يستعد الجامع الأخضر لاسترجاع مكانته كمنارة علمية وثقافية في المدينة القديمة بقسنطينة، إذ من المنتظر أن يعاد فتحه في الخامس من جويلية المقبل بمناسبة عيد الاستقلال، بعد أن انتهت به أشغال الترميم التي حافظت على طابعه العمراني العريق، وأعادت للمكان تاريخه وروحه المفقودة منذ سنوات.
و زارت النصر المسجد، الواقع بالمدينة القديمة وبالضبط على مستوى حي الجزارين، حيث تمكنت المؤسسة المنجزة لمشروع الترميم من إعادة الجامع الأخضر إلى سيرته الأولى الأصلية، وكأن الزمن عاد بالمكان إلى القرن 17 ، في حين كان يعكف من تبقى من العمال المتخصصين في ترميم التراث المحفوظ، على التكفل بآخر الروتوشات لإنهائها قبل العيد .
ويؤكد مسؤول الورشة، بأن المكان تعرض إلى ما يشبه الدمار إذ وبعد غلقه في سنة 2014 والعمل بشكل عشوائي ثم التوقف عن الأشغال، أصبح المسجد عرضة لمختلف عوامل التعرية الطبيعية وغير الطبيعية، فقد أزيل سقفه وصارت الأمطار تدخله من كل حدب وصوب ما تسبب في تصدعه بشكل خطير، فقد وجدت المؤسسة الجدران على وشك الانهيار وكلما اشتغل العمال على شيء وجدوه معرضا للانهيار، فيما كان الزليج موضوعا في صناديق وجزء منه لم يتم العثور عليه، وهو ما دفع بالمؤسسة للعمل على توفيره مجددا.
وقد أعد تصميم المسجد حتى يعود إلى سيرته الأصلية، وهو ما استدعى وفق محدثنا، إعادة صنع مواد بنفس الطرق التقليدية القديمة، حيث تم إعادة صنع الزليج بأدوات تقليدية وبلمسات فنية لفنان ونحات متخصص من مدينة قسنطينة كما تم العمل على الحفاظ على القديم منه وتثبيته فقط بشكل جيد في مكانه ، مؤكدا أن نفس المواد التي صنع بها الزليج الجديد هي ذاتها التي أنجز بها القديم، فقد وقفنا على تطابق تام في الشكل والملمس، بين العتيق والحديث.
وغطت الأرضية برخام أبيض، تم تثبيته بمواد تقليدية كانت تستخدم أثناء بناء المسجد على غرار خشب العرعار، إذ لم يتم استخدام مادة الإسمنت على الإطلاق في حين تم استخدام أجود وأغلى أنواع الخشب، فقد أعيد بناء بعض الأعمدة بذات الخشب الذي شيد به قبل قرون على غرار خشب « الروكو » و«الأحمر» بينما تم ترك بعض الأعمدة المثبتة على حالتها الأولى، ولم يتم سوى تجديدها جزئيا فقط نظرا لحفاظها على شكلها الطبيعي.
أما المنبر، فقد تم إعادته إلى لونه الأول وزخرفته الأصلية من طرف نحاتة متخصصة ، كما تم إعادة تهيئة المحراب مثلما كان في السابق، حيث أكد مسير الورشة أنه تم الاستعانة واستشارة متخصصين في علم الآثار والتاريخ، من أجل ترميمه بشكل مطابق، لما كان عليه ، مؤكدا أن الكثير من المعالم طمست وتم إعادتها من خلال هذه العملية.
وقدم محدثنا، مثالا بأحد الجوانب، التي طمست في السابق بشكل عشوائي، حيث قال إنه وخلال العملية تم اكتشاف أن آيات القرآن الكريم التي كانت مكتوبة وتزين منتصف جدران قاعة الصلاة ومدخلها ليست هي الكتابة الأصلية، إذ وبعد مسحها تبين أنه تم طلاء الكتابات القديمة، وإعادة كتابة آيات بدلها.
وتم إعادة الكتابة القديمة ، وهي القصيدة الشهيرة لمحمد بن سعيد البوصيري، في مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام والتي تسمى البردة، إذ كتبت القصيدة التي مطلعها، «محمد سيد الفريقين من عرب وعجم، محمد سيد الكونين والثقلين»، بخط عثماني من طرف خطاط متخصص واستغرقت العملية، وقتا معتبرا لما تحتاجه من تدقيق.
وما يلاحظ، أن كل المواد المستخدمة في الترميم ذات طابع عريق وتقليدي ، إذ يحس كل زائر للمسجد أنه في رحلة زمنية وحتى الثريات والمصابيح والحبال التي ثبتت عليها المصابيح أضفيت عليها لمسات فنية، ورغم ارتفاع درجة الحرارة في الخارج إلا أن الأجواء بالجامع الأخضر كانت منعشة، فالمواد التي أنجز بها سابقا وحاليا صديقة للبيئة تقي من الحر صيفا والقر شتاء، فيما قال صاحب المشروع، إن جدران المسجد شيدت بلبنات من الحجارة والطين ذات سمك يتراوح ما بين 55 و 60 سنتميترا و هي طريقة بناء قوية جدا جعلته يقاوم متيغرات الزمن والطبيعة.وتم استخدام خشب شجرة البلوط، في إنجاز الأبواب الرئيسية للمسجد ، كما تم تحويل المدرسة التي كتب على جدارها بأنها أنجزت في شهر ذي الحجة من سنة 1193 هجرية، إلى قاعة صلاة للنساء مع إنجاز مائضة بها، كما وقفنا على إعادة ترميم المائضة وفقا للطابع المعماري القديم، وحتى السقف المشيد بمادة القرميد فقد تمت صناعته بطريقة تقليدية قديمة في مدينة بجاية حتى يكون مطابقا للقديم، وهو نفس ما طبق الطلاء الخارجي للجدران وكذا النوافذ.
ويؤكد ممثل المؤسسة، أن فترة الترميم كانت قياسية، حيث إن الأجال التعاقدية للمشروع حددت بثلاثين شهرا، لكن المؤسسة التي توظف عاملين متخصصين في الترميم تلقى بعضهم تكوينا في دول أجنبية، كسبت الرهان وأنجزت المشروع في 24 شهرا ، علما أن تكلفة العملية المالية، تقدر بأزيد من 13.8 مليار سنتيم.وقد كان مشروع الترميم ، محل زيارة لوزيرة الثقافة شهر رمضان المنصرم، حيث أكدت أن رئيس الجمهورية يولي اهتماما بليغا للمشروع، وهو ما تجسد في رسالة وجهها بمناسبة يوم العلم سنة 2020 إذ قال فيها «أمرت بترميم جميع المساجد العتيقة في الجزائر و في مقدمتها الجامع الأخضر بقسنطينة، أين كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يلقي فيه دروسا في التفسير و الحديث لاسيما شرح موطأ الإمام مالك رضي الله عنه و أرضاه » .
و يعود تاريخ بناء مسجد سيدي لخضر، الذي يعتبر واحدا من أقدم المعالم الدينية ذات القيمة المعمارية والثقافية والدينية العريقة إلى سنة 1743 ، وذلك إبان فترة حكم الباي حسان بن حسين الملقب بأبو حنك، إذ مر العشرات من العلماء وطلبة العلم من المكان وآخرهم العلامة عبد الحميد بن باديس والذي كان يقدم به دروسا في التفسير والفقه وغيرها، وكان أيضا مكانا يجتمع فيه أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. لقمان/ق