أكد الخبير الدستوري الدكتور عبد الكريم سويرة، أمس، أن مشروع التعديل الدستوري المعروض على الاستفتاء الشعبي هو اللبنة الأساسية لبناء الجمهورية الجديدة التي نادى بها الشباب والشعب الجزائري في الحراك المبارك، منوها بالأشياء الجديدة الإيجابية والإصلاحات التي وردت في المشروع ، ومنها ما تعلق بتدعيم وتعزيز الحقوق و الحريات وإضافة حقوق جديدة، مشيرا إلى وجود نقلة نوعية في ميدان ممارسة الحقوق ، ومن جهة أخرى هناك إعطاء صلاحيات مهمة جدا للبرلمان وكذا صلاحيات جديدة بالنسبة للسلطة القضائية تذهب في اتجاه الاستقلالية وأيضا دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وهو ما يعطيها مكانة وحصانة وقوة أكبر، مضيفا أن هذه الوثيقة ستكتسي أهمية بالغة وأن المواطنين هم الذين سيكون لهم الكلام و الفصل فيها.
حاوره: مراد – ح
النصر : تضمن مشروع تعديل الدستور العديد من المواد و الإضافات الجديدة حول جوانب مختلفة، ماذا تقولون في هذا الإطار ؟
عبد الكريم سويرة: حقيقة بالنسبة للأشياءالجديدة الإيجابية في مشروع التعديل الدستوري هي كثيرة ومتعددة، منها على سبيل المثال ، فيما يتعلق بالديباجة أولا ، دسترة حدثين عظيمين بالنسبة للشعب الجزائري وكانا فارقين في مسيرة كفاح الشعب الجزائري ونضاله وتطلعه إلى الحرية وإلى مستقبل أفضل، هو بيان أول نوفمبر المؤسس وما يحتوى عليه من مبادئ هامة وتصور مستقبل للجزائر المستقلة وأيضا ربطه بجسر معنوي من النضال مع الحراك المبارك ل22 فبراير 2019 .
نقلة نوعية في ميدان ممارسة الحقوق
وبالنسبة للمواد والمضامين في الدستور، هناك ما يتعلق بباب الحقوق الأساسية والحريات العامة ، أهم شيء هو تدعيم وتعزيز هذه الحقوق وإضافة حقوق جديدة تتماشى مع التطورات التي يعرفها مجتمعنا والتطورات العالمية وثانيا هناك نوع من إيجاد وتعزيز ميكانيزمات و آليات ضمانة ممارسة هذه الحقوق وهذا هو الشيء المهم جدا، عن طريق تكريس ما يسمى مبدأ الأمن القانوني ومعنى هذا المبدأ الجديد المكرس في الدستور هو أن هذه الحقوق والحريات هي مقدسة بالنسبة للأفراد وعلى مؤسسات الدولة احترامها في جميع الأحوال والظروف، حتى أنه إذا كان للتشريع أن يغير في هذه الحقوق ، فلا يمكن له أن يحدث تغييرا عليها إلا تحت مستوجبات ومبررات النظام العام والأمن العام، أو إذا كان الأمر يتعلق بإحداث حرية أو حماية حرية هي أجدر بالحماية من حرية أخرى وقع عليها التغيير، مما يؤدي إلى استقرار المراكز القانونية في الدولة وبالتالي الوصول إلى هذا الأمن القانوني. وهذا مفهوم جديد ومهم جدا في تكريس ما يسمى بدولة الحق والعدل والقانون.
و أيضا في ميدان الحقوق والحريات دائما، هناك الكثير من الحقوق والحريات الأساسية التي كانت تمارس تبعا لموافقة أو ترخيص مسبق من الإدارة، الآن المؤسس الدستوري غير هذه القاعدة وأصبح بإمكان المواطنين ممارستها عن طريق قاعدة التصريح وفقط، بمعنى أن هؤلاء المواطنين الذين يريدون القيام بنشاط في هذا المجال، فهم يصرحون بذلك للإدارة ويشرعون مباشرة في مزاولة ذلك النشاط ولا ينتظرون الموافقة المسبقة من الإدارة ، والتي كان فيها الكثير من التعسف في إعطاء هذه الرخص.
وهذه نقلة نوعية في ميدان ممارسة الحقوق، وعلى سبيل المثال، النشاطات المتعلقة بالاجتماعات بالنسبة للمواطنين ، بالتظاهر السلمي وكذلك بإنشاء الجمعيات المدنية والأهلية وأيضا إنشاء الصحف المكتوبة ، فهذه النشاطات أصبح بإمكان المواطن بمجرد التصريح أن يشرع في التأسيس لحيثيات هذه النشاطات وهذا شيء مهم جدا.
هناك إعطاء صلاحيات مهمة جدا للبرلمان
وفي ميدان الفصل بين السلطات والتوازن والتعاون، فيما بينها ، أول شيء إعطاء صلاحيات مهمة جدا للبرلمان بصفته سلطة تشريع مكلفة بصناعة التشريع وسلطة رقابة على أعمال الحكومة، فهناك إعطاء صلاحيات كبيرة ولاسيما في عمل الرقابة على أعمال الحكومة .
والدستور يؤسس لحالتين ، في حالة وجود أغلبية برلمانية غير أغلبية الرئيس، فيعين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية ويقدم برنامج وفقا لبرنامج الأغلبية ويكون مسؤولا أمام البرلمان عن تنفيذ هذا البرنامج .
والحالة الأخرى إذا كانت الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني ، تكون مؤيدة لبرنامج الرئيس فهنا يعين وزير أول ويكلف بتنسيق وتنفيذ برنامج الرئيس ، ويقدم مخطط عمل الحكومة ويعرض على المجلس الشعبي الوطني.
وأيضا في ميدان الرقابة رأيتم أن البرلمان يصبح لديه آليات حتى فيما يتعلق بإيداع ملتمس الرقابة الذي يمكن أن ينجر عنه سحب الثقة من الحكومة .
وكذا إعطاء صلاحيات للأقلية والمعارضة في البرلمان من حيث جدولة الأعمال وإلزام الحكومة ببرمجة جدول عمل تعده المعارضة شهريا حول مواضيع معينة، وكذلك فيما يخص إخطار المحكمة الدستورية التي ستعوض المجلس الدستوري الحالي حول شرعية أو دستورية قوانين ترى أنها تخالف الدستور ولكن بحكم أنها أقلية لم تستطع الاعتراض عليها ومنع تمريرها ولكنها تذهب إلى المحكمة الدستورية لتطلب منها هل أن هذا القانون الذي مرر رغما عنها دستوري أو لا.
ويمكن للمحكمة الدستورية إذا اقتنعت بذلك أن تلغي القانون أو حكم من القانون أو غيره وهذه صلاحيات مهمة جدا مع تخفيض عدد النواب الذين يمكنهم أن يقوموا بذلك .
صلاحيات جديدة بالنسبة للسلطة القضائية تذهب
في اتجاه الاستقلالية
وأيضا هناك صلاحيات جديدة بالنسبة للسلطة القضائية تذهب في اتجاه الاستقلالية منها تدعيم تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء بالقضاة الجالسين أو قضاة الحكم ، حيث أصبح عدد القضاة المنتخبين 15 مع الأغلية للقضاة الجالسين، و كذلك ممثلين عن نقابة القضاة و أيضا بالنسبة لإعطاء نيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء للرئيس الأول للمحكمة العليا واستبعاد عضوية وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا منه . وفي كل الأمور المتعلقة بتسيير الحياة المهنية للقضاة ، فهذا المجلس هو الذي يسير هذه الأمور .
وفي المجال التأديبي للقاضي، الجلسة يترأسها دائما الرئيس الأول للمحكمة العليا ، فضلا عن إدراج مواد تتعلق بعدم نقل أو عزل قاضي الحكم أثناء ممارسة مهامه، تحت أي ضغوط أو توجهات سياسية للسلطة التنفيذية أو غيرها فهذا يصبح ممنوع، وكذلك كل إجراء يتعلق بالمساءلة التأديبية للقاضي يكون وفق القانون الأساسي للقضاء والذي سيعاد فيه النظر وفقا للأحكام الجديدة للدستور وتحت مراقبة وإشراك المجلس الأعلى للقضاء .
إضافة إلى إنشاء المحكمة الدستورية عوضا عن المجلس الدستوري وتزويدها بصلاحيات جديدة، ولاسيما فيما يتعلق بفض النزاعات بين السلطات الدستورية وإعطاء أراء تفسيرية فيما يخص تفسير نص أو أكثر من احكام الدستور ، قد يعترضه بعض من الغموض أو ما إلى ذلك .
دسترة السلطة الوطنية للانتخابات تعطيها مكانة وحصانة وقوة أكبر
النصر: كيف تنظرون لدسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ؟
عبد الكريم سويرة : دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات مهمة جدا ، وقد أنشأت هذه السلطة بموجب قانون عضوي وكانت نتيجة التطورات التي حصلت عقب الحراك المبارك وأشرفت كما تعلمون على الانتخابات الرئاسية وكانت لها تجربة مهمة جدا في هذا المجال، بحيث أنها أشرفت على هذه الانتخابات التي أفرزت رئيس جمهورية منتخب من الشعب بصفة ديموقراطية وباعتراف المترشحين الآخرين ، والآن ينتظرها تجربة الاستفتاء وهذه الدسترة للسلطة تعطيها مكانة وحصانة وقوة أكبر، بحيث أنها تصبح السلطة الوحيدة المخولة بالانتخابات ابتداء من التحضير منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى التنظيم والإشراف والرقابة على سير هذه الانتخابات، إلى غاية تسليم النتائج المؤقتة للانتخابات، فيما يخص الاستفتاء و الانتخابات الرئاسية والتشريعية و التي تفصل في نتائجها المحكمة الدستورية بصفة نهائية ، وبالنسبة للانتخابات المحلية فالسلطة تشرف إلى غاية النتائج النهائية ودورها مهم جدا لأنها أصبحت حيادية والانتخابات لم تعد الإدارة تتدخل فيها مطلقا وإنما توفر الوسائل اللوجيستية للسلطة التي لها هيئات و لها تمثيل وطني ومندوبيات على مستوى الولايات والبلديات وهي تقوم بالعملية تقريبا من الألف إلى الياء منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان عن النتائج المؤقتة او النهائية حسب الحالة .
النصر: هل يمكن اعتبار مشروع تعديل الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء في الفاتح نوفمبر المقبل ، خطوة نحو بناء الجمهورية الجديدة ؟
عبد الكريم سويرة : طبعا، بالنظر إلى الأشياء التي ذكرناها فيما يخص هذه الإصلاحات الكبيرة التي جاء بها الدستور والذي يعطي أيضا دور كبير للمجتمع المدني، وإنشاء الجمعيات بمجرد التصريح، وتشجيع الشباب في الولوج إلى الحياة السياسية، حيث سيكون هناك نمط جديد للحوكمة السياسية والتنموية، و إذا ما تم إقرار الدستور من قبل الشعب الجزائري سيعاد النظر في الكثير من القوانين وفي بدايتها القوانين العضوية المتعلقة بالنظام الانتخابي و القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية والقانون العضوي المتعلق بالجمعيات وكذلك القانون العضوي المتعلق بالإعلام والقانون العضوي المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء وعديد القوانين الأخرى انسجاما مع الأحكام الجديدة للدستور المجسدة لهذه التوجهات الإصلاحية .
وتجدر الإشارة أن من شأن قانون الانتخابات الجديد فضلا عن وضع حد للممارسات السياسية المنحرفة التي كانت ترافق العمليات الانتخابية كما تعلق منها باستعمال المال الفاسد في هذه العمليات.
و ستجسد من خلاله أيضا آليات تمكن الشباب من ولوج معترك الحياة السياسية ، الذي مع الأسف الشديد وبالنظر للآداء والرداءة السياسية التي كانت موجودة كان إما مهمشا أو عازفا عن السياسة، وحتى الدولة ستتدخل لمساعدته وبالخصوص في الحملة الانتخابية، لأن ليس لديه الإمكانيات الكافية لمجابهة الآخرين الذين لديهم الإمكانيات المادية لذلك .
فبالنظر إلى هذه التغييرات،اعتقد أن هذه الوثيقة ستكتسي أهمية بالغة والمواطنين هم الذين سيكون لهم الكلام الفصل فيها ، ونحن كمختصين نشرح هذه الآليات والمضامين بالمفهوم الصحيح وتطبيقاتها، وعلى المواطن أن يكون في الموعد ويعبر عن رأيه بكل حرية في هذه الوثيقة المفصلية، التي تعتبر بمثابة عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم والتي ستنبثق عنها كل القوانين الجديدة المؤسسة للحياة السياسية الجديدة ومعالم التنمية المنشودة .
فهذا الدستور هو اللبنة الأساسية لبناء الجمهورية الجديدة التي نادى بها الشباب والشعب الجزائري في الحراك المبارك والتي نطمح إليها جميعا من خلال دستور فيه منسوب كبير من التوافق تبعا للنقاش الثري والاقتراحات التي أدخلت على المسودة الأولية وكذلك من خلال الإصلاحات الهامة التي يقترحها و نأمل ان يكون دستور للجمهورية الجزائرية يعمر طويلا، لأننا لابد أن ننتهي من فكرة دستور أزمة أو دستور مرحلة محددة.