لمّ شمل العرب في الظروف العالمية الراهنة نجاح للدبلوماسية الجزائرية
يرى المحلل السياسي رابح لعروسي بأن انعقاد القمة العربية في الجزائر ولم شمل العرب في ظل الظروف السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية الراهنة هو نجاح للدبلوماسية الجزائرية التي أصبحت كل دول العالم تكن لها التقدير والاحترام، مضيفا في هذا الحوار الذي خص به النصر بأن انعقاد القمة العربية في الجزائر في ظل هذه الظروف أعطاها مصداقية أكبر، بدليل عدم مقاطعة أي دولة عربية للقمة.
حاوره: نورالدين عراب
النصر: كيف تنظر إلى انعقاد القمة العربية في الجزائر التي تمكنت من جمع شمل العرب في ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية الراهنة؟
لعروسي: انعقدت القمة العربية في الجزائر في ظل ظروف يعرفها الجميع، بحيث يعرف العالم استقطابا كبيرا بين الدول من جهة ، و انقساما حادا نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، كما أفرزت الحرب في أوكرانيا أزمتين حادتين على مستوى العالم ككل وعلى المنطقة العربية على الخصوص، أهمها أزمة الطاقة العالمية، وبالرغم من أن الدول العربية ممكن لا تعيش هذه الأزمة ولها مواردها الطاقوية، لكن أزمة الغذاء العالمي ترتبط مباشرة بإنتاج الحبوب في أوكرانيا، والمنطقة العربية تستورد كميات كبيرة من القمح من هذه الدولة، الأمر الذي أصبح يؤثر على أمنها الغذائي.
ويتضح اليوم للعيان بأن هناك هندسة دولية جديدة تتعلق بخريطة الأقطاب على المستوى الدولي، وهذه الخريطة تمليها التكتلات ذات الطابع السياسي أكثر من الطابع الاقتصادي، لأن اليوم يتضح أن بروز أقطاب تضاهي وتقف مع أو ضد القطب الغربي الذي يهيمن على العالم لمدة أكثر من نصف قرن، واليوم العالم الغربي أصبح عاجزا على تقديم الحلول للأزمات الدولية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية بروز دول تناهض وتضاهي أمريكا لحجمها وثقلها الجيوسياسي والاقتصادي ومنها الصين اليوم القطب الصاعد لوحده وهو رقم صعب في المعادلة الدولية، الأمر الذي أصبح يحتم على المنطقة العربية أو الجسم العربي التكتل أكثر من التكامل لأن اليوم المعنى الحقيقي في التكتل لا في التكامل وذلك حتى يكون قطبا موازيا وله صوت في المحافل الدولية، فاليوم لا مكان للضعفاء في الخريطة التي تتشكل ، فلا يعقل أن تنخرط الدول في مساعي التكتلات الإقليمية ويبقى العالم العربي أو الجسم العربي يتفرج وهو يعرف انقسامات حادة.
وبالتالي انعقاد القمة العربية في الجزائر برمزية التاريخ والمكان، تريد الجزائر من خلالها أن تسمع القادة العرب والعالم أن العالم العربي والوطن العربي يتغير ويمتلك قدرات وإمكانيات تؤهله ليكون قطبا لوحده يضاهي الأقطاب الدولية لاسيما قدراته الطبيعية والمادية وحتى الكادر البشري، وكل هذا يزيد من حتمية الانخراط في المسعى الذي تشتغل عليه الدبلوماسية الجزائرية بمعية الجامعة العربية، وخير دليل على ذلك التوافقات التي حدثت ما بين وزراء الخارجية العرب في ترتيب وتحضير الأوراق والملفات التي يمكن التداول عليها على مستوى القادة.
النصر: كيف يمكن الوصول إلى خلق العمل العربي المشترك الذي تبنّته قمة الجزائر؟
لعروسي: اليوم العمل العربي المشترك ينقصه التجسيد على الأرض، بحيث أن الاتفاقيات الجماعية موجودة و كذلك السوق العربية و الاتحاد الجمركي، لكنها بقيت حبرا على ورق نتيجة غياب إصلاح سياسي حقيقي داخل الجامعة العربية، وهذا الإصلاح ينطلق أساسا من غياب ميثاق أو دستور عربي آليته الحقيقية الإلزام لتجسيد القرارات والمشاريع والاتفاقيات، لذلك يجب إدخال إصلاح حقيقي على الجامعة العربية إذا كانت حقيقة تريد أن تكون للوطن العربي صوتا ومكانة في الأقطاب الدولية ويكون لها سوق عربية حقيقية، ولهذا يجب إقرار مبدأ الإلزام، أي إلزامية تطبيق القرارات وتنفيذها لأن غياب آلية التنفيذ متعلقة بالإلزام والرقابة، الأمر الذي ترك الأقطاب العربية حرة في مدى التعاطي مع الاستجابة مع مخرجات القرارات التي تتخذها القمة العربية، وبالتالي اتخاذ ميثاق إلزامي يلزم الدول العربية الانخراط في هذه الإصلاحات والمشاريع و يجعل الجامعة العربية في موقع قوة، وفي موقع الرقابة وآلية التنفيذ لتنفيذ مخرجات القمة العربية.
النصر: إلى أي مدى يعكس انعقاد القمة العربية في الجزائر في ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية، نجاح الدبلوماسية الجزائرية؟
لعروسي: الدبلوماسية الجزائرية عادت من بعيد إلى الساحة الدولية هذا من جهة، ومن جهة ثانية هذه العودة النشطة والمهارة الراقية التي أصبحت تمارسها الدبلوماسية الجزائرية باتت اليوم محل إشادة دولية حتى من طرف الأمم المتحدة بدليل أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن أشادا بدور الجزائر في مسار المصالحة الموقع في الجزائر الخاص بمالي، وأشادوا بدور الجزائر في إقرار المصالحة التي وقعت ما بين الفرقاء الفلسطينيين، وبالتالي هذه الإشادة التي أصبحت تتمتع بها الجزائر والاحترام الذي تكنه لها الدول ينطلق من مسألتين هامتين، الأولى تتعلق بالمبدأ الثابت للجزائر بعدم التدخل في شؤون الدول، والأمر الثاني بنصرة الجزائر للقضايا العادلة، الأمر الذي جعل الجزائر اليوم تصبح محل ثقة واحترام مما زاد في مصداقية انعقاد القمة العربية في الجزائر، بدليل اليوم ولا دولة عربية واحدة قاطعت القمة العربية، وكل الدول العربية حاضرة في قمة الجزائر مهما كان تمثيلها، وأهم شيء في ذلك التوافق على الأوراق التي وضعت أما القادة العرب للنقاش والإقرار.
ن ع