قدم أمس، الباحث والمؤرخ رياض شروانة، محاضرة بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، بالمتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية قصر الحاج أحمد باي، تناولت كتابه المعنون “من جامعة باريس إلى سوكياس”، وهي جملة وثائق وشهادات عن المسيرة الدراسية والثورية للشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس.
وأوضح المؤرخ، أن الكتاب جاء ليسلط الضوء على مشاركة الأطباء الجزائريين في الثورة الجزائرية، حيث قضى رفقة المؤرخ علاوة عمارة 10 سنوات في البحث عن الموضوع الذي تغيب المادة الأكاديمية والأرشيفية التي تثريه، إلى أن وقعا على مادة تمسح المسار العلمي والجهادي للشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس، الذي أرادا له أن يكون نموذجا عن دور الأطباء في الثورة التحريرية.
وأضاف المؤرخ، بأنهما اشتغلا في الكتاب على رفع اللبس عن أصل تسمية مستشفى قسنطينة الحكيم “بن باديس”، خصوصا وأن الأغلبية تعتقد أن المقصود بالاسم هو الشيخ عبد الحميد بن باديس، في حين أن التسمية ترتبط بابن شقيقه عبد السلام لخضر بن باديس.
ودعا الكاتب، إلى كتابة الاسم الكامل للشهيد حتى تتضح الفكرة، كما عرج شروانة للحديث عن المنقوصات والأخطاء التي تكتنف بيبليوغرافيا الشهيد، عدا عن معلومات تاريخية شحيحة لا تعطي الصورة الحقيقية عن أول طبيب عيون في الجزائر اختار التخلي عن كل شيء والالتحاق بالثورة.
يتوفر الكتاب على ثلاثة ملفات، بالإضافة إلى شهادات من مراكز أرشيفية مختلفة تتحدث عن جوانب عديدة من حياة الشهيد، يعرض الملف الأول تفاصيل كثيرة عن المسار العلمي للدكتور لخضر عبد السلام بن باديس، وقد كان شروانة رفقة الباحث علاوة عمارة، سباقين إلى الاطلاع عليه على مستوى الأرشيف الوطني الفرنسي، وورد في الملف المسار الأكاديمي الذي قضاه الشهيد بين الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى رسائل كُتبت بخط يده رفعها إلى إدارة الجامعة للحصول على تربصات ومنح، ثم عزمه على العودة إلى قسنطينة بعد مناقشته الدكتوراه، للانضمام إلى التنظيم الثوري السري للمدينة، وفتح عيادته في شارع الشهيد العربي بن مهيدي.
عرج المؤرخ ثانيا، إلى ملف خاص باعتقال بن باديس، احتوى على 80 وثيقة موجودة على مستوى الأرشيف الوطني الفرنسي، مصنفة ضمن خانة خاصة وهي عبارة عن مجموعة من العلب للفارين من معتقل «الجرف» وقد كان ملف الدكتور من ضمنها.
أما عن سبب اعتقاله يوضح شروانة، أنه تعلق بإبداء رغبته في الالتحاق بالثورة في الولاية الثامنة، وقد نفذ ذلك برفعه رسالة إلى رئيس لجنة التنسيق والتنفيذ عبان رمضان، الذي زكى الطلب بأن أخبر قائد الولاية الثانية بالأمر وزوده بكلمة السر «أتيت من طرف بوزيد الصيدلي».
وأردف، بأن هذه المراسلة تعد من بين رصيد الثورة الذي صادرته القوات الاستعمارية في عملية تمشيطية بأعالي القل، طالت 14 بلدية يوم 31 جانفي، أين وصل جنود المستعمر إلى أمانة الولاية الثانية ووضعت القوات الفرنسية أيديها على 30 مراسلة بين الولاية الثانية، ولجنة التنسيق والتنفيذ، ولجنة الثورة الجزائرية بتونس، وهي مراسلات متعددة المواضيع منها خبر استشهاد زيغود يوسف.
داهمت بعدها القوات الفرنسية بيت المجاهد لخضر عبد السلام بن باديس بسيدي مبروك، وبعد تفتيش غرفته وجدوا بحوزته وثائق ومواد أخرى تسببت في إدانته، ليُنقل إلى مركز التحويل والفرز بـ «الحامة الغيران»، ثم تنقل بين مختلف المعتقلات في الجزائر وصولا إلى الجرف، وذلك بمقتضى قرار يعود لتاريخ 17 أكتوبر 1957.
وتحدث المؤلف أيضا، عن ملفات ورسائل كُتبت بخط يد الشهيد توجه بها إلى عائلته والإدارة الفرنسية، يتحدث فيها عن وضعيته الإنسانية البائسة خصوصا وأن الرجل كان يعاني من الملاريا ومرض على مستوى الأسنان، بالإضافة إلى تعرضه لضغوطات نفسية بعد رفضه التعاون مع إدارة المعتقل كطبيب، إذ عرض للتعذيب البدني لأجل إجباره على ذلك.
كما رفع بن باديس، طلبات لتلقي العلاج خارج المعتقل قوبلت كلها بالرفض، وبتاريخ 14 جويلية 1958، أطلقت الإدارة الفرنسية سراحه بموجب قرار عفو، ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى.
وأردف شروانة، أن الشهيد طلب الخروج من المعتقل للتداوي لدى طبيب أسنان، وقد سُمح له بذلك ليتنقل إلى برج بوعريريج رفقة مسؤول نفسي لكنه استغفل مرافقه وفر بتاريخ 11 أكتوبر 1958، ليلتحق بالمنطقة الثانية للولاية الأولى الأوراس، التي وصل إليها في 10 جانفي كنائب في القطاع الصحي الذي كان يرأسه عثامنة.
وختم شروانة محاضرته، بالتطرق إلى الملف الثالث الذي يخص جهادبن باديس واستشهاده، وهو ملف موجود على مستوى أرشيف وزارة الدفاع الفرنسية، وقال إنه فتح شهيته للاشتغال على قضية الشهيد.
وأفاد، بأن الملف يصف الخدمات الجليلة التي قدمها الطبيب الشهيد للقطاع الصحي بالولاية الأولى، كما يذكر بأنه قد عانى من عدة أمراض وأراد الالتحاق بتونس للعلاج والانضمام إلى المجاهدين الجزائريين هناك لكنه استشهد خلال عبوره خط «شارل وموريس» بتاريخ 13 جوان 1960، وقد ختم مسيرته بوثيقة وصفت مأساته الإنسانية يقول فيها «أنا جد مريض ومتعب وأريد الالتحاق بإخواني في تونس من أجل العلاج والجهاد».
إيناس كبير