الجـزائر بدأت تستعيـد دورهـا الإقـليمي ولديـها أوراق بإمكـانها أن توظفـها
* استكمال بناء المؤسسات سيساعد على التفرغ للتحديات الخارجية
أكد أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة الجزائر3 ، الدكتور عبد الوهاب بن خليف، أن الجزائر بدأت تستعيد دورها الإقليمي مغاربيا وعلى مستوى الساحل الإفريقي وحتى إفريقيا بالنظر إلى المؤهلات الكبيرة التي تحوزها من أجل أن تكون قوة إقليمية وأضاف أن الجزائر لديها أوراق رابحة بإمكانها أن توظفها لاستعادة مكانتها وهيبتها على المستوى المغاربي و الإفريقي والعربي ، مشيرا إلى التركيز الكبير في الآونة الأخيرة على العمق الإستراتيجي للجزائر ، وهو إفريقيا وخاصة منطقة الساحل الإفريقي.
النصر : تشهد الدبلوماسية الجزائرية ، حركية بارزة على الصعيد الإفريقي في المدة الأخيرة، ما هي قراءتكم لذلك؟
عبد الوهاب بن خليف : هناك حركية عرفتها الدبلوماسية الجزائرية، خاصة بعد عودة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من فترة العلاج في ألمانيا ، وما يلاحظ خلال الآونة الأخيرة، أن هناك تركيزا كبيرا على العمق الإستراتيجي للجزائر وهو إفريقيا وخاصة منطقة الساحل الإفريقي وهذا من خلال الزيارات المتبادلة، خاصة من قبل وزير الخارجية صبري بوقدوم ومسؤولين ماليين، بينهم وزير الخارجية المالي ، وقد مرت مالي في الفترة الأخيرة بمراحل صعبة وكانت الجزائر تدعم مالي خاصة من خلال مسار السلم والمصالحة الذي تم توقيعه في 2015 ، حيث تركز الجزائر على هذا المجهود الدبلوماسي من أجل تعزيز الاستقرار والسلم والمصالحة في مالي ، كما تقف الجزائر أيضا إلى جانب دولة النيجر التي تربطنا بها حدود جغرافية ، كما أن الدعم الجزائري لهذين الدولتين تفرضه الجغرافيا والتاريخ أولا بحكم أن هناك حدودا شاسعة معها ، بالإضافة إلى الإرث المشترك ، العادات والتقاليد والكثير من الروابط الاجتماعية التي تربطنا مع مالي والنيجر وحتى موريتانيا وليبيا وتونس
و لاحظنا، أنه منذ مجيء الرئيس تبون ، هناك توجه جديد نحو عمق إفريقيا ، الذي يمثل عمقا إستراتيجيا مهما بالنسبة للجزائر ، فتصدير المنتجات الفلاحية والاستثمار في إفريقيا سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة مستقبلا على المستوى المتوسط والبعيد، لأن السوق الإفريقية كما نعرف هي سوق بكر .
فالملاحظ، أنه في الآونة الأخيرة هناك زخم دبلوماسي وحركية دبلوماسية عرفتها الجزائر مع الكثير من الدول الإفريقية خاصة مالي، النيجر، موريتانيا ، وأيضا على مستوى مؤسسات الاتحاد الإفريقي وجنوب إفريقيا ونيجريا ، بعد الركود الذي عرفته الدبلوماسية الجزائرية، خاصة خلال العشرية الأخيرة من 2011 إلى غاية 2019 .
وقد تحركت الدبلوماسية الجزائرية، أيضا فيما يخص الملف الليبي، خاصة بعد مجيء الرئيس تبون ، حيث قام وزير الخارجية صبري بوقدوم بزيارة إلى شرق وغرب ليبيا، حيث التقى الكثير من المسؤولين الليبيين وهذا دعم للمسار السياسي للدبلوماسية الجزائرية خاصة وأن الجزائر منذ بداية الأزمة الليبية كانت تؤمن بضرورة حل الأزمة بالطرق السياسية، لأن الطرق العسكرية لا تجدي نفعا والدليل على ذلك أنه بعد تقريبا عشرية من الاقتتال ، فإن المقاربة الجزائرية هي التي تحققت في نهاية المطاف ، ذلك أن حل الأزمة يكون داخليا بين الأطراف الليبية في إطار الدولة الليبية .
النصر : هل يمكن القول أن الجزائر قد استعادت دورها الطبيعي في القارة الإفريقية؟
عبد الوهاب بن خليف: الجزائر بدأت تستعيد دورها الإقليمي ، مغاربيا وعلى مستوى الساحل الإفريقي وحتى إفريقيا ، لأن هناك مؤهلات كبيرة تحوزها الجزائر من أجل أن تكون قوة إقليمية ، دبلوماسيا وسياسيا على مستوى المغرب العربي وحتى على المستوى القارة الإفريقية، لأن الجزائر دولة كبيرة وبالتالي يجب أن تكون لها دبلوماسية كبيرة ، وفي المستقبل القريب أعتقد أن الدبلوماسية الجزائرية ستعرف زخما كبيرا سواء على المستوى المغاربي أو الساحل الإفريقي وحتى فيما يخص قضية الصحراء الغربية ، نلاحظ أن الجزائر سيكون لها دور كبير في هذا الإطار ، خاصة بعد مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة التي تشجع الحل السياسي بالنسبة لقضية الصحراء الغربية .
فالجزائر لديها أوراق بإمكانها أن توظفها لاستعادة مكانتها وهيبتها على المستوى المغاربي و الإفريقي والعربي ، خاصة على المستوى الدبلوماسي بتوظيف الدبلوماسية الاقتصادية من خلال التعاون الاقتصادي مع الكثير من الدول الإفريقية وكذلك الدبلوماسية الدينية خاصة وأن الجزائر تحتضن مقر الزاوية التيجانية في مدينة الأغواط والتي لها أكثر من 400 مليون من الأتباع في الكثير من الدول الإفريقية على غرار دول الساحل وغرب وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى الدبلوماسية البرلمانية من خلال ربط علاقات بين البرلمان الجزائري ومختلف البرلمانات العربية والإفريقية وغيرها من الأوراق الأخرى.
النصر: ماهي العوامل المساعدة على نجاح هذا الدور الإقليمي الذي تقوم به الجزائر في الفترة الأخيرة ؟
عبد الوهاب بن خليف : الشيء الأول هو تعزيز الجبهة الداخلية ، وأعتقد أنه بعد الانتخابات التشريعية المقررة في 12 جوان المقبل وخاصة بعد تعديل الدستور ، فإن الجزائر بدأت تبني مؤسسات شرعية ، فعندما نستكمل بناء المؤسسات داخليا ، الجزائر ستتفرغ بكل قوة لتوظيف الدبلوماسية في الخارج ، والجزائر تملك أوراقا كبيرة ولها علاقات قوية مع دول إفريقية قوية، على غرار نيجريا وجنوب إفريقيا وأنغولا وغيرها والآن بعد بناء المؤسسات وتعزيز وتقوية الجبهة الداخلية، أعتقد أن الجزائر ستتوجه نحو الخارج ،عربيا وإفريقيا، على مستوى الاتحاد الإفريقي من جهة و كذلك على مستوى العلاقات الثنائية مع الكثير من الدول العربية وممكن أيضا على مستوى جامعة الدول العربية.
النصر : تواجه الجزائر العديد من التحديات في هذه الفترة لاسيما على المستوى الإفريقي، ماهي السبل الكفيلة في رأيكم لمواجهتها ؟
عبد الوهاب بن خليف : التحديات كثيرة، نذكر منها تطبيع الكثير من الدول العربية مع الكيان الصهيوني وخاصة المملكة المغربية والتي لدينا معها حدود كبيرة وهذا يشكل تحديا ، وثانيا هناك التحدي الاقتصادي ، مشكل التنمية في إفريقيا مطروح بحدة بالإضافة إلى عدم الاستقرار في الكثير من الدول ، سواء المغاربية أو الإفريقية ، على غرار ليبيا ، مالي ، النيجر وغيرها وأيضا التدخلات الخارجية ، لكن بالمقابل بالرغم من هذه التحديات، نقول أنه ممكن مستقبلا القيام بمجهودات في مستوى هذه التحديات ، فمنذ سنة 1962 والجزائر تعيش تحديات، لكن نعرف دائما كيف نتعامل مع هذه التحديات، وخاصة أن الإدارة الأمريكية الحالية بإمكاننا أن نتعامل معها إيجابيا وممكن أن تدعمنا في الكثير من الأمور، فالإدارة الأمريكية الحالية تدعم الحل السياسي لقضية الصحراء الغربية وهذا مكسب والجزائر يجب أن تستثمر في هذه النقطة وفيما يخص تحدي عدم الاستقرار، الجزائر تقوم بدعم الاستقرار في مالي والنيجر وليبيا وتدعم بناء المؤسسات في هذه الدول .
وبالنسبة لتحدي التنمية، نلاحظ أن الجزائر تسعى للتوجه نحو إفريقيا من خلال التصدير نحو القارة الإفريقية، حيث سيفتح ميناء الحمدانية آفاقا كبيرة للاستثمار نحو إفريقيا، خاصة بعد ربطه بالطريق العابر للصحراء وأيضا طريق الحرير، ستكون له انعكاسات إيجابية على الدول الإفريقية .
حاوره:مراد -ح