دعا المشاركون في مؤتمر وزراء التعليم العالي والبحث العلمي الذي انطلقت أشغاله أمس بالجزائر، إلى استحداث تصنيف عربي للجامعات بمعايير تراعي خصوصيات البلدان العربية، لتمكينها من تحسين قدراتها في مجال البحث العلمي، كما اقترحوا إنشاء إطار عربي للمؤهلات أو لمعادلة الشهادات، لتسهيل تنقل الكفاءات داخل العالم العربي.
أثار المشاركون في المؤتمر الثامن عشر للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي المقام بالجزائر، قضية التصنيف العالمي للجامعات العربية مؤكدين بأن العملية تخضع لمعايير غير موضوعية ولا تنطبق مع طبيعة البلدان العربية، واقترحوا إدراج معايير جديدة تستجيب للخصوصية العربية، وتمكن البلدان العربية من مقارنتها نفسها بجامعات أجنبية.
تصنيف عربي للجامعات بمعايير موضوعية
وأكد في هذا الشأن الدكتور عبد المجيد بن عمارة ممثل مشروع إعادة التصنيف بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بأن مشروع التصنيف العربي للجامعات يعتمد على أربعة محاور رئيسية، وهي البحث العلمي والتعليم والتعلم والإبداع والريادية والابتكارات وكذا المشاركة المحلية والدولية.
وبحسب المتدخلين في جلسة أمس، فقد حان الوقت لإعادة النظر في معايير جودة التعليم العالي لتحسين مستوى البحث العلمي في العالم العربي، مؤكدين بأن التصنيفات الأجنبية لا تعتمد على العمل الميداني، وتستقي معطياتها مما ينشر عبر الفضاء الأزرق.وأضاف بهذا الخصوص الدكتور محمد خني مدير إدارة التكنولوجيا والاتصال بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو»، بأنه من أهداف المؤتمر مناقشة المشروع العربي لتصنيف الجامعات، فضلا عن مشروع الإطار العربي الموحد للمؤهلات، أو ما يعرف لدينا بمعادلة الشهادات الجامعية، لتسهيل تنقل الكفاءات بين الدول العربية.
وأكد المتدخل بأن المؤتمر يتطرق أيضا إلى المشروع الاستراتيجي الخاص بالمنظومة العربية الموحدة القائمة على «بلوك شاين» لحماية والتصديق على الشهادات العربية، لضمان تنقل الطاقات والكفاءات بين الجامعات العربية ومساعدة المؤسسات المشغلة على التحقق من صحة الشهادات وأصالتها، وهو المشروع الذي سيدخل الدول العربية إلى عالم الذكاء الاصطناعي.
وأفاد المتدخل أيضا بوجود تصنيفات عدة للجامعات العربية، من بينها تصنيف «تشنغهاي»، وهي في مجملها لا ترتب الدول العربية بطريقة منصفة ولا تراعي خصوصيتها، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار المنشورات العلمية الصادرة باللغة العربية، لذلك يتم وضعها في ذيل الترتيب العالمي، لأن جل التصنيفات الدولية تعتمد اللغة الإنجليزية، مشددا على ضرورة رد الاعتبار للغة العربية باعتبارها لغة علوم وحضارة.ويطمح المشاركون في المؤتمر 18 لوزراء التعليم العالي العرب إلى الخروج بتصنيف عربي جديد ستطلقه «الألكسو» في ختام أشغال هذه التظاهرة التي تقام بالجزائر وتستمر فعاليتها إلى يوم غد، قصد السماح للجامعات العربية بالتنافس الشريف بينها ومع باقي الجامعات الأجنبية.
إقحام القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي
كما انصب جزء هام من النقاش الذي دار أمس بين الخبراء حول أهمية توسيع مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البحث العلمي، وأكد بهذا الخصوص الدكتور «سعود المطيري» ممثل المملكة العربية السعودية، على أهمية تفعيل دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي، لأن جل البحوث تتم على المستوى الأكاديمي، الأمر الذي يتطلب البحث عن مصادر تمويلية دائمة لتطوير البحوث العلمية.
وقال من جهته بوعلام سعداني مدير التعليم والتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بأن المؤتمر سيبحث كيفية معالجة إشكالية تمويل البحوث العلمية، إلى جانب إشكالية مقروئية الجامعات العربية وترتيبها على المستوى الدولي.وانتقد جل المتدخلين ضعف مشاركة القطاع الخاص في ترقية البحث العلمي بالدول العربية، ووصفوا مساهمته بالمتدنية، مقارنة بالقطاع العمومي، واقترحوا استحداث آلية لتشجيع الخواص على ضمان تمويل دائم ومستمر للبحث العلمي.
قاعدة بيانات حول واقع التعليم العالي بالوطن العربي
كما آثار المشاركون إشكالية شح المعطيات المرتبطة بواقع التعليم العالي في البلدان العربية، وبحسب الدكتور جمال زغيب من ليبيا، فإن صعوبات جمة تعيق جمع الأرقام فيما يخص مستوى القبول في قطاع التعليم العالي، وهو ما أثاره أيضا ممثل دولة الإمارات المتحدة الذي أكد صعوبة تقصي البيانات.
واقترح من جانبه مدير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور طاهر صحراوي مقارنة عدد المنشورات العلمية للجامعات العربية بعدد الباحثين وليس السكان، إلى جانب اعتماد مؤشر مدى مساهمة الباحثين العرب في المنشورات العلمية بالجامعات الغربية، وفي براءات الاختراع العالمية.كما شدد المصدر على ضرورة مراعاة خصوصية كل دولة عربية عند تقييم مستوى البحث العلمي، قائلا إن الجزائر بلد قارة وهي تعمل على تعميم البحث العلمي عبر كل القطر، لذلك يستحيل المقارنة بين البلدان العربية في مجال تعميم البحث العلمي وجودة التعليم العالي دون الأخذ بعين الاعتبار جميع هذه الخصوصيات.وأيد هذا الطرح الدكتور جمال زغيب ممثل وزارة التعليم العالي الليبية، قائلا إن تقييم البحث العلمي في الدول العربية يحتاج إلى إعادة النظر في المعايير المعتمدة، بسبب وجود عناصر غير عربية ضمن عدة جامعات تساهم في البحث العلمي وتعمل على رفع درجة تصنيفها.واقترح المتحدث أيضا تنسيق الجهود لتوفير وسائل البحث العلمي في الإطار العربي، وهو ما أثاره أيضا ممثل وزارة التعليم بدولة فلسطين الدكتور رائد بركات، الذي تأسف لتشتت الجهد العربي في مجال البحث العلمي، مقترحا اتفاقات توأمة بين الجامعات العربية للاستفادة من خبرة البعض.
في حين أيد مشاركون آخرون انفتاح الجامعات العربية على العالم، من خلال استقطاب باحثين من جامعات غربية، ورفضوا انتقادها بسبب إنتاجها العلمي الغزير الذي حسن مستوى تصنيفها دوليا.
وخلص المتدخلون إلى أهمية الخروج بتوصيات تفيد البحث العلمي في الدول العربية، من خلال تحديد الأولويات في كل بلد عربي، وتحديد إطار عربي للمؤهلات لتسهيل التنقل داخل العالم العربي، وقياس جودة الشهادات، فضلا عن أهمية دراسة متطلبات سوق العمل حتى يتناسب التكوين مع احتياجات القطاع الاقتصادي.
وأكد المشاركون بأن قرار تفعيل آلية التنسيق والتعاون العلمي في مجال البحث العلمي يجب أن يتخذ من قبل وزراء قطاع التعليم العالي خلال المؤتمر، مع ضرورة إعطاء أهمية أكبر للعلوم الإنسانية والطبية التي ما تزال حصتها جد ضعيفة بالمنشورات العلمية التي تصدرها الجامعات.
لطيفة بلحاج