عادت طاولات التجارة الفوضوية إلى الانتشار بحي عبد السلام الدقسي في مدينة قسنطينة، حيث تتخلل صفوف الباعة، التجمع العمراني في شكل حزام طويل يتمدد مثل شريان على مئات الأمتار، خصوصا خلال العطلة الأسبوعية، فضلا عن ظهور أكواخ بزوايا العمارات، في وقت يشتكي فيه سكان من مخلفات السوق ويطالبون بالمساحات الخضراء وتحسين واجهة عمارات على مستوى الجهة السفلى من الحي.
وقمنا يوم أمس، بجولة في حي عبد السلام الدقسي، الذي تخفي واجهة عماراته المطلة على طريق سيدي مبروك، واحدة من أكبر الأسواق في الجهة الشرقية من المدينة، حيث تمتد طاولات المئات من الباعة فيها من محيط مسجد حمزة إلى غاية السوق المغطاة عبد المجيد مساعيد، المواجهة لحي القماص، فضلا عن أنها تطول خلال العطل الأسبوعية إلى غاية حي الكيلومتر الرابع فوق الجسر العابر للسكة الحديدية. ولاحظنا في جولتنا بعض روافد طاولات الباعة المتمثلة في شاحنات للبائعين المتنقلين للخضر إلى جانب عدد قليل منها على ضفة طريق المركبات.
أما في الجهة الأخرى، فتقابل الشاحنات مجموعة من المحلات الواقعة أسفل عمارة، بينما أنجز أصحاب المتاجر المذكورة توسعات على الرصيف الواسع، لكنها لا تشكل أي عائق أمام حركة المارة. وتوغلنا داخل السوق التي بدت مكتظة بالمواطنين والمتسوقين، حيث أخبرنا أحد الباعة أنها تعمر بكثرة يوم السبت من العطلة الأسبوعية، فيما بدا أن الممر المجاور لمسجد حمزة لم يعد يسع الجميع بسبب كثرة البائعين، فاضطر بعض التجار إلى عرض سلعهم على مساحة شاغرة أسفل الأشجار المقابلة للعمارات.
بوابة متوسطة تتحول إلى واجهة لعرض السلع!
وكان الباعة يعرضون الملابس والأواني ومختلف الأغراض المنزلية، بينما لاحظنا أن البوابة الرئيسية لمتوسطة خالد بن الوليد الواقعة في الحي، قد تحولت هي الأخرى إلى واجهة لعرض السلع، بعدما اختفت خلف طاولات الملابس المستعملة التي تسجل إقبالا كبيرا في المكان.
واصلنا السير في نفس الممر إلى غاية وصولنا إلى المكان الواقع بين الجدار الجانبي لابتدائية محمد الصالح الهاشمي والقاعة المتعددة الرياضات، حيث انتشر فيه البائعون أيضا، فضلا عن ركنهم للشاحنات في مساحة شاغرة مقابل الممر، وفوق مساحة ترابية واقعة بين العمارات، التي علق أصحابها لافتة كتب عليها أن الدخول إلى المكان والركن فيه مسموح للسكان فقط.
وأوضح لنا أحد البائعين أنه ليس تاجرا فوضويا، حيث أكد أنه يحوز على سجل تجاري لبائع متنقل، مضيفا أن أغلب النشطين في المكان يحوزون على سجلات مماثلة، ويتنقلون بين الأسواق الأسبوعية في قسنطينة وخارجها لممارسة نشاطهم، في حين اعتبر أن «سوق الدقسي» نشطة ويقصدها مواطنون من خارج بلدية قسنطينة، وحتى من خارج الولاية في العطل الأسبوعية.
واعتبر محدثنا أن حركية السوق تعرف انتعاشا خلال الفترة الحالية مع اقتراب الدخول المدرسي، حيث يفضل الكثير من الأولياء اقتناء الملابس لأبنائهم بشكل مسبق، بينما يتواصل رتل طاولات الباعة ليشمل الممر المجاور للجدار الجانبي لملعب حسان بورطل، ثم ينتهي إلى المساحة التي أخليت من الباعة غير الشرعيين قبل عامين، لكننا لاحظنا أن جزءا منها قد تحول إلى امتداد للطاولات عند نهاية الممر مباشرة، أين استغل بعضهم شريطا منها، مع الإبقاء على المساحة الأخرى لركن المركبات، كما تواصل رتل الباعة إلى غاية المساحة الثانية المقابلة للمدخل الرئيسي للملعب، وانتشروا على شريط منها أيضا إلى غاية مدخل السوق المغطاة عبد المجيد مساعيد.
أما في الجهة المقابلة للسوق، فقد عرض العشرات من باعة الملابس المستعملة سلعهم، حيث يترامى النشاط التجاري على ضفتي الجسر العابر للسكة الحديدية، وعبر الجسر الصغير، ليستمر عبر الممر المفضي إلى حي الكيلومتر الرابع.
ولاحظنا في المكان تسربا للمياه، عند مدخل الجسر، حوله التجار والمتسوقون إلى ما يشبه «المنبع»، فقد سحب منه أنبوب بلاستيكي، و وُضع بالقرب منه إناء صغير، بينما كان المتسوقون والتجار يتداولون على الشرب منه وغسل أيديهم و وجوههم، بينما تسبب الأمر في ظهور مجرى مائي يسيل على عشرات الأمتار، فضلا عن أنه كان يعيق حركة المارة.
ولاحظنا داخل سوق عبد المجيد مساعيد وجود طاولات للتجارة أيضا، حيث يعرض بعض أصحابها لحوم الدجاج والخراف والعجول، دون تبريد أو توفير شروط أخرى للنظافة، بينما بدا أن الإقبال عليها كبير، خصوصا وأن أسعارها منخفضة مقارنة باللحوم المعروضة بالقصابات. وتحدثنا إلى بعض المواطنين المترددين على طاولات التجارة الفوضوية داخل وخارج السوق، فأكدوا لنا أن سوق الدقسي يمثل بالنسبة إليهم المورد الأساسي لمختلف الحاجيات التي يرغبون باقتنائها، مشيرين إلى أن أسعاره منخفضة، فضلا عن أنه يوفر لهم بدائل عن أسواق أخرى ترتفع فيها الأسعار.
ظهور أكواخ للتجارة الفوضوية
ورغم فوضوية النشاط التجاري في سوق الدقسي، إلا أنه يمثل مصدر دخل لأسر تتألف من الآلاف من الأفراد بحسب ما قاله أحد البائعين الشباب، مشيرا إلى أنه بطال ولا يملك أي مصدر للدخل خارج ممارسة التجارة في سوق الدقسي القريبة من مقر سكنه، كما أوضح أن العديد من أفراد عائلته يمارسون نفس النشاط.
ورغم تراجع كثافة التجار الفوضويين بحي الدقسي مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن المشكلة ما تزال مسجلة، خصوصا خلال العطل الأسبوعية، وقد تحولت إلى مصدر إزعاج بالنسبة للسكان، الذين انتقدوا في حديثنا مع بعضهم، مشكلة انتشار القمامة ومخلفات السوق الفوضوية والسوق المغطاة بعد مغادرة البائعين، فضلا عن الضجيج والاختناق المروري الذي تحدثه فيه بسبب السائقين الباحثين عن مكان للركن.
وظهرت بين عمارات حي الدقسي أيضا أكواخ للتجارة الفوضوية، حيث لاحظنا بعضا منها خلال مسارنا على امتداد الطريق الرئيسي المؤدي إلى مسجد مصعب بن عمير. وقد أنجزها أصحابها بالخشب، إلا أننا لم نلاحظ أي نشاط تجاري فيها خلال وقت مرورنا بالحي. وذكر لنا سكان أن الدقسي يحتاج إلى التهيئة أيضا، خصوصا وأن طلاء عماراته قد تلاشى، حيث أوضح محدثونا أن عملية التزيين والطلاء قد أنجزت في عمارات الجهة العليا القريبة من مقر الولاية، كما استفادت من مساحة خضراء وتهيئة الجهة المطلة على طريق سيدي مبروك، فضلا عن بعض العمارات المحيطة بنفس المكان، في حين تغيب المساحات الخضراء وطلاء الواجهات عن المباني الداخلية من الجهة السفلى من الحي. سامي.ح