الاستعمار الفرنسي تعمد طمس التراث النوميدي بالجزائر
أكد رئيس مصلحة التنشيط و الورشات البيداغوجية والاتصال بالمتحف العمومي الوطني سيرتا بقسنطينة، بن زراري عبد المجيد، أن الجزائر تزخر بموروث ثقافي يدعو للافتخار، جعل السياح الأجانب يزورنه من كل بقاع العالم، وقال في حوار للنصر إن الاستعمار الفرنسي سعى لطمس كل ما ليس له علاقة بالحضارة الرومانية، ليضيف أنه لاحظ زيادة في إقبال المواطنين على المتحف في الفترة الأخيرة.
حاوره: حاتم بن كحول
تتواصل ظاهرة تهريب التحف والآثار من الجزائر نحو الخارج. من وجهة نظرك كيف يمكن الحفاظ على هذا الموروث الثقافي؟
نعم، حقيقة ظاهرة التهريب تفشت كثيرا خلال الآونة الأخيرة، ما جعلنا نكثف من دورات التكوين الخاصة بأعوان الجمارك وحتى الدرك الوطني، حيث نظمنا قبل أيام الطبعة الرابعة في فائدة أعوان الجمارك، والأولى بالنسبة للدرك الوطني وذلك تحت شعار «حماية التراث الثقافي المحلي».
كيف تفيد هذه الدورات في مكافحة ظاهرة تهريب الآثار؟
الأيام التكوينية، نخصصها في التعريف وإفادة هذه الفئة النظامية بالموروث الثقافي و كل ما له علاقة بالتراث، ويتم من خلال الدروس الميدانية المقدمة، كشف تقنيات تُمكّن أعوان الجمارك أو الدرك الوطني من التفريق بين الآثار المقلدة و الصحيحة، وذلك من أجل كشف المهربين أثناء محاولة تحويل التحف من الجزائر إلى الخارج.
توجهنا للمؤسسات التربوية للتحسيس بأهمية الآثار
هل تعتقد أن هذه الدورات تفي بالغرض من أجل التفريق بين ما هو أصلي ومزيف؟
وجب أولا الإشارة إلى أن أعوان الجمارك والدرك يتلقون تكوينا خاصا بهم في هذا المجال، ولكن من حيث التقنيات يبقون بحاجة إلى تكوين، وأظن أن الأيام التكوينية كانت مفيدة جدا، خاصة وأن المتلقين أصبحوا يفرقون مثلا بين الحجارة التي لها قيمة والعادية بالعين المجردة.
تزخر قسنطينة و عدة ولايات شرقية بتحف و آثار ذات قيمة تاريخية، كيف يتم اكتشافها؟
كما تعلمون قسنطينة ومنطقة الشرق الجزائري تزخر بكم هائل من التحف و المواقع الأثرية، و غالبا ما تكتشف صدفة من طرف مواطنين كانوا بصدد القيام بأشغال تهيئة على مستوى سكناتهم أو إنجاز سكنات جديدة، أو من طرف فلاحين كانوا يحرثون أراضيهم.توجد مواقع أثرية لم يتم اكتشافها بعد، كما هو الحال مع التحف التاريخية.
لماذا يتم العثور على غالبية الآثار بعيدا عن المدينة؟
لأن الاستعمار الفرنسي تعمد طمس تاريخ هذه المدينة خصوصا و بلدنا عموما، بعد الاستعانة بعسكريين يرافقون باحثين أثناء إحصاء المواقع الأثرية في قسنطينة، حيث أبرزوا كل ما هو روماني و يرمز لحضارة الروم، وقاموا بطمس كل ما له علاقة بحضارة أخرى.
وجب التأكيد أن فرنسا قامت بإنجاز عمارات لا زالت إلى اليوم، على تراث و مواقع أثرية ترمز لحضارات تعاقبت على الجزائر مثل النوميدية والوندالية وغيرهما، حيث توجد مدن و ممالك أسفل تلك البنايات الفرنسية.
هل لمستم تحلي المواطن بثقافة التبليغ عن اكتشاف التحف والآثار؟
نعم بالتأكيد، أول مكان يقصده المكتشف، هو متحف سيرتا، أين يخطرنا المواطنون بأنهم عثروا على تحفة أو حجارة أو آثار، ونحن بدورنا نوجههم إلى مديرية الثقافة، حتى تتم عملية المعاينة و إعداد البطاقة التنقية للتحفة أو المكان الأثري المكتشف، لنحاول بدورنا حفظ هذه الآثار ثم نصنفها. قمنا بهذا العمل حتى في فترة تفشي كوفيد 19.
أوروبيون مطلعون على محتويات متاحفنا قبل زيارتها
على ذكر فيروس كورونا، كيف تعاملتم مع توقف النشاط الثقافي لمدة طويلة؟
حقيقة كوفيد 19 أثر على كل القطاعات وليس على نشاطنا فقط، ولكن متحف «سيرتا»، ابتكر طريقة تعيد له حيويته أثناء الركود، وذلك بالتقرب من المواطنين، عن طريق تصوير فيديوهات من داخل المتحف ما يسمح للمتلقين بزيارته افتراضيا، إضافة إلى تصوير 33 فيلما قصيرا مدته تتراوح ما بين 5 إلى 10 دقائق، نبثها عبر صفحتنا الرسمية للمتحف، حيث تتناول التعريف بالمورث الثقافي وأهميته.
هل كان التفاعل كبيرا من طرف المتلقين؟
نعم كبيرا جدا، حيث نالت التجربة إعجاب الجمهور، لدرجة تأكدنا أننا كنا مقصرين في الترويج للموروث الثقافي على هذه الصفحات خصوصا وعبر هذا العالم الافتراضي عموما.
بعد أن استأنف العمل الثقافي نشاطه، ما هي البرامج المقدمة من طرف متحف «سيرتا»؟
وصلتنا تعليمة من الوزارة الوصية، تقضي بتكثيف نشاطنا تعويضا عن فترة الركود، حيث باشرنا أعمالا في المتحف وسطرنا برنامجا بالتعريف بالموروث الثقافي، كما حاولنا الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع وخاصة الأطفال والشباب، وعليه قمنا بالتنقل إلى المؤسسات التربوية من أجل التعريف بالحقيبة المتحفية، وخاصة في مناطق الظل أين لا يسع لأطفال هذه المناطق زيارة المتحف بسبب بعد المسافة، على غرار بونوارة ببلدية الخروب وكذا ببلديتي بني حميدان وحامة بوزيان.
كيف وجدتم تفاعل الأطفال؟
وجدنا اهتماما بالغا، كما لجأنا إلى طريقة التشويق ما جعل التلاميذ يطرحون عدة أسئلة تتعلق بمكونات المتحف وما يتوفر عليه من تحف وآثار، إلا أن النقطة السلبية تتمثل في أننا صادفنا أولياء وتلاميذ لا يعلمون معنى كلمة «متحف».
من كلامك يتضح أن المواطن الجزائري يجهل عموما قيمة المتحف وما يحوزه من تراث؟
حقيقة المواطن القسنطيني أو الجزائري عموما، يجهل قيمة المتحف وقيمة ما يحوزه من تراث، ما جعلنا نتوجه نحو المؤسسات التربوية للتحسيس بأهمية وجود متاحف وآثار تؤكد القيمة التاريخية لبلدنا، و التي أعتبرها هويتنا و لا بد من الإطلاع عليها.
جل القطع الأثرية يكتشفها مواطنون وفلاحون بالصدفة
هل بحثتم عن طرق لزرع ثقافة زيارة المتاحف لدى المواطن القسنطيني؟
نعم، قمنا بإنشاء فضاء تحت شعار «الثقافة التشاركية»، وحاولنا إشراك المجتمع المدني في أنشطة المتحف، كما فتحنا فضاءات للرسم والإبداع موجهة للأطفال وخاصة الجمعيات، وطلبنا من الأطفال إعادة رسم أي تحفة نالت إعجابهم، لإشعارهم بأهمية تلك القطع وقيمتها التاريخية.
أنشأنا أيضا ورشات للرسم خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى أخرى موجهة إلى جمعية «التريزوميا» لمدينة قسنطينة، كما فتحنا ورشة خاصة بجمعية الإرشاد والإصلاح، ومستقبلا سنفتتح ورشة أخرى نمس من خلالها الأيتام بعد ربط اتصالات مع جمعية كافل اليتيم، كما وجب التذكير أن متحفنا غطى كل الأنشطة و الأعياد الوطنية مثل أول نوفمبر و مجازر 8 ماي و مظاهرات 11 ديسمبر، و ذلك من أجل التعريف بموروثنا الثقافي والتاريخي.
لاحظنا تواجد عدد كبير من السياح الأجانب بمتحف سيرتا، هل هذا يؤكد اهتمامهم بالتراث الجزائري؟
نعم، سجلنا توافدا لسياح متعددي الجنسيات في الآونة الأخيرة، من ألمانيا و أمريكا اللاتينية و من كل دول العالم، ولكن ما أثار اهتمامي هو معرفة هؤلاء السياح عدة أمور عن التحف والآثار في الجزائر ومكان عرضها سواء في متحف سيرتا أو تيمقاد أو شرشال، سواء فيما يتعلق بقصة التحف أو تاريخ اكتشافها وغيرها من المعلومات الدقيقة، حيث يتم استفسارنا عن مثلا عن خوذة ماسينيسا، وهو ما يجهله للأسف المواطن الجزائري، والذي تنقصه هذه الثقافة، أين وصلنا إلى مرحلة لا يهتم فيها الشاب الجزائري بتاريخه وموروثه الثقافي، ونحن بدورنا نسعى للترويج لتراثنا والتعريف به، حتى نتسلح برصيد معتبر ندافع به عن تاريخنا.
هل تعتقد أن الأجانب يهتمون بتراثنا أكثـر من الجزائريين أنفسهم؟
للأسف، الأوروبيون يهتمون أكثر بثقافتنا وتراثنا، وهو دليل على قيمة موروثنا، فمثلا قسنطينة تعتبر من أقدم المدن الجزائرية وحتى في قارة إفريقيا، وتعاقبت عليها عدة حضارات، كما تقع بها كهوف عجيبة على غرار كهف الدببة و أروي و الحمام، و تتوفر على بقايا إنسان تعايش مع حيوانات منقرضة.
هل زاد عدد السياح بالمتاحف الجزائرية وخاصة «سيرتا» بعد إعادة فتح المجال الجوي؟
نعم، زاد عدد السياح الأجانب منذ إعادة فتح الحدود الجوية، خاصة وأن الأشخاص عبر العالم عانوا كثيرا من الغلق، ومباشرة بعد إعادة فتح المجال الجوي، يتوافد عدد معتبر منهم على مختلف المعالم الأثرية في الجزائر، كما يمكن القول إن الإقبال أكبر مما كان عليه حتى قبل الجائحة، وحتى من طرف المواطنين الجزائريين.
ما أكثـر ما يثير اهتمام السياح الأجانب من تحف؟
على مستوى متحفنا، الأجانب يفضلون معرفة تاريخ المنطقة، إذ يتقدم إلينا سياح من جنسيات ألمانية وصينية ويابانية، بحكم وجود شراكات سياحية بين بلدنا وبقية الدول. لاحظنا اهتماما بالغا منهم بتاريخ منطقة شمال إفريقيا و خاصة الجزائر، وهم يدركون جيدا أن هذه المنطقة عريقة، كما يسألون مثلا عن الأواني التي كان يتناول فيها النوميديون أطباقهم، بمدينة قسنطينة، ويرونها بالعين المجردة، ويخرجون سعيدين لدرجة كبيرة، حتى أنهم عند مغادرتهم يحاولون مكافأة من تكفل بالتعريف بالتراث في المتحف، ماديا، لأنهم يعتبرون هذه الخدمة ذات قيمة عالية، إلا أن عمالنا يرفضون فورا هذه المكافأة.
انفتاح على العروض الافتراضية إثر الجائحة
لاحظنا تواجد بعض الجزائريين بالمتحف وخاصة الشباب منهم
صراحة، وقفنا في الفترة الماضية، على أولياء يصطحبون أبناءهم إلى المتحف ويزورون مختلف أجنحته باهتمام، وهو ما لم نقف عليه سابقا أو في السنوات الماضية. منذ 28 سنة وأنا أعمل في هذا المتحف و لم أشاهد مثل هذا الإقبال، وخاصة في عطل نهاية الأسبوع، كما نقوم بدورنا بتحفيز الأولياء على زيارة المتحف، باعتماد تخفيضات حول أسعار بالنسبة للعائلات التي يكون بها العدد كبيرا، ونطرح مجانية دخول الأطفال فيما يدفع البالغون مبلغا يقدر بـ200 دج، وهي طريقة من أجل التشجيع على مثل هذه الزيارات.
ماذا ينقص المتحف الجزائري، حتى يلقى إقبالا كبيرا من طرف الجزائريين؟
نتمنى مستقبلا من السلطات المحلية والوزارة الوصية، أن تفتح فضاءات أخرى، وأماكن أخرى، من أجل عرض أكبر عدد ممكن من التحف والآثار، خاصة وأن الآلاف منها مخزنة، ولن يتم ذلك إلا بتكاثف جهود الجميع من سلطات بإنجاز أماكن عرض ومن طلبة جامعيين في اختصاص علم الآثار بإنشاء بطاقات تقنية للتحف المخزنة، ما يمكن من التعريف بها إلى الجمهور المهتم، لأن ما تحوزه الجزائر من آثار يدعو للافتخار، فبلدنا كان له تاريخ كبير في وقت كانت أمريكا تبحث عن كتابة تاريخها، وتقوم بسرقة الآثار من دول عربية، وكل هذا من أجل إنشاء متحف يتم خلاله عرض بعض التحف. ح.ب