تتميز الدراما العربية الرمضانية هذا العام، بعرض عمل سوري يروي قصة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، فوجد نفسه في مواجهة ضوضاء المسلسلات التي تستعيد كليشيهات القصص الاجتماعية، في بناء خيالي قوامه المؤثرات و اللعب على مشاعر المُشاهد التّواق إلى التسلية، بالإضافة إلى البرامج الكوميدية و الكاميرا الخفية.
ويُحسب للقناة الجزائرية الأرضية، أنها راهنت على عمل تاريخي حول سيرة شخصية كبيرة من الحضارة الإنسانية و الإسلامية، في ظل منافسة قوية من القنوات التلفزيونية الجزائرية الخاصة، على تسويق مسلسلات درامية تستحوذ على اهتمام المشاهد في ساعات فراغه و تُغريه بمواضيع اجتماعية قريبة من الطابوهات التي يتابعها الكثيرون، رغم استنكار طرحها، وهو ما يمكن استقاؤه من التناقض بين عدد المشاهدات العالية لهذه البرامج وعبارات الانتقاد اللاذع في التعليقات.
لا تزال الدراما المشرقية تحدد مواضيع نظيرتها الجزائرية، فبعد أن خبا وهج المسلسلات المستندة إلى حكايات الحب الكلاسيكية التي تجسد في أغلبها الصراع بين طبقتين اجتماعيتين، تحاول إحداهما الانفصال عن الأخرى دون التوقف عن استغلالها، إلى أن تربطهما هفوة الحب بعقدة جديدة بعيدة عن النزاع، دخلت الدراما العربية سجلا “مُركّبا” لا يخلو من الحبكة القديمة، لكنه يطفو على سطح المشاكل الاجتماعية التي تغلب عليها الانحرافات و الجريمة. و قد برز تأثر الأعمال الجزائرية بهذا النوع “الجديد” في الإنتاج الرمضاني لهذا العام على وجه الخصوص.
طرقت سوريا هذه المرة باب المشاهد من زاوية التاريخ، حيث ظهرت ثلة من الفنانين المشاهير في مسلسل “مقامات العشق”، الذي يجسد سيرة العالم الذي جمع بين العقل والروح محيي الدين بن عربي، ورغم أن العمل لم يتجاوز الحلقات الأولى، إلا أن العارف بشيء من حياة ابن عربي يفهم أنه استعادة لسيرة سلطان العارفين من باطنها، وليس تأريخا زمنيا لحياته.
وقد صرح بهذا مخرج المسلسل، أحمد إبراهيم أحمد، من قبل بالقول “إن هذا المسلسل يروي قصة ابن عربي من خلال أفكاره، و ليس استنادا إلى سيرة ذاتية أو نظرة توثيقية، وإنما من خلال قصص ترمز إلى قيم العشق و الحب التي كان يدعو لها”.
و يظهر هذا الجانب العقلي في المسلسل، الذي يضم “لقاء القمم” بين ابن عربي وابن رشد، في الحلقة الثالثة التي يحمل فيها الشيخ و الفيلسوف علي بن عربي ابنه مباشرة بعد ولادته، و يخبر زوجته أنه اختار له اسم محيي الدين ، لأن “هناك من يحيي الدين وهناك من يقتله”، في حين تروي القصة من بدايتها إلى نهايتها ستُّ الحسن، التي أدت دورها الفنانة الجزائريةـ السورية نسرين طافش.و تتخلّل المسلسل إسقاطات على الواقع الإسلامي الحالي، ففي الحلقات الأولى في مدينة مرسية الأندلسية، يظهر الفنان مصطفى الخاني في دور مارتن جاسوس مملكة آراغون، الذي يلبس عباءة الشيخ، ويعمل على زرع أفكار مغالية في الدين في رؤوس أشخاص، يواجهون والد محيي الدين، شيخ مرسية، ويعارضون زيارة ابن رشد، الذي كانوا يعتبرونه كافرا. شارك في المسلسل الممثل اللبناني يوسف الخال و الفنان لجين إسماعيل في دور ابن عربي، بالإضافة إلى الممثلة قمر خلف و مجموعة كبيرة من الممثلين، و تم تصويره في دمشق بسوريا و أنتجته مؤسسة أبو ظبي للإعلام.
سامي .ح