بين الجزائر و إيطاليا، رسمت طريقا عبّدته بالجهد و المثابرة، و اختارت المزاوجة بين مساعدة الآخرين، و محاربة من يصفون الإسلام بالمتطرف، فوجدت نفسها أمام معركة أكبر، تنافس فيها أكبر السياسيين في إيطاليا، و اسمها على قائمة «فينيتو الذي نريده» للمرشحين لخوض غمار انتخابات المجلس الإقليمي لمنطقة «فينيتو» شمال شرق البلاد، وسط حملة عنصرية شرسة تستهدفها كأول جزائرية مسلمة و محجبة، فكانت المفاجأة بتحقيق العكس، لتنال شهرة واسعة مكنتها من اختزال الزمن لإيصال رسالة الإسلام في ظل حوار مفتوح مع الأديان، هي آسيا بلحاج ابنة بجاية التي شغلت الإيطاليين في الانتخابات الأخيرة و نجحت في الفوز بالمنصب الثاني في حزبها، لتعطي صفعة لعنصريين سعوا لتحطيمها فخدموها أكثر فأكثر.
حوارتها: إيمان زياري
uمن هي آسيا بلحاج، كيف وصلت إلى إيطاليا و كيف اقتحمت مجال السياسة؟
أنا جزائرية الأصل مولودة ببجاية، مقيمة في إيطاليا منذ أكثر من 10 سنوات، متزوجة من جزائري، أم لـ4 أطفال ولدوا بإيطاليا، درست العلوم الإنسانية تخصص آداب و فلسفة، لم أكمل دراستي وصلت للنهائي، تحصلت على شهادة في الإعلام الآلي، عملت كمتطوعة في الهلال الأحمر الجزائري، بعدها تزوجت و غادرت إلى إيطاليا، و هنا عملت على تسليح نفسي ببعض الشهادات كوسيط ثقافي، متطوعة في الصليب الأحمر، لدي كتاب بعنوان «ما وراء الحجاب»، و بصدد التحضير لثاني كتاب لي، كما أهتم بالنشاط الديني لأجل الحوار الديني إسلامي مسيحي، و أنشط اجتماعيا كممثلة عن فرع مشروع «عائشة» بمنطقتي.
أطرح القضايا البسيطة حتى تصل رسالتي
uكيف بدأت ممارسة السياسة و في بلاد أجنبية؟
أعتقد أني بدأت ممارسة السياسة منذ أن وطأت قدماي إيطاليا، فالسياسة موجودة في كامل حياتنا، السياسة في البيت في المجتمع، مع الآخرين، كلنا نستعمل السياسة، لكن الوصول إلى منصب إداري يستلزم الدخول في أحزاب. الممارسة الفعلية للسياسة بدأت حينما استدعيت للحزب الذي أنتمي إليه لأجل المشاركة في الانتخابات فوافقت دون أي تردد، لأن السياسة بهذا المفهوم تساعدني في إيصال رسالتي الاجتماعية و الدينية.
uكيف كان تأثير ارتداء الحجاب على خوضك لغمار انتخابات إقليمية في إيطاليا؟
كامرأة محجبة، الحجاب لم يشكل يوما عائقا لي ، بل هو عائق بالنسبة للآخرين فقط، لأنه اختيار لأي امرأة كما تختار لباسها، إضافة لأني أراه رسالة، فأنا أمارس حياتي بشكل عادي مع الحجاب، و وجودي في المجتمع في أي مكان أستغله لتغيير النظرة عن المرأة المحجبة إلى نظرة إيجابية، سيعلو صوتي بإعطاء إجابات ذكية للدفاع عن الحجاب، و أنا أعمل دون أي عائق ، لكن كمسلمة قبل كل شيء، أعتقد أن لدينا واجب إيصال رسالة الإسلام إلى المجتمعات التي ندخلها، و خير مثال النساء المسلمات مثل السيدة عائشة رضي الله عنها و خديجة رضي الله عنها و علينا أخذهما كعبرة، فالإسلام و الحجاب ليس عثرة أمام ممارسة أي عمل.
uهل تم تقبلك في إيطاليا بسهولة وكيف يُنظر للمرأة المحجبة في هذا البلد؟
لا يهمني آراء الآخرين ما دمت أنتج، و أعيش المواطنة بمفهوم المسؤولية و العطاء و الإنتاج ولو بكلمة، أعمل لأقدم صورة عن الإسلام و لو بابتسامة، ما يزال تقبل المرأة المحجبة في إيطاليا ضعيفا جدا لكنه موجود، ممن يرون فيه اضطهاد لا حرية و يعتقدون أن من ترتديه مسكينة، و وجودنا في السياسة في إيطاليا الديموقراطية العلمانية التي تحفظ الحقوق لأي شخص و لأي ديانة، دليل على أن ارتداءه في أي بلد مهما كانت ديانته ممكن، و لذلك سأستغل هذا لأعيش حياتي بكامل تفاصيلها، فالحجاب لن يؤثر على نشاطي أبدا و لن يوقفه.
أتعامل مع الكنيسة لتكريس حوار الأديان
uنعلم أنك ناشطة ثقافية و اجتماعية أيضا، كيف توفقين بين كل هذه المجالات، و هل تستغلينها لتلميع صورة الإسلام ؟
أوقف بين كل هذه المجالات بتوفيق من الله عز و جل أولا، و كذا حبي لكل ما أمارسه و غيرة على انتمائي و هويتي و ذلك ما يمنحني الرغبة في المواصلة، و غيرتي على ديني تدفعني أكثر على العطاء، و نحن في بلاد الغرب واجبنا الدفاع عن دينينا عن طريق العمل ليس الكلام، كما لا أخفي أن زوجي هو سندي الأول في مسيرتي، فمسؤولية 4 أطفال ليست أمرا سهلا، فهو يساندني و يؤمن بكل ما أقدمه، هو سندي في هذه الحياة من خلال منحي الدفع الإيجابي لأنه يعلم أني أؤمن بما أحارب لأجله ما دمنا نعمل في ما يرضي لله ليكون لنا تأثير في المجتمع.
uحوار الأديان يأخذ حيزا كبيرا من نشاطك، كيف تفعلين ذلك وهل توصلت إلى هدف تقبل المسلمين سيما في ظل سيطرة الإسلاموفوبيا في أوروبا؟
عملت كثيرا مع الجمعيات الدينية في إيطاليا، علينا أن نكون دعاة و لو بكلمة أو إبتسامة، أنا لم أهتم بالأمور الضخمة بل ركزت على البسيطة مثل الأخلاق، عبر إبراز أخلاق الإسلام في الحياة اليومية و فتح باب الحوار مع الآخر، مشكلنا في أوروبا نتكلم عن بعض الأمور بشكل ضخم ما يصعب الوصول لجميع الطبقات و فئات المجتمع، علينا أن نصل لكل الطبقات حتى البسيطة التي تعتبر الأهم و من الصعب إقناعها، و لذلك أرى في أن بساطتي في التعامل مع القضايا ساعدتني لبسط طريقي لتغيير نظرة الكثيرين عن الإسلام إلى الأفضل، خاصة مع الأشخاص المستعدين للتغيير، أما بالنسبة للمتعصبين فلا مجال للحديث عنهم لأنهم لا يتقبلون أي ديانة، علينا أن نعيش أخلاقنا كمسلمين.
زوجي سندي الأول وأنا أم لأربعة أطفال
uتعرضت مع الإعلان عن مشاركتك في انتخابات المجالس الإقليمية لحملة عنصرية شرسة ضد حجابك و إسلامك، هل أثر ذلك على نشاطك و طموحاتك؟
ليست فقط السياسة، أنا كنت منتقدة قبل ذلك، و ليس من الإيطاليين فقط، بل حتى من المسلمين الذين يعيشون في إيطاليا، من أولئك الذين يقولون أن المرأة ليست أهلا لبعض الأمور مثل السياسة، فالمهم أني أعمل فيما يرضي الله، و الانتقادات تعطيني دفعا آخر ، لم أنظر للأمر من الجانب السلبي، فهناك انتقادات تؤخذ بعين الاعتبار، و أخرى هدفها إحباطك و هي التي أرفضها، و الصعوبات تغذي التحدي لشق الطريق.
أكيد في الآونة الأخيرة طالتني انتقادات من العنصريين الذين يعيشون في إيطاليا، إلا أن ذلك خدمني أكثر لأنه أعطاني شهرة أكثر في إيطاليا، و وصل صوتي في جميع أقطار إيطاليا و حتى خارج إيطاليا، و بعد موجة الانتقادات وصلتني العديد من الرسائل من أشخاص لا أعرفهم يرون أني قادرة على إعطاء وجه جديد لإيطاليا ومختلف، كي تدفع إلى الأمام.
تقبل الحجاب في إيطاليا ضعيف
لدينا الكثير من الأشخاص الذين يعملون على مساعدة المسلمين، و هنا أتعامل كثيرا مع الكنيسة و نبحث عن النقاط المشتركية بين الإسلام و المسيحية للعمل فيها و الحوار في الأمور المختلفة بطريقة أخرى، مهم جدا التعامل مع المتدينين بالديانات الأخرى و هذا مهم جدا هنا في إيطاليا.
uماهي طموحات السيدة آسيا في المجال السياسي، و ما الذي تسعين إلى تحقيقه على المدى البعيد؟
أسعى للتعريف بالإسلام، و محاربة الإسلاموفوبيا، لنزع الرهبة و الخوف من جانبنا خاصة كمسلمين ينظر إلينا كأشخاص مثيرين للخوف، واجبنا التعريف بالإسلام لنعيش نحن كمسلمين في سلام في أي بلد غير مسلم، و هو واجب ملح خاصة في الوقت الحالي في ظل الهجمات التي تطال ديننا و تصفه بالراديكالي، والعنيف والمضطهد للمرأة.
أصدرت العام الماضي كتابك «ما وراء الحجاب» حدثينا عنه قليل.
"ما وراء الحجاب" من امرأة أجنبية إلى مواطنة، هو دعوة إلى الذهاب إلى ما وراء الحجاب، لأنه كان دوما في أوروبا عائقا، ليس لي، لكنه ينظر اليه كحاجز أمام الآخرين يعيق الحوار و التعارف، كانت الدعوة للتعرف على آسيا كشخص ما وراء الحجاب، آسيا المرأة التي تروي قصتها في إيطاليا من تحديات، صعوبات، نجاحات، و العديد من المواضيع التي يمكن أن يعيشها أي شخص في بلد غير مسلم.
طرحت إشكالية الاندماج في بلاد الغرب غير السهل، الجوانب الايجابية والسلبية و كيف نجحت في تحقيق مفهوم الإندماج بعد أن أصبحت مواطنة، لأن الأجنبي ينظر له على أنه ليس مواطنا، لكني اليوم أصبحت مواطنة بكوني عنصر فعال في المجتمع و إنسانة لها تأثير، و أسعى من خلاله إلى إعطاء فرصة للوصول للعديد من الأشخاص دون استئذان، فالكتاب يفتح مجال الحوار فيما بين الكاتب و القارئ، و يسهل الوصول إلى تغيير الأفكار؟
كتبت
"ما وراء الحجاب" لطرح إشكالية الاندماج في الغرب
uبعد هذه التجربة الانتخابية وما رافقها من هجمات عنصرية هل ستواصل آسيا بلحاج مسارها السياسي؟
الحمد لله واصلت الإنتخابات، و الأمور السلبية أخذتها بإيجابية، خرجت النتائج اليمين المتطرف فاز بالأغلبية الساحقة لأول مرة في تاريخه، لكن الحمد لله فزت بالمرتبة الثانية من أصل 5 أشخاص على مستوى حزبي، و هذا دليل على وجود أشخاص يؤمنون بقدراتي و بأنني إنسان جديد، خاصة و أن طموحاتي كأي سياسي، ليس المنصب و إنما الوصول إلى فرصة تمنح امكانية التغيير، أكيد المنصب يساعد على الحصول على إمكانيات مادية و معنوية و يمنحك فرصة تغيير المجتمع إلى الأحسن.
إ . ز