* بداية العلاج السياسي و القانوني والتاريخي للملف
أكد مؤرخون وباحثون، أمس، أن المطالبة باسترجاع الأرشيف جد مهمة ، سواء من الناحية السياسية أو التاريخية و الاقتصادية، كما ثمنوا استرجاع رفات المقاومين الجزائريين واعتبروها خطوة تاريخية ويرون أنه إذا توفرت الظروف يمكن إلى حد بعيد استرجاع جزء كبير من الأرشيف، كما أشاروا إلى مختلف ملفات الذاكرة العالقة ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي و ما نهبته فرنسا وأيضا الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري و التفجيرات النووية التي ما زالت آثارها إلى اليوم ، و اعتبروا أن ملف الذاكرة سيأخذ ديناميكية مستقبلية من خلال التفاعل معه بأكثر جدية من قبل الدولة الجزائرية .
واعتبر المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث في تصريح للنصر، أمس، أن استرجاع رفات 24 من المقاومين الجزائريين، خطوة تاريخية ، و أشار إلى أنه يوجد في حوزة الفرنسيين536 رأس مقطوعة لجزائريين معلومين، معتبرا أن هذه هي الخطوة الأولى في رحلة المليون ميل ، لأن ما بيننا وبين الفرنسيين هي حسابات كبيرة جدا -كما قال - تبدأ من الملف السياسي ، وهي اعتذار فرنسا صراحة للدولة الجزائرية التي اعتدت عليها ذات يوم في 5 جويلية 1830 .
وأيضا الملف الاقتصادي ، ففرنسا نهبت بلدنا ونهبت خزانة الداي والتي كانت معلومة بدقة متناهية حسب ما هو مكتوب في تقارير الفرنسيين، حيث أخذوا من الجزائر العاصمة لوحدها 5 سفن ، واحدة ذهبت إلى لندن إلى شارل العاشر و4 سفن ذهبت عن طريق إيطاليا إلى طولون ، فعلى الفرنسيين -كما أضاف- أن يعيدوا لنا ما نهبوه وما سرقوه من خزائن دولة الجزائر في أيام الداي حسين، معتبرا في هذا الإطار أن الجانب الاقتصادي يبقى مهم جدا.
كما أشار إلى ملف الذاكرة المتعلق بالجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري ، جرائم الإبادة الجماعية للسكان في البليدة ، العوفية ، بني صبيح ، الأغواط ، الزعاطشة ، والمحرقة الكبرى في 8 ماي 1945 والتي أتت على 45 ألف جزائري والتي لا تغتفر للفرنسيين أبدا .
كما تطرق المؤرخ والأكاديمي، إلى الجرائم التي لا تزال آثارها موجودة إلى اليوم وهي التفجيرات النووية في 13 فبراير1960 ، وأيضا الجرائم المتعددة بين 1954 إلى 1962 ، الأسلاك الشائكة ، الملايين من القنابل المضادة للأفراد والآليات و تدمير الأرض الجزائرية أثناء زرع هذه الألغام. و أضاف أن هذه الملفات كلها يجب أن ترتب ترتيبا جيدا بيننا وبين الفرنسين.
واعتبر الباحث أن عملية استرجاع رفات 24 من أبطال المقاومة كانت وراءها الدولة والمجتمع المدني وهناك شخصيات وأسماء معلومة جدا أحرجت الدولة الفرنسية بالعرائض وبالكتابات الرسمية، مشيرا في هذا الصدد إلى أساتذة في الأنثروبولوجيا ويأتي على رأسهم إبراهيم سنوسي وأساتذة وناشطين من بسكرة والعاصمة ووهران وغيرها .
ومن جانبه أوضح الباحث ناصر لمجد في تصريح للنصر، أمس، أن من بين ملفات الذاكرة العالقة، ملف الأرشيف خلال الحقبة الاستعمارية، ومنه ما هو إداري وما يتعلق بالمقاومة والثورة التحريرية و الأرشيف الذي تم تهريبه إلى فرنسا والمتعلق بالتراث الثقافي الذي كان موجودا في خزائن المساجد والزوايا .
ومن الملفات العالقة أيضا ما يتعلق بالمخططات المتعددة المتعلقة بالهندسة المدنية وقنوات المياه وملفات أخرى تخص المعادن والاكتشافات الموجودة والثروات الباطنية و أيضا ملفات متعلقة بالأشخاص خلال الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب التحرير .
كما تطرق الباحث إلى قضية الخرائط التي تم استرجاعها حول أماكن زرع الألغام عبر الحدود، موضحا أن فرنسا أرجعت جزء فقط من هذه الخرائط، كما أن عملية إزالة الألغام بينت أن هذه الخرائط المسترجعة لم تكن مطابقة في غالب الأحيان مع الواقع، حيث أودت هذه القنابل بحياة الأشخاص، ومازالت إلى غاية اليوم تتسبب في سقوط ضحايا و من جهة أخرى وبالنسبة للملف الإداري، -كما أضاف- فإن فرنسا ما زالت متحفظة على هذا الملف على أساس أن هذه الوثائق مشتركة بين الطرفين، كما هناك نوع آخر من الملفات وهي تلك المتعلقة بالجزائريين الذين شاركوا إبان الحرب العالمية الثانية، بحيث أن جزء كبير منهم لا نعرفه ولا نعرف أين توفوا ومكان دفنهم، فهذه الحقبة من التاريخ تبقى مجهولة لحد الآن، كما أن رفات شهداء أبطال في الثورة التحريرية لا نعرف مكانها ، ونذكر أن عبد الرحمان ميرة يجهل أين توجد رفاته ، وأيضا رفات الجزائريين الذين تم نفيهم إلى كالودينيا الجديدة ، فهناك من تم نفيهم وأيضا من تمت تصفيتهم .
وفي هذا الإطار، أكد الباحث أن المطالبة باسترجاع الأرشيف جد مهم بالنسبة إلينا سواء من الناحية السياسية أو التاريخية وحتى من الناحية الاقتصادية .
ومن جهة أخرى، أشار إلى التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الجزائر، كما أن الجزائريين و الذين كانوا في السجون وأجرت عليهم فرنسا تجارب في إطار تفجير قنابل نووية، يبقى عددهم وهويتهم غير معروفة.وقد نوه الباحث بالإنجاز المحقق باسترجاع رفات المقاومين الجزائريين وأضاف في هذا السياق أنه إذا توفرت الظروف يمكن إلى حد بعيد استرجاع جزء كبير من الأرشيف .
وقال في هذا الإطار، إن فرنسا تتجه تدريجا للاعتراف بجرائمها في الجزائر، وأضاف أن استرجاع جماجم الشهداء هو خطوة للاعتراف بجرائمها، وتبقى قوة المفاوض الجزائري هي الأساس، مضيفا أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وفي ظرف وجيز حقق هذه النتيجة باسترجاع رفات المقاومين الجزائريين والتي لم يحققها رؤساء من قبله.
ومن جانبه، أكد المحلل السياسي الدكتور فاتح خننو في تصريح للنصر، أمس، أن كل الملفات المتعلقة بالذاكرة تشكل نقاط حساسة للجزائريين، لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، وأضاف أننا بدأنا الخطوة الأولى باسترجاع 24 من رفات وجماجم شهداء المقاومة والتي تعد بمثابة المسار الأول الذي ستتبعه مجموعة من المسارات الأخرى التي سيتم من خلالها معالجة ملف الذاكرة المتعلق بالتاريخ الوطني.
ويرى أن ملف الذاكرة سيأخذ ديناميكية مستقبلية من خلال التفاعل معه بأكثر جدية من قبل الدولة الجزائرية.
من جهته أكد «مصطفى بيطام» المدير السابق للمتحف الوطني للمجاهد «للنصر»، إن استرجاع المجموعة الأولى لرفات قادة المقاومة الشعبية هو نتيجة لتمسك الشعب بالذاكرة، وهو خطوة جد هامة نحو انتزاع مطالب الجزائر اتجاه السلطات الفرنسية فيما يتعلق بملف الذاكرة الوطنية، بعد الانتقال من التجاذبات الإعلامية حول هذا الملف إلى التجسيد الميداني، بفضل إصرار بارز من قبل السلطة والشعب معا على تسوية كل ما يتعلق بالذاكرة، من بينها استعادة رفات الشهداء المحفوظين بمتحف الإنسان بالعاصمة الفرنسية باريس.
وتوقع الأستاذ بيطام أن تتبع علمية استرجاع 24 رفات لرموز المقاومة الشعبية بخطوات أخرى لا تقل أهمية، ستكون لها علاقة بملف الأرشيف الوطني، لأن هناك المئات من الرفات لشهداء المقاومة الشعبية ما تزال موجودة بفرنسا، لاسيما وأن الشعب الجزائري يعتقد بأن استقلاله سيظل ناقصا إن لم يتم تسوية المطالب المرتبطة بالذاكرة.
ويؤكد المدير السابق للمتحف الوطني للمجاهد أن العملية لم تكن عفوية، وإنما تحققت بفضل إصرار الشعب والسلطة على التعاون لاسترجاع الأرشيف المتعلق بالثورة ورفات شهداء المقاومة، غير مستبعدا الإعلان قريبا عن خطوات أخرى ستأتي، هي دليل على تمسك القيادة العليا للبلاد والأسرة الثورية والشعب عامة على عدم نسيان ما يتصل بالذاكرة، والدليل على ذلك إقرار يوم 8 ماي يوما وطنيا للذاكرة.
وفسر المتدخل تأخر استرجاع الرفات إلى اليوم، بمخاوف كانت تخفيها السلطات الفرنسية من أن تدينها جرائم الاستعمار أمام المحاكم الدولية، وأن يتم متابعتها على ما اقترفته أيادي الاستعمار في حق الشعب الجزائري، لذلك كانت دائما تحاول التماطل والتملص، «لكنها استسلمت اليوم أمام إصرار الشعب الجزائري، فما ضاع حق وراء طالب».
ويصف من جانبه الأستاذ عامر رخيلة استعادة الرفات بالخطوة الإيجابية، وهي تحمل رمزية خاصة لتزامنها مع الاحتفال بعيد الاستقلال، وكذا لطبيعة الجهة التي كلفت باسترجاع الرفات، وأيضا للسرية التامة التي أحاطت بالعملية، وأيضا للتاريخ الذي اختير موعدا لاستعادة الرفات وهو 3 جويلية المصادف لتاريخ الاستفتاء حول تقرير المصير.
ويرى المتحدث بأن الحدث التاريخي الذي تعيشه الجزائر هو خطوة فعلية نحو تجسيد المطالب المطروحة منذ سنوات، لا سيما منذ العام 2011، قبل أن تعود إلى الركود، معتقدا بأن الجانب الجزائري كان له الدور الفعال في تسريع العملية بعد أن تم تحييد الأطراف التي كانت تعرقل تحقيق هذا الهدف في عهد النظام السابق، لان ملف الذاكرة طرح مرارا على مستوى قبة البرمان دون أن يحقق خطوات ملموسة، وكان مسؤولون يصرحون بأن الملف طوي.
وربط الأستاذ رخيلة هذا الإنجاز الهام بالوعود الانتخابية التي قدمها رئيس الجمهورية وحرص على تنفيذها بعد توليه مقاليد الحكم، من بينها إقرار يوم للذاكرة الوطنية، وفي اعتقاده فإن هذه التحركات والقرارات كان لها تأثيرا على الجانب الفرنسي الذي أضحى يدرك جيدا بأن تغيرات هامة تشهدها الجزائر، مما اضطرها إلى التخلي عن التسويف، والتصدي للضغوط التي كانت تواجهها في الداخل لدفعها إلى عدم تلبية مطالب الجزائر بشأن الأرشيف.
ويصر المتحدث بأنها لن تكون الخطوة الأولى والأخيرة، بل هي بداية مرحلة العلاج القانوني والسياسي والتاريخي العقلاني ما بين الطرفين الجزائري والفرنسي لملف ظل يؤثر على العلاقات ما بين البلدين، قائلا إذا كانت فرنسا حريصة على مصالحها الاستراتيجية في الجزائر، عليها أن تستجيب للمطالب المتعلقة بالذاكرة، في حين أنه على الجزائر التمسك بمبدأ الندية في تسوية هذا الملف الشائك، بصفتها دولة ذات سيادة وعضو في المجتمع الدولي. مراد - ح