عاد مساء أمس الهدوء إلى بلدية وادي الماء بولاية باتنة بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات وأحداث الشغب التي حركتها إشاعات حول تحويل مشروع لتوليد الطاقة الشمسية، وذلك بعد أن نفى الوالي في لقاء مع ممثلي السكان ما روج بشأن المشروع وتمكن من امتصاص غضب شل الحياة بالمدينة وخلف حالة من العنف بلغت حد الحرق والتخريب.
المدنية سادها في الفترة الصباحية ليوم أمس هدوء حذر عبر أحيائها وشوارعها التي أغلقت كلها وكانت الحركية التجارية منعدمة بعد تجدد المواجهات لليوم الثالت، كما لمسنا حالة احتقان قصوى وسط السكان خفت بمجرد الإعلان عن نتائج اللقاء مع الوالي وما تضمنه من تطمينات.
طرقات ومحلات مغلقة تشل الحركة
تنقلنا منذ الصباح الباكر لنهار أمس إلى بلدية وادي الماء التي تبعد بمسافة 52 كلم شمال غربي عاصمة الولاية باتنة، للوقوف عمَا يجري هناك، وقد سلكنا الطريق المؤدي إليها عبر مروانة انطلاقا من مدينة باتنة، وبمجرد اقترابنا لمدخل وادي الماء لمحنا شاحنة للحماية المدنية وسيارة إسعاف مركونتين على جانب الطريق بالمنطقة الفاصلة بين مروانة ووادي الماء ولاحظنا أعوان حماية متأهبين للتدخل، ولم يكن الدخول سهلا بالنسبة لنا بعد أن وجدنا مدخل وادي الماء مغلقا بالحجارة والمتاريس وآثار حرق العجلات والأغصان بوسط الطريق، وهي نفس الوضعية التي وجدناها ووقفنا عليها عبر مختلف الشوارع والأحياء ما صعب تحركنا داخل المدينة حتى أن بعض الطرقات لم نتمكن من المرور عبرها لنركن السيارة بإحدى الشوارع ونترجل سيرا على الأقدام تجاه مقر البلدية والمؤسسة العقابية بوسط المدنية.
الحياة بدت متوقفة بالمدينة بسبب الأحداث التي عرفتها، فالمحلات التجارية كانت مغلقة وحركة السكان تبدو غير عادية قبل أن نشاهد جمعا غفيرا من المواطنين بالشارع الرئيسي (الطريق الوطني) بوسط البلدية وهو الطريق المار بأهم المرافق العمومية المتواجدة بوادي الماء منها مقر البلدية ومؤسسة الوقاية العقابية التي كان قد تعرض مدخلها للحرق أثناء تصاعد موجة الاحتجاج، وقد بدا طريق الشارع الرئيسي لونه أسود داكن نتيجة مخلفات الحرق وكانت المؤسسة العقابية محاطة بطوق بشري من قوات مكافحة الشغب للدرك الوطني.
مصالح الدرك تنفي حدوث تجاوزات في التدخل
بمجرد أن وطأت أقدامنا الشارع الرئيسي لوسط مدينة وادي الماء وما إن أدرك جمع المواطنين المتجمهرين بالشارع أننا من الصحافة حتى تهافتوا علينا قصد نقل انشغالاتهم وشكاويهم، وقد بدا الكثير منهم في حالة غليان بسبب ما اعتبروه تجاوزات من طرف قوات الدرك الوطني المتدخلة لفض احتجاجهم، وراح هؤلاء المواطنون يتحدثون عن تعرض مساكنهم للاقتحام عن طريق الكسر وأشاروا بذلك أثناء تنقلنا معهم إلى مساكنهم ومحلاتهم التجارية، حيث أشار حلاق لتعرض محله للكسر والتخريب، وأشار آخر لاختفاء نقود وبعض الأغراض من محله المتمثل في بيتزيريا والأمر نفسه بالنسبة لصاحب محل للهواتف النقالة، وكان أحدهم وهو إسكافي في حالة هستيريا من شدة الغضب والذي قال بأن محله الذي يمارس فيه نشاطه وهو عبارة عن “براكة” قد تعرض للتخريب بعد أن زحزح وجر من مكانه مؤكدا بأن المحل يعد مصدر رزقه الوحيد.
تنقلنا مع مواطن آخر إلى مسكنه المجاور لسور المؤسسة العقابية وكان متحسرا لما آل إليه منزله من تخريب حيث وقفنا على تعرضه للاقتحام والتخريب ونفس الأمر أشار إليه صاحب الحمام الوحيد ببلدية وادي الماء المتواجد بحي الإخوة عالية، وكان محتجون في حالة غضب قصوى وهم يرون تفاصيل عن ما يقولون عنه عمليات اقتحام
من جهته، قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني لولاية باتنة أكد للنصر بأن تدخلات قوات الدرك كانت في إطار القوانين، وأوضح بأن افراد العناصر دخلوا عددا من المساكن بعد حصولهم على تراخيص من وكيل الجمهورية، وأضاف بأن التدخل مَس المساكن التي استغلت أسطحها من طرف محتجين لرشق رجال الدرك بالحجارة ومختلف المقذوفات، مشيرا بأنه كان لزاما على قوات مكافحة الشغب حماية المرافق العمومية أمام تصاعد موجة الاحتجاج نافيا اتهامات اقتحام المساكن دون أسباب تستدعي ذلك.
نقل عتاد مشروع المحطة الشمسية أشعل الفتيل
ولدى استفسارنا مع عديد سكان وادي الماء عن مصدر تأكدهم من تحويل مشروع محطة الطاقة الشمسية الذي جعلهم يشنون منذ نهاية الأسبوع الماضي احتجاجات كانت انطلقت سلمية قبل تصعيد اللهجة بحرق بوابة مدخل مؤسسة الوقاية العقابية أجمع كل من تحدثنا إليهم بأن السبب في خروجهم للشارع ودخولهم في إضراب بشل كافة المرافق العمومية هو مشاهدتهم لشاحنات ذات مقطورات تحمل ترقيم ولاية المسيلة تقوم بنقل العتاد والتجهيزات من موقع مشروع إنجاز محطة لتوليد الطاقة الشمسية المقرر إنجازه على مستوى طريق الحاسي، ليتأكدوا بعدها من مسؤولين بالبلدية أن المشروع قد رفعت بشأنه تحفظات حول الأرضية التي تم اختيارها بمبرر أن الأرضية فلاحية.
وناهيك عن عدم تحويل مشروع محطة الطاقة الشمسية تحدث المحتجون من سكان وادي الماء لـلنصر عن مطلب إعادة تأهيل وإصلاح طريق الشلعلع الذي يختصر المسافة بين بلديتهم وعاصمة الولاية إلى 20 كلم، وقالوا بأنهم تلقوا وعودا منذ سنة 2011 بعد أن تقرر إعادة فتح الطريق الذي كان مغلقا لدواعي أمنية، وقالوا بأنه لا شيء تحقق منذ تلك الفترة وظلت الطريق على حالها، مؤكدين أهميتها الكبيرة بالنسبة لهم من حيث اختصار المسافة وفك العزلة وكذلك أهميتها السياحية والاقتصادية.
و قال السكان بأنه وبعد الأحداث التي أعقبت احتجاجاتهم فقد وسعوا مطالبهم إلى ضرورة إطلاق سراح الموقوفين وإيفاد لجنة تحقيق في الأحداث التي عرفتها مدينتهم. الفترة الصباحية لنهار أمس عرفت تجددا للمواجهات والاشتباكات بين محتجين ورجال الدرك لقوات مكافحة الشغب، لكن الهدوء سرعان ما عاد في الفترة المسائية بعد انتهاء اللقاء الذي جمع ممثلي السكان بوالي الولاية، حيث وبحسب مصادر مطلعة ممثلو السكان أبدوا ارتياحهم للمشاورات، والتي أكدت بشأنها مصادرنا بأن الوالي كان قد نفى نفيا قاطعا ما راج عن تحويل المشروع، وأوضح بأن كل ما في الأمر هو أنه يجري البحث عن أرضية بإقليم البلدية دون تحويل المشروع لأي جهة، وأفادت ذات المصادر أن الوالي قد أكد أيضا تسجيل مشروع إعادة تأهيل طريق الشلعلع والنظر في كافة المطالب المطروحة.
للإشارة، فإن رئيس البلدية كان قد أكد بدوره مطالبة المجلس البلدي بإنجاز مشروع محطة الطاقة الشمسية بالبلدية وقد أوضح بأن التحفظات حول الأرضية التي تم اختيارها جاءت بعد ثلاث سنوات من اختيارها مؤكدا بأن تقارير للمصالح الفلاحية أكدت بأن الأرضية كانت في وقت سابق مستثمرة فلاحية ولم تعد صالحة للزراعة وهي الأرضية التي تنقلنا إليها وقفنا عليها وقد لاحظنا أنها محاطة بسياج وتتواجد بها حاويات وخيم وقد أكد لنا مواطنون بالمنطقة بأنها غير مستغلة فلاحيا منذ 30 سنة.
ربورتاج: يـاسين عبوبو