تشهد غابة جبل الوحش بولاية قسنطينة، تدهورا كبيرا زاد حدة في الفترة الأخيرة، حيث انتشرت بها النفايات والردوم بشكل غير مسبوق، فيما أدت الحرائق التي عرفتها الولاية قبل أسابيع، إلى انكماش كبير في المساحة الخضراء و تسببت في تحوّل جزء هام من هذه الثروة الطبيعية إلى رماد، زيادة على ذلك، فقد فقدت الغابة الكثير من جمالها جراء جفاف بحيراتها الأربع التي كانت متنفسا للعائلات و مكانا تجتمع فيه مئات الطيور المهاجرة.
غابة جبل الوحش التي تُعتبر رئة ولاية قسنطينة، تتربع على مساحة تقدر بـ 3 ملايين متر مربع، و تحتوي على آلاف الأشجار التي يعود تاريخ غرسها إلى سنة 1855، كما أنها تضم 42 نوعا نباتيا تنتمي إلى 15 عائلة، إلى جانب أنواع حيوانية مختلفة، وقد تنقلت النصر إلى غابة جبل الوحش أول أمس من أجل الاطلاع أكثر على وضعيتها، بحيث مكنتنا الجولة من الوقوف على واقع صادم، فعند وصولنا إلى الغابة و بعد تخطي حظيرة التسلية بأمتار قليلة، أخذت النفايات تكثر شيئا فشيئا، و تمثلت أغلب القاذورات في قارورات المياه المعدنية، و كذا علب البيتزا و الزجاج. كما لاحظنا أن أغلب النفايات لم يمر على رميها وقت طويل، إذ كانت علب الكرتون جديدة، في حين كانت قارورات المياه نظيفة ولا تزال تحتوي على كميات من الماء، وقد قال لنا كهل كان يقوم برياضة المشي بالمكان، إن بعض العائلات التي تزور الغابة خلال عطلة نهاية الأسبوع، تترك أماكنها متسخة ولا يقوم أفرادها بجمع ما يخلفونه من مواد بلاستيكية، كما أن عدم وجود حاويات لجمع القمامة جعل البعض لا يهتم لأمر النظافة بتاتا.
كأن عاصفة مرّت من هنا!
زيادة على هذا فقد لفت انتباهنا أن أغلب الحاويات الموجودة بالمكان قديمة جدا وبعضها أتلفه الصدأ، كما أنها أضحت غير قابلة للاستعمال ووجب استبدالها، شأنها في ذلك شأن أعمدة الإنارة العمومية التي لم يتبق منها سوى الحديد، كما أن المصابيح قد أزيلت بشكل تام بعد أن طالها التخريب، ومن الوهلة الأولى يظهر للزائر أن المكان تعرض لعاصفة خربت كل شيء وأعادت ترتيب كل ما هو موجود بطريقة فوضوية.
كما تحتوي الغابة على عدد من البنايات أولها عبارة عن هيكل إسمنتي غير مكتمل، وقد كتب على الجدار عبارة «للبيع»، فيما يقع المبنى الثاني غير بعيد بالجهة اليمنى من الطريق وقد كان في وقت سابق يستغل من طرف أحد الخواص في عدة نشاطات، قبل أن يطاله الغلق، كما يتضح من المظهر الخارجي لبنايات أخرى أنها كانت مطاعم تقدم خدماتها لزوار الغابة خلال السنوات السابقة، قبل أن تغلق، بعد أن تحوّل المكان إلى وكر للمنحرفين و متعاطي المشروبات الكحولية، و تراجع عدد العائلات الوافدة إليه في الفترة الأخيرة، بعدما كانت الغابة قد بدأت تستعيد زوارها منذ أشهر قليلة فقط، إلى درجة أن بعض الشباب بدأوا يمارسون نشاطات تجارية فوضوية من خلال بيع الحلوى و بعض المأكولات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
إطارات العجلات تحل محلّ الطيور المهاجرة!
أما البحيرات الأربع المنتشرة بغابة جبل الوحش و التي كانت أبرز ما يستقطب الزوار في السنوات الماضية، فقد جفت عن آخرها، فبعد نفوق الأسماك وهجرة الطيور والبط للمكان، حلت محلها النفايات وبشكل خاص إطارات السيارات التي تملأ أرجاء الغابة بشكل ملفت للانتباه.. تواجدنا بالقرب من البحيرة الثانية، تزامن مع مرور قطيع من البقر كانت ترعى بإحدى المساحات من دون أن يرافقها راعٍ، في حين تجمع عدد قليل جدا من المركبات بها شبان وكهول يقوم بعضهم بالجلوس فقط، فيما اتجه عدد آخر بين الأشجار للقيام برياضة الجري.
زيادة على ذلك، فقد كان الصمت يطبق على المكان بسبب الحركة المحتشمة، خصوصا أن زيارتنا لم تتزامن مع نهاية الأسبوع الذي يزيد خلاله عدد الزوار نسبيا، ومع مواصلتنا للتوغل كسر صوت المنشار الكهربائي الهدوء، حيث كان عدد من عمال شركة الهندسة الريفية «الأوراس»، يقومون بقطع الأشجار الميتة وجمع الأغصان الملقاة على الأرض، كما لاحظنا وجود عدد كبير من العمال بين الأشجار و في أماكن متفرقة، وسط انتشار الردوم ومخلفات البناء في أرجاء الغابة، خصوصا في المعابر المعزولة.
الحرائق خلّفت هي الأخرى آثارا رهيبة على غابة جبل الوحش، فبالإضافة إلى بعض بقع الرماد المنتشرة بأماكن متقطعة، تظهر بالجهة العليا للغابة رقعة سوداء عملاقة خلفت وراءها مئات الأشجار المتفحمة، التي لن تعود للطبيعة التي كانت عليها إلا بعد مرور سنوات طويلة جدا، و يبدو أن هذه المخلفات ناجمة عن الحريق الذي وقع منتصف شهر أوت الحالي، عندما أتلفت النيران 6 هكتارات من أشجار الصنوبر الحلبي و الحصيدة، و تم حماية أزيد من 17 هكتارا من الغابة. ودعا زوار غابة جبل الوحش، السلطات المحلية وعلى رأسها الوالي إلى إيلاء اهتمام خاص بالمكان، وذلك من خلال برمجة مشاريع من شأنها الحفاظ على الثروة النباتية بالغابة التي تعتبر رئة المدينة الوحيدة والمتنفس الذي يمكن أن يستقطب مئات العائلات، خصوصا خلال يومي نهاية الأسبوع والعطل، وأوضح بعض المواطنين أن المكان في تدهور مستمر وذلك في ظل غياب مشاريع جادة في المجال الغابي أو البيئي، منذرين بتدهور الوضع إلى مستوى يصبح معه الحفاظ على المساحة الخضراء بجبل الوحش، أمرا في غاية الصعوبة، خصوصا مع تزايد الاعتداءات على الثروة النباتية والإلقاء المتواصل للنفايات.
مشاريع تنتظر التجسيد
محافظ الغابات لولاية قسنطينة أوضح في حديث سابق للنصر، أن هناك مشروعا قطاعيا تشرف عليه مصالحه على مستوى غابة جبل الوحش، يتعلق بتنظيف المحيط و جمع بقايا الأشجار الميتة، مؤكدا أنه المشروع الوحيد حاليا بالحظيرة، في وقت كان الوالي السابق كمال عباس قد أعلن في اجتماع للولاية شهر ماي الماضي، عن مخطط تهيئة شامل يُنتظر أن تخضع له الغابة يشمل إنجاز مطعم و مخبر و متحف بيئي، كما أبدى تحفظه وقتها عن دراسة جاء فيها إدراج مبان جديدة بالحظيرة، حيث أمر باستغلال المباني الموجودة واستعمال مواد رفيقة بالبيئة، إلى جانب استرجاع النباتات وتكييفها مع طبيعة الغابة.
المشروع يضم إنجاز هياكل منها مدخل و مطعم و مخبر و متحف بيئي، و كذا مشتلة و مبنى وكالة الغابات، بالإضافة إلى 283 مكانا مخصصا لركن السيارات، كما تم، حسبما ما جاء في بيان سابق للولاية، تكليف عدد من القطاعات بإجراء خرجات ميدانية للغابة و رفع تقرير مفصل عن وضعيتها، كما طلب الوالي السابق من مديرية الغابات إعداد بطاقة تقنية تخص مد البحيرات بالمياه.
روبورتاج: عبد الله بودبابة