أشرفت أمس وزيرة الثقافة مليكة بن دودة، على احتفالية إعادة قناع القورقون إلى موطنه الأصلي بالمدينة الأثرية هيبون في عنابة، بعد اختفاء دام 24 سنة.
القناع سرقته العصابات الدولية المختصة في تهريب الآثار، من ساحة متحف هيبون سنة 1996، و نقلته إلى تونس، تمهيدا لبيعه لكبار تجار الآثار في العالم.
وبفضل جهود مصالح الأمن الوطني، تم اكتشاف مكان تواجد القطعة الأثرية، بعد تحريات طويلة، و تم استرجاعها سنة 2011 و وضعت بالمتحف الوطني للآثار القديمة بالجزائر العاصمة، و نقلت أمس إلى موطنها الأصلي بالمدينة الأثرية هيبون في عنابة، لتروي تاريخ، إحدى أهم مدن الإمبراطورية الرومانية بالجزائر، و كذا المسارات المهمة للمسيحيين، بمدينة رجال الدين، و كذا المفكر القديس أوغستين.
إن قناع القورقون عبارة عن فسقية روماني تروي قصة الفتاة الجميلة التي أغضبت الآلهة « أثينا» فحولتها إلى امرأة بشعة بشعر تنتهي خصلاته على شكل ثعابين، وكل من ينظر إلى عينيها القاسيتين تمسخه إلى حجر.
القناع منحوت من الرخام الأبيض، بعينين نصف مغلقتين، و شعر منقوش على شكل ثعابين، يعود تاريخ اكتشافه إلى 1930 على يد المهندس شوبو، و يبلغ وزنه 320 كلغ.
و اعتبرت وزيرة الثقافة إرجاع القناع إلى موطنه الأصلي، يعد جزءا من كيانها و هويتها العريقة، بعد أن بقي 24 سنة بعيدا عن مكانه الطبيعي، و 9 سنوات معزولا بالمتحف الوطني، مُثمنة جهود المصالح الأمنية في إرجاع التمثال إلى الجزائر، بالتنسيق مع مختلف الهيئات، وكذا محاربة ظاهرة التجارة غير المشروعة بالتراث الثقافي.
و أكدت الوزيرة في كلمتها بمناسبة إزالة الستار على التحفة الأثرية، بأن متحف هيبون سيشهد نزول عدد كبير من الزوار لمشاهدة التحفة الأثرية الثمينة عن قريب.
واعتبرت صدور مرسوم «مخطط حماية الموقع الأثري هيبون والمنطقة المحمية التابعة له» في الجريدة الرسمية، خطوة عملاقة نحو تصنيف موقع هيبون ضمن التراث العالمي، لما تحمله هذه المدينة العريقة من استثناءات تاريخية وأثرية، و من قيم للإنسانية وللسلام، بتذكار أهم شخصيات المدينة، المفكر والفيلسوف القديس أوغستين.
و صرحت بن دودة لدى زيارتها و استماعها للمعلومات التاريخية حول هيبون « أتحسر على موقع بهذا الجمال والقصص التاريخية الملهمة، لم يعطى حقه، كي يتعرف عليه الجزائريون»، و وصفتها بالمدينة الأثرية الاستثنائية، كونها تختلف على ما هو موجد بباقي المدن الأثرية.
ودعت الوزيرة إلى ضرورة تحويل هيبون إلى مسار ثقافي وديني بارز، وإعطائه أهمية تليق بمقامه، كونها إحدى المزارات التي يحج لها المسيحيين من كل بقاع العالم، كما أنها مدينة القديس أوغستين، أحد كبار رجال الدين المسيحي الذي صدر فكر التسامح و التعايش للعالم ككل.
وأعطت الوزيرة توجيهات لإدارة متحف هيبون، من أجل استحداث جناح خاص بالقديس أوغستين، يعرف بشخصيته المهمة، و تقدم له عناية خاصة كشخصية دينية، تاريخية، و ثقافية، إلى جانب خلق مسار سياحي داخل المتحف، خاص بالقديس أوغستين لوحده، فهناك عدة آثار تحكي قصته، على غرار الكنيسة القديمة للقديس أوغستين، والتي دفنت فيها امرأة لأول مرة، إذ كانت متأثرة بفكره، بهدف الاستقطاب السياحي.
من جهته طرح مدير متحف هيبون عمار نوارة، إشكالية عدم وجود متحف جديد، يسمح بعرض جميع القطع الأثرية، حيث توجد آلاف القطع الأثرية مخبأة، على غرار كنزين يضمان قطع نقدية ذهبية موجودين بالبنك المركزي.
و بخصوص اقتراح تحويل المقر القديم لمحكمة عنابة إلى متحف، أوضح الوالي جمال الذين بريمي، بأن عملية ترميم مقر المحكمة، تتطلب مبلغا كبير، يعادل مشروع بناء متحف جديد، بمواصفات عالمية.
من جهتها أشادت وزيرة الثفافة بمبادرة شاب متطوع، أنتج فيلم افتراضي حول الموقع الأثري هيبون، و يمكن زيارة الموقع افتراضيا بتقنيات عالية الجودة، مع ذكر السياق التاريخي للموقع، حيث أمرت مصالحها بإنجاز أفلام افتراضية حول جميع المواقع الأثرية بنفس الطريقة، بالاعتماد على خبرة الشاب المتطوع.
كما دعت إلى تشجيع جميع المشاريع التي يقدمها الشباب المبدع، للنهوض بالقطاع الثقافي، تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء .
حسين دريدح