أكد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أمس خلال ندوة صحفية نشطها بقسنطينة لتقييم السنة الثقافية العربية التي احتضنتها المدينة و اختتمت فعالياتها أول أمس، بأن تظاهرة قسنطينة كانت في المستوى و تفوقت، من حيث كم النشاطات و نوعها، على تجارب مدن عربية أخرى، سبق لها أن توجت عواصم ثقافية عربية، كاشفا عن رصد ما يعادل 1 مليار دج كفائض من ميزانية الحدث، كما قال بأنها ستوجه لتمويل نشاطات ثقافية أخرى بالمدينة، لضمان استمرارية الفعل الثقافي.
الوزير الذي كان مصحوبا بكل من والي قسنطينة حسين واضح، و مدير الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، إضافة إلى محافظ التظاهرة سامي بن الشيخ الحسين، أشار إلى أن ما قدمته قسنطينة راق و نوعي، فقد تمت التظاهرة بنجاح، كما افتتحت بنجاح، على حد تعبيره، كما أن البرنامج استوفى كامل جوانبه و عرف إضافة بعض النشاطات الهامشية، فقسنطينة، عكس مدن عربية أخرى، أخذت الأمر بجدية بفضل التزام الدولة و دعمها المادي و السياسي للحدث، فضلا عن الحضور الإعلامي و انخراط عديد الهيئات في إنجاح المناسبة، ذلك، كما قال، وليد تجارب سابقة اكتسبتها الجزائر خلال احتضانها لفعاليات جزائر مزغنة، و عاصمة الثقافة العربية، و تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية و فعاليات عديدة أخرى.
800 ساعة من النشاط الثقافي
و قدم المسؤول حصيلة أولية للنشاطات التي احتضنتها المدينة طيلة 356 يوما من الثقافة، وهي حسب إحصائيات المركز الدولي للصحافة 800 ساعة من النشاطات، بمعدل 780 حدثا ثقافيا، فضلا عن تسجيل 300 ألف صورة، استخدمت في مختلف وسائل الإعلام، ما يعني أن التظاهرة موثقة صوتا و صورة، وهو أمر قد يبدو بسيطا من الزاوية الإعلامية ، لكنه يعد مهما من ناحية الجدوى الثقافية، لأنه من غير المنطقي، حسبه، أن نقارن بين حجم الإقبال الجماهيري على حفل فني ساهر، يحييه نجم عالمي أو عربي، و بين نسبة المشاركة في ملتقى دولي أو وطني، يناقش قضية فكرية أو اجتماعية و حضارية، لأن لكل تخصص جمهوره و المهتمين به، لذلك فالاختلاف في التعاطي مع كل حدث، لا يعني فشل مناسبة و نجاح أخرى، مضيفا بأن التظاهرة أنتجت الكثير على الصعيد الثقافي بمعدل 40 مسرحية سيعمم عرضها على مختلف ولايات الوطن، فضلا عن طبع 200 عنوان، منها ما هو جاهز للتوزيع و منها ما سيتم طبعه من قبل صندوق دعم الإبداع، علما بأن معظم الأعمال التي صدرت في إطار التظاهرة، ركزت على إبراز جوانب هامة من تاريخ قسنطينة و أعلامها و كفاحها و فنها، و نمط الحياة فيها، و ذلك لتكون للمدينة مكتبة خاصة بها، تكون بمثابة مرجعية للباحثين و مكسب يحتفى به في كل مناسبة.
أضف إلى ذلك، أن ما تم نشره قد تعزز مؤخرا بمعرض وطني للكتاب، هو الأنجح، كما عبر، تعدت فعالياته حدود الولاية و حملت صدى قسنطينة إلى جامعات و معاهد الوطن من خلال ندوات و لقاءات أدبية و فكرية نظمت تزامنا مع فعالياته.
الوزير أعلن عن لقاء قريب مع الصحافة، قال بأنه يأتي لعرض حصيلة النشاطات بأدق تفاصيلها، خصوصا ما تعلق بنشاط كل دائرة على حدا، لكن قبل ذلك ستكون المدينة على موعد مع حفل تونسي قسنطيني مشترك، بمشاركة فنانين كبار،على غرار لطفي بوشناق، عبد الله المناعي، الشابة يامينة و آخرين، سيحيون سهرة تسليم مشعل الثقافة لمدينة صفاقس.
ما رصد للترميم من حق المدينة و مشاريع استرجاع التراث مستمرة
بالحديث عن مصير مشاريع الترميم، أوضح الوزير بأن البرنامج الذي سطر قبل انطلاق التظاهرة لا يزال قائما، وأن الأغلفة المالية التي رصدت لهذه العملية محفوظة، كما أن الأشغال استؤنفت على مستوى مختلف الورشات، بعدما تدخل الوزير الأول عبد المالك سلال، لتسوية المشاكل التقنية التي عرقلت مشروع الترميم، و حل الإشكال القائم بين مكاتب الدراسات الوطنية و الخبرة الأجنبية، مضيفا بأن هذه العملية جد حساسة و تتطلب وقتا، كما أن هكذا مشاريع، لا يمكن أن تخضع لمنطق المجاملات و تمنح لهواة، بل يتوجب أن تخضع لمعايير عملية و تتوفر على شرط المهنية و تنجز وفق مقاييس حرفية دقيقة و ليس بطريقة ارتجالية.
الوزير قال من جهة ثانية، بأن تظاهرة قسنطينة لم تكن استهلاكية عابرة، بل خلفت إرثا ثقافيا كبيرا، يبرز من خلال توثيق تراثها الموسيقي، و أعادت بعض معارض الفنون التشكيلية، إضافة إلى الزخم الذي أنتجته الأسابيع الثقافية لـ 48 ولاية، و تلك التي شاركت فيها 25 دولة عربية و أجنبية، سمحت للمدينة بالتميز، نافيا كل حديث عن فشل التظاهرة في كسب رهان الإعلام الخارجي و مغتنما الفرصة لتحية الوزيرة السابقة نادية لعبيدي التي حضرت فعاليات الندوة بقسنطينة، مؤكدا بأنها قدمت الكثير للتظاهرة و ما قام به هو يعد استكمالا لمسارها، كما وجه تحية خاصة لمصالح الأمن و الدرك التي لعب عناصرها دورا هاما كشركاء في إنجاح الحدث.
إخضاع قاعة العروض الكبرى لتسيير مشترك بين القطاعين العمومي و الخاص
أكد وزير الثقافة بأن مصالحه، و بتوجيه من الوزير الأول عبد المالك سلال، أصرت على أن تحتضن قاعة العروض الكبرى أحمد باي مختلف الفعاليات، بما في ذلك الأسابيع الثقافية، حتى و إن غاب عنها الجمهور، و ذلك لتثمين هذا الصرح و ترسيخ ثقافة زيارته لدى سكان قسنطينة، كي لا تبقى مجرد قاعة تحتضن الفعاليات الطارئة و فقط، مشيرا إلى أن الديوان الوطني للثقافة و الإعلام سيستمر في تسيير المرفق، إلى غاية ضبط إطار قانوني خاص به و تحديد آلية تسييره مستقبلا، و التي قد تعتمد على خلق مؤسسة ذات تسيير مشترك عمومي و خاص، في سابقة أولى من نوعها وذلك، كما قال، لضمان استمرارية القاعة و تسييرها بشكل منتج، قائم على التمويل المستقل، بعيدا عن دعم الدولة، لأننا، كما عبر، تخطينا مرحلة الاتكال و أصبح الحديث عن الثقافة المنتجة و الاستثمار الثقافي ذي الريع الاقتصادي.
التظاهرة لم تقص شخصيات و فنــــانين
أوضح الوزير خلال الندوة، بأن مسرح قسنطينة الجهوي سيستفيد من تسمية خاصة قريبا، حيث تلقت الوزارة مجموعة من المقترحات لإطلاق تسميات رضا حوحو و توفيق خزندار، على هذا المرفق الثقافي الهام، و هي الآن قيد الدراسة على أن يتم الفصل فيها قريبا.
و على صعيد آخر أكد المسؤول، بأن محافظة التظاهرة قامت بكل ما يلزم لإنجاح الحدث و تحملت ضغطا كبيرا لعدم قدرتها على إرضاء الجميع، نافيا كل حديث عن إقصاء و تهميش شخصيات من المدينة و فنانين محليين، و مؤكدا بأن الحدث كان شاملا و ركز على إعطاء أهمية بالغة لأبناء المدينة و إبراز الجانب الأمازيغي من ثقافتها، سواء من خلال الإصدارات أو الفعاليات الشعبية .
نفس الموقف أكده محافظ تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، سامي بن الشيخ الحسين، مشيرا إلى أن برنامج الحدث شمل الجميع و كان متنوعا، موضحا بأن اختيار المشاركين كان بناء على نوعية الأعمال و المقترحات التي قدموها، وأن عملية انتقاء الأسماء تمت عن طريق لجان خاصة، تابعة لدوائر التظاهرة.
و بدوره قال لخضر بن تركي، مدير الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، بأن الحديث عن إقصاء فنانين من الولاية، غير صحيح لأن الفنانين الذين أثاروا هذه المسألة، أرادوا أن ينفذوا برامج خاصة في إطار الحدث، و لم يطالبوا بمشاركة عادية، مؤكدا بأن مصالحه تملك كل الوثائق و الملفات ذات الصلة.
والي قسنطينة حسن واضح، ذكر بدوره بالجهود التي بذلت لإنجاح التظاهرة، معلقا بأن ما تم تحقيقه، في ما تعلق بشق التجهيز يعد إنجازا، خصوصا بالنسبة لأشغال التهيئة الخارجية و إعادة الاعتبار للمرافق الثقافية، و استكمال قاعة أحمد باي، فضلا عن فندق الماريوت الذي منح المدينة القدرة على استقبال وفود ذات وزن، و منحها سمعة سياحية هامة، و كشف المسؤول من جهة أخرى، بأنه و دائما في إطار الحدث، ستستفيد مؤسسة عبد الحميد بن باديس، في غضون عشرة أيام، من مقر نشاط جديد، على مستوى شارع العربي بن مهيدي، وهو مقر جريدة النصر سابقا.
تجربة «أحمد باي» و «ابن باديس» ستستغل لبعث مشروع فيلم «الأمير عبد القادر»
الوزير الذي أشرف على إعطاء إشارة الانطلاق، لبدء تصوير الفيلم السينمائي «أحمد باي»، أمس بمتحف الفنون و الثقافات الشعبية، أوضح بأن النشاط الثقافي لن يتوقف بانتهاء التظاهرة، بل سيستمر من خلال الأعمال السينمائية قيد الانجاز، على غرار فيلمي «ابن باديس» و «أحمد باي»، اللذين يتم تصويرهما بين قسنطينة و العاصمة حاليا، و سيقدمان تجربة هامة، يمكن الاستفادة منها في إعادة بعث مشروع فيلم «الأمير عبد القادر» الذي تعطل إنتاجه بسبب تكاليفه اللوجيستيكية الكبيرة.
لم أمنح ماجدة الرومي قصيدة لتغنيها و دعوتنا لها عربون وفاء
في ختام اللقاء تطرق عز الدين ميهوبي، إلى قضية الصورة التي جمعته بالفنانة ماجدة الرومي، غداة إحيائها لحفل ختام قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، مؤكدا بأنه لم يندم على مجاملته لفنانة كبيرة بقامتها و بأنه مستعد لتكرار نفس الموقف مجددا، و ذلك تعبيرا منه على مدى احترامه لفنها الراقي و لمواقفها الكبيرة مع الجزائر، فهي الفنانة الوحيدة التي كسرت الحصار الثقافي الذي كانت بلادنا تعيشه و قررت الغناء على أرضها، متحدية التهديدات التي تلقتها، لذلك فإن دعوتها للمشاركة في التظاهرة كانت بهدف تكريمها، عرفانا و وفاء لموقفها الكبير.
الوزير أوضح من جهة ثانية، بأنه لم يقدم للفنانة قصيدة خاصة لتغنيها خلال زيارتها الأخيرة، و بأنه سمع الخبر من الصحافة الوطنية، مشيرا إلى أنه و خلال زيارتها للجزائر سنة 1997، كان قد منحها قصيدة شكر و مديح لها خصيصا، و ليس لغنائها، غير أنها حظيت مؤخرا بلحن جميل من شاب جزائري يدعى منير، قال بأنها كانت ستغنيه لولا ضيق الوقت.
نور الهدى طابي