على نشاط البيع.
في المقابل قال صاحب مطحنة تقع بمدخل السويقة القديمة، بأن هناك فئة من الصائمين غيرت بعض عاداتها الغذائية في رمضان، و عوضت الفريك بحساء الخضر، كما أن هذه المادة لم تعد تباع فقط في الدكاكين المتخصصة و المطاحن كما في السابق، بل باتت متوفرة في علب جاهزة تعرض برفوف فضاءات التسوق الكبرى "سوبيرات".
* أخصائية التغذية سارة بوشكيط
هذه هي البدائل الصحية لشربة الفريك
ترى أخصائية التغذية سارة بوشكيط، بأن تناول فريك القمح، لا يعد دائما صحيا كما يعتقد الكثيرون، و ذلك لأن طريقة تحضيره تختلف عما كان سائدا قديما، فالغالب هو أن القمح يجنى قبل نضجه و يجفف و يطحن ليطهى، لكن التجار كثيرا ما يعمدون إلى إضافة الملون الأخضر لحبات القمح، حتى تبدو طرية و جديدة، كما يضيفون إليها أحيانا كمية كبيرة من الملح، ما يجعل بعض الأنواع رديئة من حيث المذاق أو غير صالحة للطهي أساسا " قد تكون خشنة ويصعب هضمها"، ناهيك عن تأثير تناولها على بعض الفئات من الناس، على غرار كبار السن و مرضى ارتفاع ضغط الدم.
حسب الأخصائية، فإن تناول الفريك يجب أن يكون منظما، كي يستفيد الصائم فعلا من قيمته الغذائية، على اعتبار أنها وجبة غنية بالمعادن كالمغنيزيوم والفسفور والكلسيوم، إضافة إلى توفر الفريك على الألياف، وعليه فمن الواجب أن نحضره بطريقة صحية، كي يكون فعلا طبقا نافعا و مغذيا، و يتم حاليا في مطابخنا الاعتماد على أسلوب طهي خاطئ ، كما أشارت إليه، لأننا نعتمد فيه على الكثير من الدهون و اللحوم و الطماطم، ما يعقد كثيرا و يعسر عملية الهضم.
و يمكن أن يكون الفريك ضارا كذلك، كما أوضحت الأخصائية، إذا تناولناه لمدة ثلاثين يوما كاملة خلال رمضان، و لذلك فإنه من المستحسن تعويضه بحساء آخر أخف و أغنى من حيث القيمة الغذائية، على غرار شربة الخضر مثلا، أو حساء الخضر أو شربة العدس أو شربة الشعير "دشيشة"، كما يمكن تعويض الفريك بشربة الشعيرية "الدويدة" المحضرة بمرق أبيض، مع إضافة القليل من الليمون الذي يساعد على الهضم.
الأخصائية أوضحت من جهة ثانية، بأن الفريك مضر جدا بالنسبة لمرضى السيلياك، و عليهم الامتناع عن تناوله، لأنه من مشتقات القمح.