استغرب القاضي رئيس جلسات الاستئناف في قضية رجل الأعمال علي حداد من المبالغ المالية المهولة التي تضمنها الملف، وطلب إيجاد تبرير لها وللعقارات والمشاريع التي أسندت لمجمع المتهم على حساب العشرات من الشركات المختصة في الأشغال العمومية، دون أن يتلقى ردا مقنعا، بسبب إطناب المتهم في شرح الإجراءات التقنية، ومحاولته استعطاف القاضي شاكيا قساوة الحكم ومرارة الحبس وصعوبة التجرد من الممتلكات بين ليلة وضحاها.
إطناب في الشرح التقني على حساب الوقائع
أفرد قاضي رئيس جلسة الاستئناف في قضية رجل الأعمال علي حداد في اليوم الخامس على التوالي، حيزا واسعا للمتهم الرئيسي ليرد عل جملة التهم التي يواجهها، وليبرر التجاوزات بالجملة المرتكبة للحيازة على الصفقات وفي تنفيذها، ولما سأل المتهم عن مصنع الإسمنت بغليزان وعن القرض بقيمة 15 مليار دج الذي حصل عليه المتهم علي حداد لتنفيذ المشروع، وعن سبب عدم تقديم القطعة الأرضية التي كانت ستحتضن المشروع كضمانة للبنك، تحجج المتهم بكون القطعة محدودة المساحة أي في حدود 78 هكتارا، وقيمتها لا تساوي القرض، ورغم إلحاح القاضي على المتهم للحصول على تفسير واضح، راح المتهم يسترسل في سرد الإجراءات التقنية التي تسبق تنفيذ أي صفقة.
كما خابت جهود القاضي الذي أظهر تحكما جيدا في الملفات ذات الطابع الاقتصادي، في فهم خلفية ارتفاع تكاليف ملعب تيزي وزو، الذي يتسع لأزيد من 50 ألف مقعد، حيث تم في البداية تحديد تكاليف الإنجاز بـ 32 مليار دج، لترتفع بـ 11 مليار دج إضافية بدعوى إنجاز ملحقات أخرى، وتساءل القاضي عن سبب عدم تفعيل عقوبة التأخير، علما أن المشروع انطلق في سنة 2009، سائلا المتهم:» ألم تكن تصلكم إعذارات؟»، كما حاول رئيس الجلسة فهم سبب انسحاب الشركة الإسبانية « أف سي سي» من المشروع، غير أن المتهم اكتفى بالتحجج ببعض العراقيل التي أخرت انطلاق الأشغال بـ 3 سنوات، منها تعطل عملية إزالة خطوط الكهرباء وقنوات المياه، وكذا تأخر إجراءات نزع الملكية، وسوء الأحوال الجوية، ونقص مواد البناء، فضلا عن مواجهة مشاكل أمنية، فضلا عن تأخر دفع المستحقات لفائدة المجمع.
الشركة اللغز أف سي سي انسحاب في آخر لحظة من المشروع
وعلى غرار المشاريع السابقة التي دخلت فيها شركة أف سي سي كطرف في المناقصات إلى جانب مجمع المتهم علي حداد، لتنسحب فيما بعد تاركة المجال واسعا أمام المجمع، انسحبت ذات المؤسسة بطريقة مفاجئة أيضا من إنجاز مشروع ملعب تيزي وزو، وبحسب المتهم الرئيسي في القضية فإن انسحابها كان من مجمل المشاريع بعد أن حصلت على عروض أفضل في الخارج، وأن مجمعه هو الذي تكبد الخسارة من وراء تجسيد المشروع بسبب عدم تلقيه كافة مستحقاته المقدرة بـ 100 مليار سنتيم.
طريق الأخضرية البويرة مقطع الموت
ولما وصل القاضي إلى ملف الطريق السيار في شطره الرابط ما بين الأخضرية والبويرة، الذي تسبب في عديد من الحوادث الخطيرة بسبب العيوب والنقائص التي طالت المشروع، أظهر المتهم ارتياحا كبيرا للفرصة التي منحت له ليشرح بالتفصيل ملابسات تنفيذ الصفقات التي أسندت له، بدعوى أنه لم يحظ بهذا خلال مراحل التحقيق.
وقال المتهم إنه يعرف المنطقة جيدا وكان يعبرها مرتين أسبوعيا وكلما يمر بها كان يحبس أنفاسه من شدة الخوف، مبررا هذه الوضعية بأن الطريق كانت جد متدهورة بسبب وقوعها بمنطقة جبلية وتحتوي على كثير من مياه الينابيع، وأن المشروع انطلق أول مرة في العشرية السوداء وأسند بداية للمجمعين كوسيدار وسوناطرو اللذين اعتمدا على تقنية جلب الحجارة من الوادي ووضعها في الطريق، ما يفسر حسب المتهم انحدارها فيما بعد وتدهورها، قائلا للقاضي بأنه عند استلام المشروع وجد الأرضية في حالة كارثية، وأن مجمع كوسيدار كان الوحيد الذي يحوز على كل المشاريع رغم التقارير السلبية التي كانت تصدر ضده.
وأضاف المتهم بأن إعادة تهيئة هذا الشطر تمت بالشراكة ما بين مجمعه وكوسيدار، بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للطرق السريعة، وأنه نظرا إلى التضاريس الوعرة عرف المقطع 12 انزلاق بعضها بعمق 8 أمتار، مما دفع إلى توقيف المشروع لمدة سنة، وبحسبه فإن مجمعه تعامل مع الوكالة الوطنية للطرق السريعة بمهنية واحترافية.
ورد علي حداد على اتهامه بالاستحواذ على المشاريع وبالوشاية لصالحه للفوز بالصفقات، عبر إفشاء قيمة العروض التي كانت تقدمها شركات منافسة، بالنفي التام، وحلف باليمين أمام القاضي بأنه لم يتعامل أبدا بهذا الأسلوب، وأن فوزه بالصفقات يعود إلى ريادته في مجال الأشغال العمومية وحيازته على العتاد والوسائل المتقدمة.
كما عرج القاضي على مشروع إنجاز خط السكة الحديدية ما بين تيسمسيلت وغليزان، الذي عرف تأخرا وعيوبا عديدة، والذي أسند إلى مجمع المتهم وكذا الشركة الأجنبية أف سي سي قبل أن تعلن انسحابها، ليطنب المتهم في شرح التفاصيل التقنية، قائلا إنه بالعكس أدخل للخزينة 200 مليون أورو و جنب الجزائر التحكيم الدولي، وأن تقدم الأشغال كان عند نسبة 15 بالمائة في عهد الشركة الأجنبية، لتسير بوتيرة متسارعة بعد انسحابها واستلامه المشروع.
عقارات بالهكتارات عبر أغلب الموانئ
وبخصوص العقارات التي حاز عليها المجمع عن طريق الامتياز، برر المتهم حيازته على كل القطع الأرضية التي كان يطلبها، بأنه كان يتقدم بطلبات إلى إدارة الموانئ المعنية من بينها ميناء العاصمة وجن جن وعنابة وتنس، لاستغلال الأرصفة المتواجدة على مستواها، دون أن يكون له دخلا في الإجراءات الإدارية وكذا في صلاحيات الوزارة الوصية، ولما استفسر القاضي عن خلفية حصوله على القطع الأرضية بهذه السهولة، قال:» سيدي القاضي أنا مستثمر لم آخذ شيئا خارج إطار القانون، كل الإجراءات تمت في إطار الإدارة الجزائرية».
وحاول المتهم استعطاف القاضي، قائلا إنه لم يهضم إلى غاية اليوم سبب الحكم عليه بـ 18 سنة حبسا نافذا، في حين تم الحكم على الفارين بـ20 سنة، «يعني لا فارق بيننا، هذا كثير علي، مع أني أمام العدالة لأبرر وأشرح وأناقش بمصداقية وحرية»، ليضيف: «صادروا حتى البيت العائلي وصرنا جميعا دون مأوى»
وحاول المتهم استغلال سعة صدر القاضي، بعد 5 جلسات متواصلة، ليستعطفه مرة أخرى، قائلا:» أنا مستعد للبقاء شهرا كاملا لأبرر، 18 سنة حبسا نافذا مع المصادرة ليست هينة، حتى المسكن العائلي صودر وبات الجميع في الشارع، حتى الأطفال الرضع، أنا لم أتقبل هذا إلى اليوم، كل شيء ضاع، حتى ما بناه والدي من خلال غرس الجزر والبطاطا والدكان البسيط الذي كان يمكله ضاع».
وتوجه المتهم للقاضي ثانية، قائلا إن المصادرة مؤلمة جدا، وزد عليها إلزامه بتعويض قيمة المشاريع التي أنجزت، حتى تلك التي شارك فيها أجانب قبل أن يغادروا الجزائر.
القاضي: لأول مرة أقرأ رقما لكني لم أفهمه هل بالدينار أم بالسنتيم
وهنا عقب عليه القاضي متأسفا لهول ما صادفه في القضية من معطيات، لدرجة أنه عجز عن قراءة مبلغ ضخم واضطر للاستعانة بمستشاريه للتأكد ما إذا كان بالدينار أو السنتيم، مبديا تفهمه للوضع النفسي للمتهمين لأن عقوبة الحبس ليست سهلة « لكن القانون هو القانون»، ليستطرد المتهم في شرح غير مجدي لخلفيات حصوله على عشرات العقارات بالهكتارات في أغلب الولايات، من بينها العاصمة بومرداس وهران، متحججا بتوسيع مشاريعه الاستثمارية مطنبا في التذكير بالإجراءات التقنية، إلى درجة طلب منه القاضي الاختصار والرد بجمل مباشرة ومفيدة دون تفاصيل.
قروض بالملايير ورشوة بـ5 ملايين دولار لبوشوارب
ولما وصل القاضي إلى ملف القروض الضخمة التي حصل عليها المجمع، من بينها 702 مليار دج، رد المتهم بأنه ليس مبلغا ضخما فهو يعادل فقط 6 ملايين دولار، استغله في تنفيذ مشاريعه، وبرر العقارات التي حصل عليها من شقق وفيلات بعضها تقع في أرقى أحياء العاصمة، باقتنائها على فترات متباعدة، بما في ذلك اقتناء فندق بإسبانيا بقيمة 54 مليون أورو.
وفيما يتعلق بمبلغ 5 ملايين دولار الذي منحه المتهم لبوشوارب مقابل الحصول على مصنع الإسمنت بسطيف، أنكر علي حداد ذلك، بدعوى أن الولاية تحوز على مصنع واحد للإسمنت هو تابع للمجمع العمومي جيكا.
المتهم يتراجع عن أقواله وينكر تمويل الحملة الانتخابية
وعن تمويل الحملة الانتخابية، ومنحه مبلغ 75 مليار دج لمديرية الحملة الانتخابية للرئيس المستقيل، لتمكينه من عهدة خامسة، قال المتهم إنه لم يكن مسؤولا على جمع الأموال، ليقاطعه القاضي:» هل شاركت في تمويل حزب سياسي؟»، ليرد المتهم بلا، وقال إنه لم يمول يوما لا حزب سياسي ولا حملة انتخابية، ورد عليه القاضي متعجبا:» إذا من أين جاء مبلغ 75 مليار دج»، ليجيبه المتهم بأنه لا يعلم عنه شيئا لأنه لم يكن مكلفا بالمالية في مديرية الحملة، وأن من كان يتولى هذه المهمة هو السيناتور المرحوم محمد شايد، وأن كل ما قام به هو تحويل الصك البريدي من المتعامل أحمد معزوز إلى مدير الحملة.ليختتم بعدها القاضي الجلسة، على أن يتم غدا السماع إلى مرافعة الطرف المدني ممثلا في الخزينة العمومية ووزارة الصناعة، والتماسات النائب العام.
لطيفة بلحاج