شهــــرة «الجوزيــــة» بلغـــــت العائلـــــة المالكـــــة بالكويـــــت
تأسفت سميرة فريمش، الإعلامية الجزائرية المقيمة بالكويت، لما بلغته بعض القنوات العربية والجزائرية من انحدار و إفساد للذوق العام، بتناولها لمحتويات و برامج ساهمت، كما قالت، في تخلف المجتمعات، على غرار إثارتها لمواضيع السحر والشعوذة، في الوقت الذي تزايدت فيه الحاجة إلى دور الإعلام في تنوير الرأي العام، كما تحدثت سميرة فريمش في هذا الحوار عن يومياتها الرمضانية و حكايتها مع الحنين لأرض المنبت قسنطينة، و حلوى الجوزية و رواجها في الكويت، إذ بلغت شهرتها العائلة المالكة .
حاورها : عثمان بوعبدالله
. النصر: عكس الكثير من الإعلاميين الجزائريين الذين ذاع صيتهم عبر الفضائيات العربية، حققت نجاحك بعيدا عن الأضواء، في جريدة مكتوبة وبلغت مرتبة راقية بتوليك مهام إدارية، في واحدة من أكبر المؤسسات الاعلامية الكويتية، هل كانت المسيرة سهلة و كيف بدأت و استمرت؟
ـ سميرة فريمش: كان تحد للنجاح و البروز، خصوصا و أنا بأرض الغربة في الكويت، هذا البلد الذي لم يعد بالنسبة إلي مجرد موطن للإقامة، بل البلد الذي أحببته و أعيش فيه، المسيرة لم تكن سهلة، و مرت عبر مراحل، فهناك أشخاص يؤمنون بقدراتنا و يمنحوننا الثقة، على غرار رئيس التحرير الدكتور عمار بوخميس الذي آمن بقدراتي، و وضع ثقته بي، فليس من السهل أن تمنح مسؤولية في وسيلة إعلامية لامرأة لا تحمل الجنسية الكويتية، وهذا دليل على الثقة في أن أمنح شرف و مسؤولية إدارة الموقع الإلكتروني لجريدة النهار الكويتية، و مسؤولة في نفس الوقت على إدارة الشؤون السياسية و الدبلوماسية للجريدة، خصوصا وأن ملف الإعلام في الكويت أصبح له دور مهم وثقيل، لما تمر به المنطقة من مرحلة ساخنة، و ما أزمة الربيع العربي و الصراعات في اليمن وسوريا و الملف النووي الإيراني و غيرها من التجاذبات، إلا دليل على ذلك، فمن الصعب تحمل مسؤولية كهذه و أن تكون في مستوى الثقة التي وضعت فيك .
بالعودة إلى بداياتي الأولى، فبعد تخرجي من كلية الإعلام بالجزائر العاصمة، عينت ضمن المستشارين في لجنة استحدثت بعد دخول الجزائر في استحقاقات انتخابية في فترة منتصف سنوات التسعينات، سافرت بعدها إلى الإمارات، أين اشتغلت في مركز التنسيق و المتابعة وهي هيئة سياسية تابعة للجامعة العربية، لكنها أغلقت في ما بعد، و اضطررت حينها إلى أن أعمل صحفية مترجمة بأخبار العرب و الوطن الإمارتية، وهنالك تعلمت أساسيات العمل الإعلامي الميداني و ما تعنيه مهنة الصحافة وكيف أجيد الترجمة، من خلال الاحتكاك بزملاء و التعامل مع مدراء تحرير و أساتذة كبار ساهموا في تكويني، و كان من بينهم رئيس جمعية الصحفيين الكويتيين، وكما يقال لكل بداية نهاية، فقد أنهيت تجربتي بالإمارات، لأتوجه مع زوجي إلى بلده الكويت، أين عملت في وزارة الإعلام و بجريدة العربي، وهي سفيرة الثقافة الكويتية في العالم، كما كنت أقدم و أجري حوارات في تلفزيون الكويت مع مسؤولين كبار، لألتحق بعدها بصحيفة النهار الكويتية .
أصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له
. بحكم التجربة المكتسبة كإعلامية و مديرة موقع الجريدة و القسم السياسي و الدبلوماسي، كيف تنظرين إلى واقع الإعلام العربي، لا سيما في ظل الظروف الجيو سياسية لما بعد ثورات الربيع العربي، وبروز صراعات النفوذ و المصالح إلى واجهة الأحداث في معارك اعلامية عادة ما تغذيها أنظمة ولوبيات ؟
ـ حال الإعلام العربي حاليا لا يختلف عن حال الأمة، فهو غارق في الصراعات و المآسي، ولا يزال يعزف في هوى السلطة و يسير وفق توجهاتها، لا أقول أن الإعلام العالمي يحظى بمصداقية مطلقة، لكن على الأقل يحوزون على قدر كبير من حرية الوصول إلى المعلومة، حتى و إن لم تنشر لدواع ما، أما في الاعلام العربي، فحتى القنوات التي تدعي أنها تحرص على تقديم و ضمان الرأي و الرأي الآخر في تغطياتها، كشفت الصراعات والأزمات و أزمة الخليج الأخيرة عن حقيقتها و دورها وانحيازها، فالكثير من المؤسسات الإعلامية والقنوات أصبحت تشعل فتيل الصراعات وتنحرف عن المألوف كما أنها تدوس على أخلاقيات مهنة الإعلام دون خجل، و زيادة على هذا، نسجل تأثر الكثير من القنوات بمحتويات مواقع التواصل الإجتماعي، وهو ما يتجسد في سرعة نقل الأخبار التي عادة ما ينكشف أن بعضها مغلوطة و مجرد إشاعات و دعايات مغرضة، للأسف أصبح لمثل هذه الانزلاقات، مكان في وسائل الإعلام، بحجة السبق و الآنية، سرعة نقل الأخبار من المواقع الإلكترونية و تداولات المواطنين، كما أصبح الاعلام مهنة من لا مهنة له .
مستوى النقاش ببعض البلاطوهات لا يرقى إلى الملفات المطروحة
. ما موقع الإعلام الجزائري من كل هذا ؟ و أين يكمن الخلل إن وجد ؟
ـ للأسف الشديد أعتقد أن الاعلام الجزائري أزمته أكبر و أوسع و المسؤولية تزايدت على الصحفيين، إذ نلاحظ تحولا كبيرا في العديد من المؤسسات الإعلامية، التي كان لها وقع و تأثير كبيرين على الرأي العام، زد على ذلك لا يمكن إخفاء ضعف بعض الصحفيين، فمنهم من يخطئ حتى في الكتابة، ناهيك عن مستوى النقاش ببعض البلاطوهات الذي لا يرقى إلى الملفات المطروحة في ظل محدودية مستوى المحللين والضيوف، في وقت تحتاج الملفات الهامة إلى محللين و سياسيين لهم كفاءة و تجربة و تمرس وعمل ميداني.
كما نلاحظ أن بعض القنوات أصبحت تفسد الذوق العام. كانت لدينا قناة واحدة عادة ما توجه لها انتقادات، لكنها لم ترتكب كل هذه الأخطاء، هناك دخلاء على الإعلام أفسدوا الذوق العام، و ساهموا في «تخلف» و «انحدار» فئات من المجتمع، لأن رسالة الإعلام لتهذيب الذوق وتوجيهه و إمداده بالمعلومة التي تفيده، و ليس لنشر الشعوذة و السحر، بل هذا تشويه وانحراف خطير.
. ألا ترين، أن وباء كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، أثرا على مداخيل المؤسسات، وأن الفارق الكبير في الإنفاق و الدعم المالي، له دور في ضبط السياسات الإعلامية للدول وتفوقها، في وقت تحولت بعض المؤسسات الإعلامية إلى ما يشبه الملاحق و الأذرع الدبلوماسية والسياسية للدول التي تمولها؟
ـ الإعلام العالمي بأسره تأثر، سواء قبل ظهور وباء كوفيد 19، أو بعده،لأن أغلب الدول تمر بأزمات، سواء كانت المؤسسات الإعلامية تابعة للدول أو خاصة، حتى القطاع الخاص تأثر تأثرا كبيرا و أغلب المؤسسات تعتمد في دخلها على الإعلان، يضاف لذلك ارتفاع كلفة البث و الطباعة و الورق ، ففي هذه الحالة يبقى بحاجة إلى دعم و إذا تعثر و لم تكن هناك مصادر للدخل، يتحول للاعتماد على أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة، و يتم اللجوء إلى تغطية العجز بإنتاج ضحل يعتمد على التفاهة و سفاسف الأمور، لكن بعض الدول التي تحترم مهنة الإعلام، تحرص على توفير الدعم الكافي للمؤسسات الإعلامية، بالنظر إلى يقينها بأهميتها ودورها الفعال في إنارة الرأي العام و المجتمع، كما أنها مؤسسات توفر مناصب عمل .
زيادة على ذلك يمكن أن يقدم دعم للإعلام عن طريق الاعلانات أو دعم مالي مباشر، فمثلا أنا أعمل في مؤسسة خاصة، حتى و إن لم تحقق أرباحا، لكن صاحب المؤسسة يحقق فوائد و امتيازات غير مباشرة، يوفرها له الحضور الإعلامي في الكويت و خارجها، خاصة ما تعلق منها بالحصول على مشاريع للترويج لأعماله في الخارج، فضلا عن كونها بوابة اعلامية كويتية.
الصحافة الجزائرية يمكنها الاستفادة من باحثين برزوا في الخارج
. برأيك، ما الذي ينقصنا في الجزائر للنهوض بقطاع الإعلام، في ظل المنافسة المتزايدة لكسب الجمهور و تحقيق مطلب التأثير على الصعيدين العربي والعالمي؟
ـ تنقصنا المصداقية في نقل المعلومة و الشفافية في التعاطي مع الإعلام،و تنقص مراكز التكوين، فخريج كلية الإعلام لا يعني أنه صحفي، الصحافة شغف بالمهنة وثقافة واسعة و تكوين متواصل، وإذا افتقرت لهذه الركائز لن تكون صحفيا متميزا، و هذا لا يعني أن نغض الطرف عما يحيط بالصحفي، فحتى ظروف العمل تلعب دورا مهما، و في حال عدم توفر التسهيلات و وسائل العمل، كيف يطلب منك أن تكون صحفيا مميزا، و بالعودة إلى مسألة التكوين، فالجزائر تتوفر على باحثين مميزين ليس في الجزائر والمشرق فقط، بل حتى في أوروبا و أمريكا و كندا، يتقنون عدة لغات وبلغوا مراتب عالمية، فلماذا لا نستفيد من تجربتهم و معارفهم، و لماذا الاعتماد فقط على المحلي؟ الإعلام لا يخضع للمحسوبية .
أستغل رمضان لشحن بطاريات الروح
. بعيدا عن الإعلام و هموم العمل، كيف تقضين يومياتك الرمضانية ؟
ـ رمضان شهر الخير الدائم، كما في الأيام العادية استيقظ باكرا، أتوجه للشغل،و نراعي تدابير الحجر، فنحن نعيش ظروفا خاصة متعلقة بالوقاية من وباء كورونا، و الحجر الجزئي المفروض من حكومة الكويت، يبدأ من الساعة الرابعة فجرا إلى السابعة مساء، إذ لا يسمح خلالها بالخروج، إلا لمن له ترخيص.
عند الرجوع إلى المنزل أقوم بتحضير وجبات الإفطار، أما في السهرة فأخصص جزءا من الليل للصلاة و العبادة و قراءة القرآن، و ما يتغير عن يومياتي العادية هو السهر الطويل و الشراهة للقراءة، أصر دائما على أن أستثمر وقتي في هذا الشهر لشحن بطاريات الروح، و يزداد حرصي في العشر الأواخر، لعلها تكون مكفرة عن ذنوبنا.
. البعد عن أرض الوطن، ظهور وباء كورونا و ما تبعه من اجراءات الغلق، لا شك أنه حرمك من أجواء رمضان القسنطينية..
ـ أكيد الحنين إلى الوطن دائم، لا يتعلق برمضان فقط، فمنذ ظهور وباء كورونا أصبح من الصعب التنقل، حيث لم أزر قسنطينة و الجزائر منذ مدة تزيد عن عام و نصف، ذهبت فيها مضطرة و بصعوبة بعد وفاة والدي رحمه الله، ولم أحضر أجواء رمضان بالجزائر منذ مدة، لكنها حاضرة في وجداني و على مائدتي، فطبق الطاجين الحلو دائم الحضور على المائدة، حتى لو لم أتناوله، فهو يتنقل معي من بلد إلى آخر، وكأنه عنوان رمضان، أحرص أيضا أن تكون المائدة متنوعة و لو أن الكويت بلد خير، فالعرب لهم نفس الشغف برمضان، والحرص والأجواء الرمضانية موجودة بجميع الدول، وأنا أعيش في الكويت التي بها أكثر من 120 جنسية، أغلبهم مسلمون.
. كيف تعوضين هذا الفقد و الحنين إلى السهرات و جلسات الإفطار العائلية؟
ـ في رمضان سهرات و زيارات و (عبقات) ما بعد الفطور، و هي سمة يتميز بها أهل الكويت، في سهرات متنوعة و فاخرة يدعى إليها العديد من الشخصيات الرسمية و العائلية، ويوفر فيها كل ما لذ و طاب، كما أنها فرصة للحديث في مختلف القضايا السياسية والثقافية، لكن كورونا افقدتنا هاته الأجواء الرمضانية، و تبقى قسنطينة هي المدينة التي تسكنني و أفتخر بها، هي مبنية على جبل، أعطت لأبنائها ثقافة الصلابة في المبادئ والقرارات و مدتهم بجسور العلم و المعرفة، فكانت معطاءة لهم و ليست قاسية عليهم، كما يروج البعض، و هذا هو الفرق، تمنيت أن أقضي شهر رمضان مع الأهل، لكن الظروف لم تسمح بذلك .
أسعى دائما للتعريف بالموروث الجزائري
. ما هي علاقتك بالمطبخ، و ما هي أهم الأطباق التي تحرصين عليها طيلة الشهر الفضيل ؟
ـ لا تسأل قسنطينية عن علاقتها بالمطبخ، فهذا أكيد وهو متوارث من الأم التي تهتم ببناتها و تعلمهن تدبر أمور المنزل من الصغر. مهمة الطبخ من مهامي الرئيسية في البيت إذ تعودت على تحضير الأطباق وكل من يتذوق طعامي يتلذذه، طورت طريقة الطبخ بإضفاء لمسات عصرية، فمثلا أحضر طبق الشخشوخة بشكل مختلف عن الطريقة التقليدية، و أضيف له نكهة عصرية، لكن أبقي على الأساس من مطبخ أمي.
الحاجة الوحيدة التي عادة ما أفتقدها هي «الكسرة»، رغم أنني أستطيع تحضيرها، و اقتنيت «الطاجين» الخاص بها، وحتى مستلزمات تحضير طبق الكسكسي من القدر و الإناء الذي يوضع فيه الكسكس، كل شيء موجود هنا، لكن الوقت غير متوفر، اذ أجد صعوبة في التوفيق بين العمل و التزاماتي المنزلية والعائلية . على فكرة، الكسكسي متوفر هنا في الكويت، من شركات فرنسية وتونسية،و هنا أفتح قوسا لماذا لا تفتح الجزائر جسرا للتصدير نحو دول المشرق، في حين يتم التركيز على دول أوروبية بعينها دون أخرى؟ توجد جالية كبيرة بالمشرق و لها تأثير، عددنا في الكويت لا يتعدى الألف، لكنهم إطارات كبار من طيارين و أساتذة جامعات و باحثين و إعلاميين، لكن للأسف آخر همنا هو الترويج لمنتوجنا، على سبيل المثال أحاول دائما التعريف بموروثنا، ولا أخفي عليكم أن حلوى الجوزية ترافقني أينما ارتحلت، وهي هديتي لجميع الأصدقاء والمقربين، لهذا أصبحت معروفة و لها شعبية في الكويت، حتى من الأسرة الحاكمة، وهي هديتي المفضلة للجميع من أهل زوجي و أصدقائي، فعادة ما أنقل كميات كبيرة منها خلال سفرياتي من قسنطينة.
ما ينقصنا هو لمة الأحباب، فرغم أن زوجي إنسان رائع و راق و اندمجت في عائلته، إلا أنني أشعر دائما بالحنين إلى لمة الأهل والعائلة، وما أريد قوله أن العلاقات الإنسانية أرقى، ما دام الغنى لا يصنع الانسان، بل الصدق والاحترام
ع/ ب