كشف ابن نجم الكوميديا الراحل رويشد، الممثل القدير مصطفى عياد في لقائه بالنصر، على هامش تظاهرة الربيع المسرحي القسنطيني، جانبا خفيا من حياة والده، الذي ترك بصمته في عالم التمثيل بأعمال تلفزيونية و مسرحية لا يزال الجمهور يستمتع بمشاهدتها مثل «حسان الطاكسي» و «حسان طيرو»، كما تحدث عن علاقته بوالده الذي عارض دخوله عالم التمثيل، و عن الصداقة الوطيدة التي جمعت رويشد بعميد المالوف محمد الطاهر الفرقاني، كما أشار في هذا الحوار إلى عاداته الرمضانية، و عن سر غيابه مؤخرا عن الشاشة، و رفضه المشاركة في أعمال أجنبية، مضيفا أنه يستعد لإصدار نسخة باللغة العربية لكتاب «أبي صديقي» الذي كتبه عن والده، كما يستعد لإصدار كتاب يوثق مسيرته الفنية و علاقته بوالده.
حاورته : أسماء بوقرن
. النصر: تعد من الفنانين الكبار الذي اقترن ظهورهم في سنوات مضت بمسلسلات درامية ك»البذرة»، غير أنك غبت عن الساحة، ما السبب؟
ـ مصطفى عياد: غبت عن الساحة الفنية منذ أكثر من سنتين تقريبا مضطرا، فقد أتيحت لي عروض عمل جزائرية، غير أنني لم أتمكن من تلبيتها، كما اضطررت لرفض عرضين للتمثيل في سلسلة ألمانية و فيلم فرنسي مع أكبر نجوم الفن و ذلك نتيجة وضعي الصحي، حيث أجريت عملية جراحية و أحمد الله أنها كللت بالنجاح و حاليا أنا في فترة نقاهة، و سأعود للعمل بعد انقضاء شهر رمضان إن شاء الله.
تلقيت عرضين للمشاركة في سلسلة ألمانية و فيلم فرنسي
. هل سنراك في أدوار مختلفة عن الرجل الصعب و الشرير الذي عهدناك تؤديهما و هل أنت الذي تفضل هذا النوع من الشخصيات؟
ـ حقيقة الجمهور ألفني في شخصية الرجل الصعب و «المافيا»، و أنا لا أختارهما و إنما تقترحان علي، و لا أعلم السبب الذي يجعل المنتجين يفضلونني في أدوار كهذه، بالرغم من أنني أميل أكثر إلى الأدوار الكوميدية، لكن لم يسبق و أن تلقيت عرضا لأداء دور كوميدي.
. تركت بصمتك في أعمال فنية ناجحة، لا يزال الجمهور يستمتع بمشاهدتها، في نظرك ما هي أفضل المسلسلات التي قدمتها خلال مسارك الفني؟
ـ مسلسل «البذرة» من الأعمال التي رضيت عن أدائي فيها، و حققت تفاعلا جماهيريا منقطع النظير، و كان الجمهور ينتظرنا أنا و الممثل محمد عجايمي الذي كان يقطن بجواري. لاحظت أن المشاهدين عاشوا قصة العمل و تفاعلوا مع شخصيتي من خلال ردود فعلهم في الشارع، فكانت النساء توبخنني لأنني تزوجت زوجة صديقي في العمل، كما يعد مسلسل « الربيع الأسود» الذي حصدت بفضله جائزة الفنك عن أحسن تمثيل، من أعمالي المفضلة، و أديت فيه دور رجل صعب و متسلط.
. تعد من الممثلين الذين تمكنوا من تحقيق الشهرة في عالم المسرح و التلفزيون و كذا السينما، أين تجد نفسك أكثـر؟
ـ أرتاح أكثر على الخشبة و أرى بأن لها سحرا خاصا، و أجد نفسي في المسرح الذي يعد مجال تخصصي و الإطار الذي تكونت جيدا من أجل العمل فيه، غير أنه يعد أصعب من السينما و التلفزيون اللذين أجد العمل بهما سهلا.
المسرح متعب جدا، حيث أعمل نحو 3 أشهر لأخرج مسرحية، أبدأ بعدها في التحضيرات مع الممثلين، إذ أنتهج طريقة مغايرة في الإخراج، حيث أقوم بتصوير تدريبات مشاهد العرض على مدار اليوم ككل، لأعيد مشاهدتها ليلا لتصحيح الأخطاء، و هي منهجية سلكتها منذ دخولي مجال الإخراج بإعادة مسرحية والدي « حسان طيرو»، فقدمت نتائج نوعية، لكن أؤكد بأنه و بالرغم من النجاح الذي تحققه على الخشبة غير أن النجومية يصنعها التلفزيون كما يعد مردوده المادي أحسن .
. ما هي العروض المسرحية التي قدمتها و ترى بأنها الأنجح؟
ـ من العروض التي قدمتها و حققت نجاحا، مسرحية «في انتظار المهدي» قدمتها بولاية عنابة، و تعد من العروض الأحب لي، و كذا عرض «قالوا لعرب قالوا» و الذي أخذت فيه أول دور رئيسي و تدربت عليه جيدا، و كذلك عرض «حسان طيرو» و «البذلة البيضاء» مع فلاق و رماس و دليلة حليلو، و غيرها من العروض.
المرض أبعدني و سأعود إلى الساحة الفنية بعد رمضان
. تعد الوحيد بين إخوتك الذي سلك طريق الفن، هل شجعك والدك على ذلك، أم عن رغبة أو صدفة؟
ـ لم أكن أتوقع أن أسلك طريق والدي، حيث كنت منخرطا في صفوف الكشافة الإسلامية و أمارس مختلف الأنشطة من بينها المسرح، و سحرتني الخشبة، خاصة عندما أرى تفاعل الجمهور مع ما أقدمه، كنت حينها في 16 سنة من عمري. بعد ذلك كنت ألح على والدي ليأخذني معه للمسرح، و كنت أشاهد عروضه، حينها عشقت فعلا الخشبة، و انبهرت بأداء الممثلين الكبار، و بتفاعل الجمهور معهم، و تحمست أكثر لولوج هذا المجال، و حولت تركيزي من الدراسة إلى الفن، لكن والدي عارض دخولي المسرح، نظرا للظروف الصعبة التي يتخبط فيها الفنان، و لم يشأ أن أكرر تجربته، غير أنني كنت مصرا على ذلك.
ساعدني في البداية صديق والدي مصطفى كاتب، مدير المسرح الوطني آنذاك، و أقنع والدي الذي كان يفضل أن أتابع دراستي، و ظل مصرا على تعليمي، و سجلني بمدرسة متخصصة ببومرداس للتكوين في الهندسة البترولية، غير أنني كنت أتغيب و أذهب إلى المسرح.
. هل سبق و أن عارضت دخول أحد أبنائك عالم الفن؟
لا، و لا أتمنى لهم ذلك، الحمد لله أنهم تابعوا دراستهم و أنا سعيد بنجاحهم اليوم.
. تلقيت تكوينا في السنوات الأولى بعد الإستقلال في فن المسرح، كيف كان ذلك؟
ـ نعم، التحقت سنة 1968 بمعهد برج الكيفان، أين درست فن المسرح لمدة أربع سنوات على يد عمالقة المسرح و التلفزيون منهم فرنسيون، كما كان المعهد ينظم أياما تكوينية يؤطرها أساتذة أجانب و مصريون درسنا على أيديهم تاريخ المسرح و الحضارة الإسلامية، عددهم يفوق 20 أستاذا، و كان المعهد يبرمج دوريا عروضا مسرحية أجنبية ثم ينظم لقاءات مع الممثلين المشاركين في العرض، خلافا لما نراه اليوم حيث يشرف 4 إلى 5 أساتذة على تكوين الطلبة على مدار سنوات التخصص، و ذلك لن يصقل موهبتهم لأن تكوينهم محدود. يؤسفني جدا رؤية شباب يتمتع بالموهبة و برصيد ثقافي، غير أنه يفتقر للتوجيه، ما جعلهم افتراضيين يحصرون الفن في الصور.
و أشير هنا إلى أنني التحقت سنة 1973 بالمسرح بعنابة مع الممثل سيد أحمد أقومي الذي كان مديرا للمسرح أنذاك، و أقمت هناك مدة طويلة و كنت أبيت بغرف تغيير الملابس، من أجل تحقيق ما أصبو إليه، غير أنني بعد زواجي عدت إلى العاصمة. و من بين الأسباب أيضا التي دفعتني للعودة إلزامي من قبل مدير المسارح الجهوية آنذاك، بالمشاركة في مسرحية عنوانها «فرسوسة و الملك» باللهجة المغربية، فرفضت، لأني أرفض أن يمارس علي التعسف، امتثالا لإحدى وصايا والدي.
والدي الفنان رويشد اشتغل ملمعا للأحذية و حمالا
. هل هناك وصية أخرى قدمها لك والدك في مجال التمثيل؟
ـ والدي أوصاني بأن أكون صريحا و صادقا و أن أحافظ على شخصيتي القوية و عدم الانصياع لأحد مهما كان، لأن الفنان الذي ليس له موقف أو «النيف» ليس فنانا، و قررت التقاعد المسبق، لأنني أرفض أن يسير المسرح دخلاء، فقد تم تنصيب سيدة مختصة في الرقص كمسيرة له. أوصاني والدي أيضا بتجنب كثرة الظهور في التلفزيون، حتى لا يملني المشاهدون.
. أسست بعد تقاعدك جمعية «أصدقاء رويشد»، و فضلت أن تنشط في إطارها، حدثنا عن ذلك..
ـ أسستها سنة 2003، و أطلقت عليها تسمية «أصدقاء رويشد»، و عينت الممثلة الراحلة فتيحة بربار على رأس الجمعية، و ظلت تشرف عليها إلى أن وافاها الأجل. الغرض من الجمعية هو لم شمل الأسرة الفنية، و اقترحت حينها على المخرج عبد القادر طاجير، إخراج مسرحية والدي «البوابون» ، و جسدتها بالرغم من الصعوبات المادية التي تعرضنا لها، بعد ذلك أخرجت مسرحية «حسان طيرو» المستوحاة من قصة واقعية، عشت تفاصيلها و لا أزال أتذكر تفاصيلها، و تعد أول مسرحية أخرجها في مسيرتي، و أضفت إليها أشياء لم يوظفها والدي في العرض، بحكم أنني عشتها، كمشهد استشهاد جارنا الأصم على يد المستعمر، كما وظفت أكثر العنصر النسوي.
. لم تكتف بتأسيس جمعية تكريما لروح والدك، و إنما اقتحمت من أجله مجال الكتابة، و أصدرت كتابا يوثق لحياته، هل هو فاتحة لمؤلفات أخرى؟
ـ حقيقة، ألفت كتابا حول حياة والدي رحمة الله عليه، باقتراح من قريب، ترددت في البداية بحكم أنني لست كاتبا، غير أن قريبي أقنعني بأنه لا يوجد من يعرف والدي أفضل مني، بعد ذلك اقتنعت بالفكرة و شرعت في تجسيدها، بوضع محاور عامة و تصور للكتاب قبل مباشرة الكتابة، و استندت في ذلك إلى مؤلف سبق و أن كتبه والدي، أبرز من خلاله معاناته المريرة في الصغر و حياته ككل، حيث فقد والديه و هو طفل صغير و تكفلت أخته الكبرى برعايته، و كان وضعه المادي مزريا للغاية، ما دفعه لاقتحام عالم الشغل مبكرا جدا، و مارس مختلف الأنشطة، إذ اشتغل ملمعا للأحذية و حمالا، و هذا جانب من حياته يجهله الكثيرون، كما تطرقت لجانب آخر من حياته لا يعرفه الكثيرون أيضا، و هو نضاله في سبيل الوطن، حيث يعد من كبار المجاهدين خلال الثورة المظفرة، و أنا شاهد على ما قدمه، كما استندت في كتابة ذلك إلى الحكايات التي سردها علي والدي و جدتي و عمي.
والدي عارض دخولي التمثيل
. صرحت بعد إصدار كتاب «أبي صديقي»، بأنك تفكر في إصدار نسخة ثانية بالعربية؟
ـ فعلا، قررت إصدار نسخة ثانية باللغة العربية، لكن الجائحة حالت دون تجسيد ذلك، و أريد أن تكون نسخة منقحة، لتدارك الأخطاء التي تضمنتها النسخة الأولى و كذا الأخطاء الإخراجية، و أشير هنا إلى أن سبب اعتمادي على اللغة الفرنسية، هو أنني لا أجيد الكتابة بغيرها، و قد باشرت منذ مدة أيضا تأليف كتاب يوثق لمسيرتي، و نسبة جاهزيته بلغت 80 بالمئة، أتطرق فيه لطفولتي، و علاقتي بوالدي.
. حدثنا عن طبيعة علاقتك بوالدك؟
ـ عندما كنت صغيرا كان والدي مهتما بالنضال و الفن، و كان يقضي معظم وقته خارج البيت، و لم يكن حتى يتابع دراستي أنا و إخوتي، خاصة بعد نيل الاستقلال، إذ أصبح يتمتع بشهرة فنية و يقوم بجولات مسرحية عديدة، ما جعله يغيب أكثر عن البيت، فقد كانت عمتي الكبرى تتكفل بنا، فوالدتي توفيت و نحن صغار، كان عمري 13 سنة و إخوتي أقل مني سنا، بعد ذلك تزوج والدي مرتين، غير أن زواجيه لم يكللا بالنجاح. عشت طفولة مضطربة نوعا ما، لأن غياب الأم أثر كثيرا على الاستقرار العائلي، لكن علاقتي بوالدي توطدت أكثر عندما تقدم في السن، حيث لم أكن مقيما معه ، و يبعد بيتي عن بيته بنحو 7 كيلومترات، غير أنني كنت أزوره يوميا و أبقى معه مطولا، كان يحب التحدث إلي و توطدت علاقتنا أكثر و أصبحنا بمثابة صديقين، لهذا عنونت كتابي « أبي صديقي».
. من كان الصديق المقرب لوالدك من الأسرة الفنية؟
ـ والدي كانت تربطه علاقة وطيدة بعميد أغنية المالوف الراحل محمد الطاهر الفرقاني، فكانا يتبادلان الزيارات و يلتقيان كثيرا، و ربطت العائلتين علاقة قوية. بعد رحيل والدي اتصل بي الحاج الفرقاني و أكد لي أنه يحب كثيرا لوالدي، و طلب مني مجموعة صور تجمعهما ، فقلت له بأنها ليست بحوزتي. بعد ذلك فاجأته في حفل تكريمي نظمته الإذاعة الوطنية على شرفه، بإهدائه ظرفا يضم عدة صور له مع أبي، و قد سعد و تأثر كثيرا بذلك.
. هل مصطفى عياد من الأشخاص الذين يؤثر عليهم الصيام؟
ـ لا أبدا رمضان لا يؤثر علي إطلاقا، بالعكس أكون في منتهى الراحة، و أصنع جوا من الفكاهة مع التجار و الزبائن في السوق، و أتحدث مع كل بائع أشتري من عنده، فعلاقتي وطيدة جدا معهم.
أقرب صديق إلى رويشد المرحوم محمد الطاهر الفرقاني
. ما هي الأطباق التي تشتهي تناولها؟
ـ لا أنا لا أتشهى الأكل في رمضان، المهم أن تكون الشربة و السلطة حاضرتين على المائدة، و أكتفي بتذوق ما تحضره بناتي اللائي تجربن وصفات جديدة .
. هل تتابع برامج رمضان في التلفزيون الجزائري؟
ـ أشاهد ما تبثه الشاشة الجزائرية في وقت الإفطار فقط، فأتابع «الكاميرا الخفية» و سلسلة فكاهية ك «عاشور العاشر» .
أ. ب