السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

سبحت فيها جثث ضحايا الإرهاب لأزيد من 11 سنة:خيري واد عجول.. شواطئ جيجليـــة تخلــع رداء الحداد و تفتح ذراعيهـــا للحيـــاة



على بعد 40 كيلومترا من وسط مدينة جيجل الساحلية الجميلة، اختارت الطبيعة أن تخبئ  سحرها بين جبال بلدية خيري واد عجول الصغيرة، منطقة خلابة تكتسي الخضرة و زرقة مياه البحر، و تزخر بشريط ساحلي فريد يمتد ليشمل شواطئ  بني بلعيد، و يختزل معاني السحر و  أبهى صور النقاء.  هي طبيعة دنستها لسنوات أيادي الغدر التي قتلت و ذبحت أبناء المنطقة، قبل أن تعود الحياة من جديد لتدب في شواطئ عذراء يقصدها المصطافون اليوم من كل صوب.

قصــــة بني مسلــــم و الموت

بلدية خيري واد عجول، التابعة إقليميا لدائرة العنصر، تعتبر واحدة من أجمل المناطق السياحية بولاية جيجل، مساحتها 30.53 هكتارا و تضم حوالي 5 آلاف نسمة، معظم سكانها  من عرش بني مسلم وهو  قبيلة قدمت إلى المنطقة من الصحراء، وكان أفرادها قد تركوا ديارهم هربا من قضية ثأر، كما علمنا من أحد السكان، وقد سحرهم جمال الطبيعة فقرروا  أن يستوطنوا المنطقة الفلاحية الخصبة ، و كانوا الأوائل الذين زرعوا  على ترابها أشجار الزيتون و توت العليق، غير أن مأساتهم لم تنته و قصتهم مع الموت كانت لها تتمة، ففي سنوات التسعينيات تحولت المنطقة إلى حمام للدم و الجثث، بعدما اتخذتها الجماعات الإرهابية مرتعا لها فروعت سكانها و قتلت المئات منهم، و هجرت من بقوا منهم على قيد الحياة.

ذكريـــــات الدموع و الدم

ذكريات قاسية هي تلك التي يحتفظ بها سكان المنطقة حول سنوات الجمر، صور الرؤوس المقطوعة و الجثث المعلقة، أصوات الرصاص و السيوف و السواطير، بكاء الأطفال و نحيب النساء و دموع الرجال، لا تزال عالقة في أذهان من عايشوا العشرية السوداء، قابلنا عددا منهم فسردوا لنا قصصا عن مآسي لا تزال جبال خيري واد العجول شاهدة عليها إلى يومنا هذا ، رغم عودة الأمن و الاستقرار إلى المنطقة التي تعد اليوم واحدة من أجمل المناطق الساحلية بالجزائر.
حسب السيد عبد الرحمان، كهل في عقده   الخامس، فإن ليل المنطقة لم يكن يختلف عن نهارها، ففي كل يوم تقريبا كان السكان يستفيقون على أصوات الرصاص و صور الدماء. و في أحد أيام أوت 1998 ، استفاقت المنطقة على وقع جريمة بشعة، راح ضحيتها رجلان قطع الإرهابيون رأسيهما، و استبدلوهما، فوضعوا الأول على جثة الثاني و العكس، و قد كانت الجثتان تسبحان في دمائهما، حتى أن ابنة أحد الضحيتين وكانت في العاشرة آنذاك، صعقت للمشهد و ظلت لسنوات تواجه هواجس الجنون لولا رحمة الله، كما عبر.
أما الحاج سطوفة، فأخبرنا بأن الإرهابيين  كانوا يذبحون ضحاياهم و يعلقون جثثهم على مداخل البلدية، و أحيانا على بوابة المجلس الشعبي البلدي الذي كان مقبرة للموظفين الإداريين و أعوان الحرس البلدي الذين كانوا من أكثر ضحايا الإرهاب الغاشم، أما بقية المواطنين، فمنهم من فقد حياته و منهم من لا يزال يعاني إلى غاية اليوم من آثار نفسية كبيرة، سببها تلك العمليات الإرهابية الدموية، و تلك الحواجز المزيفة و حتى الاشتباكات العنيفة لعناصر الجيش الوطني مع الإرهابيين و التي كان رصاصها الطائش يحصد في كل مرة، رؤوس الأبرياء.
كمال موظف استقبال بمقر البلدية، قال بأن 90 بالمائة من سكان المنطقة هجروها هربا من جحيم الإرهاب، عائلات كثيرة فرت بجلدها، تاركة خلفها ممتلكاتها و أراضيها و منازلها، فالموت كان يطارد الجميع دون استثناء، وهو ما اضطر السكان الأبرياء إلى مغادرة ديارهم، هربا من الجحيم، قاصدين قسنطينة و وسط مدينة جيجل، قبل أن تنفرج الأوضاع نسبيا مع مطلع سنة 2002 ، لتعود العديد من العائلات إلى منازلها و أملاكها من جديد، محاولة بعث الحياة في الأشجار و المياه و الرمال الذهبية الصافية.

لوحة  طبيعية تمتزج فيها زرقة البحر باخضرار الغابات

اليوم تشهد شواطئ خيري واد عجول،  إقبالا كبيرا للمصطافين القادمين من مختلف أنحاء الوطن، للاستمتاع بزرقة مياه البحر وبمناظر المنطقة الخلابة التي تبعث على الارتياح، خاصة بعد عملية التهيئة التي مستها قبل سنتين، تحديدا بعدما تم إعلانها كشواطئ محروسة مفتوحة أمام المصطافين.
حسب بعض المصطافين الذين تحدثنا إليهم، سواء القاطنين بالولاية أو القادمين من خارجها، فإن سبب إقبالهم على شاطئ بني بلعيد، يعود بالدرجة الأولى، إلى توفره على الشروط الملائمة للاصطياف، من نظافة، أمن، مراحيض، مرشات و ماء صالح للشرب، وخدمات أخرى تتقدمها المطاعم والمقاهي، و بأسعار جد مقبولة، كون المنطقة لا تزال فتية في مجال السياحة و تجارها أكثر رحمة من نظرائهم في المناطق التي تعرف توافدا كبيرا للمصطافين منذ سنوات، إضافة إلى ذلك، فإن المناظر الخلابة للطبيعة العذراء، لا تتوفر في مكان آخر، ففي واد عجول كما يطلق عليها أهلها تمتزج زرقة البحر، باخضرار الغابات التي تغطي بظلالها الطرق المؤدية للشاطئين الشرقي و الغربي، الممتدين على مسافة 6 كيلومترات تقريبا. طبيعة ساحرة  لم تدنسها أيادي البشر، لا تزال محافظة على نقائها و جمالها، كما تزخر المنطقة المخبأة كجنة صغيرة بين الجبال بكورنيش ساحر، يحبذ الكثير من الزوار  الصعود إليه، لاسيما في الأوقات المتأخرة من النهار، للتمتع بجمال الموقع الذي يعد استراتيجيا كون الوصول إليه سهل و لا يتطلب المرور بأي محطات و يمكن بلوغه سيرا على الأقدام بمجرد الوصول إلى البلدية.
جمال المنطقة السياحية، لا يكمن فقط في سحر شواطئها الذهبية الواسعة، بل في التنوع الطبيعي الذي تزخر به، فعلى بعد كيلومتر واحد تقريبا، تتربع المحمية الطبيعية التابعة لبحيرة بني بلعيد، على مساحة قدرها 121 هكتارا، إذ تعد من أهم المحميات الطبيعية عبر الوطن، لما تتوفر عليه من مناظر رائعة، نباتات و أعشاب نادرة وأزهار متنوعة، وأصناف عديدة من الطيور المهاجرة، أضافت قيمة جمالية للسياحة بالمنطقة.

هياكل استقبــــال بأسعـــار معقولــــة

حسب الأمين العام لبلدية خيري واد عجول بوشناق عبد الحكيم، فقد تم هذه السنة توفير كافة الإمكانيات لاستقبال أكبر عدد من المصطافين و السياح، خصوصا بعدما تم إدراج شواطئ المنطقة ضمن قائمة الشواطئ  المحروسة، إذ اتخذت كافة التحضيرات لتوفير الماء الشروب بشكل مستمر، كما تم ضخ ميزانية معتبرة لإنجاح مخطط النظافة.
 بخصوص هياكل الاستقبال و الخدمات، فإن البلدية توفر لزوار شواطئها، 6 مخيمات عائلية، أربعة منها افتتحت هذا العام، بالإضافة إلى 11 مقصورة مخصصة للكراء و مجهزة بشكل مقبول، تترواح أسعارها بين 3000 و 4500 دج.  أما بالنسبة للمنازل التابعة للخواص، فهي كذلك مفتوحة أمام المصطافين، و قد لاحظنا خلال استطلاع ميداني، بأن أسعارها تتراوح بين 2000 إلى  3500 دج.

روبورتاج  : نور الهدى طابي/تصوير: شريف قليب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com