اكتشف، أمس ، الفلسطينيون في أول يوم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، حجم الدمار المهول الذي تعرض له القطاع طيلة 470 يوما من حرب الإبادة الجماعية التي نفذها جيش الاحتلال الصهيوني، وحاول آلاف الفلسطينيين في اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار العودة إلى منازلهم ليكتشفوا حجم الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الصهيونية التي لم تترك شجرا و لا حجرا ومارست سياسة الأرض المحروقة، والدمارالذي لحق كل شارع وكل زاوية في جميع أنحاء القطاع، كما يروي كل مكان في غزة قصصا عن مجازر الاحتلال التي ارتكبت من طرف قوات جيش الاحتلال.
ورغم حجم المآسي والآلام الكبيرة إلا أن سكان غزة خرجوا بعد دقائق من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ليحتفلوا بوقف هذا العدوان والحرب البشعة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، وتفقد الفلسطينيون منازلهم المدمرة التي لم يبق للعديد منها أثرا وسويت بالأرض، مع أمل التشييد والبناء بعد صمود أسطوري على أرضهم، أفشل كل مخططات الكيان الصهيوني بتهجيرهم قسريا إلى خارج قطاع غزة، وبالرغم من التضحيات الكبيرة التي دفعها الشعب الفلسطيني في غزة الذي قاوم الحصار والجوع والقصف والقتل والدمار، خرج من بين الركام يحتضن المقاومة ويعلن انتصاره على الاحتلال الصهيوني الذي مارس كل الأساليب الإجرامية واستخدم كل أنواع القهر والبطش، وجرب كل الأسلحة ليكسر صمود هذا الشعب، إلا أن إرادة الشعب الفلسطيني كانت أقوى من كل ذلك.
وفي الوقت الذي راهن فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي طيلة حرب الإبادة على زرع الفوضى وانهيار النظام في قطاع غزة باستهداف الأجهزة الأمنية والمؤسسات الخدماتية المختلفة، خرج أمس عناصر الشرطة للميدان في كل أنحاء غزة لفرض الأمن والسكينة، في رسالة واضحة للعدو الصهيوني أن السلطة القائمة في غزة قبل العدوان ما تزال نفسها اليوم، وتسهر على فرض الأمن ومواجهة كل مظاهر الفوضى، رغم رهان العدو بشكل كبير على الفوضى طيلة فترة العدوان لانهيار النظام القائم في قطاع غزة. وفي السياق ذاته انتشر أمس مئات العناصر من المقاومة الفلسطينية في مناطق مختلفة من القطاع بسيارات رباعية الدفع في رسالة تحد هي الأخرى للكيان الصهيوني الذي تحدث أكثر من مرة عن تدمير جميع قدرات المقاومة، كما ظهر رجال كتائب القسام في ساحة السرايا الرمزية في وسط قطاع غزة، حيث سلمت فيها ثلاث أسيرات صهيونيات للصليب الأحمر الدولي وسط حضور حشود كبيرة من المواطنين الذين احتفلوا بوقف الحرب والتفوا بمقاومتهم التي صمدت في وجه الاحتلال وكبدته خسائر كبيرة طيلة 15 شهرا من العدوان.
وأفرجت أمس حركة حماس على ثلاث أسيرات صهيونيات وفق ماهو متفق عليه ضمن اليوم الأول من صفقة التبادل، حيث سلمتهن كتائب القسام للصليب الأحمر الدولي قبل تحويلهن لجيش الاحتلال، وفي الوقت ذاته نشرت حماس أمس قائمة أسماء الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون الاحتلال، مقابل الإفراج عن ثلاث أسيرات صهيونيات، ويتعلق الأمر ب 90 أسيرا منهم 69 امرأة و21 طفلا، من بينهم 79 أسيرا من الضفة الغربية و14 من القدس، ويتواجد من بينهم صحفيات وناشطات إحداهم خالدة جزار القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وعلى الجانب الإنساني دخلت أمس عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح محملة بالطرود الغذائية، والمياه، والأفرشة، وذلك في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تضمن هذا الاتفاق إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا من أجل التخفيف من معاناة السكان بعد 15 شهرا من الحصار والتجويع والدمار والقتل.
انتشال 41 شهيدا من تحت ركام المنازل المدمرة في غزة
أعلنت السلطات الصحية في قطاع غزة، أمس الأحد، عن انتشال 41 شهيدا من تحت ركام المنازل المدمرة في قطاع غزة من قبل الاحتلال الصهيوني، مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح أمس الأحد.
وأكدت المصادر ذاتها وجود آلاف الشهداء والمفقودين لم يتم انتشالهم خاصة في مناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ورفح، لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لعملية الحفر والانتشال.
في سياق متصل، يواصل آلاف النازحين الفلسطينيين العودة لمناطق سكناهم المدمرة، وسط حالة ذهول وصدمة من حجم الدمار الكامل الذي أحدثه الاحتلال في المنازل والمباني السكنية طيلة 16 شهرا من حرب الابادة على غزة.
و قد خلفت حرب الإبادة الصهيونية التي استمرت 15 شهرا، أكثر من 157 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة، في إحدى أبشع الكوارث الإنسانية بالعالم.
وعلى مدى 15 شهرا متواصلة تعرض قطاع غزة إلى حرب إبادة كاملة نفذها جيش الاحتلال حيث ارتكب مجازر يومية لم تسلم منها المنازل ولا المستشفيات ولا المدارس ولا حتى مواقع النزوح التي دعا الاحتلال إلى التوجه إليها زاعما أنها «مناطق آمنة»، لكنه قصفها، ما تسبب في ارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء وتسجيل أكثر من 110 آلاف مصاب، بالإضافة إلى المفقودين والمهجرين والخسائر المادية التي طالت الممتلكات الخاصة والبنية التحتية للقطاع.
ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فإن المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني لا يمكن أن تمحى من التاريخ و من ذاكرة الأجيال، كونها «حرب إبادة كاملة».
ووفقا للهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، فقد ارتكبت قوات الاحتلال خلال 15 شهرا من العدوان آلاف المجازر، استهدفت خلالها المنازل والمدارس ومراكز إيواء النازحين وأماكن التجمعات والمساجد والكنائس، وهو ما هدد سكان القطاع بالكامل.
وتسبب العدوان في تهجير أكثر من 85 بالمائة من مواطني قطاع غزة أي ما يزيد على 1.93 مليون مواطن من أصل 2.2 مليون، من منازلهم بعد تدميرها. كما غادر القطاع نحو 100 ألف مواطن منذ بداية العدوان.
ويعيش نحو 1.6 مليون من مواطني القطاع حاليا في مراكز إيواء وخيام تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، وسط دمار هائل وغير مسبوق في البنى التحتية والممتلكات، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80 بالمائة من قطاع غزة مدمر.
نورالدين ع