توفي أوّل أمس الكاتب و المفكر وعالم الاِجتماع الجزائري الدكتور علي الكنز، بمدينة نانت غرب فرنسا، عن عمر ناهز 74 سنة، إثر مرض عضال. الراحل من مواليد 1946 بمدينة سكيكدة بالشرق الجزائري، ويُعد من أبرز المفكرين الجزائريين المغتربين المختصين في عِلم الاِجتماع، درس الفلسفة في جامعة الجزائر ونال منها شهادة الليسانس في بداية السبعينيات، ثمّ اِتجه نحو التخصص في عِلم الاِجتماع الّذي وضع لبناته الأولى بيير بورديو الّذي أسس الجمعية الجزائرية للبحوث الديموغرافية والاِقتصادية الاِجتماعية، وإيميل سيكار الّذي كان أوّل رئيس قسم عِلم الاِجتماع بالجامعة، غير أنّ علي الكنز كان متأثرا آنذاك أكثر باِبن خلدون وفرانز فانون ومصطفى الأشرف والعالم المصري سمير أمين الّذي نشر معه مجموعة من الدراسات فيما بعد.
بعد صدور قانون تعريب العلوم الاِجتماعية، سافر إلى القاهرة لتحسين مستواه في اللّغة العربية بجامعة الأزهر، ثمّ عاد إلى الجزائر ليدرّس بها، إذ شغل منصب أستاذ مساعد في الفلسفة بجامعة الجزائر (1970-1974)، ثمّ بروفيسور في عِلم الاِجتماع بنفس الجامعة إلى غاية 1993، و نشر خلال هذه الفترة كُتبًا وبحوثًا في قضايا التنمية والتصنيع والتغيير الاِجتماعي والأزمة الاِقتصادية.
كما كان من الأوائل الذين درسوا التجربة الصناعية الجزائرية، و نشر أبحاثه حول مركب الحجار، ثمّ نشر كِتابًا في الاِقتصاد باِسم مستعار «طاهر بن حورية»، في مطلع ثمانينات القرن الماضي.
عمل الكنز، أيضا مديرا لمركز البحوث في الاِقتصاد التطبيقي والتنمية التابع لجامعة الجزائر العاصمة. و شغل الراحل أيضا العديد من الوظائف في الجمعية العربية لعِلم الاِجتماع، وكذا بمجلس التنمية والبحث في العلوم الاِجتماعية بإفريقيا، علاوةً على منصب مستشار علمي مُكلف بمحور «العِلم والمجتمع» لدى جامعة أمريكية.
كما عمل كأستاذ مشارك بجامعة تونس، التي اِستقر بها سنتين، تعاون خلالها مع مركز الدراسات المغاربية، بعد أن غادر الجزائر في عام 1993، ثمّ سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة نانت، ليستقر هناك منذ عام 1995 ، حيث كان يشتغل أستاذا في عِلم الاِجتماع بذات الجامعة، إذ وجد بها كلّ شروط العمل والإبداع، فألف مجموعة من الكُتب، ونشر العديد من الدراسات و البحوث حول التحوّلات الاِجتماعية والاِقتصادية للمجتمعات العربية تُرجمت بعضها إلى اللغتين العربيّة والإنجليزيّة.
كما كان الدكتور علي الكنز يشرف على سلسلة «الأنيس»، بين 1989 و1993، وهي مجموعة من كُتب الجيب، هدفها وضع العِلم في متناول الجميع، وضمت أشهر المؤلفات في التراث العربي والإسلامي القديم، مثل « الجاحظ»، «الفارابي»، «اِبن خلدون»، «اِبن طُفيل»، «اِبن المقفع»، «اِبن بطوطة»...
ومن الفكر العربي الحديث ضمت «رفاعة الطهطاوي»، «محمّد عبده»، «الكواكبي»، «شكيب أرسلان»، «علي عبد الرازق»، «سلامة موسى»...ومن الفِكر الإنساني ضمت: «ميكيافيلي»، «سبينوزا»، «روسو»، «لوبون»، «فرويد»، «دوركايم»، «همنغواي».
السلسلة بلغت 100عنوان، فاتحةً بذلك الكثير من الآفاق في عالم الفِكر و الأدب، كما أشرف الكنز على سلسلة «الصاد» التي نشر فيها مجموعة من الكُتب في القضايا المعاصرة باللغتين العربية والفرنسية، منها «اِغتيال العقل» لبرهان غليون، و»سيد قطب الخطاب والأيديولوجية» لمحمّد حافظ دياب، «الثورة الجزائرية سنوات المخاض» لمحمّد حربي، «الصدفة والتاريخ: حوارات مع بلعيد عبد السلام» لعلي الكنز ومحفوظ بنون...الخ.
كان علي الكنز عالمًا وكذلك مُثقفًا يُعبِّر عن آرائه حول تحوّلات المجتمع الجزائري في الصحافة، خاصة بجريدة «الأحداث» ثمّ جريدة «الوطن» في ما بعد. وساهم أيضًا في تأسيس الجمعية العربية لعِلم الاِجتماع، والتي تضم نخبة من العُلماء الاِجتماعيين العرب.
واصل الكنز مسيرة التدريس والكتابة وطرح الأفكار المُوَاكِبة لتطورات المجتمع الجزائري وتحوّلاته، ضمن دراساته وأبحاثه، من بينها كِتاب حول الأزمة، كما نشر حوارا مطولا حول التجربة التنموية في الجزائر مع أحد صناعها الراحل عبد السلام بلعيد في جزئين، بالاِشتراك مع السوسيولوجي الراحل محفوظ بنون.
للفقيد عِدة مؤلفات باللّغة الفرنسية، أبرزها»الاِقتصاد في الجزائر» 1980. «الأساتذة المفكرون» 1985. «الجزائر والحداثة» 1989، «الصدفة والتاريخ» 1990،»على مر الأزمة» 1993ـ «غرامشي في العالم العربي» 1994، «كتابة المهجر» 2009، «العلوم التكنولوجيا والمجتمع» ، «5 دراسات حول الجزائر والعالم العربي».
و لعلي الكنز العديد من المساهمات في الصحافة الجزائرية والمجلات العلمية، إلى جانب مساهماته في الصحافة العربية والغربية.
وكانت وزيرة الثقافة مليكة بن دودة، قد نعت الراحل على حسابها في فايسبوك، وجاء نص التعزية «حزينة لرحيل المفكر وعالم الاِجتماع الجزائري الكبير علي الكنز، غادر في هدوء بعد أن حرك لعقود أسئلة معرفيّة من عُمق المجتمع والنخبة الجزائرية. لقد أثّث المكتبة العربيّة بكتب قيّمة ومراجعات ودراسات قلّ نظيرها في عِلم الاِجتماع، أطر طلبة حملوا الجامعة الجزائرية في مرحلة حرجة، وساهم في منحها شخصيّة ومسارا وهويّة منذ السبعينيات». كما نعاه الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، في تغريدة له على حسابه الرسمي بـتويتر»لقد فقدت الجزائر في الآونة الأخيرة مفكراً كبيراً، البروفيسور علي الكنز، الّذي رحل عنا وكان عالم اِجتماع متميزاً وأستاذا بارزاً تخصّص في التحوّلات الاِجتماعية في الجزائر». نـوّارة لــحــرش