صدر عن دار بهاء الدين للنشر والتوزيع كتاب جديد للدكتور عبد الله حمادي يحمل عنوان «ديوان مجلّة هنا الجزائر» 1952 – 1960 ؛ هذا الديوان هو عبارة عن جمع وتحقيق أعدّه الدكتور عبد الله بعد عودته لتصفح المجلة الكولونيالية الفرنسية التي تحمل عنوان
« هنا الجزائر » وهي تسمية عرفت بها الإذاعة الجزائرية الفرنسية إبّان الحقبة الاستعمارية حيث عُرفت باسم
« Ici Alger » ، ويؤكد الدكتور حمادي، أن هذه الإذاعة الاستعمارية التي ظهرت في ربوع الجزائر في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين ، ولمّا بلغت أشدّها قرّر المشرفون عليها من الإدارة الاستعمارية تعضيد نفوذها في الأوساط القرّاء والمستمعين بإصدار مجلة شهرية تابعة للإذاعة تحمل ذات الاسم الذي تحمله الإذاعة وهو « هنا الجزائر» وذلك في مُستهل شهر ماي من عام 1952 وظلت مستمرة في الصدور إلى غاية شهر ديسمبر من عام 1960؛ بحيث صدر منها 86 عددا، لا تزال اليوم محفوظة في الأرشيف وفي المكتبة الوطنية بباريس.
ويضيف صاحب الكتاب أن السلطات الاستعمارية وعدت في افتتاحية عددها الأول أنّها ستكون بثلاث لغات: «الفرنسية والعربية والأمازيغية»؛ لكن بعد تصفح كلّ أعداد المجلة نجدها تصدر إلاّ بالفرنسية والعربية، وتخلت السلطات الاستعمارية عن اللغة الأمازيغية لأسباب نجهلها.
ووفق ما وقف عليه الباحث فإن السلطات الاستعمارية «جنّدت» للسهر على تحرير هذه المجلة الكولونيالية أقلاما جزائرية معروفة ومشهورة، وخاصة في الجانب الأدبي شعرا ونثرا، وراحت المجلة تصدر بانتظام دون انقطاع طيلة هذه السنوات التي واكبت الثورة التحريرية، لكنها لا تذكر حرفا واحد عن الثورة التحريرية الجزائرية لا بالتلميح ولا بالتصريح، وأقصى ما ذكرته عن أحداث الفاتح من نوفمبر 1954 قولها : « في القطر الجزائري نشبت فجأة ليلة عيد الأموات حركة إرهابية خمدت نيرانها بعد حين، غير أنّ إعادة الأمن في جبال الأوراس تبدو مهمّة أطول»).
وقد قام الدكتور عبد الله حمادي في مجهوده العلمي والأدبي باستخراج كل الأشعار التي نشُرت سواء بالعربية أو الفرنسية أو بالملحون في هذه المجلة في كامل أعدادها بحيث تشكل منها ديوانا شعريا من 490 صفحة من الحجم الكبير؛ وكلّ الأشعار المنشورة إبداع شعراء جزائريين كانوا موظفين في المجلة أو متعاونين، بحيث شكل ديوانهم هذا صفحة مخْفية من الشعر الجزائري المعاصر المُواكب للثورة التحريرية لكنه تجاهل تماما أصداء هذه الثورة، بل قدّم أصحاب هذه الأشعار لقرائهم جزائر تنعم بالسلم والأمان، وتتمتع بالحرية والاستقرار، وتظهر فيها السلطات الاستعمارية محافظة، على الشعائر الدينية للمسلمين الجزائريين وتحترم تقاليدهم وعاداتهم، ويُهلل شعراء مجلة « هنا الجزائر»، وفق الباحث، بالشكر والعرفان لهذه السلطة الاستعمارية التي هي في واقع الحال في حرب ضروس مع الثورة التحريرية التي اندلعت لمّا كانت هذه المجلة في عُنفوان صدورها ؛ ومن أبرز الشعراء الجزائريين المواظبين على المساهمة والإشراف على هذه المجلة الاستعمارية الشاعر الكبير محمد الأخضر السائحي والشاعر محمد الهادي السنوسي الزاهري والشاعر والمترجم الطاهر بوشوشي والشاعر جلول البدوي والشاعر شقار الثعالبي والشاعر ابن ذياب والشاعر أحمد الأكحل والشاعر الشعبي رحاب الطاهر والشاعر القسنطيني بولبينة والشاعر عناني سليمان والكثير من الأسماء التي كانت تنشر بأسماء مستعارة...
فهذا الديوان يفتح أمام الباحثين صفحة جديدة من الشعر الجزائري المعاصر المُواكب للثورة التحريرية إلاّ أنّه يتجاهل وجود هذه الثورة ويقدم للقراء جزائر مستقرة تنعم بالرفاهية وتحرص السلطات الاستعمارية فيها على الحفاظ على اللغة العربية ورعايتها، وتحتضن أقلامها، وتمنحهم منبرا راقيا يسمى « مجلة هنا الجزائر»؛ التي تصدر بالأوان الزاهية.
ويؤكد الدكتور حمادي أن ما توصل إليه في بحثه يقتضي إعادة النظر في الشعر الجزائري المعاصر من قبل القراء والباحثين على حدّ سواء، كمادة أدبية مطوية في عالم النسيان رغم أنّها تؤرخ لمرحلة من أهم مراحل تاريخ الجزائر المعاصر ... وهناك أقلام أخرى جزائرية من أمثال مؤرخ الجزائر الشيخ عبد الرحمان الجيلاني ومولود طياب ومحمد الدحاوي وفُضلاء وغيرهم ساهموا في هذه المجلة الاستعمارية بدراسات أدبية وتاريخية وبترجمة عيون الأدب الفرنسي حتّى يكون مُيسرا لقراء اللغة العربية في الجزائر.