يرى عالم المناعة البروفيسور كمال صنهاجي أن الجزائر قد تتخلّص من فيروس كورونا خلال هذه الصائفة، ويرجع ذلك لتشديد إجراءات الحجر خلال شهر رمضان، مضيفا أن التركيبة السكانية لبلادنا كانت عاملا مساعدا على عدم تسجيل وفيات مرتفعة، كما لا يستبعد الباحث أن تختفي الجائحة من معظم دول العالم قبل نهاية السداسي الأول من سنة 2021، ليتطرق لأول مرة إلى مشاريعه بمركز البحث الذي أسسه بقسنطينة، حيث كشف للنصر أنه سيعمل على اختراع أدوية جديدة لأمراض خطيرة مثل كورونا المستجد والسيدا، مع إدخال تقنية حقن الخلايا الجذعية لأول مرة بالجزائر، كما يتحدث البروفيسور عن مواضيع أخرى في مجال البحث والمناعة، تطالعونها في هذا الحوار المطول الذي خصنا به.
حاورته: ياسمين بوالجدري
- أحصت الجزائر أزيد من 4800 إصابة مؤكدة بجائحة كورونا بعد نحو شهرين ونصف من تسجيل أول حالة، وذلك بعدد إصابات يتأرجح تقريبا بين 100 و 200 يوميا، مقابل وفيات لم تتعد 10 حالات كل يوم خلال الأسبوع الأخير. كيف تقرأ هذه الوضعية الوبائية؟
النموذج الوبائي في الجزائر فريد، حيث كان هناك تناقص في عدد الإصابات خلال الأيام الأخيرة ثم سجل صعود أثناء رمضان بسبب عدم احترام إجراءات الوقاية، لكن عدد الوفيات تقلص ثم بقيت الأمور مستقرة إلى حد ما، وهذا ما يؤشر نوعا ما إلى تحسن الأمور والابتعاد شيئا فشيئا عن المرض.
ما يجعل الجزائر نموذجا فريدا أيضا هو أن تصاعد عدد الإصابات بها كان من المفروض أن يكون موازٍ لعدد الوفيات، لكن هذا الأخير لم يرتفع. قد نتحدث عن إمكانية وجود أعداد أخرى لم تُكتشف إصابتها، لكن الوفيات لا يمكن إخفاؤها وهي مؤشر جيد.
- ما الذي جعل الجزائر نموذجا فريدا برأيك؟
سببه هو أن 70 بالمئة من سكان الجزائر تقل أعمارهم عن 40 سنة، وهذا من حسن حظنا حيث أن الشباب يتميزون بمقاومة جيدة، ما عزز ردة الفعل بجهاز المناعة لديهم، فقدرة الجسم على الدفاع لها دور كبير إذا كان بصحة جيدة.
- هل يمكن ربط ذلك بما يسمى بالمناعة الجماعية؟
هناك نماذج للمناعة الجماعية في بريطانيا وألمانيا وهولندا وهي بلدان لم تطبق حجرا صحيا بمعنى الكلمة، بل ركزت على ردة فعل الجهاز المناعي بصفة جماعية. الأمراض المعدية تسير على هذا النمط لكن في كورونا لها تكاليف في ما يخص الوفيات لأن الأمر يتعلق بفيروس جديد لا تتعرف عليه المناعة فيكون شرسا وأقوى بقليل، لكن المناعة الجماعية طريقة علمية معترف بها وتنظيمها أسهل، مع وجود مزايا و عيوب. هناك طريقة أخرى لمواجهة الجائحة، وهي تشديد إجراءات الحجر و بالتالي تسجيل وفيات أقل و الحد من التسارع المعتبر لزحف الوباء، لكن تنظيمها صعب و تكلفتها أكبر بحيث تتطلب إمكانيات.
في حالة الجزائر وبلدان أخرى، تم اعتماد طريقة وسيطة بين هذين الأسلوبين، أخذت السلطات العمومية فيها طبيعة المجتمع الجزائري بعين الاعتبار، سواء تعلق الأمر بالتقاليد أو السلوكيات خلال شهر رمضان وأيضا ظروف السكن، و أعتقد أن الطريقة التي اعتمِدت كانت مكيفة و تقريبا هذا ما كان يلزم القيام به، غير أن سلوك المواطنين كان عاملا معرقلا.
- في تقديركم، متى ستتخلص الجزائر من فيروس كوفيد 19؟
أتوقع حسب المنحنى الوبائي أن يحدث ذلك من هنا حتى هذه الصائفة خاصة أن السلطات فرضت إجراءات وقائية جديدة خلال رمضان.
- ماذا عن تاريخ الذروة؟
حدث صعود في المنحنى منذ بداية رمضان وهذا ليس موجة ثانية، غير أننا لم نصل للقمة، حيث كان من المفترض أن نصل إليها من قبل، لكن أعتقد أنه مع تشديد إجراءات الحجر سنقترب منها، وذلك بفضل القرارات التي اتخذها الوزير الأول عبد العزيز جراد عقب زيارته الأخيرة لقسنطينة.
- لم يستبعد باحثون احتمال حدوث موجة ثانية من عدوى «كوفيد 19». هل توافقهم الرأي؟
إذا حدثت موجة ثانية فمن غير الممكن أن تحدث بفيروس كوفيد 19 بتركيبته الحالية بل بتركيبة متغيره منه، لأن مناعة جماعية ضده قد تشكلت، مثل الأنفلونزا التي تعود كل مرة بطفرة جديدة، و عندما تكون الطفرة كبيرة يراها جهاز المناعة كأنها فيروس جديد و سيعمل مرة أخرى على محاربته. أغلب الطفرات تكون أحسن لكن في بعض الحالات تكون أبشع.
هناك أمر آخر، الفيروسات التي تكون الحيوانات مصدرها مثل فيروس «سارس- كوف2» الذي يُعد الخفاش خزانه، يمكن أن تحدث بها طفرات أخرى عند هذه الحيوانات بصفة طبيعية، فتنتج فيروسا مشابها قد يُظَن بأنه موجة ثانية لكنه فيروس مختلف يصل من جديد إلى البشر.
- ما مدى ضراوة «كوفيد 19»؟
في الواقع، فيروس “ميرس كوف» الذي ظهر قبل سنوات وهو من جنس الفيروسات التاجية كورونا، قضى على أكثر من ثلث المصابين به حيث تميز بشراسة، و إذا قارناه بفيروس “كوفيد 19» يتبين أن معدل الوفيات ضئيل وهو أقل من 1 بالمئة.
«كوفيد 19» له خاصية، وهي لطفه مقارنة بـ «إيبولا» مثلا، فهو يعطي للجسم الفرصة للدفاع عن نفسه إلى أن تنضج مناعته، لكن “إيبولا» لا يفعل ذلك و يقتل بعد ساعات أو أيام قليلة، لذلك فإن نسبة الوفيات الناجمة عنه تتراوح بين 60 إلى 90 بالمئة من المصابين. لكن المشكلة بالنسبة لكوفيد 19 أن المصابين به قد يحملون بأجسادهم كمية كبيرة من الفيروسات غير أن الأعراض لا تظهر عليهم فيتسببون في نقل العدوى للآخرين, حتى بعد شهر ونصف من دخول الفيروس للجسم.
- متى سيختفي الفيروس من باقي دول العالم؟
لو تحدثنا عن العالم بصفة كاملة، سيكون ذلك على الأقل حتى آخر سنة 2020 و ربما في بداية العام المقبل حتى فيفري بحيث لن يتعدى الأمر الثلاثي الأول من 2021.
- أكد العلماء في البداية أن مسافة التباعد الاجتماعي يجب ألا تقل عن 1 متر لتصل اليوم إلى 4 أمتار، مع استمرار تضارب في المعلومات حول الانتشار في الهواء ومدة حياته على الأسطح وغير ذلك. صحيح أن الأمر يتعلق بفيروس جديد لكن هل هو معقد إلى هذه الدرجة؟
ليس معقدا بل نفوذه أقوى وسريع، هو ليس أكثر تعقيدا من فيروسي إيبولا و السيدا، خاصة هذا الأخير الذي له ميكانيزمات معقدة أكثر، وكذلك بالنسبة لفيروس الحمض النووي الريبوزي “آ.أر.أن”. أعتقد أن مدة 3 أو 4 أشهر ليست كبيرة جدا لتسمح بإيجاد حل خلالها، ففي السيدا ما نزال نحاول إيجاد أدوية لأن الأمر يتطلب وقتا، على اعتبار أن الجزئيات التي تدخل في تركيبتها يجب أن تكون مدروسة و تتناسب مع خصوصية الفيروس و تراعي بدقة الأماكن المستهدفة، كما يجب أن تمر على تجارب، مثلما هو معروف في البحوث الصيدلانية.
في حالة “كوفيد 19» استجاب العلماء بأسرع من المعتاد، و قرروا فتح خزانة الأدوية المستعملة بصفة منطقية وبشكل مؤقت ومستعجل، وهو ما حدث بالنسبة لـ «رمديسيفير» و «الكلوروكين» الخاصة بالفيروسات المشابهة لـ “سارس كوف 2»، فـ “الكلوروكين» مثلا يغير حموضة الوسط بالخلية عندما يدخلها، فيخلق جوا جديدا أكثر حموضة فيتوقف الفيروس عن التكاثر بداخلها.
بالنسبة لمسألتي مسافة الأمان و الانتشار في الهواء، هما فعلا غير واضحتين، و الأحسن هو ترك مسافة لتجنب انتقال الفيروس عن طريق العطاس و السعال من خلال خروج جزيئات من الأنف والحنجرة، لكن لحسن الحظ، فإن حجم فيروس “كوفيد 19» كبير وهو ثقيل مقارنة بفيروسات أخرى، لذلك فإنه عندما يخرج من جسم الانسان لا يقطع في الهواء مسافات كبيرة ويختلف ذلك طبعا حسب الظروف المحيطة. أعتقد أنه يمكن اعتماد مسافة 4 أمتار خاصة إذا تعلق الأمر بفضاء صغير يسمح بالتصاق الفيروس في الأسطح عند السعال مثلا، لكن الحجر المنزلي يبقى أفضل حل. مدة حياة الفيروس على الأسطح ما تزال أيضا محل ملاحظة، و الأرقام التي تم تقديمها بهذا الشأن لا تعطي نظرة واضحة، لهذا فإن القاعدة التي يجب أن نعتمدها هي أن نكون شكاكين دائما نعتبر أن الفيروس موجود في كل الأمكنة. لحسن الحظ أنه لا يدخل مباشرة عبر الجلد، لكن يجب غسل الأيدي بالصابون أو الجيل المعقم أو المحلول الكحولي بشكل متواصل.
- لا يزال ارتداء الكمامات من عدمها لدى الأشخاص غير المصابين، من إحدى المسائل التي سببت ارتباكا لدى المواطنين، فهل الكمامة ضرورية للجميع؟
الكمامة مطلوبة، وهذا الأمر اكتشف مع الدراسات و الاكتشافات المتتالية منذ ظهور الجائحة، ففي البداية كان العلماء يعتقدون أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض اكلينيكية واضحة، ليسوا في حاجة إلى كمامات، لكن منذ مدة قليلة تبين أن هناك مصابين أصحاء تحتوي أجسامهم على كميات كبيرة من الفيروس، و يتسببون في نقل العدوى. لهذا السبب يجب اتباع ثقافة الكمامة التي أثبتت فعاليتها في الدول الآسياوية أين تعود الأفراد على ارتداء الأقنعة منذ سنوات للحماية من تلوث الجو.
- قال باحثون حاورتهم النصر إن قارة أفريقيا بعيدة عن خطر الجائحة نوعا ما، لأن الكثافة السكانية بها قليلة ولم تشهد تنقلات ورحلات مثل الدول الأوروبية، بينما يرى آخرون أن مناخها عامل مساعد. إلى أي جهة تميل بروفيسور؟
في الواقع، لا توجد أدلة علمية تثبت أن حرارة معينة تقضي على «كوفيد 19»، لكن الملاحظ هو أن أي فيروس يكون موسميا، فهناك ما يأتي في الشتاء وما يظهر في الخريف وهذا مرتبط بعض الشيء بالمناخ و درجة الحرارة. في دول أفريقيا مثلا، تكون درجة الحرارة منتظمة و عالية على الدوام طوال أشهر السنة، وكورونا مثل فيروسات الزكام التي لها فترة معينة تتكاثر خلالها حيث تظهر ثم تختفي وبعدها تعود. أن أميل إلى القول بأن موسمية الفيروسات موجودة، وبأنها مطبقة أيضا على كورونا و أظن أن هذا الجانب واقعي و قد ساعد بلدان جنوب أفريقيا.
- تشرف منذ فترة قصيرة على رئاسة مركز البحث في العلوم الصيدلانية بقسنطينة. هل بدأت على مستواه في أبحاث لإيجاد أدوية أو لقاحات ضد فيروس كوفيد 19، خصوصا أنك عالم مناعة ذو سمعة دولية حسنة؟
في الحقيقة، مركز البحث جديد و لم يبدأ العمل فعليا بعد، فنحن الآن في مرحلة اقتناء العتاد العلمي و الأمر يتطلب بعض الأشهر ليكون جاهزا و تبدأ الأبحاث على مستواه. منذ أقل من سنة استفدت من العمارة الموجهة للمركز بعدما أنجِزت في البداية لغرض علمي آخر، حيث سيتم إدخال تغييرات داخلية عليها وأعتقد أننا سنبدأ الأبحاث بها فعليا خلال سنة.
هدفنا هو اختراع جزئيات جديدة و مواد فعالة تدخل في تركيبة أدوية جديدة للأمراض الخطيرة وخاصة وباء كورونا المستجد و السيدا و إيبولا.
المركز سيستعمل طرقا حديثة و نموذجية تسمح بنمذجة الجزئيات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للمضي بسرعة في هذه الخطورة.
للمركز جانب آخر هو دراسة الطرق الجديدة للعلاجات في الأمراض الخطيرة و خاصة في تجديد أنسجة أعضاء الجسم عن طريق حقن الخلايا الجذعية التي تسمح بإحياء الخلايا من جديد و إصلاح العضو المستهدف. يمكن استعمال هذه التقنية لتجديد الأنسجة المدمرة في الكبد و الرئة و الجلد و القلب، و بالتالي معالجة أمراض مستعصية بصفة ناجعة وحتى منها الأمراض العصبية وغيرها.
- هذه التقنية معتمدة في عدد قليل جدا من دول العالم، أليس كذلك؟
بالفعل، هناك عدد قليل من الدول العربية و الأفريقية و حتى الأوروبية، التي توجد فيها هذه التقنية، حيث تستعمل لدى بعض المرضى خاصة المصابين بالحروق الجلدية وأمراض القلب الذين يحدث لديهم تلف كبير في الخلايا مع انعدام إمكانية الزرع، سيما الأشخاص الذين يجدون صعوبة في العثور على متبرعين مطابقين.
- متى سيبدأ مخبركم في حقن الخلايا الجذعية؟
ممكن خلال 5 سنوات وهذه مدة معقولة، لأن هذه الطريقة تتطلب شروطا تقنية، إذ من المهم أن يكون هناك مخبر خاص من حيث هندسته و أن يكون مغلقا بالكامل دون أية ثغرة، لأنه لا يمكن أن نحقن للأشخاص خلايا جذعية بها ميكروبات.
- هل فريقك البحثي جاهز لخوض هذه التجربة الرائدة في الجزائر؟
في الواقع، لدي فريق صغير من الباحثين الذين أقوم بتكوينهم حاليا،، بحكم اختصاصي في مجال مناعة الفيروسات و مناعة الخلايا الجذعية و زراعة الأعضاء، فكما ذكرت هذه التقنية موجودة بصفة قليلة في العالم حتى في أوروبا. هذا الفريق مكون من شباب لهم الرغبة في التعلم ومركزنا أيضا منفتح لجذب و توظيف الباحثين و حتى الأجانب حيث أن لدينا بعض الاتصالات و التعاون مع فرق أجنبية ليكون لدينا تكوين للفريق في المخابر الأجنبية الخاصة بخصوص الخلايا الجذعية ليكون للباحث تكوين قاعدي يسمح له بالتأقلم بسهولة إلى حد ما.
- بالحديث عن استقطاب الباحثين، توجد الكثير من الكفاءات الجزائرية التي اختارت وجهة الخارج أو اضطرت إلى ذلك. برأيك هل آن الأوان لاستعادة هذه الأدمغة؟
في الواقع أنا كنت واحدا من هذه الكفاءات، و قد رأيت طيلة السنوات الماضية أن الأغلبية الساحقة منها كانت دائما مجندة لخدمة بلدها، حيث قدمت خدماتها لكن لم تكن هناك ديمومة و متابعة و لم تكن هناك ثقافة لاستعمال النخبة لنقل التكنولوجيات والمعرفة وغير ذلك. الأنظمة السياسية التي كانت تمسك بزمام الأمور بالجزائر منذ سنين لم يكن لديها اهتمام كبير و وعي وثقافة بخصوص أهمية البحث العلمي، لكن حاليا وبعد الحراك الذي كان له جانب إيجابي ثم ظهور أزمة كورونا، تبينت أهمية البحث، وأن هذا الأخير هو الأساس، كما تبين أننا أمام خطر خفي ليس له وزن أو ثقل لكنه أركع كل دول العالم و اضطرها بشكل مستعجل للابتكار للخروج سالمة.
هناك من يتحدث عن حرب بيولوجية تم خلالها تطوير فيروس كورونا المستجد، وهي فرضية تبناها بعض العلماء رغم أن العديد من الباحثين والهيئات العلمية نفتها. علميا، هل كان ممكنا فعليا إنتاج فيروس “سارس كوف 2» بالمختبرات؟
لا أعتقد أن للأمر علاقة بحرب بيولوجية تم خلالها صناعة الفيروس في مختبر، فهذا أمر غير ممكن. لا يمكن صناعة فيروس كامل، في حين يمكن تغيير بعض الخاصيات الخفيفة لصناعة لقاحات، لأن الدراسات الحالية بيّنت أن فيروس “سارس كوف 2» تطور من الحيوان إلى الإنسان، حيث وجدنا بمقارنة “كوفيد 19» مع فيروسات كورونا لدى الحيوان انطلاقا من دراسات الهندسة الوراثية، أن طفرات وتحولات طبيعية حدثت وأدت إلى ظهور الفيروس المستجد بخاصيته الحالية في الدخول والالتحام بالخلية.
- يحذّر العلماء من التأثيرات السلبية للمضادات الحيوية وغيرها من الأدوية التي تعوّد الإنسان على استهلاكها في مواجهة الأمراض، ويقولون إنها أنتجت مجتمعات بمناعة ضعيفة، حتى أن البعض تحدث بشيء من المبالغة عن نهاية محتملة للعالم بسبب الفيروسات. هل يمكن أن تشهد البشرية أمرا كهذا بالفعل؟
في الحقيقة هناك تقهقر للمناعة بسبب المؤثرات المختلف كالتلوث والمواد الموجودة في أكياس البلاستيك والعطور ومزيلات الروائح وغير ذلك، حيث أنها تتنافس مع الهرمونات داخل الجسم وتنقص من فعالية توازنه بصفة عامة وتؤثر بذلك على صحته.
لقد تمت البرهنة بأن كل هذه المؤثرات الخارجية تُضعف جهاز المناعة وبالتالي تتصاعد التعفنات و العدوى الانتهازية كما نسميها، فهي تستغل الفرصة عندما يكون جهاز المناعة مخدرا وضعيفا بسبب الأدوية و المؤثرات الخارجية من التلوث وغيرها، بعدما تجد الفيروسات والميكروبات والفطريات المجال مفتوحا لكي تتكاثر دون اعتراض من المناعة، و أكيد لو استمررنا على هذه الحال فإن المبالغة التي أشرتِ إليها يكون لها معنى.
لا يمكن التأكيد بانقراض البشرية لكن من الواضح أن الطريق التي تسير عليها البشرية الآن، سوف تُحدِث مشكلة في بروز أمراض جديدة معدية لأن جهاز المناعة في خطر بسبب التلوثات وغيرها، لذلك كورونا المستجد كان قويا بسبب نقص المناعة.
- هل تعتقد أن واقع البحث العلمي بالجزائر سيتغير بعد أزمة كورونا، وما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها بهذا الشأن؟
أعتقد أنه وبعد أزمة كورونا، ستنطلق الأبحاث بصفة متسارعة و جدية لأن الخطر موجود وهو ما فرض علينا جودة البحث العلمي، و كما يقال عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. هذا أمر بديهي وعادي لأن الجودة تجد مكانها في مثل هذه الأزمات.
البحث العلمي لم يكن له في السابق مردودية ومنفعة وإبداع لكي يخدم الإنسان والسكان بصفة عامة، والآن يمكن الانتقال من البحوث الأكاديمية إلى البحوث التطبيقية النفعية التي يجب أن تعطي منتوجا. كورونا سيجبرنا على تحديد ما وراء أي بحث من منتوج قبل القيام به.. أرى أنه يجب إعادة توجيه للبحث العلمي الأساسي إلى بحث علمي تطبيقي ذي منفعة.
- بصراحة بروفيسور، كعالم جزائري كنت تعمل بالخارج و قررت العودة لوطنك، هل تشعر بالارتياح في بيئتك البحثية الجديدة؟
التأقلم في مناخ وشروط العمل في ما يخص البحث العلمي بالجزائر صعب حقيقة، بسبب بعض التصرفات البيروقراطية القديمة والمتقهقرة إلى حد كبير، حيث تعرقل وتكسر كل الجهود. لكن رأينا أن الأمور بدأت تتغير شيئا فشيئا ولو بصفة بطيئة، خلال السنوات الأخيرة، والآن ساعدنا كورونا والحمد لله بأن تكون فعالية كبيرة ليكون الانطلاق قويا بعد الصفعة التي أحدثها هذا الفيروس.
هذا الأمر يلزمه وقت وأنا صبور، فقد اكتشفت أن العراقيل ليست مخططة وموجهة، بل هي عراقيل غبية، بسبب انعدام ثقافة البحث العلمي و الجهل بها لدى عدد من المسؤولين، حيث يبدون في بداية الأمر موافقتهم على المقترحات ثم لا يفعلون شيئا. عندما يفهم الباحث هذا الأمر سيستطيع فرض أفكاره وطرقه، كما يجب أن يكون عدد الباحثين كبيرا للتمكن من ذلك، من خلال التكاثف، لتتاح لهم الفرصة لكي يكونوا قوة ضاربة علمية ولها فعالية وسريان.
- بالحديث دائما عن مركز البحث العلمي الذي أسستموه، بلغتنا بعض الانتقادات من طرف صيادلة قالوا إن اختصاص البروفيسور صنهاجي بعيد نوعا ما عن أهداف هذا المركز. هل وصلتك هذه الأصداء وكيف تردون عليها؟
في الحقيقة، لم أسمع بهذا الأمر من قبل، وإذا كان هؤلاء صيادلة قالوا ذلك فلا أعلم إن كانت لديهم ثقافة المطالعة العلمية. علم المناعة هو اختصاص صيدلاني ولقد درسته في كلية الصيدلة بليون في فرنسا. فقط البرهان والتجربة العلمية التي لها الحق في الكلام، فلا يمكن لأحد أن يتحدث بكلام فارغ لا أستطيع مواجهته به، بل أواجه من يتحدث بطريقة علمية وله تجربة ومنشورات علمية في الميدان، أما أنا و أعوذ بالله من كلمة أنا فلدي منشوراتي وأبحاثي بهذا الخصوص.
- هذا أمر معروف ولا غبار عليه بروفيسور. في الأخير ما هي الكلمة التي ترغب ربما في توجيهها للباحثين الجزائريين؟
أردت إيصال رسالة مفادها أن كل شيء ممكن. على الباحث الجزائري أن يعلم بأنه قادر على الوصول ولو كانت هناك صعوبات في كل الميادين. والآن أظن أن فرصة أزمة كورونا، تعطي رسالة للعلماء والباحثين لفرض أنفسهم وخوض هذه المعركة، لأن الوطن يحتاج إلى المساعدة بخصوص الاختراع والإبداع وغير ذلك، ثانيا وفي نفس الوقت يجب تثمين هؤلاء الباحثين لكي يسترجعوا مكانتهم.
ي.ب