تزايد عدد الجرائم الالكترونية في ولاية قسنطينة، خلال الأشهر القليلة الماضية، ما دفع شرطة قسنطينة إلى تكثيف جهودها من أجل حل الكم الهائل من الشكاوى المتهاطلة على مختلف مقرات الأمن، والتي تشمل في الغالب قضايا النصب والاحتيال والتي شكلت نسبة 85 بالمئة من مجموع الجرائم الإلكترونية، فيما انقسمت بقية النسبة على الابتزاز ثم التحريض.
حــــاتم بن كحــــول
وتمكن محتالون من إيقاع ضحاياهم في الفخ، من خلال سلبهم أموال مقابل سلع أو خدمات وهمية، بطريقة ماكرة، سردها لنا عميد شرطة رئيس مكتب الاتصال بأمن ولاية قسنطينة، لعبيدي محمد كريم، مؤكدا في بداية حديثه أن عدد الجرائم الإلكترونية المرتكبة في شهر أوت بلغ 23 قضية، و30 جريمة في شهر سبتمبر و27 في شهر أكتوبر، وهو رقم كبير حسب المتحدث، الذي أوضح أن عدد الجرائم في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وتضاعف خلال الأشهر القليلة الماضية ليفوق عدد الجرائم العادية التقليدية على غرار الضرب والجرح وغيرهما.
واختلفت الجرائم الإلكترونية المرتكبة في ولاية قسنطينة، لتشمل عدة مخالفات تتعلق بالنصب والاحتيال والابتزاز والتحريض وغيرها، إلا أن النسبة الأكبر كانت تخص قضايا النصب والاحتيال، بعد أن وجد تجار "مزيفون" هذا الفضاء الافتراضي التفاعلي كأرضية خصبة لسلب أموال المواطنين الباحثين عن أرخص الأسعار، لينجحوا في مسعاهم بكل سهولة وسط تجاوب عشاق "الصولد" والتخفيضات.
85 بالمئة من الجرائم الإلكترونية عبارة عن قضايا احتيال
وشكلت نسبة القضايا المتعلقة بالنصب والاحتيال 85 بالمئة من مجمل الجرائم الإلكترونية في قسنطينة، تليها قضايا الابتزاز ثم التحريض، وبلغ معدل أعمار ضحايا هذه الجرائم ما بين 25 إلى 45 سنة، وهو معدل طبيعي بما أن هذه الفئة السنية تعتبر الأكثر استعمالا لمواقع التواصل الاجتماعي، فيما كان كل المحتالين شبابا منهم بطالون ومنهم خريجو الجامعة.
وأخطرنا محدثنا بإحصائية لافتة، تتمثل في أن 78 بالمئة من الضحايا ذكور فيما تشكل نسبة 22 بالمئة المتبقية الإناث، ما يؤكد أن الفخاخ التي وضعها المحتالون جذبت أكثر الرجال، وأضاف عميد الشرطة، أن المحتالين عبارة عن شباب أذكياء يتقنون جيدا استخدام أجهزة الإعلام الآلي، متمكنين ولهم ولع غير عادي بالعالم الافتراضي، ومنهم من يعتبر "نابغة" في النصب والاحتيال من خلال الطريقة التي تمكنوا من خلالها سلب الملايين من مواطنين.
وفكت فرقة مكافحة الجرائم الإلكترونية، خيوط أغرب جريمة على الإطلاق تحدث في السنوات الأخيرة في ولاية قسنطينة، وتتمثل في شابين يتظاهران أنهما يملكان وكالة سياحية تمكن من السفر والسياحة بعدة دول إفريقية وآسيوية وأوروبية، رغم أنهما لا يملكان لا محلا ولا رخصة استغلال ولا أي صفة تمكنهما من خداع الزبائن، إلا أنهما ابتكرا طرقا مكنتهما من سلب الملايين في فترة وجيزة.
صاحبا وكالة سياحية وهمية يغريان الزبائن بالأسعار
وبدأت القصة لما قرر ثنائي شاب يتميز بإتقان استخدام أجهزة الإعلام الآلي وتقنيات تركيب الصور والفيديوهات، مع ذكاء حاد في التعامل مع الأشخاص، في إنشاء صفحة خاصة بوكالة سياحية على غرار مئات الصفحات على "الفايسبوك"، إلا أن غرضهما كان الاحتيال على الزبائن وسلبهم لأموالهم دون تقديم الخدمات المتفق عليها.
وأنشأ الثنائي صفحة على "الفايسبوك" مرفقة بصورة لإحدى المحلات، مع وضع اسم للوكالة مزين بألوان تجذب المتصفح، مع وضع أرقام هواتف، وبرامج السفر، وحجز التذاكر وأسعار لفنادق في تركيا وتونس وغيرهما من الدول السياحية التي تعتبر مقصدا للجزائريين، وتعمد الشابان وضع فيديوهات حقيقية لفنادق تظهر جودة الخدمات المقدمة، حتى يتجلى للمتصفح أن الوكالة حقيقية وتزاول نشاطها بشكل عادي على غرار بقية الوكالات السياحية.
وبعد فترة قصيرة من فتح الصفحة، قرر المتهمان نشر أسعار مدروسة بشكل دقيق، لا تثير الشك لدى الزبائن، بعد إطلاقهما لتخفيضات معتبرة مقارنة بالأسعار المتداولة ولكنها في نفس الوقت غير منخفضة بشكل كبير، وهو ما أوقع الزبائن في الفخ، ليرتفع التفاعل مع تلك المنشورات يوما بعد يوم، حتى وقع أول ضحية في الفخ.
ولجأ الثنائي إلى نشر تخفيضات حصرية خاصة بوكالاتهما تشمل سعر تذاكر الطيران نحو تركيا و من أجل أداء مناسك العمرة، وكان فارق سعر التذكرة لأداء العمرة يفوق 2.5 مليون سنتيم مقارنة بالأسعار الأخرى، ليصل إلى 5 ملايين سنتيم أو أكثر بالنسبة للزوجين، خاصة وأن أغلب الزبائن كانوا عبارة عن زوجين، كما أطلقوا تخفيضات أخرى تشمل الفندق تقارب 3 ملايين سنتيم أي 6 ملايين بالنسبة للزوجين، ليصل الفارق إلى 11 مليون سنتيم وهو رقم يقارب ثمن أداء عمرة لدى الوكالات الأخرى، وبالتالي أغرت هذه الأسعار الأزواج أو الثنائيات الراغبة في السفر معا.
يوفران تذاكر سفر إلكترونية مزورة لإقناع الضحايا
وتعمد أيضا الثنائي المحتال، إلى إطلاق تسهيلات لإغراء كبار السن والمرضى، تقضي بتكفل الوكالة بكل الإجراءات اللازمة سواء تعلق الأمر بالحجز في الفندق أو جلب التأشيرة السياحية أو تذاكر السفر، أو ضمان النقل البري بالنسبة للمتوجهين إلى تونس، وغيرها من المزايا التي لا تحدث إلى على مستوى هذه الوكالة المزيفة.وحسب ما أظهره الضحايا عند تقديمهم للشكوى لدى مصالح الشرطة، فإن الثنائي يقومان فعلا باقتناء تذاكر إلكترونية إلا أنها كانت مزودة، وهي أول خطوة لإغراء الزبون، حيث يظن أنها تذاكر حقيقية، فيضخ أول دفعة وغالبا ما تكون عبارة عن نصف المبلغ المتفق عليه، ليكون الزبون قد تورط دون علمه، ليسجل الثنائي أول ضحية في مفكرتيهما التي ستمتلئ فيما بعد بست ضحايا آخرين.وبعد النجاح في النصب على أول زبون، والذي عبر عن شكره وسعادته للثنائي بفضل الأسعار المعقولة، ارتفعت درجة المكر ليتم نشر أسعار أكثر إغراء وتشمل تذاكر الطيران والإقامة في فنادق، لتصل عشرات الرسائل عبر حساب الوكالة المزيفة على "المسنجر"، ليتقن الثنائي فن الرد مع اعتماد اختيار كلمات لبقة محترمة تؤكد مدى خبرتهما في مجال السياحة وحسن أخلاقهما ومستواهما الدراسي العالي.كما قاما في نفس الوقت بتركيب فيديوهات مع تزويدها بموسيقى، تخص بعض الفنادق، فيما التقطا صورا ببعض الفنادق لتأكيد جودة الخدمات المقدمة في فندق معين بعد زيارتهما له، كما يؤكدان أنهما يتوفران على التخفيضات حصريا ويوجهانها مباشرة إلى زبائنهما في فترة محدودة ما يدفع بعض الزبائن للإسراع في تسديد أول شطر والذي يكون الهدف والمبتغى الأول للثنائي المحتال.
صفحة رسمية مدعمة بفيديوهات وصور لفنادق لجذب الزبائن
وصرح الضحايا لدى إيداعهم للشكوى، أن أكثر ما لفت انتباههم هو السعر المعروض من هذه الوكالة، مؤكدين أنهم تأكدوا أولا من حيازة الوكالة لمحل من أجل استقبال الزبائن، وضع على الصفحة الرئيسية للوكالة، إضافة إلى الفيديوهات والصور الخاصة بالفنادق وطريقة تقديمها وأرقام الهواتف، إضافة إلى تفاعل الكثير من المعجبين بتلك العروض.
وتمكن أول ضحية في كشف الثنائي، بعد أن ضخ مبلغا ماليا في رصيدهما مقابل السفر إلى أن الفترة طالت كثيرا ليقوم بالاتصال بتلك الهواتف إلا أنه لم يتم الرد عليه، وبعد فترة أشهر، قرر التوجه إلى فرقة مكافحة الجرائم الإلكترونية الواقعة بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية، ليكثف عناصر الفرقة مجهوداتهم ويتمكنون من كشف الثنائي، خاصة بعد أن وضع 6 ضحايا آخرين شكاوى ضد نفس اسم الوكالة التي اختفت فيما بعد وكأنه لم يكن لها وجود، واتفق كل الضحايا عن أن الأسعار المعروضة كانت سببا مباشرا في إغرائهم، إضافة إلى طريقة حديث وعرض العروض، كما أكدوا أنه بعد مرور فترة زمنية طويلة شككوا في الوكالة المعنية ليتأكدوا من شكوكهم بعد إزالة الصفحة نهائيا وغلق كل تلك الأرقام الهاتفية.
واتضح خلال التحقيقات أن الثنائي يملك مستوى علميا محترما مع ذكاء ظهر خلال تصريحاتهما للشرطة، وهو ما سهل على المحتالين سلب أموال الغير، بعد خطة حبكت خيوطها قبل أشهر، لتنقطع تلك الخيوط على يد عناصر فرقة مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي قال محدثنا بشأنها، إنها تتكون من خيرة المهندسين المدربين على أعلى مستوى، مزودة بأحدث التطبيقات الأمنية، والتجهيزات العصرية، ما ساهم في كشف أزيد من 80 جريمة إلكترونية في ظرف 3 أشهر فقط، وهو رقم يؤكد أن الفضاء الافتراضي تحول إلى وجهة مفضلة للمحتالين من أجل سلب أموال الغير.
فرقة خاصة تتوفر على إمكانيات بشرية ومادية لكشف المحتالين
وتنشط فرقة مكافحة الجرائم الإلكترونية بقسنطينة، معنية بحل كل الجرائم، رغم تحويل المعقدة منها إلى الفرقة الجهوية، فيما تتكفل المركزية بالجرائم الدولية أو الجرائم الثقيلة، خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى فضاء لعرض بيع المؤثرات العقلية والمخدرات، والأسلحة، والحرقة، والدعارة وغيرها من القضايا الكبيرة، إلا أن جل القضايا عبارة عن احتيال ونصب أيضا من خلال عرض سلع أو خدمات لا وجود لها على أرض الواقع.
كما حلت ذات الفرقة عدة جرائم إلكترونية تتعلق بالابتزاز، كأن يشترط شخص ما على آخر مبلغ مالي أو خدمة ما مقابل عدم نشر صور خاصة له، ويأتي هذا النوع من القضايا في المرتبة الثانية، لتليها قضايا السب والشتم أين يشترط عرض الشاكي صورا مثبتة تحتوي على الشتم أو السب لتكون دليلا على إدانة المتهم، أما بخصوص قضايا الاحتيال والنصب في قسنطينة، فقد شملت الكثير من السلع على غرار الملابس والنظارات والساعات، الهواتف الذكية، السكنات والأوعية العقارية والسيارات وغيرها، حيث تعرض بأسعار تنافسية تغري الزبون وتدخله وسط المصيدة بكل سهولة. وتستعمل مواقع التواصل الاجتماعي، في قضايا أخرى غير قانونية، بعيدة عن النصب والاحتيال، على غرار قضية عولجت قبل فترة قصيرة من الزمن، لما قام أحد باعة حاملات المفاتيح "بورت كلي" عصري كبير الحجم خاص بوضع مفاتيح السيارات الفخمة، بالترويج لبيع سلعته بوضع مؤثرات عقلية داخل تلك المساحة الخفية، ناشرا فيديو يعرض خلاله طريقة استغلال تلك الحلقات في إخفاء المؤثرات العقلية، عن طريق الضغط على زر وبالتالي يصعب على أي شرطي الانتباه لتلك المساحة عند تفتيش أحد المشتبهين فيهم، وبالتالي يمكن ذلك المنتج من تضليل الشرطة، ليقوم صاحب هذه السلعة للترويج لمنتجه باستعمال المؤثرات العقلية، لتتدخل وحدات الشرطة المعنية وتقوم بتقديمه للعدالة.